أميرة صليبيخ


في أغلب المناسبات التي نجتمع فيها بالآخرين ونرى بصمات الزمن على وجوههم وملامحهم، نقول كنوع من المواساة والمجاملات «الماصخة» بأن العمر مجرّد رقم وأن الشباب شباب الروح. ونكرّر هذه الجُمل المُستهلكة في كل أعياد الميلاد أيضاً وكأنها جزء من عبارات التهنئة والتبريكات، دون أن نتفكر فيها بحق. فما الذي يعنيه أساساً شباب الروح وكيف نصل إليه؟

.

ما جعلني أفكر في هذا الأمر هو حوارٌ دار بيني وبين صديقة حول الطموح والأحلام. كنت أحدّثها بحماس عن أهدافي وضرورة التخطيط للعام الجديد، وكانت تحدثني بانطفاء تام عن اقتراب نهاية العالم، وضرورة الاستعداد للآخرة وانتظار هذا اليوم! شعرتُ بأني أتحدث مع شخص ميت من الداخل. كانت خاوية، مُفرغة من الأحلام والطموح، تحيا بانتظار الموت فقط. أشفقت عليها ووددتُ لو أصفعها حتى تستفيق وتعيش حياتها الحقيقية دون أن تنسى الآخرة طبعاً. فما تفعله في حقيقة الأمر هو إجبار نفسها على الموت البطيء والتخلّي عن الأحلام لأن الموت سيأتي في يوم ما! هنا فقط عرفت أنها مصابة بشيخوخة الروح، بالرغم من أنها تصغرني بأكثر من عشرة أعوام ولم يطل الشيب شعرها مثلي بعد. بعد هذه المحادثة أُصبت ببعض الخيبة والحزن لأيام، لقد نجَحَت في نقل عدواها لي.

.

نحن كمسلمين نعلم منذ لحظة ولادتنا وتواجدنا في هذه الحياة أننا سنغادرها، ولذلك نحيا كأننا سنعيش الدهر بأكمله وعيننا على الآخرة لأنها ختام المحطات، ولكن ذلك لا يعني أن تعيش من أجل أن تموت فقط. فشيخوخة الروح تطال أولئك الذين هجروا أحلامهم مبكّراً، سواء أكان بسبب الخوف من المجتمع أو الأهل أو خوفاً من الفشل وغيرها، أو بسبب إثقال الروح بالهموم والأفكار سلبية، وعندما نتركها ترضخ للألم واليأس دون محاولة للتشبث بالأمل.

.

وتظهر شيخوخة الروح على الملامح. في التجاعيد الذي تنتشر في زوايا الوجه، في الصوت الذي يخلو من البهجة وفي الأحاديث الباهتة التي لا تحمل سوى الخيبات والقهر، وهذا ما يجعلك تفرّ من البعض بسبب طاقة الشيخوخة التي يحملونها بداخلهم والتي يمكن أن يطالك مسٌّ منها.

.

والسر في البقاء شاباً مهماً تقدّم بك العمر-إلى جانب تناول الطعام الصحي والرياضة طبعاً- هو أن تُحافظ على سلامة قلبك من الشحناء والبغضاء والحزن والقلق، وأن تعيش الحياة بقلب مؤمن بأقدار الله ومحبٍّ للحياة وأن تغفر للجميع وأولهم نفسك. لذا لا تدع شيخوخة الروح تنخر قلبك، وتُفسد ما تبقّى من حياتك.