حسن الستري


نشأ بين عائلتين تجاريتين محافظتين

كنت أول خليجي ينال دكتوراه «الاتصالات» في الخليج


والدي شجعني لمواصلة دراستي العليا بالتكفل بدراستي رغم «المنحة»

انضممت لجمعية البحرين الخيرية قبل 40 عاماً

نصيحتي للجيل الجديد: «خدمة الوطن والانتماء له متعة»


شغفه بالفيزياء والكيمياء والرياضيات، دفعه لدراسة الهندسة الكهربائية في المرحلة الجامعية، ليتخرج منها بمرتبة الشرف، وتمنحه جامعة لندن الفرصة لمواصلة دراسته، ليتخرج دكتوراً في هندسة الاتصالات، ويكون بذلك أول خليجي يحصل على هذه الشهادة.

تلك كانت بداية د. توفيق بن عبدالرحمن المؤيد، ولأنه شخصية من عائلة تجارية، وتسلح بالعلم في ذات الوقت، كان له نشاط بارز على أكثر من صعيد، منه تأسيس شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات، وشركة بتلكو، ودانة غاز، وعضوية المجلس الأعلى للشباب والرياضة، واتحاد التنس، وغيرها من المؤسسات.

ويؤكد المؤيد في لقاء مع «الوطن» حول مسيرة حياته، أن الوالد رحمه الله كان رجل عمل، ولم يكن يسمح لنا بإضاعة أوقات الفراغ في أمور لا تفيدنا، حيث كان يصحبنا إلى مكتبه للعمل في مهن بسيطة، موجهاً نصيحة للشباب قائلاً «الانتماء للوطن متعة».

ويقول المؤيد: «كان والدنا يشجعنا على العمل في العطلة الصيفية، ويطلب منا أن نأخذ نصفها راحة، والنصف الثاني للعمل، ولكن بعد التخرج، حثني على العمل خارج الشركة لفترة على اعتبار أن لدي شهادة دكتوراه ومن ثم العودة إلى العمل في مكتبه لاكتساب الخبرة والانتظام في العمل. وللمؤيد مجال آخر يعشقه وهو العمل الخيري، حيث انضم إلى جمعية البحرين الخيرية قبل 40 عاماً، ولا زال يعمل بها، وهي من أمتع الأنشطة إلى نفسه، وهي اليوم من أكبر الجمعيات الخيرية في البحرين، إذ تساعد حوالي 3000 عائلة بالخليج.. وفيما يأتي اللقاء:

بداية، حدثنا عن نشأتك وكيف كانت مرحلة طفولتك؟

- أثمن دعوة صحيفة الوطن لإجراء هذه المقابلة، لتكون فرصة لي لسرد الأيام المتميزة التي عشتها في حياتي.. ولدت في بيت جدي من طرف الأم، الحاج يوسف بن عبدالرحمن فخرو، ولكن تربيتي ونشأتي كلها كانت بفريج الفاضل بالمنامة في بيت جدي، من طرف الأب الحاج خليل إبراهيم المؤيد في ما يعرف آنذاك بالبيت الكبير، عشت فيه مع أعمامي وأبناء عمي فيها.

وكيف كانت التربية آنذاك؟

- أستطيع القول إنني كنت محظوظاً في تلك الفترة، فقد كانت طريقة الأسرتين «أسرة أبي وأسرة أمي» في التربية متشابهة، فالعائلتان كانتا تجاريتين، حيث كانت التربية مبنية على الاحترام، ومبنية على الترابط الأسري، الكل يعيش في مكان واحد، كنا لصيقين بالأخوة والأعمام وأبناء العمومة، نذهب سوياً إلى المدرسة، ونعيش نفس أسلوب الحياة.

ولم تكن التربية شديدة، ولكنها كانت تربية محافظة، إذ كانت العائلتان محافظتين، وإن كانت بيئة المحرق تختلف بعض الشيء عن بيئة المنامة.

حدثنا عن والدك عبدالرحمن المؤيد؟

- الوالد رحمه الله كان رجل عائلة، ورجل عمل، ويكرس وقته للعمل وللعائلة، وكان أكبر إخوته، لذلك كان من مسؤولياته رعاية إخوته والعناية بهم، وكان شديداً من ناحية الدراسة، لم يكن يقبل أن الواحد يتغيب عن دراسته، وكان حريصاً على متابعة دراسة أبنائه، وهو الذي يوقع شهاداتهم.

لم يكن يسمح لنا بإضاعة أوقات الفراغ في أمور لا تفيدنا، كان حريصاً على أخذنا معه للمكتب، عملنا في مهن بسيطة، كإيصال الرسائل، كما كان حريصاً على توجيهنا للعمل التجاري، لذلك امتزج العمل التجاري في دمي منذ الطفولة، مثلما كان هو في دمه، هو مثل من الطفولة.

لننتقل للحديث عن والدتك؟

- لم تكن والدتي تختلف عن والدي في اهتمامها وتشجيع أبنائها على الدراسة، ولكنها كانت مشهورة بالحنان والرقة، كانت ربة بيت بالمعنى المفهوم في ذلك الزمان، هي التي تجمعنا على الوجبات، وتسعى لزيادة أواصر الأخوة فيما بيننا، فقد علمتنا صلة الرحم، وهي كانت أكبر أخوتها، والأخت الكبرى أم ثانية كما تعلم، لذلك ربتنا وربت أخوتها، وتتابع حياتهم مثل ما تتابع حياتنا.

وكيف كانت علاقتك بعمك يوسف المؤيد؟

- عمي كان الأخ الأصغر لوالدي، وقد توفيت والدته وهو صغير، فربته جدتي، لذلك كان قريباً جداً من والدي، وكان يرعاه مثلما كان يرعانا، لذلك انعكس هذا الأمر على علاقته بنا، فقد كان الأقرب لنا، وكان أبناؤه كذلك الأقرب لنا.

في الحقيقة كنت صديقاً لعمي، كان يحب ركوب الخيل، وقد كنت أركب الخيل معه منذ الصغر، وكان محباً لرياضة التنس أيضاً، وهذه الصفة أخذتها منه.

وكيف كانت علاقتك مع خالك علي بن يوسف فخرو؟

- خالي الوجيه علي فخرو كان أصغر أخوالي، وكنا نتعامل مع أخوالي أحمد وعبدالله ومحمد، ولكنه عوض فقدهم جميعاً، كان يصل الجميع، ولم يكن ذلك مقتصراً على عائلته، بل كان يصل البحرين بمختلف مناطقها وطوائفها، كان يعطي الجميع حناناً منقطع النظير.

حدثنا عن دراستك؟

- كما أوضحت لك سابقاً، فقد نشأت بالمنامة في منزل جدي خليل المؤيد، وبالتالي كانت دراستي بالمنامة المرحلتين الابتدائية والثانوية، ويومها لم يكن هناك دراسة إعدادية، ولم تكن المدرسة الثانوية إلا بالمنامة، ولم تكن تشمل البحرين كلها.

وبعد الثانوية، قرر والدي أن يرسلني إلى لندن لإكمال دراستي، شأني في ذلك شأن إخوتي، وهناك انتظمت بالمدرسة الداخلية، وبقيت بها 3 سنوات أتعلم اللغة الإنجليزية، وفي سنة 1967 التحقت بجامعة لندن لدراسة الهندسة الكهربائية.

ولماذا اخترت الهندسة الكهربائية؟

- كان لدي إخوة أكبر مني، اتجهوا إلى لندن، وأنا أردت دراسة تخصص مختلف عنهم لكي لا يكون هناك تكرار.

وهل كان ذلك بتوجيه من والدك؟

- أبداً، لم يكن والدنا يتدخل في اختيار التخصص، كان يوجهنا لطلب العلم، ويقول لنا: «إن اختيار التخصص مسؤوليتك..أما كيف تستغل شهادتك بعد التخرج، فهذا أمر راجع لك».

اخترت الهندسة الكهربائية لأنني كنت متفوقاً في مواد الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وكنت أحب هذه المواد، ومن البديهي أن اختار التخصص الذي يتناسب مع قدراتي وميولي، وتخرجت من الجامعة بمرتبة الشرف الأولى، وكان النظام هناك أن الطالب الذي يحصل على هذه المرتبة يمنح منحة من قبل الجامعة لمواصلة الماجستير والدكتوراه، وبإمكانه اختيار التخصص الذي يريده.

لذلك عدت إلى البحرين، وأبلغت والدي بذلك، فشجعني، وقال لي: «إن المنحة حصلت عليها بتعبك، وأنا مسؤول عن دراستك، لذلك فمبلغ المنحة يخصص لك، وأنا مسؤول عن دفع مصاريف الجامعة ونفقات إقامتك، كان في الحقيقة شيء يثلج الصدر ذاك الوقت، لذلك تحسن وضعي المادي، وتغير نمط حياتي، واستطعت شراء سيارة في ذلك الوقت».

وهل واصلت الدكتوراه في نفس التخصص؟

- لا، بل درست هندسة الاتصالات، لأن الاتصالات كانت تزدهر في ذلك الوقت، وتخرجت من هذا التخصص بتفوق أيضاً في عام 1974، وكنت أول خليجي يحصل على الدكتوراه في مجال الاتصالات.

وكيف كانت بداية مرحلة العمل؟

- كان والدنا يشجعنا على العمل في العطلة الصيفية، يطلب منا أن نأخذ نصفها راحة، والنصف الثاني نعمل فيه، ولكن بعد التخرج، قال لي والدي «لديك شهادة كبيرة، ومن المهم أن تعمل خارج الشركة لفترة، وبعدها تعمل معنا، وكان هذا أسلوبه مع جميع إخوتي، وذلك لاكتساب الخبرة والانتظام، لأنه لو جعلنا نعمل معه مباشرة ونحن عيال النوخذة» ولم نلتزم بالعمل.

واستلمت أكثر من عرض للعمل، ولكن أقرب العروض لتخصصي هو الشركة الإنجليزية التي كانت تدير الاتصالات في البحرين والخليج العربي يومها.

عملت معهم، وترقيت بسرعة بحكم شهادتي، وقد استفادت الشركة مني كثيراً، بدأت معهم مهندساً، ثم فني، فمدير الهندسة، وكان قطاع الاتصالات بالخليج يدار من البحرين، فكنت مسؤولاً عن الاتصالات في أبوظبي وفي دبي، وفي قطر، وعمان، وبعد فترة قصيرة بلغت 3 سنوات، قررت أن أكتفي من العمل الخاص، وأذهب للعمل مع والدي.

ذهبت له، وقلت لي رغبة أعود تاجراً مثلكم، ومثل جدي ومثل العائلة، فقال لي: «هذه الساعة المباركة» أنت تعلمت، ولكن عملنا بالخشب والحديد، وليس بالأشياء التي درستها، لذلك نحن نمولك، وأنت افتح التجارة التي تريدها في مجال تخصصك، فابتدأت بقطاع الأجهزة الكهربائية، كالتلفزيونات والغسالات وغيرها.

وماذا حدث بعد ذلك؟

- أثناء عملي مع والدي، تلقيت اتصالاً من مكتب سمو ولي العهد آنذاك، «جلالة الملك المعظم حالياً»، وذكروا لي أنه يريد التحدث معي باليوم التالي، فذهبت والتقيت جلالته، وكانت تربطني به زمالة الدراسة، وأبلغني أنه أوكلت له مهمة النهوض بالحركة الشبابية في البحرين من قبل سمو الأمير الراحل، وطلب منه تأسيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، واختيار أعضائه، وذكر أنه اختارني ضمنهم، وكنت العضو الوحيد من خارج الحكومة، ووافقت بحماس على ترشيح جلالته، فقد كان والدي يوجهنا إلى الاستجابة لنداء الوطن متى ما طلب منا ذلك، وبقيت في المجلس حوالي 20 سنة.

وكيف تأسست شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات؟

- جاءني اتصال من يوسف الشيراوي الذي كان وزيراً للتنمية والصناعة، وقال لي أريد أن أراك، فمر علي بسيارته وركبت معه، وأبلغني أن سمو الأمير الراحل وسمو رئيس الوزراء الراحل أبلغاه بأن البحرين تعتزم إنشاء مصنع للبتروكيماويات، وقد طلبا منه أن يبلغني بأن مهمة تأسيسها أوكلت لي منذ الصفر.

ذهبت للوالد مساء، وأبلغته بالرسالة، وتبين أن لديه علماً بها، وقال لي: «هذه بلادكم، وهؤلاء ولاة أمركم، وهناك بدأت مرحلة مختلفة من حياتي، وابتعدت قليلاً عن عمل العائلة، وبدأت أركز على تأسيس شركة البتروكيماويات في البحرين، وتم اختياري أن أكون رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في نفس الوقت، وبعدها دخلت الكويت والسعودية كشريك بالشركة.

بدأت في مكتب صغير مكون من غرفتين في بنك البحرين الوطني، وبعدها كبرت الشركة تدريجياً إلى أن أصبحت ترونها بالحالة التي عليها اليوم. والفضل في ذلك لسمو الأمير الراحل وللحكومة، فقد كانا يقدمان الدعم اللازم لي في كل مشكلة تواجهني.

وماذا عن شركة بتلكو؟

- كانت الحكومة تود شراء امتياز الشركة الإنجليزية التي كانت تدير الاتصالات، لذلك اعتزمت تأسيس شركة وطنية للاتصالات، وبحكم تخصصي، تم اختياري بمجلس الإدارة نائباً للرئيس إبراهيم حميدان وزير المواصلات يومها، وقد كنت أكثر من يعرف أمور الشركة وقتها.

لذلك كنت المشرف العام على شركة بتلكو، ودخلت مفاوضات مع الإنجليز، وبحكم عملي معهم، كنت العامل المشترك بين الطرفين، أسسنا الشركة، ووضعنا السياسات، وأخذنا الموظفين الذين لديهم.

أتذكر يومها اقترحت أن يكون مقر الشركة بالهملة، وتم رفض الاقتراح من قبل الشركة الإنجليزية ومن قبل مجلس الإدارة، لأن العمق السكاني كان بالمنامة، ولكنني توجهت لسمو الأمير الراحل وبينت له أهمية افتتاح المقر بالهملة خصوصاً لأن البحرين تتفاوض على بناء جسر يربطها بالسعودية، فاقتنعوا بالفكرة تماماً، هذه كانت فترة انتقال لشركة بتلكو لأن تكبر أضعاف مضاعفة لما وصلت عليه الآن.

وكيف تأسس اتحاد التنس؟

- بحكم عملي بالمجلس الأعلى للشباب والرياضة، طلب مني جلالة الملك المعظم «ولي العهد آنذاك» تأسيس اتحاد التنس، كانت نظرته التركيز على الألعاب الفردية. وكان مقتنعاً فيها.

بدأ العمل، وبدأنا نقنع وزارة التربية والتعليم، لإنشاء ملاعب تنس بالمدارس الجديدة. وكان التركيز على الصغار، وفي غضون 10 سنوات انتشرت لعبة التنس في البحرين.

وماذا عن شركة دانة غاز؟

- كانت هناك فكرة لإنشاء شركة للنفط والغاز في الخليج، وقد نشأت فكرة شركة بين الشارقة تحت رعاية صاحب السمو حاكم الشارقة، وقالوا إنهم يريدونها شركة خليجية، يملكها القطاع الخاص بالكامل، واختاروا من كل بلد أحد التجار، واخترت أنا بحكم خبرتي في مجال البتروكيماويات.

حدثنا عن جمعية البحرين الخيرية؟

- انضممت للجمعية منذ 40 عاماً، ولا زلت أعمل بها، وهي من أمتع الأنشطة إلى نفسي، نساند العوائل الفقيرة والمحتاجة، دخلت عضواً ثم أميناً مالياً، ثم نائباً للرئيس. وهي اليوم من أكبر الجمعيات الخيرية في البحرين، فهي تساعد حوالي 3000 عائلة في دول مجلس التعاون الخليجي.

كم ابناً لديك؟

- لدي 4 أبناء كلهم ذكور، وربيتهم مثل ما رباني والدي، ووجهتهم للدراسة، واستخدمت معهم الشدة ليتفوقوا، وأرسلتهم للدراسة بالخارج، واليوم جميعهم متخرجون ويعملون بوظائف مرموقة، وباتوا قرة عين لي. وأوجه نصيحة للشباب والجيل الجديد وهي أن «خدمة الوطن متعة، والانتماء للوطن متعة».