القبس + وكالات


من المعتاد في العقود الماضية أن تخمد الاحتجاجات في إيران بعد اندلاعها بأيام، ويتم قمعها من قبل قوات الأمن، مهما كان الثمن، لكن يبدو أن التظاهرات التي ولّدتها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني نوعية، وقد تكسر القاعدة، فقد هدد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي المحتجين، قائلاً إنه لن يسمح بـ «أعمال الشغب» في البلاد.

وما إن وضع قدميه على أرض المطار في طهران، عقب عودته من الولايات المتحدة، للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى هدد المحتجين بمزيد من القمع والقوة: «لن نتسامح مع من يعرض أمن البلاد للخطر».

ولليوم الثامن على التوالي، وعلى الرغم من قمع السلطات، ومقتل 35 شخصاً، وفق الإعلام الرسمي، و50 وفق منظمة «هيومن رايتس إيران»، وقطع الإنترنت، تواصلت الاحتجاجات، اليوم، شملت 133 مدينة، في أكثر من 30 محافظة، في مؤشر واضح على عجز قوى الأمن عن احتوائها.


وبدا في التظاهرات الجديدة تطور مهم حرّك الشارع الإيراني وزاد من حماسه، حيث أحرقت نساء إيرانيات أغطية الرأس، وقامت أخريات بقص شعرهن، في تحرك تردد صداه من نيويورك إلى إسطنبول، ومن بروكسل إلى سنتياغو بتشيلي، دلالة على احتجاجهن على قواعد اللباس الصارمة، التي تفرضها شرطة الأخلاق، التي اعتقلت مهسا، بزعم سوء ارتدائها الحجاب، واقتادتها إلى مركز احتجاز، حيث تعرضت للتعنيف والتعذيب، ففقدت الوعي، وتم إسعافها إلى المستشفى، حيث قضت هناك.

طهران تشتعل

وشهدت طهران أعنف وأكبر احتجاجات منذ عام 1979، وقال إيرانيون إنها حتى أوسع من احتجاجات عام 1979 نفسها.

التظاهرات في العاصمة شملت 22 منطقة، وتحول بعضها إلى مواجهات عنيفة مع الأجهزة الأمنية، وأحرق المحتجون عدداً من مركبات القوات الخاصة، وبعض مراكز الباسيج، وبنك صادرات ودائرة الضرائب.

ورفعت شعارات «الموت للدكتاتور» و«هذا العام عام الدم وعام نهاية حكم خامنئي» و«احذروا من اليوم الذي نحمل فيه السلاح» و«مجتبى خامنئي لن تصبح مرشداً للبلاد».

ودعا النشطاء الإيرانيون أهالي المدن والمناطق المحيطة بطهران إلى التوجه والزحف نحو العاصمة، من أجل السيطرة على المراكز والدوائر الحكومية.

وعلى وقع الاحتجاجات، أغلقت جامعات في العاصمة طهران أبوابها وأعلنت التدريس عن بعد، كما نظمت وقفات لإيرانيين امام سجن إيفين سيئ الصيت.

أذربيجان وكردستان وكيلان

وبعد طهران، كانت مدن محافظة أذربيجان الغربية وإقليم كردستان إيران، هي الأكثر عنفاً، حيث استطاع المحتجون السيطرة بصورة كاملة على مدينة أشنويه ذات الغالبية الكردية، والحدودية مع العراق، وأحرقوا معظم المراكز الأمنية وسيطروا على مداخل ومخارج المدينة وحطموا أبواب سجنها وأخرجوا السجناء.

وشهدت أصفهان وشيراز وتبرير ومشهد وقزوين وهمدان وبندر عباس وجيلان وساري والأحواز وزاهدان وبوكان ومريوان وأرومية احتجاجات ليلية.

كما شهدت محافظة كيلان وعاصمتها رشت أعنف المواجهات. وقال الجنرال عزيز الله مالكي قائد شرطة كيلان إنه تم «اعتقال 739 من مثيري الشغب بينهم 60 امرأة».

وفي انعكاس لخطورة الوضع، اعترف ملكي، بانهيار عناصر هذه القوة الضاربة، قائلاً: «منذ ليال ونحن على حافة السقوط»، وفق مقابلة له مع موقع «غيل خبر».

وأضاف: «ثمة اختلافات بين القادة والجنود في القوات الأم بخصوص طريقة مواجهة الاحتجاجات تسببت في تقدم المحتجين في المحافظة، خاصة في العاصمة رَشت، ولولا إرسال قوات من المحافظات الأخرى لسيطر المحتجون على المحافظة».

إلا أن ملكي أشار إلى أن المحافظات الأخرى تواجه «التحديات نفسها، وقلة العدد في صفوف عناصر الأمن»، واصفا ذلك بالأخطر.

ألقوا السلاح

ورداً على القمع الدموي للاحتجاجات الشعبية، نشرت مجموعة من السينمائيين الإيرانيين بياناً طالبت فيه قوات الأمن بإلقاء بنادقهم، قائلة: «مرة أخرى، نذكّر كل من أصبحوا عملاء للقمع والعنف ضد الناس في الوحدات العسكرية بأن هذه البنادق تم شراؤها بأموال الناس للدفاع عنهم، وليس قتلهم. لا توجهوا البنادق إلى شعب وشباب إيران. عليكم العودة إلى أحضان الوطن».

بدورها، وجّهت مجموعة القرصنة «أنونيموس» تحذيراً شديداً للحكومة الإيرانية: «اليوم سيكون يوماً جميلاً للشعب الإيراني وجحيماً للحكومة الإيرانية».

تظاهرة أربيل

وتظاهر المئات أمام مكتب الأمم المتحدة في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، احتجاجاً على القمع في إيران، رافعين صور مهسا.

وبعد التظاهرة بساعات، قصفت المدفعية الإيرانية مناطق عديدة داخل أراضي إقليم كردستان العراق، وقال الحرس الثوري إنه استهدف تجمعات إرهاببين.

وذكر مدير ناحية سيدكان التابعة لمحافظة أربيل إحسان جلبي أن المدفعية الإيرانية قصفت بساتين «بربزين، كوري سايه، هورني» ومناطق عديدة في محيط ناحية سيدكان.

تسهيلات أميركية

بدورها، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن واشنطن خففت قيود تصدير التكنولوجيا المفروضة على إيران، لتوسيع الوصول إلى خدمات الإنترنت التي قيدتها الحكومة بشدة، وسط حملة لقمع للتظاهرات.

وقال نائب وزير الخزانة والي أدييمو إن الإجراء الجديد سيسمح لشركات التكنولوجيا «بتوسيع نطاق خدمات الإنترنت المتاحة للإيرانيين. بهذه التغييرات نساعد الشعب الإيراني في أن يكون أفضل استعداداً لمواجهة جهود الحكومة في مراقبته والتضييق عليه».

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن واشنطن «ستساعد في ضمان عدم بقاء الشعب الإيراني في عزلة وجهل».

وعقب ذلك قال إيلون ماسك، إنه سيفعل خدمة ستارلينك للإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية في استجابة لتغريدة لوزير الخارجية الأميركي بأن الولايات المتحدة تتخذ إجراءات «لتعزيز حرية الإنترنت والتدفق الحر للمعلومات» للإيرانيين.