فيما لا تزال التحقيقات والمحاكمات مستمرة في العراق، حول ما وصف بـ "سرقة القرن"، لا يتوقع العديد من العراقيين أن تصل إلى نتائج مطمئنة، و"رؤوس كبيرة"، بل يتوقع العديد منهم أن تتوقف عند "مسؤولين من الصفوف الدنيا، كما جرت العادة في البلدان التي ينخر الفساد العديد من مؤسساتها.

فبعد أن هزت قضية سرقة ما يقارب مليارين ونصف المليار دولار من عائدات الضرائب، الشارع العراقي، لا تزال العديد من خفاياها غير معلنة.



إلا أن معلومات متطابقة ورسائل ومستندات حكومية تعود لأكتوبر من العام 2021 كشفت جديداً.

فقد تبين أن عملية النهب الضخمة هذه سهلتها أعلى المراجع وبعض الأحزاب الموالية لإيران، التي تتمتع بنفوذ في وزارة المالية والمؤسسات التابعة لها.

شركات وهمية

فيما بدأ التحضير لها في أكتوبر من العام الماضي، بينما كانت البلاد منشغلة بالانتخابات التشريعية، حين رفع التدقيق "رسيماً" بموجب قرار حكومي نيابي، عن عمليات السحب من تلك العائدات.

فسحب 2.5 مليار دولار من الأموال الضريبية من قبل شركات وهمية دون أي إثبات ورقي تقريبًا، وبمساعدة مسؤولين كبار فاسدين، وفقًا لما أظهره تحقيق داخلي من 41 صفحة.

كما بين هذا التقرير أن تلك الأموال المنهوبة غُسلت من خلال شراء العقارات في أكثر الأحياء ثراءً في بغداد.

رجل أعمال نافذ وفصيل إيراني

أما مدبر هذا المخطط فرجل أعمال نافذ، وذو صلات جيدة مع موظفين في لجنة الضرائب، يتمتعون بدعم من فصيل أو منظمة "بدر" المتحالفة مع إيران، بحسب ما أفادت صحيفة "الغارديان" البريطانية.

إلا أن سرقة بهذا الحجم لا شك أنها حصلت أيضاً بعلم مجموعة واسعة من المؤسسات، بما فيها البنك الذي أجاز عمليات السحب (مصرف الرافدين الحكومي)، وهيئة النزاهة والبنك المركزي، وفقًا لوثائق مسربة ومقابلات مع أكثر من عشرات المسؤولين ورجال الأعمال والمصرفيين على اطلاع مفضل على القضية.

وفي هذا السياق، قال عضو سابق في اللجنة المالية بالبرلمان العراقي رفض كغيره الإفصاح عن اسمه، خوفًا من الانتقام، "إنها شبكة كبيرة يقف خلفها سياسيون كبار من كيانات قوية يقودون البلاد".

كما اعتبر أنه "لا يمكن لرؤساء الإدارات سرقة مثل هذه المبالغ بمفردهم".

فيما أفادت المعلومات أن اقتراحاً من الرئيس السابق للجنة المالية في مجلس النواب، هيثم الجبوري، يوصي بإنهاء دور غرفة التدقيق في فحص السحوبات من حسابات هيئة عائدات الضرائب، لوجود "العديد من الشكاوى" حول الإجراءات المطولة، سبق عملية النهب هذه.

علامة إنذار

وتعليقاً، رأى العضو السابق في اللجنة المالية أن اقتراح إلغاء التدقيق كان ينبغي أن يكون بمثابة علامة إنذار للإدارة التي وعدت بمحاربة الفساد، لكن وبدلاً من ذلك، أصدر كل من ديوان المحاسبة ومكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي خطاباً لا يعترض فيهما.

أما تنفيذ السرقة عملياً، فيتوقف بحسب أربعة مصادر داخل وزارة المالية على متواطئين داخل مفوضية الضرائب الذين لديهم سلطة توقيع الشيكات.

وكما زعمت هذه المصادر أن تلك الشبكة أنشأها مدير وزارة المالية السابق ش.م.

ووفقاً لسبعة مصادر أخرى، فإن هذا المدير السابق كان مدعوما من قبل منظمة بدر، المتحالفة مع إيران، والتي تتحكم في التعيينات العليا في لجنتي الضرائب والجمارك.

يشار إلى أن تلك القضية كانت خرجت إلى الإعلام منتصف أكتوبر الماضي فقط، مثيرة جدلاً واسعاً في البلاد الغنية بالنفط، والتي تعاني فسادا مزمناً، يشكل أحد أعقد الملفات في وجه أي حكومة.