أيمن شكل

مسيرة النائب ورجل الأعمال أحمد السلوم بدأت مبكرة منذ الطفولة، ورغم أن والده يكره التجارة فإنه أحبها من عشقه للأرقام، واستطاع في المرحلة الجامعية أن يقدم أنجح المشروعات في تلك الفترة "محلات هواتف" "كوفي شوب" وكانت له قصة نجاح كبيرة في شركة مطاحن البحرين في أثناء فترة التدريب، حيث نقلها إلى تحقيق أول ربحية في تاريخها.

- ما هو ترتيبك بين إخوتك؟



والدي له زوجتان وأنا رقم 6 من الزوجة الثانية ورقم 14 من بين 15 هم أبناء صباح السلوم، ويوم وعيت كان إخوتي أكبر مني، فحصلت على اهتمام ورعاية من إخوتي باعتباري الأصغر، وجميعهم كانوا يساعدونني في المدرسة، وينقلون إلي تجاربهم في الدراسة، وهو ما انعكس إيجاباً على تفوقي في جميع المراحل فكنت حاضراً في جميع لوحات الشرف على مستوى البحرين، وبدأ حبي للأرقام منذ طفولتي، ولذلك فضلت تخصص الفيزياء والرياضيات في المرحلة الثانوية، واستطعت الحصول على بعثة لدراسة الهندسة، ومكثت سنة واحدة فيها، لكني قررت تغيير مساري بعد أن لاحظت ميولي متجهة إلى التجارة والاقتصاد، وفي تلك الفترة تم افتتاح قسم يجمع بين الهندسة والتجارة تحت مسمى إدارة نظم المعلومات، فدخلته مباشرة واستطعت إنهاء الدراسة في الوقت المستهدف كمرحلة جامعية، فقد كنت أتجاوز عدد المواد الدراسية المقررة في السنة الواحدة وأضغط على نفسي بزيادة عدد المواد في كل سنة.

- هل واجهت اعتراضاً من العائلة على تغيير التخصص الدراسي؟

كانت والدتي تريد أن أكون طبيباً، مثل بعض إخوتي حيث لدينا 4 طبيبات في العائلة، لكني أقنعتها بأن ميولي ليست طبية، ولم أكن أستطيع إقناعها برغبتي في دراسة إدارة الأعمال، ولذلك توجهت لحل وسط وهو دراسة الهندسة ثم انتقلت بعد ذلك إلى ما كنت أرغب في دراسته وتطلعاتي.

- هل كان لديك نشاط طلابي في المدرسة؟

دخلت في أنشطة متعددة خلال الدراسة، منها الموسيقى والكشافة والنادي الإنجليزي، حتى في المرحلة الابتدائية كنت إما رئيساً للصف وإما أميناً للمكتبة الموجودة في كل صف ومهمتي المحافظة على محتوياتها، ولهذا كان الأساتذة يصقلون في الطلبة آنذاك حس المسؤولية والأمانة وأهمية الكتب والقراءة.

- دائماً ما تحدث مشكلات بين الطلبة والمسؤول عنهم منهم.. هل واجهت هذه المشكلات؟

بالفعل فقد كان أحد الطلبة كثير الحركة ولا يجلس في مقعده، ويحاول أخذ الكتب أو إحداث شغب، لكني استطعت أن أوظف طاقته الزائدة، في إعطائه أوامر بمسح السبورة بين كل حصة وأخرى، وبعد ذلك تم تسخير طاقاته البدنية من قبل المدرسين في الرياضة، وكان لاعب كرة متميزاً أصبحنا نفتخر به ضمن مجموعتنا في المسابقات الرياضية.

- هل كانت لك ميول رياضية؟

كنت أمارس الرياضة باعتبارها مادة دراسية، لكن ميولي منذ الصغر تركزت على القراءة وخاصة مجلة "ماجد" التي عندما نشأت وجدت إخوتي الكبار يقرؤونها، ولأنني كنت أرجع من المدرسة قبلهم، فأتيحت لي الفرصة أن أقرأها وأحل الألغاز التي فيها قبل أن يعودوا، كما كان لدي حصيلة أصدقاء من خارج البحرين تكونت من بريد القراء والمراسلة في المجلة.

ومن ضمن الهوايات الموروثة عن الوالد جمع الطوابع البريدية والعملات النقدية، فقد كان والدي من هواة جمع العملات المعدنية النادرة، وقمت بتطوير الهواية بإضافة العملات الورقية النادرة إلى المجموعة، وكذلك قمت بعمليات تبادل إصدارات لطوابع بين أصدقاء من الكويت وعمان، وظلت تلك الهواية معي حتى المرحلة الإعدادية وإلى أن بدأت تلك الهوايات في الاضمحلال، بعد بدء دخول الكمبيوتر بشاشته السوداء الأولية وتلك كانت المرحلة الثانية من الهوايات، وكيف أقتني جهاز كمبيوتر وكيف أستخدمه.

- ما هو أول مشروع تجاري قمت به؟

في مرحلة الطفولة ظهرت عندي ميول تجارية، وقمت بالفعل بإنشاء برادة خاصة داخل البيت أبيع فيها حلوى ومشروبات وعصائر لإخوتي نظراً إلى عددهم الكبير، وقد تميزت عنهم بأنني كنت الأصغر الذي دائماً ما يخرج مع الوالد ويستطيع شراء الأغراض من البرادة، وعندما كان والدي يشتري أغراض المنزل، كنت أقوم بشراء بضاعتي التي سأبيعها على إخوتي.

وأمسكت دفاتر محاسبية منذ الطفولة، حيث كان إخوتي يشترون مني ويدفعون نهاية الأسبوع بعد أن يحصلوا على مصروفهم، ولذلك كان من اللازم إثبات تلك المشتريات لأنهم كانوا ينكرون مشترياتهم، فقمت بشراء دفتر أزرق لتسجيل المبيعات واسم المشتري وتوقيعه حتى لا يتملص من الدفع، وفي نهاية الأسبوع أتوجه إلى والدي وأراجع معه مشتريات إخوتي لكي يخصم من مصروفهم، وظلت هذه التجارة مستمرة خلال المرحلتين الابتدائية والإعدادية، لكن مع بدء المرحلة الثانوية، قررت تصفية أعمالي وقمت بتوزيع البضائع مجاناً على إخوتي واعتزلت المهنة.

أما عن أول مشروع تجاري فِعلي فكان عام 1998، وفي أثناء دراستي الجامعية حين قمت بفتح محل لبيع الهواتف النقالة وإكسسواراتها، وذلك عندما بدأت تلك الهواتف في الانتشار بين طلبة الجامعة وكانت الإكسسوارات تشهد انتعاشاً بينهم وعليها طلب كبير، كما كنت أوفر هواتف متوسطة السعر للطلبة، فقررت أن أفتح المحل بمنطقة توبلي بالقرب من الجامعة، وكان الأول من نوعه في شارع توبلي، وكنت أتوجه إلى دبي لشراء البضائع نهاية الأسبوع، ولم يكن في ذلك الوقت ما يعرف اليوم بخدمة التوصيل أو العرض الترويجي، لكني استطعت توفير الخدمتين، حيث كنت أقوم بتصوير إكسسوارات الهواتف بكاميرا هاتف، وعرضها على الطلبة ثم أقوم بتجميع طلبيات لليوم التالي وأجلبها معي لأبيعها عليهم، وبذلك وفرت خدمة التوصيل للزبائن، حتى وصلت سمعتي إلى أساتذة الجامعة الذين كانوا يطلبون مني شراء أنواع من الهواتف أو إكسسواراتها.

وأذكر أن محلات الهواتف انتشرت في شارع توبلي بالكامل خلال سنة واحدة فقط بعد أن فتحت، فقمت بإدخال نشاط بيع أرقام الهواتف المميزة التي انتشرت أيضاً في تلك الفترة، وكان لها سوقها وناسها، حتى إن أرقاماً متميزة كان يتجاوز سعرها ثمن الهاتف النقال.

خدمة إضافية كنت أؤديها مجاناً لزملائي وهي شراء الكتب الدراسية غير المتوافرة في البحرين، وذلك عندما كنت أذهب إلى الإمارات، وفي تلك الأثناء لاحظت انتشار ظاهرة أخرى، وهي ذهاب الطلبة للمقاهي للالتقاء والمذاكرة، فقررت أن أفتح مقهى "زيزينيا".

- ألم يؤثر النشاط التجاري خلال الجامعة على دراستك؟

بالعكس فقد كانت الدراسة مرتبطة بالتجارة، وأذكر أن آخر سنة يتم توجيه الطلبة للتدريب العملي في إحدى الشركات، واختاروني للتدريب في شركة البحرين لمطاحن الدقيق، وفي ذاك الوقت كان العمل في الشركة يتم يدوياً بالكامل، ويفكرون في تحويل العمل ليكون آلياً، وهو تخصصي ومشروع كبير في حد ذاته لكن الاستفادة منه كانت كبيرة بالنسبة إلي، وتوجهت إلى قسم المبيعات واكتشفت أن الشركة لا تهدف للربح باعتبار حصولها على دعم من الدولة لتحقيق هدف الأمن الغذائي، لكن كانت هناك منتجات مدعومة وأخرى غير مدعومة، وتلك الأخيرة لا تحقق أي ربح للشركة بسبب عدم وجود برامج تسويق صحيحة لها.

وبدأت العمل على تطوير تلك المنتجات وخاصة أن نظيرها المستورد كان أرخص في السعر ويتمتع بجودة في التعبئة لا توفرها منتجات الشركة، فبدأت بمراجعة تكلفة المنتجات لإعادة تقييم سعرها ثم تغيير شكل العبوة وإتاحة أكثر من حجم، لتصبح ملائمة للسوق وتستطيع المنافسة.

وكنت أتوجه إلى المتاجر وأسأل عن تلك المنتجات ومقترحاتهم لتطوير العبوات كي تنافس المنتج المستورد، وحصلت على خبرة كبيرة، وقدمت المشروع للشركة، وكان من اللازم أن أزيد من الإنتاج بعد أن وفرت أسواق وازداد الطلب، فعرضت على الشركة زيادة إنتاج الطحين المدعوم إلى الضعف؛ حتى نتمكن من زيادة كمية المنتجات الأخرى.

وأيضاً اتفقت مع تاجر يقوم ببيع الطحين للصومال ويأخذ منهم أبقاراً، واستفدت من العقوبات المفروضة على الصومال، بانتهاز الفرصة المتاحة مع تاجر مواشٍ لكي أبيعه أعلافاً لتلك المواشي، وهي إحدى المنتجات غير المستغلة في شركة المطاحن أيضاً.

وعرضت شركة المطاحن علي العمل معهم فبعد أن كانت فترة التدريب شهرين، امتدت سنة وقمت باستبدال وقت الجامعة والتحويل للمسائي حتى أتمكن من مواصلة العمل في الشركة، بالإضافة إلى محل الهواتف الذي كان لا يزال يعمل.

وتطور العمل مع الشركة حيث بدأ بمكافأة 150 ديناراً، ووصل إلى 1500 دينار وسيارة وهاتف، وممثل الشركة في الفعاليات الدولية وكانت السنة الوحيدة للشركة التي استطاعت أن تحقق أرباحاً ولا تعتمد على الدعم الحكومي.

- ما هو أثر غرفة التجارة في حياتك العملية؟

منذ طفولتي وأنا أتابع ما يحدث في غرفة تجارة البحرين، فعلى الرغم من أن والدي لم يكن تاجراً ولا يحب التجارة إنه كان صديقاً مقرباً لرئيس الغرفة في نهاية الثمانينيات علي بن يوسف فخرو، وكنت دائماً ما أرافقه عندما يذهب لمجلسه أو مكتبه في سوق المنامة، ولم يكن يحضر ذلك المجلس أي أطفال سواي، ولذلك كنت أرصد تفاصيل ما يجري بين التجار في ذلك المجلس، وأرى المعاملات التجارية والصفقات التي تتم بالكلمة فيما بينهم، وهي مرحلة مهمة في بناء شخصيتي التجارية، رأيت فيها المعاملات الموثوقة والبسيطة بين التجار، فكانت الأرباح المحصلة بعيداً عن صاحب البضائع يعلم بها ويتم تقاسمها بالعدل، ولذلك كانت هناك بركة في التجارة، ولم تكن الخلافات تصل إلى المحاكم، بل يتم حلها في جلسة أو جلستين بمجلس علي فخرو الذي اعتبره أول مجلس تحكيم عرفي، وقد كانت كلمته ملزمة لأطراف النزاع ويتكفل هو أيضاً بتنفيذ هذا الاتفاق.

واستمرت الكلمة هي الفيصل في المعاملات بين التجار قبل الأوراق ومستندات التسليم وكاميرات المراقبة وكل الوسائل المستخدمة اليوم، فكان التاجر في تلك الفترة ينافس على أن تبقى كلمته محل ثقة، وكانت الشراكة أهم من المنافسة بين التجار، وقانونهم كان النية وهو ما طرح بركة في معاملاتهم نفتقدها اليوم، وكان هذا المجلس مدرسة تجارة وأحسن من أي جامعة اقتصادية، لأنه كان يضع أسس التجارة والمعاملات التجارية.

- ومن أين ورثت حس التاجر؟

ربما من جدي الذي كان يتاجر في المواشي والعقارات والألبان، لكن والدي لم يكن يهوى التجارة، ويفضل العمل الإداري حيث كان مسؤولا في مستشفى السلمانية، ويحب الانضباط وإنهاء أعماله في وقت محدد والعودة إلى المنزل، بينما التجارة تتطلب أن تبقى على اتصال مع الناس طيلة اليوم، وربما تتعرض لخلافات ومشاكل مع الناس قد تصل إلى مركز الشرطة، وهذا الأخير كان يمثل مصيبة كبيرة بالنسبة إلى والدي لو حصل وأن دخله بسبب مشكلة، لذلك كان يرفض فكرة التجارة ولا يحب المخاطرة

- وأين وصلت مشروعاتك الاقتصادية اليوم؟

انتقلت بعد مطعم زيزينيا إلى النشاط العقاري وبدأت بالتداول ثم التشييد، وبناء مجمع الخليج الطبي والتجارة العامة، وأنشأت جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي ضمت مجموعة من الحاضنات لرواد الأعمال، ويعد الهدف الرئيس من الجمعية هو دعم وتنفيذ رؤية البحرين 2030، فيما يخص الجانب الاقتصادي، واستفاد من الحاضنات أكثر من ألف مواطن في جميع المجالات، وأكثر من 450 رائد أعمال ممن تخرجوا ولديهم اليوم مشاريعهم الخاصة.

ويقوم مركز فاروق المؤيد الرئيس الفخري لجمعية تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتقديم الدعم لأصحاب المشروعات المتعثرة من خريجي برامجنا.

ولقد مثلت جمعية تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في أغلب الوفود التجارية برئاسة جلالة الملك، واستفدنا من الخبرات ومنها كانت فكرة الحاضنات في 2017، فأنشأنا أول حاضنة "ألواني" تتسع لـ99 شركة، والثانية "بروسكاي" المختصة في الإعلام والإدارة ومقرها الغرفة وتضم 89 شخصاً، و"بوابة البحرين" التي تختص بالمحاسبين والمحامين وتضم 75 شخصاً، ثم اتجهنا إلى أصعب حاضنة من حيث الترخيص وكأول تجربة في العالم لحاضنة أطباء بسعة 56 طبيباً، وقد ساعدتنا هيئة المهن الطبية برئاسة د. مريم الجلاهمة كثيراً في إطلاقها وتم تخريج 18 عيادة ومركزاً طبياً.

- في 2018 كانت بداية انتخابك عضواً في الغرفة؟

حصلت على دعم وثقة التجار وهو ما كان له أثر كبير رغم الأسماء الكبيرة في هذا الصرح التجاري، لأكون أصغر عضو في الغرفة يومها عندي 39 عاماً، وتختلف الغرفة عن مجلس النواب بأنها مجلس النخب وليس الأفراد، وكل تاجر يعتبر نظيره منافساً له في السوق، وكانت المعادلة هي إقناع التاجر بأن يعطيك صوته دون أن تنافسه.