تستضيف مملكة البحرين بعد غد الخميس الموافق السادس عشر من شهر مايو، أعمال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته الثالثة والثلاثين "قمة البحرين" لأول مرة على أرضها، في حدث تاريخي يعكس مدى اعتزاز مملكة البحرين بعمقها وانتمائها العربي، وحرصها، في ظل قيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، على أن تكون مساهمًا فاعلًا في كل جهد يرمي إلى تعزيز وحدة الصف والموقف العربي، لاسيما وأن المنطقة والعالم تشهد العديد من التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية، والتي تجعل من التضامن العربي خيارًا لا غنى عنه.
وتكتسب "قمة البحرين" أهمية كبيرة في ظل الآمال والتطلعات بأن تكون انطلاقة جديدة لمسيرة العمل العربي المشترك تتناسب وتحديات الوضع الراهن، ولعل ما يزيد من تعاظم التفاؤل بنجاح القمة هو قيادة مملكة البحرين لها، في ظل ما تحظى به المملكة من تقدير واعتزاز عربي واسع النطاق، نظير مواقفها المشرفة وسياستها الخارجية التي تتميز بالاعتدال والتوازن، ودورها الداعم لكل جهد يهدف إلى نشر المحبة والتسامح والتعايش، ويوفر للدول والشعوب مقومات النهضة والازدهار والتنمية المستدامة.
وتنبثق السياسة البحرينية على المستوى العربي من الرؤية الحكيمة لجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، والتي يعبر عنها في كل المواقف، ومنها خطاب جلالته السامي أمام "قمة جدة" في مايو 2023، حيث قال: "لنجدد العزم ولنواصل مسيرة العمل العربي المشترك، بإرادة حرة وتصميم ذاتي وبروح التضامن الجماعي المخلص، كي نؤسس للاستقرار والرخاء والوئام الذي لا بد أن تنعم به شعوبنا، وسبيلنا لتحقيق ذلك، نهج السلام العادل والشامل، وهو نهج لا بديل له، لمعالجة كافة القضايا العالقة لضمان الأمن والاستقرار والمصالح الحيوية لازدهار دول المنطقة، دون استثناء".
وتلك الكلمات السامية أوجزت ما تتبوأه الدائرة العربية من أولوية في نهج مملكة البحرين وسياستها الخارجية، وتلك الأولية لم تأت من فراغ، ولكنها تعبير واضح عن حقائق التاريخ التي تؤكد عروبة مملكة البحرين منذ فجر التاريخ، فالبحرين تمتلك إرثًا حضاريًا يعبر عن هويتها العربية والإسلامية، وعلى امتداد العقود ارتبطت بعلاقات محبة وتواصل مستمرة مع أشقائها من الدول العربية على المستويات كافة.
كما أنه يعكس بعضًا من معطيات الجغرافيا، فمملكة البحرين تقع في قلب الخليج العربي، وشكلت ولا تزال موقعًا مهمًا وحصنًا أبيًا للدفاع عن الأمن القومي العربي من جهة الشرق، وشعبها يمتلك انتماءًا عروبيًا قويًا.
وفي هذا السياق يمكن قراءة وتحليل ملامح سياسية مملكة البحرين الخارجية على المستوى العربي في ضوء عدة مؤشرات، من أبرزها:
أولًا: المشاركات الدائمة لجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه في القمم العربية سواء العادية أو الطارئة، إيمانًا من جلالته بأهمية هذه القمم في تحقيق التقارب والتعاضد العربي، وتوحيد الرؤى بين الأشقاء وتبادل الآراء ووجهات النظر لرسم مسارات الازدهار للشعوب العربية في الحاضر والمستقبل، وهي الأهداف التي يحرص جلالته دائمًا على تضمينها في خطاباته السامية أمام القمم العربية، والتي تحمل في مضامينها اعتزازًا بمسيرة العمل العربي المشترك، ودعوات صادقة لتعزيز اللحمة العربية، وزيادة وتيرة التعاون والتنسيق المشترك، وتغليب المصالح العربية على ما عداها من أهداف، من أجل نهضة الشعوب العربية وتعزيز إسهامها نحو الأمن والاستقرار والتنمية، باعتبارها أولويات لا تقبل التأجيل.
ثانيًا: الزيارات المتتالية التي يقوم بها جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه للدول العربية، والمباحثات التي يجريها مع أشقائه أصحاب الجلالة والسمو والفخامة ملوك وقادة ورؤساء الدول العربية، وكذلك استقبال جلالته لهم في مملكة البحرين على مدار العام، تشكل نهجًا أصيلاً يحرص عليه جلالته بما يعكس رغبة جلالته الأكيدة في تعميق التعاون وتعزيز الحضور الفاعل لمملكة البحرين في محيطها العربي، وهو ذات النهج الذي يحرص عليه أيضًا صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، حيث يحرص سموه على توطيد إسهام مملكة البحرين في العمل العربي المشترك، سواء من خلال الزيارات التي يقوم بها سموه للدول العربية، أو اتفاقيات التعاون التي توقعها الحكومة مع الأشقاء العرب وتشمل كل المجالات.
ثالثًا: الحضور المؤثر لمملكة البحرين في جامعة الدول العربية ومجالسها ومنظماتها المتخصصة عبر العديد من الكفاءات الوطنية التي تقلدت أبرز المناصب الإدارية والفنية داخل الجامعة والبرلمان العربي، وكذلك مشاركتها في اجتماعات المجالس الوزارية العربية واجتماعات المندوبين الدائمين والفعاليات البرلمانية والتشريعية وما تطرحه من أفكار للارتقاء بوتيرة التعاون العربي، إلى جانب ما توليه المملكة من حرص على تقديم مبادرات غايته تطوير وتوثيق العمل العربي المشترك في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والشبابية والرياضية والحقوقية، ومن أهمها مبادرة جلالة الملك المعظم بإنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، ومبادرة جلالته باحتضان مملكة البحرين لمشروع البورصة العربية المشتركة، ومبادرة مركز "دراسات" لتأسيس "مجمع مراكز البحوث العربية للاستدامة والتنمية" بهدف تعزيز دور الابتكار في مجالات التنمية المستدامة، وغيرها، إلى جانب توقيع المملكة وانضمامها لمعظم الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الصادرة عن جامعة الدول العربية، لتكون مملكة البحرين ذات ريادة في تقديم الأفكار التي تخدم المصالح العربية المشتركة.
رابعًا: وقوف مملكة البحرين بقوة ودفاعها عن الحقوق العربية العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وأهمية حلها وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي أقرّها مؤتمر القمة العربية في بيروت في العام 2002، ومن هذا المنطلق فإن المملكة عضو فاعل في لجنة مبادرة السلام العربية منذ تأسيسها، وتقوم بدور محوري في كل الجهود الرامية إلى تحقيق السلام في المنطقة، فضلاً عن إسهاماتها البارزة في جهود مكافحة الإرهاب والقرصنة والجريمة المنظمة، ومبادراتها في تعزيز العمل الاقتصادي العربي المشترك.
خامسًا: استضافة مملكة البحرين لمقرات مجموعة من المنظمات والمؤسسات العربية، ومن بينها الشركة العربية لبناء وإصلاح السفن (أسري)، إلى جانب استضافتها المتميزة على مدار العام لاجتماعات العديد من المجالس والمنظمات العربية المنبثقة من جامعة الدول العربية، ومنها المجلس الوزاري العربي للسياحة ومجلس محافظي صندوق النقد العربي ومنظمة المرأة العربية والبرلمان العربي وغيرها، حيث تحرص المملكة على أن تكون مخرجات ونتائج هذه الاجتماعات ملبية للتطلعات والأهداف العربية في النماء والازدهار والسلام.
إن العمل الدؤوب الذي تقوم به مملكة البحرين من أجل تعزيز التعاون والتضامن بين الدول العربية غايته هو ضمان تحقيق مصالح الدول العربية والحفاظ على مكتسباتها، و"قمة البحرين" تمثل خطوة جديدة نحو دعم المسيرة المباركة للدول العربية خدمة لتطلعات أبنائها وتعزيزًا لأمن واستقرار شعوبها والمنطقة بشكل عام.