وكالات


عشية الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر 2001، يحوم شبح تنظيم "القاعدة" مجدداً في الولايات المتحدة، ذلك لأن استعادة حركة "طالبان" سيطرتها على أفغانستان، أحيت مخاوف من عودة التنظيم إلى هناك.

وعلى الرغم من أن تنظيم القاعدة شهد تحوّلات كثيرة في العقدين الماضيين، لكن بقيت له مكانته بالنسبة إلى بعض التيارات المتشددة وأنصارها.

مخاوف متجددة


لم يكتم مسؤولون أميركيون مخاوفهم من "القاعدة"، على الرغم من إصرار "طالبان" على نفي عودة التنظيم إلى أفغانستان، وتأكيدها التزامها باتفاق السلام الذي أبرمته مع إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، في الدوحة في فبراير 2020، والذي تتعهد فيه بالامتناع عن تأمين ملاذ لتنظيمات إرهابية، بما في ذلك "القاعدة".

ولا بد من التذكير هنا، بأن الحركة أمّنت ملاذاً للتنظيم، أثناء حكمها لأفغانستان بين عامي 1996 و2001، قبل أن يطيح الغزو الأميركي بحكمها، بعدما رفضت تسليم قادة "القاعدة" إثر هجمات 11 سبتمبر.

وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، قال إن "المجتمع (الدولي) بأسره يراقب ليرى ما سيحدث ومدى قدرة تنظيم القاعدة على تجديد نفسه في أفغانستان". ورأى أن "القاعدة وداعش سيحاولان دوماً إيجاد مساحة للنموّ والتجدّد.. سواء كان في الصومال، أو في أي مكان آخر غير خاضع للحكم". وزاد: "لقد أبلغنا طالبان بأننا نتوقّع منهم ألا يسمحوا بذلك".

تجدر الإشارة هنا، إلى أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، وفي سياق تبريره قرار سحب قوات بلاده من أفغانستان، تساءل عن "الفائدة" التي ستجنيها واشنطن من أفغانستان في هذه المرحلة، بعد رحيل القاعدة.

سؤال بايدن، سرعان ما لاقى أجابة من وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن،الذي أوضح أن "الرئيس" كان يشير إلى قدرة "القاعدة" على تنفيذ هجوم آخر، مشابه لاعتداءات 11 سبتمبر، مقرّاً بأن "بقايا" التنظيم لا تزال موجودة في أفغانستان.

بدوره، اعترف الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيربي، بأن تنظيم القاعدة لا يزال موجوداً في أفغانستان، لافتاً في الوقت ذاته إلى "صعوبة تحديد حجمه".

"روابط عائلية"

أفغانياً، أصر الناطق باسم "طالبان"، محمد نعيم، على أن العلاقات مقطوعة بين الحركة و"القاعدة"، مشدداً على أن التنظيم "ليس موجوداً في أفغانستان". لكنه لم ينف أنه قد تكون هناك "روابط عائلية" بين أعضاء الجماعتين.

وإذ سعى نعيم إلى تبديد أي قلق أميركي في هذا الصدد، إلا أن "القاعدة" لم يخفِ رغبته في العمل مجدداً من أفغانستان. ونقلت شبكة "سي إن إن" عن ناشطَين في التنظيم قولهما: "الولايات المتحدة ليست مشكلة بالنسبة إلى أشقائنا الأفغان، لكن الأميركيين هُزموا، نتيجة التضحيات في الحرب الأفغانية".

وشددا على أن "الحرب على الولايات المتحدة ستستمرّ على كل الجبهات الأخرى، إن لم يُطردوا من بقية العالم الإسلامي". وتابعا: "بفضل حماية الأفغان لرفاق السلاح، عمِلت جبهات جهادية كثيرة بنجاح في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي لفترة طويلة". وأشار الناشطان إلى علاقات للتنظيم مع حركة "طالبان باكستان" أيضاً.

هذه التصريحات، تكاد تؤكد تقريراً نشرته الأمم المتحدة في يونيو الماضي، ورد فيه أن "طالبان والقاعدة لا يزالان متحالفين بشكل وثيق، ولا يُظهران أي مؤشر على قطع علاقاتهما". وكشف التقرير أن تنظيم القاعدة موجود في 15 مقاطعة أفغانية على الأقلّ، مشيراً إلى أن التنظيم "يحافظ على اتصال مع طالبان، لكنه قلّل الاتصالات العلنية مع قيادتها، في محاولة لتجنّب لفت الانتباه وعدم تعريض الموقف الدبلوماسي لطالبان للخطر، إزاء اتفاق الدوحة". ولفت التقرير إلى "صداقة، وتاريخ في النضال المشترك، وتعاطف أيديولوجي" بين الجانبين.

"هيكل قيادي مختلف"

وإذا كان "القاعدة" شغل الرأي العام العالمي، لا سيّما في السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر، فإن حضور التنظيم وأسلوب عمله شهدا تبدّلاً.

وبعد عقدٍ على مصرع مؤسّس التنظيم، أسامة بن لادن، في عملية نفذتها قوات أميركية خاصة في باكستان، "لم يعُد القاعدة يشبه كثيراً شبكة الإرهاب التي ضربت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001، لكنه لا يزال يشكّل تهديداً، ولو في ظلّ هيكل قيادي مختلف تماماً"، كما أفادت وكالة "فرانس برس".

وأضافت الوكالة أن المصري أيمن الظواهري، الذي خلف بن لادن في زعامة "القاعدة"، هو "منظّر يفتقر إلى جاذبية"، مرجّحة أن يكون متخفياً على الحدود الأفغانية - الباكستانية، في ظلّ تكهنات بوفاته.

وتابعت الوكالة أن التنظيم "تحوّل الآن إلى شيء مختلف تماماً"، ونقلت عن باراك مندلسون، وهو خبير في شؤون الإرهاب في "كلية هافرفورد" في ولاية بنسلفانيا، قوله إن التنظيم "هو ظلّ لما كان عليه"، معتبراً أن "أكبر نجاح للظواهري يتمثّل في إبقاء القاعدة على قيد الحياة". ورأى أن قيادة التنظيم باتت الآن أقرب إلى "مجلس مستشارين"، يجمع "جهاديين" في كل أنحاء العالم ويساعدهم.

وذكرت الوكالة أن تقريراً أعدّه "مشروع مكافحة التطرف"، وهو معهد أبحاث، أفاد بأن "القاعدة بات لامركزياً بشكل متزايد، بإشراف الظواهري، إذ أصبحت السلطة بشكل أساسي في أيدي القادة المنتسبين" للتنظيم. وأضاف أن الظواهري أدى دوراً أساسياً في إعادة تنظيم جماعات متشددة كثيرة، تحت مظلّة "القاعدة".

"لامركزية وحكم ذاتي"

مجلة "بوليتيكو" الأميركية أوردت أن "القاعدة لطالما أظهر أنه يفكّر على امتداد عقود، وليس سنوات". وأشارت إلى أنه "بعد انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، حوّل التنظيم تركيزه من الطموحات العالمية إلى أجندة أكثر محلية، مستهدفاً مُن يُسمّون (طغاة) في العالم الإسلامي، بدلاً من الغرب. وبقيادة أيمن الظواهري، شددت الجماعة على اللامركزية ومنح حكم ذاتي لجماعات تابعة لها، في الصومال واليمن وسوريا".

وتابعت: "مع بروز داعش، تعرّض القاعدة لتهديد خطر. لكن الجماعة قاومت بحكمة، تبديد الكثير من الطاقة على التنافس مع خصومها الجهاديين الجدد، وبدلاً من ذلك واصلت تعزيز جذورها محلياً، فيما نفّذ داعش هجمات عابرة للدول، على أهداف غربية".

وذكرت المجلة أن "القاعدة يشير الآن إلى نصر طالبان بوصفه دليلاً على مفهوم الجماعات الجهادية بأن النهج التدريجي يمكن أن يكون فعالاً، مع الأخذ في الاعتبار الوقت، والتأكيد على التنظيم الشعبي على حساب الهجمات البارزة، وإقامة تحالفات مع قبائل وعشائر محلية".

واعتبرت أن "جماعات جهادية في سوريا وباكستان أضفت طابعاً رسمياً على طالبان كنموذج يُحتذى به. وفي غرب إفريقيا، أشادت منظمة مرتبطة بالقاعدة بـ(عقدين من الصبر)، مشيرة إلى أن استراتيجية مماثلة من شأنها أن تساعد مقاتليها في غزو مالي ودول أخرى في منطقة الساحل".

"ليس كما كان"

وفي السياق ذاته، اعتبر "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، أن "القاعدة اليوم ليس كما كان في 11 سبتمبر" 2001. وأضاف: "مؤسّسه وزعيمه، أسامة بن لادن، مات منذ زمن بعيد. ومع استثناءات ملحوظة لأيمن الظواهري، الجرّاح الذي تحوّل إلى إرهابي والأمير الحالي للحركة؛ وسيف العدل، الضابط السابق في الجيش المصري والخليفة المحتمل للظواهري؛ قُتل كل زعيم بارز في القاعدة، أو أُسر. إذ قُضي على 7 من قياديّي الحركة منذ عام 2019. واليوم، يُقال إن الظواهري في وضع صحي سيئ".

وذكّر المجلس بمصرع الرجل الثاني في التنظيم، عبد الله أحمد عبد الله، المعروف باسم أبو محمد المصري، بالرصاص في طهران في 7 أغسطس 2020، في الذكرى السنوية لتفجير سفارتَي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، في عام 1998، ما أسفر عن مصرع 224 شخصاً. وتتهم واشنطن أبو محمد المصري بأنه أحد العقول المدبّرة لتلك الهجمات، علماً أن "مكتب التحقيقات الفيدرالي" (أف بي آي) عرض مكافأة مقدارها 10 ملايين دولار في مقابل معلومات لاعتقاله.

ورجّحت صحيفة "نيويورك تايمز" أن تكون إسرائيل نفذت العملية، بناءً على طلب من الولايات المتحدة. وقُتل المصري مع ابنته مريم، أرملة حمزة بن لادن، نجل أسامة بن لادن، والذي أعلن ترمب مصرعه، في عام 2019 على الحدود الباكستانية – الأفغانية. كذلك قتلت طائرة أميركية مسيّرة أبو الخير المصري، في سوريا عام 2017، وكان نائباً للظواهري.

وفي عام 2020، قُتل زعيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" قاسم الريمي، في غارة أميركية بطائرة مسيّرة في اليمن، وعبد المالك دروكدال، زعيم التنظيم في شمال إفريقيا، في عملية للقوات الفرنسية بمالي. كذلك قُتل حسام عبد الرؤوف، وكان مسؤولاً إعلامياً بارزاً وعضواً في شورى "القاعدة"، في أفغانستان.

فروع التنظيم

على الرغم مما تقدّم، شدد "مجلس العلاقات الخارجية" على "قوة الأيديولوجيا والحافز اللذين يتبنّاهما القاعدة". وأشار إلى أن "ثمة الآن 4 أضعاف عدد الجماعات الإرهابية السلفية الجهادية التي صنّفتها وزارة الخارجية الأميركية كمنظمات إرهابية أجنبية، عمّا كان عليه الأمر في 11 سبتمبر 2001".

وذكّر بتقرير الأمم المتحدة، الذي يفيد بـ"علاقات وثيقة مستمرة" لتنظيم "القاعدة مع "طالبان"، و"نموّه من دون عوائق في إفريقيا، وترسّخه في سوريا".

وأشار المجلس إلى مجموعات أساسية تابعة للتنظيم في العالم، معدّداً "القاعدة في المغرب الإسلامي"، الذي يضمّ ألف مسلح، و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في إفريقيا (بين ألف وألفي مسلح)، و"حراس الدين" وجماعات سلفية أخرى في سوريا (10 آلاف مسلح)، و"القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، الذي يتخذ اليمن مقراً (7 آلاف مسلح)، وحركة "الشباب" في الصومال (بين 7 و9 آلاف مسلح)، و"القاعدة في شبه الجزيرة الهندية" (مئات المسلحين)، إضافة إلى التنظيم الأساسي في أفغانستان (بين 400 و600 مسلح).

وكان أبو مصعب الزرقاوي أسّس تنظيم "القاعدة في العراق"، في عام 2004، بعد سنة على الغزو الأميركي، ويُعتبر أول فرع للتنظيم. لكنه بدّل اسمه إلى "الدولة الإسلامية في العراق"، في عام 2006، والذي توسّع إلى سوريا، في عام 2011، ثم أعلن دولة "الخلافة"، باسم "الدولة الإسلامية"، بعد سيطرته على مدينة الموصل العراقية، في عام 2014.

سيف العدل

وإذ فقد تنظيم القاعدة شيئاً من بريقه، نتيجة صخب "داعش"، اعتبر "مجلس العلاقات الخارجية" أن "أسوأ فشل" للولايات المتحدة، تمثّل في غزو العراق عام 2003، والذي "حرّف موارد حيوية عن جهود القضاء على القاعدة في جنوب آسيا، خلال أفضل فرصة سانحة"، كما أدى إلى ظهور "داعش".

ويبدو أن زعامة "القاعدة" معقودة مستقبلاً لسيف العدل، واسمه الحقيقي محمد صلاح الدين زيدان، وكان ضابطاً برتبة مقدّم في القوات الخاصة المصرية، وانضمّ إلى جماعة "الجهاد الإسلامي" المصرية في ثمانينات القرن العشرين، قبل التحاقه بـ "القاعدة"، بحسب "فرانس برس". وأضافت الوكالة أن تقريراً أعدّته الأمم المتحدة، في عام 2018، أفاد بأن سيف العدل يقيم في إيران، التي نفت تأمينها ملاذاً لعناصر التنظيم، بعد مصرع أبو محمد المصري على أراضيها.

وأوردت "نيويورك تايمز" أن ناطقاً باسم الخارجية الإيرانية أقرّ في عام 2018، بدخول أعضاء في "القاعدة" إلى بلاده، مبرّراً الأمر بحدودها الطويلة والتي يسهل اختراقها، مع أفغانستان. واستدرك أنهم اعتُقلوا وأُعيدوا إلى بلدانهم الأصلية.

لكن مسؤولين استخباراتيين غربيين ذكروا أن الحكومة الإيرانية أخضعت قادة في التنظيم لإقامة جبرية، قبل أن تُبرم صفقتين على الأقلّ مع "القاعدة"، للإفراج عن بعضهم، في عامَي 2011 و2015، في مقابل دبلوماسيَين إيرانيَين خُطفا في باكستان واليمن. ومن بين المفرج عنهم آنذاك، حمزة بن لادن وأفراد من عائلته، وأبو محمد المصري.

ونقلت الصحيفة عن كولن كلارك، وهو محلل في مكافحة الإرهاب بـ"مركز صوفان"، قوله: "تستخدم إيران الطائفية كهراوة، عندما يناسب ذلك النظام، لكنها أيضاً مستعدة للتغاضي عن الانقسام السني – الشيعي، عندما يناسب ذلك مصالحها".

"تكيّف القاعدة"

"معهد الدفاع عن الديمقراطيات"، ذكّر بكلام لجون برينان، أبرز المستشارين في ملف مكافحة الإرهاب، للرئيس الأميركي السابق بارك أوباما ورئيس الاستخبارات المركزية في فترة رئاسته الثانية، الذي قال في عام 2012 إن تنظيم بن لادن "سيزول" في وقت ما من العقد المقبل. واستدرك المعهد أن "ذلك لم يحدث. وبدلاً من ذلك، تكيّف القاعدة مع عالم ما بعد بن لادن".

واعتبر أن التنظيم "عزّز قاعدته للجهاد، منذ 11 سبتمبر 2001"، وزاد: "في 10 سبتمبر من ذلك العام، تمركز القاعدة بشكل أساسي في أفغانستان وباكستان، مع وجود خلايا إرهابية تعمل في دول عدة بكل أنحاء الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا. اليوم، تقاتل فروع القاعدة من أجل (الاستحواذ على) أراضٍ، في غرب إفريقيا وشرقها، واليمن وسوريا وأفغانستان، بينما تحتفظ أيضاً بشبكات في دول أخرى".