د. سامح بدوي



المدرسة ليست بناء يستهدف تمكين النشء من المعارف والمفاهيم، وشحذ عقولهم بأفكار ومعلومات تتراكم عاماً تلو آخر، المدرسة كيان لبناء الإنسان بصورة تمكنه من التوافق مع نفسه والمحيطين به، مكان يُعد الفرد لمواجهة الحياة بصورة توافقية سليمة من خلال مجموعة القيم والاتجاهات، وهذا ما أشار إليه تالكوت بارسونز (Talcott Parsons) وغيره من علماء الاجتماع، والذين يرون أن للمدرسة وظيفتين أساسيتين هما: التنشئة الاجتماعية، والتصنيف والاختيار، وهذا ببساطة يعني إعداد الطلاب أكاديمياً واجتماعياً، وتصنفهم وفق قدراتهم وإمكاناتهم، وبالتالي توجههم نحو الأدوار والمراكز المناسبة داخل مجتمعاتهم، فهي بذلك آلة للبناء النشء داخل المجتمعات، وعندما تدرك المدارس ذلك تتطور المجتمعات بصورة تنعكس مباشرة على الوعي العلمي والتفوق الطلابي، فثمة علاقة مباشرة بين المدرسة المنضبطة والمتطورة والتفوق والنبوغ الطلابي.

وهذا ما أشارت إليه العديد من الأبحاث العربية والأجنبية، فالبيئة المدرسية سواء الفيزيقية أو التربوية هي عوامل مترابطة تنعكس على أداءات الطلاب، خاصة عندما يكون القائمون عليها من ذوي الخبرات التربوية العريضة والمتمكنة من آليات البحث العلمي والتربوي، عندها تتيح للطلاب المستلزمات والإمكانات التي تمكنهم من التفوق والتعلم بصورة تتوافق مع المستجدات التربوية الآنية والحديثة حول العالم، فلن تتمكن المؤسسات التي غاب عنها هذا الإدراك من تطوير طلابها ودعم تفوقهم، والبحث عن مواهبهم وصقلها، فالمدرسة الفاعلة توظف طرائق تدريسية متطورة حسب أنماط الطلاب وميولهم، وتوفر المعامل والوسائل التدريسية المعينة، والتي ينتجها الطلاب لدعم تعلمهم، كذلك تعمل تلك المدارس على نقل محتوى المنهج نقلاً ذي معنى غير قصري - ببغاوي – فالطرائق الحديثة تعني التخطيط الجيد القائم على توظيف التقنية في قاعة الدرس توظيفاً غير مخل بكلاسيكية التعليم والتعلم، وتدرك أيضاً تلك المؤسسات أهمية الإلمام بالخصائص المعرفية والقدرات العقلية لطلابها لاستغلالها وحسن توظيفها بالصورة المثلى.

كذلك تعمل على توثيق الروابط بين المعلمين والطلاب، وتنتخب المعلمين القادرين على التعامل السوي مع الطلاب وتحقيق تطورهم الشخصي والقيادي، وقد أثبت بعض الدراسات ثمة علاقة قوية بين شخصية المعلم وتفوق الطلاب.

كذلك من مستهدفات المدرسة الفاعلة تقديم الدعم المهني والأكاديمي للمعلمين بصورة دورية وفق مستحدثات العلوم التربوية والاجتماعية، والإلمام بمدى تكوينه وبنائه الوظيفي وسلوكه المهني. وأخيراً إن الإدارة التربوية التي تعتمد إدارة الأهداف طريقاً للإدارة والتطوير تنتج طلاباً نابغين قادرين على عمل طفرات في مجتمعاتهم، وباحثين يسبرون غياهب الجهل والرجعية، وتنتج قادة ملهمين يقودون مجتمعاتهم نحو الرفاهية والحضارة.