أ ف ب + رويترز


منذ الثاني من يناير، تشهد كازاخستان احتجاجات عنيفة بسبب ارتفاع أسعار الغاز. احتجاجات ما زالت تهز الجمهورية السوفييتة السابقة، حيث لقي العشرات حتفهم واعتُقل الآلاف خلال أسوأ أعمال عنف شهدتها الدولة الواقعة في آسيا الوسطى منذ استقلالها في أوائل التسعينات، والتي أدت إلى خسائر تزيد قيمتها على 200 مليون دولار بحسب تقديرات رسمية أعلنتها الغرفة الوطنية لرجال الأعمال في كازاخستان.

وبدا أن قوات الأمن استعادت السيطرة على شوارع المدينة الرئيسية في البلاد، الجمعة، غداة وصول مظليين روس من قوات حفظ السلام التابعة لـ"معاهدة الأمن الجماعي" للمساعدة في السيطرة على الاحتجاجات.

في ما يلي تسلسل الوقائع منذ بدأت الاحتجاجات، بحسب ما أورده تقرير لوكالة "فرانس برس".


تظاهرات وطوارئ

في الثاني من يناير 2022، خرج متظاهرون غاضبون بعد ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المُسال إلى الشوارع في جاناوزين بمنطقة مانجيستاو غرب البلاد، لتنتقل التظاهرات إلى مدينة أكتاو الإقليمية الكبرى، على ضفاف بحر قزوين.

وفي الرابع من يناير، حض الرئيس قاسم جومارت توكاييف الذي يتولى السلطة منذ عام 2019، السكان على "اليقظة" و"عدم الرضوخ للاستفزازات".

وفي المساء، أعلنت السلطات خفض سعر الغاز؛ لكن ذلك لم يسهم في تهدئة الشارع.

في غضون ذلك، جمعت تظاهرة آلافاً من الأشخاص في ألما آتا، عاصمة كازاخستان الاقتصادية، وردد المشاركون فيها شعارات منها: "نريد استقالة الحكومة!"، و"ارحل أيها الرجل العجوز!"؛ في إشارة إلى الرئيس السابق نور سلطان نزاربايف، الذي يعد موجّه رئيس البلاد الحالي، وما زال تأثيره كبيراً.

وسرعان ما أعلن الرئيس توكاييف حالة الطوارئ في ألما آتا، وفي مقاطعة مانجيستاو، وكذلك في العاصمة نور سلطان اعتباراً من اليوم التالي، مع فرض حظر تجول ليلي، بالإضافة إلى حظر الوصول إلى تطبيقات المراسلة "واتساب" و"تلجرام" و"سيجنال" في المساء.

إقالة الحكومة

في الخامس من يناير، أقال رئيس البلاد الحكومة. ليحلّ مكانه مؤقتاً نائب رئيس الوزراء علي خان سميلوف.

وأعلنت الشرطة، أن أكثر من 200 شخص أوقفوا بعد الاحتجاجات الليلية، وأصيب نحو 100 شرطي.

وفي الخامس من يناير أيضاً، اقتحم آلاف المحتجين مبنى بلدية ألما آتا، رغم إلقاء الشرطة قنابل صوتية، وغازاً مسيلاً للدموع.

ثم توجّه المحتجون نحو المقر الرئاسي في المدينة حيث أضرموا النار، تماماً كما فعلوا في مبنى البلدية، وسيطروا لفترة وجيزة على المطار.

وتعهد الرئيس برد "حازم" على التظاهرات، وأعلن أنه سيتولى رئاسة مجلس الأمن النافذ الذي كان يتولاه سلفه حتى ذلك الحين. وحَظرت السلطات الاتصال بالإنترنت والاتصالات الهاتفية.

دعوات دولية لـ"الحوار"

في الأثناء، دعت روسيا إلى حل الأزمة عبر "الحوار" وليس عبر "أعمال شغب". كذلك، دعت واشنطن والاتحاد الأوروبي السلطات إلى ضبط النفس.

في اليوم ذاته (5 يناير)، مددت حالة الطوارئ، لتشمل كل البلاد فيما تحولت الاحتجاجات إلى أعمال شغب.

وطلب الرئيس المساعدة من موسكو وحلفائها، ونسب أعمال الشغب إلى "إرهابيين"، تدربوا في الخارج.

موسكو ترسل قوات

في السادس من يناير، أعلنت موسكو وحلفاؤها في "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" إرسال "قوة جماعية لحفظ السلام"، تقتصر مهمتها "حماية المنشآت الحكومية والعسكرية المهمة ومساعدة قوات حفظ النظام (...) على إعادة الاستقرار".

وفي 6 يناير، قالت الشرطة التي أطلقت "عملية لمكافحة الإرهاب" في ألما آتا، إنها قتلت "عشرات" المحتجين، الذين كانوا يحاولون السيطرة على مبانٍ إدارية ومراكز تابعة للشرطة.

وفي محاولة جديدة لتهدئة الشارع، أمرت الحكومة بتحديد سقف لأسعار الوقود لمدة ستة أشهر.

وعبّرت كلّ من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عن قلقها.

إطلاق النار بهدف "القتل"

في 7 يناير، سمح الرئيس قاسم جومرت توكاييف لقوات الأمن بـ"إطلاق النار بهدف القتل" لوضع حد لأعمال الشغب، رافضاً أي إمكانية للتفاوض مع المحتجين.

في غضون ذلك، حذر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، من أن اخراج القوات الروسية سيكون "أمراً بالغ الصعوبة"، فيما اعتبرت موسكو هذه التصريحات "فظة".

وسمحت وزارة الخارجية الأميركية للموظفين غير الأساسيين في القنصلية الأميركية في ألما آتا بمغادرة كازاخستان.

توقيف رئيس جهاز الأمن

في الثامن من يناير، أعلنت لجنة الأمن الوطنية توقيف مديرها السابق كريم كاجيمكانولي ماسيموف بتهمة "الخيانة العظمى". وكان قد أقيل بالفعل بعد أعمال الشغب.

وكريم كاجيمكانولي ماسيموف، هو رئيس وزراء سابق، وحليف الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف، الذي كسر صمته داعياً الكازاخستانيين إلى دعم الحكومة.

وفي اليوم ذاته، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الكازاخستاني محادثة هاتفية "طويلة"، ناقشا فيها إعادة النظام في كازاخستان.

وأعلنت السلطات مقتل 26 "مجرماً مسلحاً"، وإصابة أكثر من ألف من المحتجين، كما أفادت الشرطة بمقتل 18 من عناصرها، وإصابة 748 آخرين إلى جانب توقيف أكثر من 4 آلاف شخص.

موقع كازاخستان وأهميتها

تعد كازاخستان، الواقعة بين روسيا والصين، وتشترك أيضاً في الحدود مع ثلاث جمهوريات سوفيتية سابقة أخرى، أكبر اقتصاد في آسيا الوسطى، حيث تملك مخزوناً غنياً من الهيدروكربونات والمعادن. ومنذ أن صارت دولةب مستقلة في عام 1991، جذبت استثمارات أجنبية بلغت قيمتها مئات المليارات من الدولارات، بحسب تقرير لوكالة "رويترز".

من الناحية الاستراتيجية، تربط كازاخستان الأسواق الكبيرة سريعة النمو في الصين وجنوب آسيا بأسواق روسيا وأوروبا عن طريق البر والسكك الحديدية وميناء على بحر قزوين.

ويصف هذا البلد نفسه بأنه ملتقى مشروع التجارة الصيني الضخم المعروف بـ"الحزام والطريق".

وتعد كازاخستان أكبر منتج عالمي لليورانيوم. وأدت الاضطرابات التي حدثت الأسبوع الماضي إلى قفزة 8% في أسعار المعدن، الذي يغذي محطات الطاقة النووية.

كما ان الجمهورية الآسيوية تعد تاسع أكبر مصدّر للنفط في العالم، إذ أنتجت نحو 85.7 مليون طن في عام 2021. كما تعتبر عاشر أكبر منتج للفحم، وهي أيضاً ثاني أكبر منجم في العالم لعملة "بتكوين" المشفرة بعد الولايات المتحدة.

أسباب الغضب الشعبي

بدأت التظاهرات في المناطق الغربية الغنية بالنفط، احتجاجاً على قيام الدولة في يوم رأس السنة الجديدة برفع أسعار البوتان والبروبان، الذي يعرف بـ"وقود الفقراء"؛ نظراً لرخص سعره.

وسرعان ما أدى هذا الإصلاح، الذي كان يهدف إلى علاج نقص الإمدادات النفطية، إلى نتائج عكسية، إذ ارتفعت الأسعار إلى ما يزيد على مثليها. وانتشرت الاحتجاجات، مستغلة إحساساً أوسع بالاستياء من فساد الدولة المستشري، وعدم المساواة في الدخل، والمصاعب الاقتصادية التي تفاقمت جميعها بسبب جائحة كورونا.

وعلى الرغم من أن كازاخستان تتصدر جمهوريات آسيا الوسطى، في ما يتعلق بأعلى دخل للفرد، فإن نصف سكانها، وهي تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، يعيشون في مجتمعات ريفية، وغالباً ما تكون معزولة، وتعاني ضعفاً في فرص الحصول على الخدمات العامة.

وفي حين أن الموارد الطبيعية الهائلة للبلاد جعلت نخبة صغيرة فاحشة الثراء، يشعر الكثيرون من عامة الناس في كازاخستان بأنهم "مُهمَلون". وتشير تقديرات إلى أن نحو مليون شخص من إجمالي عدد السكان البالغ 19 مليوناً يعيشون تحت خط الفقر.

ويقترب معدل التضخم السنوي من 9%، وهو أعلى معدل منذ أكثر من خمس سنوات، ما دفع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة إلى 9.75%.

قيادة البلاد

انتُخب الدبلوماسي قاسم جومارت توكاييف، الذي يبلغ من العمر 68 عاماً رئيسا للبلاد في عام 2019، بناء على وعود بمواصلة سياسات سلفه نور سلطان نزارباييف.

وتؤيد تلك السياسات الشركات العاملة في البلاد على نطاق واسع. لكن نزارباييف، عضو المكتب السياسي السوفيتي السابق، الذي قاد كازاخستان لما يقرب من ثلاثة عقود، كان ولا يزال يُنظر إليه على أنه "صاحب القوة الحقيقية" الممسكة بمقاليد السلطة من خلف الستار.

استخدم توكاييف الاحتجاجات الأخيرة، التي استهدفت أحياناً رموز حقبة نزارباييف، لإقالة الرئيس السابق البالغ من العمر 81 عاماً من منصب رئيس مجلس الأمن القومي.

ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستُضعف هذه الانتفاضة استمرار نفوذ نزارباييف وعائلته القوي في شؤون السياسة والأعمال.

كما أقال توكاييف ابن اخت نزارباييف، صمد أبيش، من منصب الرجل الثاني في قيادة الشرطة. وثارت في السابق أحاديث عن ابنة نزارباييف الكبرى، داريجا، وهي رئيسة سابقة لمجلس الشيوخ ولا تزال نائبة، بوصفها رئيسة محتملة في المستقبل.

مؤشرات الاقتصاد

تظهر بيانات البنك الدولي، أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كازاخستان في عام 2020، كان 9 آلاف و122 دولاراً، وهو ما يزيد بقليل عما في تركيا، والمكسيك لكنه يقل عن أقصى ذروة سنوية، بلغها بما يقرب من 14 ألف دولار عام 2013 .

قدمت حكومة توكاييف حزمة تحفيز، بلغت نسبتها 6% من الناتج الوطني، لمساعدة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة على التعافي من آثار جائحة كوفيد-19.

توقع البنك الدولي نمواً اقتصاديا بنسبة 3.5% عام 2021، ترتفع إلى 3.7% هذا العام ثم 4.8% عام 2023. وحث البنك كازاخستان على دعم المنافسة، وتحجيم دور الشركات الضخمة المملوكة للدولة في الاقتصاد، وعلاج حالة التفاوت الاجتماعي، والعمل من أجل مناخ اقتصادي أكثر تكافؤاً.

الحريات وحقوق الإنسان

تنتقد الدول الغربية، والجماعات المعنية بحقوق الإنسان منذ فترة طويلة كازاخستان، بسبب "نظامها السياسي السلطوي، وقمع المعارضين، وتقييد حريات وسائل الإعلام، والافتقار إلى انتخابات حرة ونزيهة"، على الرغم من أنها تعتبر أقل قمعاً، واضطراباً من جاراتها التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي السابق.

وقالت منظمة "العفو الدولية"، إن الاحتجاجات التي شهدتها كازاخستان خلال الأيام الماضية كانت نتيجة "قمع السلطات واسع النطاق لحقوق الإنسان الأساسية". ودعت للإفراج عن جميع ضحايا عمليات الاحتجاز العشوائي، وفتح تحقيقات في الانتهاكات السابقة من جانب مؤسسات الدولة.

من جانبها، قالت ماري ستروثرز، مديرة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في "منظمة العفو الدولية" إنه "على مدى سنوات اضطهدت الحكومة المعارضة السلمية، ما دفع شعب كازاخستان إلى حالة من التذمر واليأس".