الحرة

تؤجج "المظالم الاقتصادية" في إيران الاضطرابات التي أشعلتها وفاة الشابة، مهسا أميني، قبل أكثر من 3 أشهر، وفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست".

وارتفع الاستياء بشكل حاد منذ الربيع الماضي، عندما بدأت التكاليف في الارتفاع وانهارت قيمة العملة مقابل الدولار، مسجلة أدنى مستوياتها القياسية في ديسمبر.

وتجاوز معدل التضخم 48 بالمئة الشهر الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ عام 1995، وفقا للأرقام الحكومية.

بالنسبة للعديد من الأسر، أصبحت المواد الغذائية الأساسية مثل اللحوم والبيض من الكماليات.

وقال سعيد ليلاز الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي المقيم في طهران في مقابلة عبر الهاتف مع الصحيفة الأميركية، إن "أول تأثير لهذا التضخم يكون على معيشة الناس".

وأضاف ان "الحكومة لم تكن قادرة على فعل أي شيء لخفض التضخم حتى الآن بسبب الفساد".

ويقول محللون إن الجمهورية الإسلامية تعاني منذ فترة طويلة من سوء الإدارة الاقتصادية، لكن الوضع ازداد سوءًا بشكل كبير بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي في 2018 وفرض سلسلة من العقوبات القاسية على البلاد.

في أواخر عام 2019، أثار ارتفاع أسعار الوقود احتجاجات واسعة النطاق وقمعًا حكوميًا مميتًا.

كان العديد من الإيرانيين العاديين يأملون في أن تعيد الإدارة الأميركية الجديدة الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات الاقتصادية على البلاد، لكن الاحتجاجات الحالية ورد فعل الدولة القاسي زاد من تعقيد المفاوضات.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، جواد صالحي أصفهاني، "أود أن أقول إن الأمر لم يمت بالكامل".

وتابع: "إذا أراد الجانبان ذلك، فلن يتغير شيء أساسي. ما تغير هو المشهد وهذا المشهد قابل للإصلاح”، في إشارة إلى الانتفاضة الشعبية.

لكن رجال الدين الحاكمين في إيران لم يبدوا أي مؤشر على استعدادهم للنظر في إصلاحات قد تهدئ الاضطرابات، على الرغم من الضغوط الدولية.

"عدم الأمان"

وتشهد إيران منذ 16 سبتمبر احتجاجات إثر وفاة أميني (22 عاما) بعد ثلاثة أيام من توقيفها من جانب شرطة الأخلاق لعدم التزامها بالقواعد الصارمة للباس في الجمهورية الإسلامية.

وقتل المئات، بينهم عشرات من عناصر قوات الأمن، خلال الاحتجاجات التي تخلّلها رفع شعارات مناهضة للسلطات.

كذلك تمّ توقيف الآلاف على هامش التحركات التي يعتبر مسؤولون إيرانيون جزءا كبيرا منها "أعمال شغب" يقف خلفها "أعداء" الجمهورية الإسلامية.

وأوردت "منظمة حقوق الإنسان في إيران" (IHR) ومقرها في أوسلو، أن عدد القتلى منذ بدء الاحتجاجات ارتفع إلى 481 شخصا بينهم 64 قاصرا.

كما نفذت السلطة القضائية أحكام إعدام بحق أربعة أشخاص دينوا باعتداءات على رجال الأمن على هامش الاحتجاجات التي طالت مختلف أنحاء البلاد وتقترب من إتمام شهرها الرابع.

ومع زيادة القمع، يكافح المواطنون الإيرانيون لتغطية نفقاتهم، حيث يواجهون ظروفا معيشية صعبة.

وقال شاب في طهران يعمل كسائق لصالح "Snapp"، وهو تطبيق إيراني شهير مرادف لتطبيق "أوبر"، إن الأعمال التجارية تراجعت بشكل حاد منذ بدء الاحتجاجات؛ لأن الحكومة فرضت قيودًا على الوصول إلى الإنترنت لمنع المتظاهرين من الاتصال وتحميل مقاطع الفيديو والصور.

وأضاف الشاب: "عندما انقطع الإنترنت ولم يكن هناك إمكانية للوصول إلى التطبيقات، انخفض الدخل بشكل كبير. الوضع لم يتحسن على الأقل بالنسبة لي".

وقال إن شركته تعرضت لضربة إضافية؛ لأن بعض المتظاهرين توقفوا عن استخدام خدمات سيارات الأجرة، للاشتباه في أن السائقين كانوا يبلغون الأجهزة الأمنية عنهم.

وقال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إن "القمع مكلف"، مردفا: أن الحكومة " أصابت نفسها بإغلاق الإنترنت مما دفع مئات الآلاف إلى الخروج من سوق العمل".

وتعرضت مناطق الأقليات العرقية في إيران مثل المنطقة الكردية في الغرب ومنطقة البلوش بالجنوب الشرقي، بشكل أكبر.

في الماضي، كانت شيمان البالغة من العمر 37 عامًا من مهاباد في المنطقة الكردية، تعمل في المبيعات مما سمح لها بدفع تكاليف الرعاية الصحية والملابس الخاصة بها حتى أنها تنفق على دروس الموسيقى وعضويتها في حمام للسباحة.

لكن الآن ليس لديها دخل ثابت وفقدت تأمينها الصحي، حيث تعتمد على أسرتها في الغذاء على الرغم من أن التضخم يعني أنهم لا يستطيعون تحمل سوى جزء بسيط من اللحوم والأسماك والفاكهة التي كانت متوفرة في منزلهم سابقا.

وقالت إن الأمر مزعج أكثر؛ لأن المنطقة الكردية غنية بالأراضي الزراعية، لكنها عانت سنوات من التمييز وسحب الاستثمار.

وأردفت: "لدي شعور بعدم الأمان والقلق العميق والغضب. ليس لدي أمل في المستقبل". وأشارت إلى أن "أحد الأسباب الرئيسية للاحتجاجات هو هذه المشاكل الاقتصادية".