بعد أشهر من التردد، تخفف إسرائيل من معارضتها لتقديم مساعدة عسكرية إلى أوكرانيا، لأن الدعم المتزايد الذي تقدمه إيران للغزو الروسي يتطور إلى "تهديد" للأمن الإسرائيلي، بحسب "بلومبرغ".

حدثت نقطة التحول في أواخر الشهر الماضي، عندما تلقى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس مكالمة مطلوبة منذ وقت طويل، من نظيره الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف.



وتعهدت إسرائيل بمساعدة أوكرانيا على تطوير نظام إنذار مبكر، مشابه للنظام الذي يحذر الإسرائيليين من النيران القادمة من قطاع غزة.

كما وافق جانتس على تقييم احتياجات أوكرانيا من أنظمة تحذير الدفاع الجوي، على الرغم من رفض إسرائيل تزويد أوكرانيا بالمورد اللازمة لإسقاط الطائرات دون طيار، والصواريخ القادمة.

في هذا السياق، قال يوسي كوبرفاسر، وهو مسؤول كبير سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: "هذه أسلحة يجب أن نكون مستعدين لمواجهتها، نحن الدولة الوحيدة في العالم التي تعرف كيفية القيام بذلك"، مضيفاً: "أوكرانيا يمكن أن تكون ساحة اختبار لتدابيرنا المضادة".

ورجح كوبرفاسر أنه في الوقت الذي يستعد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو للعودة إلى السلطة بعد فوزه في الانتخابات في 1 نوفمبر، فإن حكومة إسرائيلية بقيادته لن يكون لديها أولويات أمنية مختلفة إلى حد كبير عن الحكومة الحالية.

تطوّر جديد

وفي تطوّر جديد آخر، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 26 أكتوبر الماضي، إن إسرائيل بدأت في تبادل معلومات استخباراتية، مرحباً بما وصفه بـ"اتجاه إيجابي".

وصرح آنذاك للصحافيين: "أنا سعيد أننا بدأنا العمل خلال الأيام القليلة الماضية"، لافتاً إلى معلومات شاركتها إسرائيل، قال إنها أكدت معلومات استخباراتية أوكرانية.

و قال السفير الأوكراني لدى إسرائيل، يفجن كورنيتشوك، في سفارة بلاده في تل أبيب الأسبوع الماضي: " التعاون الإيراني مع روسيا كان بمثابة تحول كبير بالنسبة لنا. كنا نأمل أن تختار إسرائيل أن تكون على الجانب الصحيح من الحرب باعتبارها دولة ديمقراطية. لكن في نهاية المطاف، حدث الأمر لأن نواجه نفس العدو/ عدونا مشترك، وهو إيران".

في المقابل، رفض متحدثون باسم جانتس، ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق على الأمر. ولم ترد وزارة الخارجية الروسية، ووزارة الخارجية في طهران على الفور على طلبات التعليق.

بينما قال مستشار وزير الدفاع الأوكراني يوري ساك، إن أوكرانيا بحاجة إلى المساعدة في أقرب وقت ممكن لمواجهة الأسلحة الإيرانية، مشيراً إلى أنّ ريزنيكوف طلب دعم أنظمة الدفاع الجوي خلال مكالمته مع جانتس.

اُختبرت في المعركة

صعدت روسيا خلال الأسابيع القليلة الماضية هجماتها على أوكرانيا بعد تعرضها لسلسلة انتكاسات في ساحة المعركة في هجومها المستمر منذ 8 أشهر، وشنت هجمات مفاجئة استهدفت تعطيل قطاعات الكهرباء والتدفئة والبنية التحتية الأوكرانية قبل أشهر الشتاء. ويقول مسؤولون أوكرانيون إن 40% من شبكة الكهرباء قد تضرر.

وبالاعتماد بشكل متزايد على طائرات مسيرة إيرانية، بقدر ما تستنزف مخزوناتها من الصواريخ الموجهة بدقة، تهدف هجمات روسيا إلى خلق معاناة كافية للسكان لإقناع كييف للمطالبة بالسلام، كما يقول مسؤولون أوكرانيون.

وتنفي روسيا استخدام معدات إيرانية، وتنفي إيران تزويدها بها.

من جهته، كان المرشد الإيراني علي خامنئي أكثر غموضاً، إذ أقر في خطاب ألقاه الشهر الماضي بأن العالم يساوره قلق إزاء بيع إيران للطائرات دون طيار، وتفاخر بكونها يُنظر إليها على أنها "خطيرة".

تجدر الإشارة إلى أنه عُثر على بقايا طائرات إيرانية دون طيار، التي أعادت روسيا تسميتها "جيران-2" (Geran-2) بعد إسقاطها فوق أوكرانيا.

لماذا تستخدم روسيا مسيرات إيرانية؟

كانت إسرائيل مترددة في المشاركة بشكل أكبر خشية أن استعداء موسكو قد ينطوي على تداعيات أمنية مباشرة في الشرق الأوسط وعلى اليهود الروس.

وتشن إسرائيل ضربات بشكل روتيني على سوريا في المناطق التي تسيطر فيها روسيا على الأجواء الجوية، لمنع إيران من توفير الإمدادات لوكلائها هناك.

ويقدر عدد اليهود الذي يعيشون في روسيا بنحو مليون، والذين تشكل سلامتهم مصدر قلق أيضاً، لا سيما وأن العلاقات الروسية الإسرائيلية في أسوأ حالاتها منذ سنوات.

في يوليو الماضي، أثارت السلطات الروسية قلقاً في إسرائيل، عندما طلبت من محكمة في موسكو تصفية المكاتب المحلية للوكالة اليهودية، التي تساعد اليهود على الهجرة، بسبب انتهاكات مزعومة للقانون الروسي.

تغيير حسابات إسرائيل

لكن الضربات الجماعية على أهداف أوكرانية بطائرات مسيرة إيرانية، والإمداد المتوقع بصواريخ باليستية إيرانية لروسيا غيرت حسابات إسرائيل، في ظل قلق متزايد من أن التجربة الأوكرانية ربما تسمح لإيران بتعزيز قدرتها على مهاجمة مدن إسرائيلية.

وحتى الوقت الراهن، لم تزود إسرائيل أوكرانيا إلا بمساعدات إنسانية ومعدات دفاعية مثل الخوذات والسترات الواقية.

ولفت مسؤولون إسرائيليون سابقون وحاليون إلى أنّه من أجل (إمداد أوكرانيا) بنظام إنذار مبكر يعتمد على تصميمات إسرائيلية، سيتعين استخدام تقنية وبرمجيات رادار خاصة بها. وبيع مثل هذه التقنيات يتطلب تصريح تصدير، وهي عملية معقدة تشمل عدداً من الوزارات، بما في ذلك وزارة الدفاع.

مخاوف من "الانتقام"

وأبلغت روسيا إسرائيل بأنها سترد إذا وصلت منظومة دفاع جوي صاروخي إسرائيلية الصنع أو أي أنظمة اعتراضية أخرى إلى أوكرانيا، سواء بشكل مباشر أو عبر دول ثالثة، وفقاً لشخصين مطلعين على السياسة الروسية.

كما حذر الرئيس الروسي السابق ديميتري ميدفيديف، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، إسرائيل، الشهر الماضي من تزويد أوكرانيا بالسلاح، قائلاً إن مثل هذه الخطوة ستكون "طائشة" و"تدمر" العلاقات بين روسيا وإسرائيل.

وفي مقابلة في تل أبيب، قال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن، التي تضغط من أجل اتخاذ تدابير أقوى لمواجهة إيران: "السؤال الحقيقي هو كيفية القيام بذلك (مساعدة الأوكرانيين) بطريقة لا تستفز الروس".

من جهته، قال اللواء السابق في الجيش الإسرائيلي أمير أفيفي، إن إسرائيل يمكنها توريد معدات مضادة للطائرات المسيرة وللصواريخ لدول أخرى تساعد أوكرانيا، ما يسمح بدوره لتلك الدول الأخرى بتقديم المزيد من (محتويات) ترساناتها إلى كييف.

وأضاف: "على سبيل المثال، إذا قمت ببيعها (الأسلحة) لألمانيا ثم قامت ألمانيا بتوريد مجموعة أخرى من الأسلحة، فهي ليست إسرائيلية، ولا توجد مشكلة".

أسراب مسيرات

وزودت إيران روسيا بطائرات مسيرة طراز "شاهد-136" تستخدم لمرة واحدة تسمى بـ"طائرات دون طيار انتحارية"، والتي يصعب اكتشافها لأنها صغيرة نسبياً وتحلق على ارتفاع منخفض.

وهذه الطائرات التي تم تحديثها مؤخراً باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي التجارية، يمكنها الطيران لساعات قبل الالتحام بهدف. وقالت أوكرانيا إن إيران سلمت 1000 طائرة منها في أغسطس، في إطار خطط لتسليم 2400 في نهاية المطاف.

واستخدمت أيضاً طائرات مسيرة مبنية على تكنولوجيا إيرانية في هجمات على منشآت نفط سعودية، وعلى دولة الإمارات، بالإضافة إلى مهمة استطلاع حاولت ميليشيا حزب الله اللبناني تنفيذها فوق منصة للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط في يوليو، وفقاً للولايات المتحدة وحلفائها. وأسقطت إسرائيل جميع الطائرات المسيرة الثلاث التي كانت تقترب من المنصة.

وتعترض أوكرانيا 70% أو أكثر من الطائرات المسيرة، ولكن عند استخدامها في أسراب، يصبح إسقاطها صعباً إلى حد كبير متزايد. والطائرات التي يجري تصنيعها بتكلفة 20 ألف دولار لكل منها، وفقاً لخبراء دفاع غربيين، غالباً ما تكبد خسائر تبلغ قيمتها أضعاف.

وفي 17 أكتوبر، هاجمت طائرة إيرانية بدون طيار مبنى سكنياً من أربعة طوابق في كييف، مما أسفر عن مصرع خمسة أشخاص.

وأوضح أفيفي أنه بالنسبة لإسرائيل، على الرغم من أن منظومة "القبة الحديدية" لديها سجل جيد في وقف الهجمات الصاروخية قصيرة المدى التي تشنها فصائل فلسطينية، و"حزب الله" اللبناني المتحالف مع إيران، فإن التكتيكات الجماعية الجديدة للطائرات المسيرة التي تستخدمها طهران تمثل "تحدياً غير مسبوق".

ومضى قائلاً: "تخيلوا 100 طائرة دون طيار انتحارية تعبر الحدود الإسرائيلية باتجاه ميناء حيفا. على الرغم من جودة دفاعاتنا الجوية، ستسقط 90 من أصل 100 طائرة، وستصل 10 طائرات. إنه تهديد كبير".

"حرب ظل"

وتحول حرب أوكرانيا إلى "منافسة بالوكالة" بين القدرات الإيرانية والإسرائيلية، أدى إلى توسيع نطاق "صراع الظل" الذي يخوضه البلدان منذ سنوات.

في هذا السياق، قالت دينا إسفندياري، المحللة من مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل "لقد كانت الأسلحة الإيرانية فعالة على الأرض، لأنها تسبب الضرر وهي أيضاً وسيلة رائعة بالنسبة لإيران لتظهر أنها تعمل مع روسيا وليست معزولة".

وقال رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف في مقابلة نُشرت في 28 أكتوبر، إن طهران وافقت على إرسال صواريخ أرض-أرض إلى روسيا، وفي نوفمبر، يمكن استخدام صواريخ "فاتح 110"، و"ذو الفقار"، القادرة على ضرب أهداف على مدى يتراوح بين 300 إلى 700 كيلومتر (180 إلى 420 ميلاً).

ولذلك فإن اعتماد روسيا المتزايد على قدرات عسكرية إيرانية في أوكرانيا يزيد مخاوف إسرائيل من أن طهران قد تسعى في المقابل للحصول على مساعدة روسية في برنامجها النووي. وترفض تل أبيب تأكيدات إيران بأن البرنامج النووي للأغراض السلمية وتقول إنها ستتخذ أي خطوات ضرورية لمنع إيران من حيازة قنبلة نووية.