شوهدت ثلاث لوحات إعلانية في مدينة إيكاترينبورج الروسية، تشيد بمجموعة "فاجنر" الروسية الخاصة شبه العسكرية. وكُتب على أحدها: "الوطن، الشرف، الدم، الشجاعة. فاجنر".

وثمة صورة أخرى، قال سكان محليون إنها ظهرت للمرة الأولى في ضواحي رابع أكبر مدينة في روسيا، في مطلع يوليو، وتصوّر ثلاثة رجال يرتدون زياً عسكرياً مع عبارة "Wagner2022.org".

اللوحات الإعلانية، المنتشرة في مدن روسية كثيرة، هي جزء من جهود تبذلها "فاجنر" لتجنيد مسلحين للقتال معها في الغزو الروسي لأوكرانيا. كما أنها تعكس تحوّلاً طرأ على المجموعة، منذ غزو أوكرانيا في 24 فبراير، من منظمة مرتزقة سرية يكتنفها الغموض، إلى توسيع علني متزايد للجهود العسكرية الروسية في أوكرانيا، كما أوردت صحيفة "الجارديان" البريطانية.



وقال دينيس كوروتكوف، وهو صحافي سابق في جريدة "نوفايا جازيتا" الروسية يتابع شؤون "فاجنر" منذ فترة طويلة: "يبدو أنهم قرروا أنهم لن يحاولوا إخفاء وجودهم بعد الآن. يدرك الجميع الآن مَن هم".

سوريا وإفريقيا

أُسّست "فاجنر" في عام 2014 لدعم انفصاليين موالين لموسكو في شرق أوكرانيا. وتعتبر الولايات المتحدة ودول أخرى أنها مموّلة من يفجيني بريجوجين، وهو رجل أعمال نافذ مرتبط بشكل وثيق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويخضع لعقوبات غربية، علماً أنه ينفي صلته بالمجموعة.

منذ ذلك الحين، أدت المجموعة دوراً بارزاً في القتال إلى جانب الجيش الروسي، لدعم الرئيس بشار الأسد في سوريا، ورُصدت في دول إفريقية كثيرة، تحظى فيها روسيا بمصالح استراتيجية واقتصادية. كما اتُهمت مرات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.

المجموعة ليست موجودة رسمياً، إذ لا يُعثر على تسجيل شركة أو إقرارات ضريبية أو مخطط تنظيمي لها. كذلك نفت القيادة الروسية العليا، بما في ذلك بوتين، مرات أي صلة بين "فاجنر" والدولة.

الشركات العسكرية الخاصة محظورة رسمياً في روسيا، كما أن الإطار شبه القانوني للمرتزقة الذين يعملون في ظلّها، يعني أيضاً تعرّض أفراد من أسر أعضاء متوفين في "فاجنر" لضغوط في أحيان كثيرة، من أجل إسكاتهم لدى بحثهم عن معلومات عنهم، بحسب الصحيفة.

حملة علاقات عامة

وبدأت "فاجنر" تدريجاً حملة علاقات عامة، مع شركات مرتبطة ببريجوجين تموّل أفلاماً دعائية تمجّد أفعال "مدربين عسكريين" في إفريقيا، ولكن بقي أي ذكر للمجموعة من المحرمات إلى حد كبير في الحيّز العام، وتعرّض صحافيون، مثل كوروتكوف، حققوا في نشاط المجموعة، لمضايقة بسبب عملهم.

لكن الحرب الروسية في أوكرانيا أخرجت المجموعة من طابعها السري. ففي أواخر مارس، زعمت أجهزة الاستخبارات البريطانية أن حوالى ألف مرتزق من "فاجنر" ذهبوا إلى أوكرانيا.

ويُعتقد بأن المجموعة أدت دوراً مركزياً في الاستيلاء على بلدتَي بوباسنا وليسيتشانسك الاستراتيجيتين اللتين دمّرتهما موسكو إلى حد كبير أثناء استيلائها على منطقة لوغانسك شرق أوكرانيا. وأشارت الاستخبارات البريطانية إلى أن "فاجنر" أدت دوراً في الاستيلاء على محطة "فوهليهيرسك" العملاقة لتوليد الكهرباء في شرق أوكرانيا.

"أوركسترا الجيش الروسي"

ومع تزايد دور "فاجنر" في أوكرانيا، تعزّزت صورتها العامة في روسيا أيضاً. ففي مايو، تلقت "فاجنر" ما بدا أنه أول اعتراف بها في وسائل إعلام رسمية، عندما ألمح إليها مراسل، قائلاً إن للجيش الروسي "أوركسترا خاصة به" في أوكرانيا.

يُشار غالباً إلى "فاجنر" باسم "الأوركسترا"، من أنصارها وأعضائها، في إشارة إلى المؤلف الموسيقي الألماني ريتشارد فاجنر. كما أن بعضهم ربط مؤسّسها المزعوم، ديمتري أوتكين، باليمين المتطرف ويُعتقد بأنه أطلق على المجموعة اسم المؤلف الموسيقي المفضل للزعيم النازي أدولف هتلر.

أشارت الاستخبارات البريطانية أيضاً إلى أن بريجوجين، الذي رُصد بشرق أوكرانيا في أبريل الماضي، نال أخيراً لقب "بطل الاتحاد الروسي"، تقديراً لدور المجموعة في الغزو.

في الأسبوع الماضي، تلقت "فاجنر" أبرز تقدير لها حتى الآن، عندما نشرت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا"، الأكثر انتشاراً في روسيا، مادة عن اقتحام المجموعة لمحطة "فوهليهيرسك" على صفحتها الأولى.

حملة توظيف

وتباهت "فاجنر" علناً بتورّطها بالحرب، من خلال رسالة على موقعها الإلكتروني، ورد فيها: "حرّروا بوباسنا بالفعل، انضمّوا إلينا لتحرير دونباس بأكملها! انطلقوا في حملتكم القتالية الأولى مع أساطير الصناعة الحية!".

عندما اتصلت "ذي جارديان" بعنوان البريد الإلكتروني المنشور على موقع "فاجنر"، قال شخص يزعم تمثيل المجموعة إنها أطلقت حملة توظيف بعدما "رأت أن الدعم المقدّم لشركتنا هائل، وأن هناك كثيرين يرغبون في الانضمام" إليها. واستدرك: "لم يتغيّر شيء، لم يكن هناك فاجنر ولن يكون أبداً، إنها مجرد أسطورة. لا يوجد سوى روبن هود يحمي الفقراء المضطهدين من الأثرياء".

يبدو أيضاً أن "فاجنر" أنشأت مراكز توظيف إقليمية في أكثر من 20 مدينة، ونشرت أرقام هواتف المسؤولين عن التجنيد على مواقع التواصل الاجتماعي المرتبطة بالمجموعة.

وتفيد الإعلانات بأن "فاجنر" تقدّم للمسلحين أكثر من 240 ألف روبل (4 آلاف دولار) شهرياً، أي أكثر بمرات من الأجور المعتادة للجنود النظاميين.

اتصلت "الجارديان" بكثيرين من مسؤولي التجنيد الذين نُشرت أرقام هواتفهم، ولم ينكر أيّ منهم ارتباطه بالمجموعة. ولدى سؤال أحدهم عن جهود "فاجنر" لتعبئة مسلحين، أرسل قائمة بالوثائق المطلوبة للانضمام إلى المجموعة، وتضمّنت جواز سفر من أي دولة "ليست الناتو أو أوكرانيا"، إضافة إلى شهادات طبية.

"خفض معايير التجنيد"

يعتبر محللون عسكريون أن اعتماد موسكو على مجموعات مثل "فاجنر"، يُظهر مدى الصعوبات التي يواجهها الجيش الروسي لتحقيق أهدافه في أوكرانيا، إذ خسر ثلث قوته القتالية.

ويبدو أن الحرب في أوكرانيا والفشل العسكري لموسكو، سرّعا تعاون "فاجنر" مع وزارة الدفاع الروسية.

وقال مارات جابيدولين، وهو قائد سابق في المجموعة، لـ"الجارديان" في مقابلة سابقة إن قواته عملت بشكل وثيق مع وزارة الدفاع الروسية، أثناء القتال في سوريا. وأضاف: "حتى قبل النزاع (في أوكرانيا)، كان أقل من 30% من الجنود في فاجنر محترفين حقيقيين. الآن، ستضمّ المجموعة غالباً مجموعة من الهواة".

في السياق ذاته، ورد في إفادة استخباراتية نشرتها وزارة الدفاع البريطانية الأسبوع الماضي: "فاجنر تخفّض معايير التجنيد الخاصة بها، وتوظّف مدانين وأفراداً مدرجين سابقاً على اللائحة السوداء، ممّا قد يؤثر في الفاعلية العسكرية الروسية" خلال غزو أوكرانيا.