إيمان عبدالعزيز



بطبيعة النفس البشرية يكمن فيها شغف التسابق مع الآخرين في مضمار الزمن والالتحاق بركب المتنافسين على الوصول الأسبق في تحقيق التطلعات المرجوة في وقت مبكر.

ومن الفئات المجتمعية الأكثر إلحاحاً على التعجّل في تنفيذ قراراتها هي فئة الشباب، من كلا الجنسين، يودّ كل من الشبان والفتيات بعد إنهاء المرحلة الدراسية سواء المدرسية أو الجامعية، الانخراط العاجل في السلك الوظيفي، ترحيباً بقدوم المرحلة التالية وهي الدخول في القفص الذهبي لتشييد الصرح الأسري العامر بالحياة الزوجية الهانئة.

ونرى أن الشباب في المقابل من العمر يتسارعون إلى قطف ثمار الحياة قبل نضجها في الوقت الملائم، وأكثر ما يشغل تفكير الفتاة على وجه الدقة، هو متى سيعقد قرانها؟ الأمر الذي يضعها في محط المقارنة مع الأخريات خوفاً من فوات القطار، وأن تكون هي العازبة الوحيدة من بين أفراد محيطها.

الزواج سنّة الله في خلقه وحجر الأساس لبناء المجتمع الصالح، ولكي يكتمل الصلاح الاجتماعي لابد من سلامة قوام البنية الأسرية وأركانها المكونة من الزوجين الصالحين والأبناء وهم الضمان الحقيقي لمستقبل العائلة.

فكلما كان التريّث في اختيار الزوج الصالح بالتحري والسؤال عنه والتيقّن من حفاظه على الالتزام بالصلاة والخوف من الله عز وجل، وأيضاً من سمو أخلاقياته وحسن طباعه، ومدى ثقافته وما لديه من مؤهلات أخرى، وأن يكون يتّسم بكل ذلك فعلاً، لكان الزواج هانئاً وموفقاً، وينطبق ذلك بالمثل على الشاب في اختياره للزوجة الصالحة.

ليس من الضروري أن تأتي هذه القِسمة المباركة في مقتبل الحياة العشرينية لكلا الطرفين، ولا حتى بعد تخطي عمر الـ30 سنة فحسب، متى ما يشاؤها الله وإن كانت حتى بعد سن الـ40 لما لها من كل الخيرات المخبئة وما يعلمها سوى المولى سبحانه بحكمته ورحمته.

وما يؤسف له حقاً في هذه الأيام أن بعض الفتيات وأيضاً الشباب، يتسارعون في الاختيار خوفاً من «فوات القطار» وتجنّباً للازدراء الاجتماعي من قِبل الآخرين، ما يصل حال البعض منهم إلى حدّ اللجوء لمَن «توفق راسين بالحلال» وهي الخطابة، ولم تكن وظيفة الخطابة سوى مهنة تجارية تسعى وراءها بعض السيدات اللاتي يكلفن أنفسهن مهمة البحث العشوائي عن شباب وفتيات مع حفظ صورهم الشخصية للتوفيق في ما بينهم بالزواج، وذلك من أجل جني الأموال فقط، من دون التأكد من أخلاقيات الطرفين.

وتسبب ذلك في انهيار الأحوال الأسرية التي انتهى المطاف بها إلى الطلاق المبكر، ومنها الكثير من الحالات الفعلية التي تضررت من تلك التجربة الهادمة، فعلى سبيل المثال من الحياة الواقعية، نجد أن سيدة وقعت في فخ الخداع الناتج عن امتداح الخطابة وإثنائها الكاذب على مواصفات رجل ما، وإذا بظهور حقيقته بعد فوات الأوان، بأن يكون من مدمني المشروبات الكحولية، ولم يعبر طريق المساجد قط، وأيضاً قد يسقط الرجل في ذات الفخ عندما يكون ضحية خداع إطراءات الخطابة لطباع المرأة، وإذا هي في الواقع سليطة اللسان وعديمة الاحترام للزوج وغير مهتمة بأداء واجباتها المنزلية.

إن اللجوء إلى الخطابة بحجة «قبل فوات القطار»، غالباً ما ينتج عنه عواقب وخيمة تُحمّل كلا الطرفين ضرائب نفسية واجتماعية قبل أن تكون مادية، ويكمن السبب الرئيس وراء ذلك هو عدم التيقن من أخلاقيات الرجل والمرأة، ومن ثَمَّ الانجراف نحو إطراءات زائفة تلقيها الخطّابة في سبيل كسب المال من الطرفين فقط.

فعلى من يرغب في تحقيق زواج ناجح، مبنيّ على التفاهم والاتفاق بين كلا الطرفين، يجب أن يُحسن الاختيار في المدخل الرئيس لذلك الزواج، بالتريث والتأني وتحرّي الأهل عن المعلومات الكافية، والتيقّن من حُسن الأخلاقيات، وأيضاً الاستعانة بالله في صلاة الاستخارة، والدعاء بالتوفيق في الحياة الزوجية الهانئة.