أمل الحربي


الله عز وجل ذكر لنا الشكر وأهميته، وقال «لئن شكرتم لأزيدنكم» دلالة على الوفرة فقط بالشكر لله، وهذا شيء عظيم، الشكر على النعم وهي كثيرة منها نعمة الطعام، والملبس، والسكن، والأمن والأمان، فهناك أناس يفتقدون للمسكن والطعام والأمن والأمان بأوطانهم، ومع ذلك يشكرون الله على النعم الصغيرة التي لديهم. وما جعلني أكتب هذا المقال اليوم هو عامل جزاه الله خيراً كنت أتحدث معه جلب لي حاجياتي فسألته، كم راتبك؟ قال لي: 120 ديناراً. فقلت له: راتبك قليل، هل يكفيك أنت وعائلتك؟ قالي لي بكل بابتسامة: الحمد والشكر لله أنا بخير، تأكل عائلتي بالحلال من راتبي القليل ونحن بنعمة، «شكر الله على راتبه القليل». وقال: أنا أسعى لأطعمهم وربي يرزقني بالشكر والحمد له عز وجل.

حديثه جعلني أقرر كتابة هذا المقال لأهمية الشكر بحياتنا لله ثم للناس، فمثلاً الشكر لعامل أوصل لك ما تحتاجه أو نادل مطعم أحضر لك طعامك، وسائق أوصلك، أو عاملة المنزل، ولأي شخص، فالشكر فيه نعمة كبيرة وهي الحمد لله على النعم التي لديك، وفيه تقدير للإنسان، والشكر له علاقة بالوفرة، فما تشكر الله عليه يزيد الوفرة لديك بكل شيء وبكل ما تتمناه، حتى راتبك الشهري عندما تستلمه قل أشكرك يا الله وقل اللهم بارك لي فيه، فهذا يزيد الوفرة بالمال لأنك شكرت ربك عليه حتى وإن كان قليلاً أو لا يكفي احتياجاتك جميعها، ويجب عدم التذمر من كل شيء أو الراتب القليل، فهو يوفر حاجاتك الضرورية حتى وإن كان قليلاً، فهو رزق من الله، رتبه وجلبه إليك، حتى حصولك على عمل نعمة فهناك أناس لا تجد عملاً وبعضهم لديهم مؤهلات عالية، ولكن هو قدر من الله، فمن لم يجد عملاً سيجده عندما يحين موعده من الله فهو من يقدر ويكتب المواعيد لكل شيء بحياتنا، ودائماً هناك خير بكل شيء يتأخر، فلا تحزن ولكن قل الحمد الله أشكر الله لأنها حكمة من الله تكتشفها في ما بعد، حتى فقدان عمل مرات يكون خيرة من الله لكي يفتح لك باباً يسوق لك الخير والوفرة به، ولكن أيضاً مع السعي للرزق والسعي للحصول على ما تأمل وتتمنى وسيوفقك الله، كذلك ينطبق ذلك على الزواج فهو قسمة ونصيب.

عندما نرى غيرنا ليس لديه أبسط مقومات العيش يجب أن نشكر الله، ولا نقارن أنفسنا بغيرنا وبمن هم أعلى منا، لأن الأرزاق مقسّمة من الله لكل إنسان، فهو الخالق والمدبر والرازق ويعرف حاجة كل إنسان ومتطلباته، حتى عند وفاة إنسان عزيز فهذا قدر من الله ويجب الرضاء به والدعاء للمتوفى وذكر محاسنه والترحُّم عليه.


الله رحيم بعباده، عندما يأخذ شيئاً يرزقك شيئاً مقابلاً له، فلا تدري غداً أو اللحظة القادمة ما سيحدث، فيمكن اللحظة القادمة فيها فرحة قادمة فتفاءلوا بالخير تجدوه ولا تتشاءموا فالتشاؤم يجلب توقف الحال والاكتئاب، والثقة بالله هي مفتاح الرزق والوفرة بكل شيء.

يجب علينا تربية الأطفال منذ نعومة أظفارهم على الشكر والامتنان للآخرين، وحتى داخل الأسرة يجب تنمية الشكر والامتنان لديهم لله ثم للناس وتنمية الاحترام والتقدير لديهم لكي يتعلموا ويكون الطفل والابن شاكراً للآخرين عندما يقدمون له خدمة حتى وإن كانت صغيرة، وتعليمهم وزرع أيضاً تحية السلام لديهم عندما يدخلون المنزل وعندما يقابلون الآخرين، فتحية السلام هي بالأصل لله قبل أن تكون للآخرين وهي تحية الإسلام أيضاً وأمرنا الله بها لأن طاقة تحية السلام تجلب الوفرة والسلام الداخلي داخل الإنسان وخارجياً لدى من يقابلهم بالمدرسة وبالعمل وبالمنزل، فعلموا أبناءكم تحية الإسلام وهي السلام، حتى إنه يؤثر على الجسد لأنه يجلب السلام والطمأنينة والوفرة، فالإنسان بطبعه يسعى للوفرة، ويجب التسليم بما هو مقدّر ومكتوب لنا من الله عز وجل، فنحن نعيش اليوم ولا ندري غداً ماذا سيحدث ولكننا نرجو السلام من الله بحياتنا.

إن الكلمة الطيبة تفتح باب الوفرة أيضاً وتضفي السلام والسكينة والراحة النفسية ومن ثم الراحة الجسدية، فالروح والجسد اثنان لا ينفصلان ويكملان بعضهما، فما يكدر نفسك سيكدر جسدك وصحتك ويتعبك لاحقاً على شكل مرض أو قلق واكتئاب، فالاكتئاب مرتبط بالقلق، وتنعكس الكلمة الطيبة على ذاتك وعلى الآخرين أيضاً وعلى وجهك، فيكون مضيئاً بنور طبيعي من الله، وبالكلمة الطيبة تنال ما تريد من الآخرين لأنك بدأت بالكلمة الطيبة، والابتعاد عن الغضب فرسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام حذّرنا من الغضب لأنه متلفة للجسد والروح و ينشر الحقد والكره، فإذا أردت شيئاً من إنسان فابدأ معه الحديث بكلمة طيبة وابتسامة فسيبادر بخدمتك بطيب خاطر حتى وإن كان بينكما موقف غير سار، الحسد أيضاً هو توقف لنعمة ولكن الغبطة أفضل من الحسد لأن الحسد هو تمني زوال نعم الآخرين والغبطة تمني الحصول على النعمة بدون حسد، ولن يحصل الحاسد على نعمة بل بالعكس سيهدر طاقته بالحسد ومراقبة الآخرين بنعمهم وحياتهم.

فلنكن شاكرين مسالمين متسالمين متفائلين بأن غداً سيكون أجمل بإذن الله وأكثر سلاماً، وأن نعيش بسلام بحياتنا وعدم مراقبة الآخرين بطريقة عيشهم وحياتهم، فمراقبة الآخرين تجلب للمراقب التأخر بحياته وتعباً جسدياً وتعب روحه أيضاً وتأخره بعمله وحياته لأنه أهدر طاقته التي تطور نفسه وذاته بمراقبة وحسد الآخرين، ولن يتقدم بحياته خطوة ولن يطوّر ذاته ونفسه لأنه شغلها بغيره.