مع دخول الحرب في غزة مرحلتها الثانية، لجأ المسؤولون الإسرائيليون إلى النبش في التاريخ بحثا عن تبرير قتل الآلاف من المدنيين.

فتحت ضغط الصحفيين الأجانب بشأن مقتل المدنيين في غزة، خلال مؤتمر صحفي يوم الإثنين، استحضر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، غارة جوية بريطانية قبل حوالي 80 عاما أدت إلى مقتل أطفال.



نتنياهو كان يشير في حديثه، إلى حادثة قصف القوات الجوية الملكية لأحد المقرات في كوبنهاجن، عام 1944، والذي أدى بـ"الخطأ" إلى استهداف مستشفى للأطفال، بدلا من مقر الجستابو (الشرطة السرية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية) ما أسفر عن مقتل عشرات الأطفال.

وعن تلك الحادثة، قال نتنياهو "هذه ليست جريمة حرب. وهذا ليس بالأمر الذي يمكن أن نلوم بريطانيا على فعله. لقد كان ذلك عملا حربيا مشروعا له عواقب مأساوية تصاحب مثل هذه الأعمال المشروعة".

ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في أعقاب هجوم حماس المباغت، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يتحدث المسؤولون عن قياسات ومقارنات تاريخية في هذا الصراع، سواء الصراعات الإسرائيلية الفلسطينية، أو الهجمات التي وقعت في سبتمبر/أيلول عام 2001 على الولايات المتحدة والتي أشعلت شرارة "الحرب على الإرهاب" فحسب، بل ذكروا أيضا واحدة من أكثر الصراعات تدميرا في التاريخ، وهي الحرب العالمية الثانية.

وأثار مقتل الآلاف من الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على غزة، إدانات واسعة النطاق، ودعوات لحماية المدنيين.

وفي 17 أكتوبر، أعلنت وزارة الصحة في غزة، مقتل قرابة 300 شخص، في قصف قالت إنه إسرائيلي استهدف مستشفى "المعمداني"، وهو ما أثار موجة واسعة النطاق من الإدانات.

لكن إسرائيل نفت المسؤولية عن ذلك القصف، وحمّلته لصاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي، وهو ما نفته أيضا الأخيرة.

وفي المؤتمر الصحفي نفسه، وفض نتنياهو الدعوات إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتي أطلقها قادة دول ومؤسسات حقوقية ودولية، تزامنا مع تفاقم الوضع الإنساني في القطاع المحاصر، ومقتل أكثر من 8 آلاف شخص، أغلبهم من الأطفال والنساء.

وقد أدلى ساسة إسرائيليون آخرون بنقاط خطابية مماثلة، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" هذا الأسبوع، حيث أشار البعض كما ورد إلى "كيف لجأت الولايات المتحدة والقوى المتحالفة الأخرى إلى القصف المدمر على ألمانيا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية - بما في ذلك إسقاط الرأسين الحربيين الذريين على هيروشيما وناجازاكي - في محاولة لهزيمة هذين البلدين".

كما أن السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان وموظفيه في نيويورك، ارتدوا نجوما صفراء خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، يوم الإثنين.

كان ذلك رمزا واضحا آخر من نفس الحقبة، إذ أجبرت ألمانيا النازية اليهود في ألمانيا وبعض البلدان على ارتداء نجوم مماثلة في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية.

مخاطر

وفي هذا الصدد، تقول صحيفة "واشنطن بوست" إن النظر إلى التاريخ بحثا عن مبررات في صراع العصر الحديث قد يكون محفوفا بالمخاطر.

وأضافت "لقد أخطأ نتنياهو في التعبير عندما قال إن سلاح الجو الملكي قصف مستشفى للأطفال في عام 1944. والمثال أكثر تعقيدا مما يسمح به خطابه".

فأحداث 21 مارس/أذار، وقعت عندما استهدفت غارة جوية بريطانية عن طريق الخطأ مدرسة فرنسية في كوبنهاجن، مما أسفر عن وقوع قتلى بينهم 87 طفلا، في واقعة لم تنس حتى اليوم.

وفي عام 2011، تم إحياء ذكرى هذا الحدث في فيلم يُعرض الآن على نتفليكس بعنوان "القصف"، وأثار قدرا كبيرا من الجدل وتجدد المعاناة.

وحتى يومنا هذا، لا تزال المناقشات تدور حول الضرورة العسكرية للغارة الجوية على موقع الجستابو في كوبنهاجن، نظرا للخسائر البشرية الفادحة بين المدنيين وحتمية هزيمة ألمانيا في تلك المرحلة المتأخرة.

ووفق ما ذكرته "واشنطن بوست"، كان سلاح الجو الملكي البريطاني قد رفض في البداية طلب ضرب موقع الشرطة السرية، الذي تقدمت به المقاومة الدنماركية لتحرير السجناء وتدمير الوثائق التي تم الاستيلاء عليها، وذلك على وجه التحديد لأنه كان في منطقة كثيفة مليئة بالمدنيين.

ولكن عندما تحطمت طائرة موسكيتو تابعة لسلاح الجو الملكي تحلق على ارتفاع منخفض بالقرب من المدرسة، فسر طيارون آخرون الحريق الناتج على أنه هدفهم.

غير أن طائرات أخرى أصابت الهدف المخطط له، ويقال إن الضربات على موقع الجستابو سمحت لـ 18 من مقاتلي المقاومة المسجونين بالفرار، على الرغم من وفاة آخرين.