أيمن شكل


قرار وزير العدل بتضمين اللغة الإنجليزية وسع نافذة القضاء البحريني

التحكيم الدولي له نخبة لا يعرفها إلا القليل من أهل الخبرة

القانون السويسري مقارب في نصوصه للقانون البحريني

إنجازي يعزز الثقة في الكفاءات الوطنية وأهديه لكل محامٍ بحريني

نصيحتي للشباب: التصقوا بالخبرات فالسوق لا يوفرها إلا لمن يبحث عنها


المحامي والمحكم الدولي الأستاذ سعد جابر الدوسري، يمثل نموذجاً للمواطن الذي أثبت للعالم أن البحرين لديها خبرات تستطيع أن تنافس دولياً وتنجح في رفع اسم المملكة في أحد مجالات العمل المغلقة على نخبة أجنبية، ولقد ترك الدوسري وظيفة تؤمن له دخلاً مناسباً وحيثية ذات وجاهة اجتماعية حين استقال من عمله كضابط برتبة نقيب قبل حوالي 12 عاماً تشرف فيها بالخدمة العسكرية، ليبدأ اكتساب خبرة المحاماة منذ الصفر في أعرق المكاتب براتب زهيد مؤمناً بأن التضحيات جزء من رحلة النجاح وأن لكل شيء ثمن.

وفي حوار أجرته معه «الوطن» ينصح الدوسري الخريجين بألا يستعجلوا النجاح، وأن يبحثوا عن اكتساب الخبرة، لا أن يتجهوا للدراسات العليا، مؤكداً أن السوق يفضل الخبرة العملية على الشهادات الأكاديمية العليا، كما أكد الدوسري أن قرار وزير العدل بجواز اعتماد اللغة الإنجليزية عند نظر بعض أنواع الدعوى أمام المحاكم البحرينية كان يجب أن يطبق منذ وقت طويل.

2336429
2336433


كيف بدأت مسيرتك في سلك المحاماة؟

ـ بدأت مشواري المهني حينما حظيت بشرف الالتحاق بالسلك العسكري كضابط إلى أن وصلت لرتبة نقيب، ثم قررت الاستقالة ودخلت مهنة المحاماة من بوابة مكتب الشيخة هيا آل خليفة كمحامٍ تحت التمرين، وكان لها الفضل الكبير بعد الله في إتاحة الفرصة لاستقاء الخبرة من نخبة المستشارين العاملين في المكتب، وهو ما أسس لدي قاعدة قانونية رصينة في أحد أعرق وأكبر المكاتب في البحرين.

ثم انتقلت بعد ذلك إلى مكتب التميمي، وهو أحد مكاتب المحاماة والتحكيم الدولي الذي مقره في دولة الإمارات، وعندما قرروا فتح مكتب لهم في البحرين كنت أول محامٍ ينضم لهم لدعم عملية تأسيس المكتب في عام 2014 بعد أن قابلوا معظم المحامين المشتغلين، إلا أن ما ميزني هو رصيد الخبرات باللغتين العربية والانجليزية في مجال التقاضي والتحكيم وأعمال الشركات والصفقات التجارية، وقمت بتوفير كافة الخدمات القانونية سواء في الدعاوى أو الصفقات التجارية وتأسيس الشركات، حيث لا يقتصر مجال المحاماة على القضايا وحسب ولكن يمتد ليشمل المعاملات البنكية والتجارية والاستشارات ومراجعة وصياغة العقود، ومعظم هذه المعاملات تتم باللغة الإنجليزية بوصفها لغة التجارة.

2336426
2336434


وبعد رحلة مكتب التميمي وما حصدته من خبرة وعلاقات دولية، قررت أن أبدأ مشروعي الخاص وأقوم بفتح مكتب محاماة باسمي في عام 2018، وبفريق عمل مكون من شخصي فقط، واستمررت لمدة سنة أؤدي كافة أعمال المكتب بدءاً بحضور الجلسات وكتابة المذكرات وعمل الاستشارات، وكتابة الفواتير والمتابعة مع الموكلين وزيارة العملاء، وإلى أن توسع العمل وانتقلت إلى مكتب أكبر يضم فريق دعم قانوني يطغى عليه العنصر النسائي، حيث أؤمن بمقولة أن «وراء كل عظيم امرأة» واليوم خلفي نساء عظيمات يقمن بكافة أعمال المكتب بإتقان وحرفية والتزام، وأفخر بهن جميعاً دون استثناء، ونعمل جميعاً كفريق واحد، ثم انضم للمكتب شريك إنجليزي محامٍ متخصص في مجال البنوك ومعاملات الشركات والمعاملات الدولية.

من الصعوبة أن تغير مجال عملك خاصة وأنك كنت ضابطاً برتبة نقيب ولك مستقبل مستقر في موقع متميز، فلماذا اتخذت القرار؟

ـ كان التحول جذرياً في حياتي، خاصة وأنا قد وصلت لرتبة نقيب ثم بدأت مرة أخرى كمحامٍ تحت التمرين، ولذلك أقول للجيل الجديد إنه لا يوجد نجاح بدون تضحية ولكل شيء ثمن، ومن يريد النجاح وتحقيق الأهداف فعليه بالصبر والإصرار والمثابرة، وما وصلت إليه اليوم هو ثمرة حصاد سنين طويلة من التحضير والعمل.

وكانت أهم الانتقادات الموجهة إلي في حينها هو ترك وظيفة براتب ثابت مجز إلى وظيفة محامٍ تحت التمرين براتب زهيد ومن ثم افتتاح مكتب خاص دون أن أضمن أي مدخول مستقر كما هو الحال في القطاع الحكومي أو الخاص. ولكن من يتخذ اليقين بالله وحسن الظن به مقروناً بالاجتهاد والسعي لا خوف عليه. وأن الصعوبات هي جزء من الحياة ومن رحلة النجاح. النجاح السهل لا طعم له بل لا يدوم.

2336432
2336431


يعرف مكتب التميمي دولياً بأنه من المكاتب الكبرى في مجال المحاماة والتحكيم.

ـ بالفعل فقد أضاف لي مكتب التميمي الفرصة للعمل مع مستشارين ومحكمين من أستراليا وألمانيا وإنجلترا، واطلعت على العديد من نزاعات التحكيم الدولي باللغة الإنجليزية وقد عملت معهم كمستشار مساعد في النزاعات الدولية والإقليمية والمحلية مع نخبة من الخبراء الأجانب والعرب، وكونت خلال فترة العمل في هذا المكتب العديد من العلاقات الدولية التي خدمتني فيما بعد، ويعد حكم التحكيم الذي نجحنا فيه مؤخراً هو إحدى ثمار هذه الفترة.

ما هي ملابسات حكم التحكيم الذي حصلتم عليه مؤخراً؟

ـ عادة ما تتصف دعاوى التحكيم بالسرية، لكن الملفت والمثير في هذه الدعوى أن الشركتين المتنازعتين لا يوجد لهما مقر في البحرين، وليس للبحرين أية علاقة في النزاع الدولي وأعمال الشركتين، وكل ما يختص بالبحرين هو المحامي، وقد كان هناك تعاون مسبق ولمست الشركة الفائزة بالنزاع الخبرة التي لدى مكتبنا، فتم تكليفنا بالمهمة.

وبدأت التواصل مع غرفة التجارة الدولية في باريس حيث يلتزم المحامي باشتراطات وآليات لكي ينجح فقط في مجرد تقديم طلب ينال القبول فقط بحسب معاييرهم الخاصة، وكل ذلك يخدم العملية التحكيمية، ولو حدث خطأ في إجراءات تقديم طلب التحكيم فسوف يخسر الأطراف أموالاً طائلة وتعود الدعوى إلى المربع الأول، ونحن هنا نتحدث عن أعرق مؤسسة تحكيمية في العالم وهي غرفة باريس.

2336427


وبدأنا بعد ذلك في اختيار المحكمين الدوليين حيث لم يتفق الطرفان على هيئة تحكيم، فقمت بطرح أسماء لمحكمين بحكم علاقاتي ومعارفي في الوسط التحكيمي الدولي، وهنا تبرز أهمية علاقات المحامي بوسط التحكيم الدولي الذي يتميز بنخبة لا يعرفها إلا القليل من أهل الخبرة، وبدأت في البحث عن الأنسب لموضوع النزاع.

وأود التنويه إلى أن القانون الذي اتفق عليه طرفا النزاع كان القانون السويسري، وتلك كانت مهمة وتحدياً جديدياً بأن أبدأ البحث في القانون السويسري وتطبيقاته في سويسرا كذلك والاطلاع على كافة المواقع القانونية ومجلس القضاء هناك لمعرفة أدق التفاصيل التي تخدم النزاع، وبعد فترة من البحث اكتشفنا مفاجأة، وهي أن القانون السويسري مقارب في نصوصه للقانون البحريني، وخصوصنا تطبيق مبدأ «حسن النية»، والذي لا يجد صداه في القانون الإنجليزي أو الأمريكي، فتم إنزال أحكام القانون على النزاع وطبقته هيئة التحكيم.

وعادة ما كانت مثل هذه الدعاوى التحكيمية الكبرى ما تصل إلى مكاتب بعينها في سوق المحاماة ممن لديهم خبرات طويلة تمتد لعقدين أو ثلاثة عقود، لكن بالنسبة لي كجيل صاعد في المجال، فأؤكد أن هذا الزمن لنا ولجيلنا من المكاتب الحديثة في السوق، لأن تكليفي بهذه الدعوى في ظل وجود مكاتب كبرى، أعتبره مدعاة للفخر والشرف، وحافزاً لتقديم العمل باحترافية أكبر والمنافسة وسط الكبار في هذا السوق. وأتمتع بعلاقات ممتازة وأخوية مع المكاتب الكبرى والمحامين من الرعيل الأول ولا أتردد في مشاورتهم ولا أنسى فضلهم وكذلك أحافظ على علاقات أخوية مع باقي زملائي المحامين والمحاميات مبنية على الاحترام والتقدير.

هل قام المكتب بالعمل على نزاعات تحكيم دولية مغايرة؟

ـ هناك سوابق لنزاعات تحكيم في البحرين ودول الخليج، كان مكتب الدوسري متواجداً فيها وحصل على أحكام لموكليه، لكن ما ميز قضية التحكيم الأخيرة، هو حجمها الكبير من حيث قيمة النزاع، وكونها محكومة بالقانون السويسري، وأن الأطراف لا علاقة لهم بالبحرين في أي شيء، وتم اختيار مكتب سعد الدوسري البحريني، على أساس الخبرة والعلاقات الدولية التي يتمتع بها، وهذا الإنجاز لا يقتصر على مكتبي فقط ولكن للمحامين البحرينيين ولمملكة البحرين، وهو يعطي ثقة في المحامين البحرينيين ومخرجات السوق البحريني والكفاءات الوطنية.

ما هو تعليقك على قرار وزير العدل رقم (117) لسنة 2021، الذي يجيز لأطراف النزاع الاتفاق على اختيار اللغة الإنجليزية عند نظر الدعوى أمام المحاكم البحرينية؟

ـ اللغة يقال عنها أنها «وعاء الفكر» واللغة الإنجليزية أمر مفروض علينا دولياً ومحلياً في كثير من المعاملات، ويجب التأكيد هنا على أن التجارة سواء في البحرين أو خارجها محكومة باللغة الإنجليزية، بداية من الحصول على ترخيص من المصرف المركزي أو تأسيس الشركات مروراً بصياغة العقود أو عقد الصفقات، ولذلك فإن البيئة التجارية تفرض اللغة الإنجليزية، وعلى المحامين والسلك القضائي تبني اللغة الإنجليزية، ونحن في مكتبنا لا نقوم بترجمة المستندات أو تقديم استشارات بعد ترجمتها، ولا نكلف العملاء أية تكلفة إضافية عند بحث مستندات النزاع القضائي المكتوب باللغة الإنجليزية، بينما تضطر مكاتب محاماة أخرى للترجمة حتى تعطي استشارة قانونية أو تتبنى الدفاع في النزاع القضائي.

ومن واقع تجربتي، فإن الترجمة في كثير من الأحيان تفقد المعنى حيث إن المصطلحات والسياق القانوني للغة الإنجليزية في الأفعال وكلمات الإلزام والتخيير أو الجبر تختلف عن اللغة العربية.

ومن المعتاد بمكتبنا أن نتسلم ملفات ضخمة باللغة الإنجليزية نقوم بدراستها وتقديم الرأي القانوني بشأنها باللغة الإنجليزية وندخل في مفاوضات ومناقشات مع الطرف الآخر باللغة الإنجليزية أيضاً دون تكبيد العميل تكاليف الترجمة. بل إن الترجمة بالنسبة لنا كما ذكرت آنفاً تفقد في كثير من الأحيان المعنى المقصود. على سبيل المثال النزاعات الإنشائية وتقارير المهندسين والخبراء كلها باللغة الإنجليزية وأضرب مثالاً آخر المستثمرين الأجانب يدخلون السوق البحريني بمستندات وعقود باللغة الإنجليزية ويجب علينا إدراك مضمونها لتسهيل أعمالهم وعقد الصفقات لهم.

2336428


وهناك بعض الجهات الرسمية في مملكة البحرين تعتمد المخاطبات فيما بينها والمستندات باللغة الإنجليزية، بحسب طبيعة المشروع، فقد تكون المناقصة قد أرسيت على شركة تخاطب الجهة باللغة الإنجليزية، ولذلك أرى أن قرار وزير العدل هو نتيجة طبيعية وكان يجب أن يطبق منذ وقت طويل.

وأود التوضيح بأن اللغة الإنجليزية في ذاتها لغة، بينما لغة القانون الإنجليزية هي لغة أخرى، وبالتالي فمن يتقن الإنجليزية ليس بالضرورة يكون متقناً للعمل القانوني بتلك اللغة، وهناك مكاتب ترجمة لا تعرف المصطلحات القانونية ونرى ذلك في العديد من المستندات المترجمة، فنعود لنصحح تلك الأخطاء، وقد أثبتنا جدارتنا في مكتب الدوسري على قدرتنا في التعامل باحترافية في كافة أنواع الدعاوى باللغتين، وقد كان الحكم التحكيمي الأخير خير دليل على ذلك.

وأضيف بالنسبة لإتقان اللغة الإنجليزية وعلى الأخص القانونية منها، بأنني لم أدرس في دول غربية ولم أدرس في مدارس خاصة وإنما التحقت بالتعليم في مدارس الحكومة ولكن حرصي على تعلمها وعملي مع المحامين والمستشارين والمحكمين الأجانب على مدى سنوات كان هو السبب الرئيس في التمكن من العمل القانوني باللغة الإنجليزية.

ما هي النصيحة التي توجهها لخريجي القانون اليوم؟

ـ الملاحظ اليوم وجود تشبع كبير من خريجي مجال القانون، وهناك تعجل منهم في الحصول على أعلى عائد بأسرع وقت ممكن، لكن يصطدم الخريج بواقع فشله في الحصول على وظيفة، ويبدأ في البحث عن الدراسات العليا مثل الماجستير أو الدكتوراه ظناً منه أن ذلك سيخدمه في الجانب العملي ويتمكن من الحصول على وظيفة، وأنا أختلف مع هذا التوجه، فأنا على سبيل المثال لم أفكر في دراسة ماجستير أو دكتوراه فوراً بعد التخرج، وتركت وظيفة توفر الأمان الوظيفي كضابط برتبة نقيب، وعملت في مكاتب كبيرة بأجر زهيد لكي أكتسب ما هو أكبر من الماجستير والدكتوراه، وإلى أن وصلت لما أنا عليه اليوم.

علماً بأنني التحقت ببرامج الدراسات العليا في جامعتين مختلفتين قبل عشر سنوات تقريباً للحصول على درجة الماجستير ولكن بسبب المحاماة ومتطلباتها وضغوطها لم أتمكن من المواصلة فاضطررت للانسحاب مرتين، وكثير من زملائي حصل على الماجستير والدكتوراه خصوصاً أن معظمهم يعمل في جهات حكومية تدعم الموظفين الطلبة وتسمح لهم بالخروج مبكراً وغيرها من تسهيلات.

وأنصح بعدم الاستعجال والالتحاق بالدراسات العليا فور التخرج، ولكن على الخريج أن يقبل بعمل يتيح له اكتساب خبرة، حتى ولو كان بأجر بسيط وألا ينتظر المقابل قبل العمل، لأن الخبرات المتراكمة هي التي تضيف للقانوني أو أي خريج في مجاله، بينما الدراسات العليا تركز على الأمور النظرية وليست معياراً عند التوظيف خاصة في القطاع الخاص حيث الكفاءة تفرض نفسها.