ولاء الجمعان



لقد ألهمني كتاب «أساتذة اليأس والنزعة العدمية في الأدب الأوروبي» للمؤلفة نانسي هيوستن لكتابة هذا المقال.. فنجد في طيات الكتاب ما هو مفيدٌ وواقعيّ، كتابٌ جميل يستحق المطالعة والغوص في أعماق نقد الأدب الأوروبي.

أما في المقال هذا، فسأتوجه بحديثي لمن يعتبرون أن الحزن مملكتهم، ويرون من الحزن غموضاً يتخذونه خليلاً، ويجدون فيه ما يثير اهتمامهم، يظنون أنهم ضحية هذا العالم وضحية من حولهم.

قال لاوتسو «إن ما يمكّنني من الإحساس بشقاءٍ عظيم، هو أنني أمتلك جسداً، لو لم أمتلك هذا الجسد، أي شقاءٍ كنت سأشعر به؟».

أولئك الذين يعشقون السواد ويهيمون بالظلمات، يتمنون لو كانت ترافقهم الغيوم السوداء، ألا يجدون في هذا عناءً يفصلهم عن واقعية هذا العالم بما فيه من جمال وسعادة وبشاعة وحزن؟

إن ما يبقينا في هذا العالم هو المزيج الرائع من المشاعر التي نمر بها، إذا لم نشعر بالحزن لم نشعر بطعم السعادة أبداً، فهذا التناقض المفاجئ يأتي بشيء ليكمّل بعضه الآخر، تماماً كالأدوار التي يأخذها الشمس والقمر في تمثيلهما الليل والنهار، أو صفاء الجو بعد يومٍ ممطر.

نحن نؤمن بأن المطر لن يدوم، كما أننا نؤمن أن صفاء الجو لن يدوم، وأنه لا بد من استقرار الأمور حتى بعد بلوغها الذروة التي ترهقنا، فلا داعي لليأس بما أن الله لا ينسى عبداً يُعاني.

لا محالة أن الدنيا دار شقاء، الأمر الذي يتمثّل في قوله تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ»، «سورة البلد، الآية: 4»، ولعل الصبر والشكر هما البطاقتان الرابحتان في هذه المعضلة الدائمة، لذلك علينا أن نأخذ دائماً قسطاً من الراحة لتأمل هذه الحياة كمشاهد من كثب، قال الشاعر الطغرائي:

أُعَلِّــلُ النَّفْسَ بِالآمالِ أَرْقُبُهَا
ماأَضْيَقَ العَيْشَ لَولَا فُسْحَةُ الأَمَلِ
لم أرتضِ العيشَ والأيامُ مقبلةٌ
فكيف أرضى وقد ولَّتْ على عَجَلِ.

وتذكروا دائماً قوله تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»، «سورة البقرة، الآية: 201».