أعرفه منذ سنوات، لم تغيره الظروف أبداً، بابتسامته اللطيفة وروحه المرحة التي تجبرك على الابتسام رغماً عنك، وتخبرك بأن كل الأمور ستكون بخير، دائماً.

من هم في مثل وضعه يقال عنهم «عمالة وافدة» لكني أسميه «أخ عزيز على قلبي»، ولا يكاد اثنان في مقر العمل يختلفان على محبتهم له. من هم مثله يعيشون ظروفاً صعبة نفسياً ومادياً، في غربة لا نهاية لها عن أهاليهم وأحبتهم سعياً وراء لقمة العيش وطمعاً في حياة كريمة ومستقرة. عالقون في الحياة وباقون على قيد الاشتياق والصبر، مضطرون للعيش بعيداً عن أطفالهم، فلا يرونهم يكبرون أمام أعينهم ولا يحظون بفرصة ضمهم يومياً، بل لن يكون لهم حضور كبير في ذكرياتهم ولن يكونوا قادرين على تربيتهم كما يريدون، ستربيهم الحياة التي أبعدتهم عنهم. وهذه مأساة في حد ذاتها!

قصة الكفاح هذه مكررة بعدد العاملين المغتربين حول العالم، لكن ما يميز «محمد» العامل الذي أعرفه وما تعلمته منه خلال السنوات هو أن الله دائماً معنا وعلينا أن نستشعره في جميع ما نقوم به من عمل. لا تكاد تمر أي محادثة بيننا دون أن يذكر الله ويحمده على جميع نعمه، معلناً يقينه الراسخ بأن الأمور ستكون أفضل يوماً ما، وأن الله ينظر إلى قلب الإنسان وكلما كان نظيفاً نقياً كلما كانت أدعيته مجابة بشكل أسرع وسيجد التسخير من الآخرين حوله.



هذا العامل البنغالي البسيط يملك حكمة شيخ كبير، لذلك دائماً أتركه يتكلم على سجيته، بعربيته المكسّرة الممزوجة ببعض المصطلحات الإنجليزية، وبالرغم من أن الكثير من الجمل تبقى عالقة في الهواء بدون فهم، لكني أستمر في هز رأسي لأن اللغة التي بيننا لغة لا يعرفها الجميع، هي لغة الإحساس، وقليلون من يتقنون هذه اللغة.

محمد بالنسبة لي روح نقية وبريئة جداً وكأن وجهه تذكير دائم لي بأن أحمد الله وأشكره على جميع النعم التي أملكها وأغفل عنها نتيجة انشغالي بنواقص الحياة، فجميعنا نملك حياة يتمناها هؤلاء المساكين.

ورغم بساطة تعليمه، إلا أنني منه تعلمت معنى السعادة الحقيقية، فالسعادة تكمن في صدق التوكل على الله، هذا التوكل الذي لن تناله لو لم يكن قلبك نقياً تجاه الآخرين، كما أنها لن تأتي إلا مع الامتنان الدائم لله وللآخرين. هذا ما علمني إياه الأخ العزيز العامل محمد.