الحرة

في وقت كانت روسيا تستعد فيه لبدء محادثات مكثفة مع الولايات المتحدة بشأن التوتر على الحدود مع أوكرانيا، رصد مسؤولون أميركيون وأوكرانيون بدء موسكو تفريغ سفارتها في كييف، مما أثار لغزا جديدا حول دلالات هذه الخطوة.

ففي الخامس من يناير، استقل 18 شخصا، معظمهم من عائلات الدبلوماسيين الروس، حافلات وشرعوا في رحلة استغرقت 15 ساعة بالسيارة عائدين إلى موسكو، وفقًا لما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول أمني أوكراني كبير.

وتكرر ذلك خلال الأيام القليلة التالية، مع عودة 30 آخرين من كييف وقنصلية في لفيف في غرب أوكرانيا، فيما طُلب من دبلوماسيين في قنصليتين روسيتين أخريين الاستعداد لمغادرة أوكرانيا، بحسب المسؤول الأمني.

هذه الخطوة جاءت بالتزامن مع هجمات إلكترونية على مصالح حكومية أوكرانية من بينها وزارات، الأسبوع الماضي، وتقارير من شركة مايكروسوفت، والحكومة الأميركية تفيد بأن برامج ضارة أكثر تدميراً تم زرعها في الشبكات الأوكرانية، ولكن لم يتم تنشيطها.

واتهم المسؤولون الأوكرانيون، روسيا، بأنها تقف وراء تلك الهجمات الإلكترونية.

وفي الميدان، تواصل قوافل القطارات الضخمة المحملة بالدبابات والصواريخ والقوات التوغل غربا عبر روسيا، متجهة على ما يبدو إلى الحدود الأوكرانية.

وأعلن ألكسندر لوكاشينكو، زعيم بيلاروسيا، الاثنين، أن القوات والمعدات الروسية قد بدأت في الوصول إلى بلاده لإجراء مناورة عسكرية مشتركة ستجرى في موقعين: على الجانب الغربي لبيلاروسيا، بالقرب من بولندا وليتوانيا، وأيضا على طول الحدود الأوكرانية، والتي يمكن أن تشكل مسارًا آخر للغزو الروسي المحتمل.

ويتوقع المسؤولون الأوكرانيون أن أي قوات روسية وصلت إلى بيلاروسيا، ستبقى في مكانها بعد التدريبات إلى أجل غير مسمى، مما يترك بلادهم مفتوحة للهجوم من الشمال والشرق والجنوب.

وفي واشنطن، يعتقد المسؤولون الأميركيون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتخذ بعد قرار الغزو، ويصفون تحركاته بأنها تكتيكية أكثر من كونها استراتيجية.

وتباطأت عملية سحب الدلوماسيين الروسي في الأيام الأخيرة، مما جعل البعض يعتقد أن بوتين لا يزال يوازن مجموعة من العوامل المختلفة، من بينها مدى قدرته على تجاوز العقوبات المهددة على مصارفه وصناعاته، وما إذا كانت مطالبه بأن يتوقف الناتو عن الانتشار نحو روسيا، تحظى باهتمام كاف.

لكن مسؤولين أميركيين يشيرون، في نفس الوقت، إلى أن الرئيس الروسي ربما يكون قد توصل إلى أن عليه التحرك بشكل عاجل، قبل أن يتم تسليح أوكرانيا بشكل أكبر من قبل حلفائها، مما يجعل ميزته العسكرية مهددة.

والاثنين، أعلن وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، في خطاب أمام البرلمان أن بلاده ستبدأ في تزويد أوكرانيا بأسلحة دفاعية خفيفة، ومضادة للدروع.

وتنقل الصحيفة عن مسؤولين أميركيين اعتقادهم بأنه من المحتمل أن يكون بوتين يحاول من خلال هذه الخطوات، الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها بالنظر بجدية في مطالب روسيا إزالة القوات والأسلحة الثقيلة من الدول القريبة، وعدم دخول أوكرانيا لحلف الناتو مستقبلا.

وفي دلالة أخرى محتملة، يرى البعض إلى أن خطوة سحب الدبلوماسيين وأسرهم، كانت إشارة من روسيا إلى أن هجوما كان على وشك الحدوث.

ولم يتزايد حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية بالمعدل الذي توقعه مسؤلوو البنتاغون قبل شهر.

وتشير أحدث التقديرات الأميركية إلى أن حوالي 60 كتيبة، لكل منها ما معدله 800 جندي، تتواجد الآن على الحدود مع أوكرانيا. وبالاقتران مع القوات المحلية الأخرى، فإن لدى الروس حوالي 77 ألف جندي على الحدود، مع المزيد في الطريق.

ويضع آخرون الرقم بالقرب من المئة ألف، لكن هذا الرقم أقل بكثير من تقدير البنتاغون منذ أكثر من شهر، بأن العدد الإجمالي قد يرتفع إلى 175 ألفا.

يقول مسؤولون استخباراتيون وعسكريون أميركيون وأوروبيون إن بوتين ربما ينتظر تحسن الجو، ما يسهل من نقل المعدات الثقيلة عبر الحدود، أو ربما يتحرك ببطء، بينما ينتظر ردا مكتوبا من إدارة بايدن وحلف شمال الأطلسي على مطالبه بالتراجع عن الوضع العسكري لحلف الناتو إلى ما كان عليه قبل 15 عاما، بعيدا عن حدود روسيا.

وبينما لا يزال المسؤولون الأميركيون يعتقدون أن بوتين متردد بشأن خطوته التالية، يعمل المسؤولون في كييف على تقييم الشكل الذي قد يكون عليه الهجوم، الذي قد يأتي في شكل غزو كامل، أو هجوما إلكترونيا على نطاق واسع.