وليد صبري




* الورم المستأصل بطيء التطور ويصيب الغدة اللعابية


* الجراحة أنقذتها من تشوّه دائم والكتلة الورمية نادرة التموضع

* الورم لا يمكن تمييزه بشكل دقيق سريرياً وبالأشعة

* متابعة المريضة بعد جراحة استغرقت 40 دقيقة

* إهمال التدخل الجراحي يحول الأورام إلى خبيثة

* التدخين والوراثة أبرز أسباب الإصابة بالسرطانات

* الفحص المبكر أبرز طرق الوقاية من الأورام الخبيثة

* نقل الخبرات الطبية للكوادر البحرينية الشابة


كشف اختصاصي جراحة الفم والوجه والفكين وزراعة الأسنان، د. محمد قحطان جبر، عن "استئصال ورم نادر من الشفة العلوية عن طريق إجراء عملية جراحية نادرة في الفم، مشيرا إلى أن المريضة في الثلاثين من عمرها، كما أن مكان وجود الورم يعد نادراً، وبالتالي نجاح العملية شكل حماية لها من عدم تأثر مسار حياتها اجتماعياً ومهنياً".

وأضاف في حوار خصّ به "الوطن" أن "المهارة في الجراحة تمثلت في أن الورم كان يأخذ حيزاً كبيراً من سمك الشفة العلوية، حيث تمت عملية الاستئصال بدون حدوث أية مضاعفات للمريضة في فمها، لاسيما وأن الورم نادر التموضع"، موضحاً أن "مدة العملية الجراحية استغرقت نحو 40 دقيقة".

وفي رد على سؤال حول نسبة الإصابة بالورم، أفاد د. قحطان بأن "الإصابة بالأورام عموما تشكل 5% فقط من مجمل الأمراض التي تصيب جسم الإنسان، وأن هذا الورم هو مجرد نوع واحد فقط من أنواع كثيرة من الأورام"، موضحا أن "هذا الورم تحديدا وفي 75 % من حالاته يصيب الغدة اللعابية النكفية التي تتموضع أمام الأذن مباشرة"، مشيراً إلى أن "الندرة في الموضوع أنه أصاب الشفة العلوية، لذلك كانت هناك مجموعة من التحديات أبرزها أن الورم نادر التموضع، بالإضافة إلى أنه أصاب سيدة شابة في الثلاثين من عمرها، ويمتد على أكثر من ثلث الشفة العلوية من حيث الامتداد، ومن حيث السماكة "الثخانة"، فإنه يأخذ كامل سماكة الشفة تقريبا، خاصة وأنه في حال إهمال العلاج الجراحي من الممكن أن يكبر أكثر ويصيب كامل الشفة وربما يتحول إلى ورم خبيث".

وقال إن "الوجه هو مرآة الجمال والروح والمشاعر وأول من تقع عليه أعيننا عندما نلتقي شخصاً ما، ومن خلال تعابيره يمكن أن نتفهم الكثير من دون الكلام، فهو شكلنا وهويتنا، وهو موجود في بطاقتنا وجواز سفرنا وهو ما يثبت شخصيتنا وذاتنا، وهو ذكرياتنا وموجود في كل صورنا، فهل يمكن أن تتخيل أهميته وأهمية وحساسية كل ما يصيبه من أذى وضرر؟ ولعل هذا الموضوع يزداد أهمية وحساسية عند النساء أكثر منه عند الرجال".

وذكر أنه "حيث راجعت المريضة أحد الزملاء الأطباء بشكوى تورم في الشفة العلوية دون معرفة السبب حيث قام بفحصها وكان تشخيصه المبدئي أنها كتلة على هيئة كيس مخاطي أو مصلي وإنها بحاجة إلى استئصال جراحي، بعد ذلك تم تحويل المريضة إليّ، وبعد الفحص السريري تبين أن الآفة ليست كيساً مخاطياً أو مصلياً، الأمر الذي يستدعي المزيد من الاستقصاء قبل أن نقرر ما سنقوم به، لذلك طلبت منها أن تقوم بإجراء استقصاء شعاعي خاص ومعين وفق شروط محددة حيث حولتها إلى مركز أشعة متخصص لإجراء ذلك".

وأوضح د. قحطان أنه "بعد الاطلاع على النتائج وتقرير الأشعة المرفق والذي يشير إلى ورم تم إخبار المريضة بكل تفاصيل الإجراء الجراحي الذي سيتم وبعد موافقتها تم تحديد موعد العملية، وتم إجراء العمل الجراحي تحت التخدير الموضعي، حيث تم العمل بهدوء نظراً لأن الورم كان يمتد على أكثر من ثلث الشفة العلوية ويحتل كامل سماكتها تقريباً، حيث إنه توجد في هذه المنطقة عضلات الشفة والمتداخلة مع عضلات الوجه التعبيرية بالإضافة للأوعية والأعصاب المغذية للشفة، كما أن المريضة شابة وعزباء وفي العقد الثالث من العمر وطبيعة عملها تتطلب اجتماعات وظهور ومقابلة الناس الأمر الذي يعطي أهمية بالغة للناحية الجمالية والوضع النفسي، خاصة وأن هذا الأمر يؤثر سلباً على حياتها وفي تعاملاتها اليومية".

ونوه إلى أنه "كنت حريصاً جداً على الحفاظ على الناحية الجمالية وإجراء الجراحة دون حدوث ندبة لاحقة والتي تحدث غالباً بعد الجراحات لما لها من أثر كبير على الحالة النفسية للمريضة كما أنه من الممكن أن تؤثر في طبيعة عملها".

ولفت إلى أن "الجراحة بدأت من داخل الشفة حيث تم إجراء الشق الجراحي للغشاء المخاطي المبطن للشفة الرقيق جداً، والذي كان مشدوداً ومتوتراً نتيجة ضغط الورم ومن ثَم بدأت عملية تسليخ الورم وفصله عن الأنسجة السليمة المحيطة ولتجنب حدوث أذية للأوعية الدمية والأعصاب والعضلات المحيطة وأيضاً لتجنب انثقاب جلد الشفة الخارجي والذي كان أيضاً رقيقاً جداً نتيجة ضغط حجم الورم".

وقال إنه "بعد الاستئصال الكامل للورم تم إرساله إلى مختبرات خاصة من أجل الفحص النسيجي للتأكد من نوعه وماهيته وهل هو سليم أو خبيث، وللتأكد أيضاً من وجود بقايا أم لا، وهل هناك إجراءات لاحقة يجب عملها كمعالجة شعاعية أو كيماوية، ثم تم إعطاء المريضة الأدوية والتعليمات اللازمة بعد الجراحة مع المتابعة كل بضعة أيام".

وأوضح أن "تقرير الفحص النسيجي كشف أن الورم هو ورم غدي مختلط متعدد الأشكال وأن الورم لا يزال في المرحلة السليمة تماماً ولا يوجد أي تحول لخبيث وأنه تم استئصاله بالكامل حيث تمت متابعة المريضة على مدى شهر للتأكد من عودة شكل وحركة الشفاه طبيعية تماماً".

وذكر أنه "بذلك تم إنقاذ المريضة من أمرين هامين جداً، أولاً من ورم كان من الممكن أن يكبر أكثر ويدمر الشفة بالكامل وأجزاء أخرى مثل الفك والأنف وتشوه دائم طول العمر، وثانياً، عودة المريضة إلى وجهها الطبيعي تماماً دون أي تشوه أو ندبة عمل جراحي، كما تم الحفاظ على الجانب النفسي والجمالي الذي كان غاية في الأهمية".

وفي رد على سؤال حول أسباب الإصابة بالورم، أفاد بأنه "ربما توجد أسباب غير مباشرة مثل، التدخين، والعادات الغذائية غير الصحيحة والعامل الوراثي".

ونوه بأنه "من هنا تبرز أهمية الفحص الدوري عند الطبيب حيث يستطيع اكتشاف المشاكل في بدايتها وتحويلها إلى الاختصاصي المناسب لذلك نأمل من المرضى الكرام عدم تجاهل أو تأخير أي مشكلة صحية يتعرضون لها لأنه كلما كان الاكتشاف مبكراً كانت إمكانيات الشفاء تماماً أعلى، كما أنه لا بدَّ من اختيار الطبيب المتخصص، بالإضافة إلى الاعتناء بنمط الحياة".

وفي رد على سؤال حول الورم بشكل عام ونسبة حدوثه وأسبابه وخطورته، أفاد د. قحطان بأنه "يعتبر هذا الورم من الأورام السليمة التي تصيب الغدد اللعابية، وهو بطيء النمو والتطور لذلك لا يشعر به المريض حتى يبلغ حجما كبيراً، حيث ينشأ من خلايا أقنية الغدد اللعابية، وأكثر ما يصيب الغدة النكافية "الغدة الأكبر حجماً" في غالبية الأحيان 75% من الحالات، ومن ثم الشفة السفلية في المرتبة الثانية، أما أن يصيب الشفة العلوية فهذا نادر الحدوث، كما أن هناك احتمالية للتحول إلى ورم خبيث وهذا الورم لا يمكن تمييزه بشكل دقيق سريريا وحتى بالأشعة، وبالتالي الفحص النسيجي هو الوحيد الذي يحسم الموضوع في تشخيصه".

وشدد د. قحطان على "حرصه على نقل خبراته إلى الكوادر الطبية البحرينية الشابة من خلال تدريبهم وإشراكهم في العمليات الجراحية".