صفحات متخصصه

مكناس لـ 'الوطن': أعمل 10 ساعات يومياً بهمِّة شاب وأصدرت كتاباً عنونته 'لم أنتهِ'



- 5 دولارات أول عمولة حصلت عليها عندما كنت في الجامعة

- البحريني إنسان مبدع عندما يعطى الفرصة والبحرين خط أحمر

- أحببت العيش في البحرين لطيبة أهلها وأخلاقهم وثقافتهم

- أنشأت شركة "بروموشين7" برأس مال 7 آلاف ليرة لبنانية

- "بروموسفن" جزء من مجموعة كبرى فيها 4600 موظف وأكبر شركة في العالم العربي

عباس المغني - تصوير ومونتاج: نايف صالح

يبدأ رجل الأعمال أكرم مكناس، المولود في العام 1944، صباح كل يوم بممارسة تمارين رياضية لمدة لا تقل عن ساعة، ليتجه إلى مكتبه ليتابع أعماله في الضيافة والعقار والإعلان والاستثمار وغيرها داخل وخارج البحرين، وغالباً ما يتناول غداءه في مكتبه الذي يغادره عند السادسة مساء لتلبية دعوة عشاء أو حضور فعالية اجتماعية أو ثقافية.

يقول إن كل يوم يعيشه هو يوم جديد، بأمل جديد، لا يلتفت إلى الماضي إلا فيما ندر، ولا يكترث كثيراً للمستقبل، وإنما يحرص على أن يعيش اللحظة بكل تفاصيلها، واضعاً نصب عينيه مساعدة نفسه والآخرين على إضافة إنجاز ما، صغيراً أو كبيراً، والتفاعل إيجاباً مع الجميع، انطلاقاً من المحبة التي بذرها الله سبحانه وتعالى في نفس الإنسان تجاه أخيه الإنسان، وفعل الخير، والإسهام في رفاهية وتقدم البشرية.

ويشير إلى أنه أصدر مؤخراً كتاباً يسرد فيه جوانب من رحلته الممتدة لنحو ستين عاماً في عالم الأعمال، وأنه اختار عبارة «لم أنتهِ» عنواناً لهذا الكتاب، إيماناً منه بقدرته على مواصلة مسيرة العمل والعطاء.

وذكر مكناس في لقائه مع «الوطن» أنه أحب العيش في البحرين لثقافة أهلها وطيبتهم وأخلاقهم، وقال: «أنا بحريني باختياري أحب الناس فيها، وأهم رأس مال في البحرين هو الإنسان البحريني، هو إنسان عظيم متواضع، عندما تفهمه وتعطيه الفرصة ستجد منه الإبداع، وهذا ما حدث في شركاتي، البحرينيون الذين عملوا معي كانوا مبدعين»، مؤكداً أن الإنسان أهم من كل شيء آخر. وهذا نص اللقاء:

هل لك أن تعطينا نبذة تعريفية عن أكرم مكناس؟

- ولدت في 1944 في منطقة شعبية في لبنان، والدتي كانت مدرسة ومعلمة، وأصبحت مديرة مدرسة في الضاحية، ووالدي تاجر ذهب، وعمل أول مصنع سلاسل ذهب في الوطن العربي، ودرست في المدرسة الدولية والجامعة الأمريكية في بيروت. فأخذت من والدتي العلم، ومن والدي التجارة.

وفضلت العمل حراً بدلاً من العمل كموظف، وأسست شركة خاصة وحققت الكثيرة من النجاح، وأحببت العيش في البحرين لطيبة أهلها وأخلاقهم العالية وثقافتهم المتسامحة والمحبة للحياة.

لدي أعمال في لبنان ودبي وأستراليا، ويمكنني العيش في لندن أو أمريكا، ولكن لن أترك البحرين أحببت العيش فيها، الحياة في البحرين بالنسبة لي خط أحمر، الناس فيها كل شيء. و «جنة بدون ناس ماتنداس».

حتى ابني كريم كان عايش في لبنان يدير فروع «مقدونك»، رجع للعيش في البحرين مع زوجته وهي بحرينية، وشعروا لماذا أنا أحب البحرين.

من هي الشخصية الأكثر تأثيراً في أكرم مكناس؟

- إنها أمي بلا شك رحمها الله. لقد كانت المرحومة والدتي، واسمها حكمت مراد، سيدة عظيمة بالفعل، والدها كان علامة وقاضي قضاة الأردن، ووالدتها هي ابنة أخ عارف باشا الحسن من قرية «بتوراتيج» وهو آخر بشوات الدولة العثمانية في لبنان.

كانت والدتي واحدة من بين القلائل الحاصلات على تعليم عالٍ حينها في لبنان، واستطاعت أن تقنع وزارة التعليم بافتتاح مدرسة لتعليم البنات في أحد أفقر مناطق بيروت، برج البراجنة، هذه المدرسة أصبحت خلال أربع سنوات من كبرى مدارس بيروت بأكثر من 1500 طالبة، كانت والدتي تعرفهن كلهن وتحبهن كلهن، وكانت دائماً تحثني على أن أختلط بهن، وأعاملهن كأخوات لي.

لقد علمتني أمي أن أتحدى الحواجز، ليس هناك جدار أعلى من سور الصين العظيم، لكن حتى هذا السور له مداخل، هذا الدافع لازمني طول حياتي، لم أعتقد أبداً طوال حياتي بوجود حواجز أمام تحقيق الذات، لا وجود لعبارة «لا يمكن القيام بهذا الشيء» في قاموسي، وإنما عبارة «كيف يمكنني أن أفعل ذلك والوصول إلى ما أريده». أنا أحاور أمي رحمها الله حتى الآن، وأشعر بطمأنينة كبيرة عندما أشعر بطيفها في جواري.

ومن العادات التي أحملها من طفولتي حتى الآن هي أنه عندما تواجهني تحديات أو صعوبات، أو أكون مستاءً، ولأفكر بعمق أقوم بشكل دائم برمي الحجارة في أي مكان بركة، في البحر، على الأشجار، في أي شيء، في أي مكان يساعدني على استعادة هدوء أعصابي، وكأنني أفرغ غضبي وانتقامي للوضع الصعب الذي أكون فيه.

ماذا عن رحلتك في التعليم؟

- درست في المدرسة الدولية في لبنان، والتي تضم طلاباً لبنانيين وعرباً من دول كثيرة مثل المملكة العربية السعودية والكويت والعراق، ومن الهند وإيران، حتى أن واحداً من أبناء عموم شاه إيران واسمه أرضشير لالاوي كان زميلاً لي هناك. حيث إن قانون المدرسة ينص على ضرورة قبول طلاب من جنسيات من مختلف دول العالم. ثم أكملت دراستي في الجامعة الأمريكية في بيروت بكلية إدارة الأعمال.

وماذا عن العمل؟

- في الواقع أنا ابن أسرة ثرية، وكان علي الاعتماد على نفسي لتوفير مصاريف الدراسة، وقد بدأت العمل في سن مبكرة، 16 أو 17 عاماً، ومارست كثيراً من المهن، بدأتها بتوصيل البضائع من المحلات إلى البيوت، ثم بيع الموسوعات، ووثائق التأمين، والمساحات في المعارض التجارية، وحتى الأدوات الصحية والمراحيض.

في المرحلة الجامعية كنت أعمل في بيع الإعلانات وتنظيم المعارض داخل الجامعة معارض تجارية وهندسية، وأتقاضى عمولة، وأول عمولة حصلت عليها 5 دولارات مقابل بيع جناح على شركة في أحد المعارض التي نظمتها الجامعة.

بعد تخرجي من الجامعة أنشأت مع ستة من أصدقائي شركة «بروموشين7» برأس مال 7 آلاف ليرة لبنانية، وكانت الشركة مختصة في الترويج بشكل عام، ونجحت نجاحاً كبيراً، وتحولت لاحقاً إلى «بروموسِفِن»، وحصلت على كثير من الأعمال من شركات كبيرة، وانتجنا أول إعلان على مستوى الوطن العربي. لكن الحرب الأهلية في لبنان في 1975 قضت على كل شيء، وأرغمتني على ترك بلدي الحبيب ورائي متجهاً في البداية إلى الأردن، ثم تركيا، ثم دبي، لأحط رحالي أخيراً في البحرين في 1976.

كيف قادتك الأقدار إلى البحرين؟

- جئت إلى البحرين بادئ الأمر ساعياً خلف عقد إعلاني مع شركة طيران كاثي باسفيك التي افتتحت فرعاً لها في البحرين، وفي ذلك الحين كان مطار البحرين الأكثر شهرة في منطقة الخليج العربي، ويعتبر ميناء جوياً حيوياً عالمياً، فيما كاثي باسفك تستهدف أسواق منطقة الخليج انطلاقاً من البحرين، ومن ثم أسواق أوروبا.

عندما بدأنا بعمل التصميم الإعلاني لكاثي باسفك، وقع اختيارنا على شاب بحريني اسمه راشد العريفي، رحمه الله، -والذي أصبح فيما بعد فناناً شهيراً في البحرين والخليج-، وأصبح راشد بطل الإعلان، وظهر في الصورة وجميع فتيات آسيا العشر جالسات حوله وكأنهن يخبرنه عن آسيا وخفاياها وعن الخدمات المتفوقة لكاثي باسيفك، مع عبارة «ترحيب من قلب آسيا وخدمة تأتيكم من كل بلدان آسيا».

جرى التقاط صورة الإعلان على شاطئ البديع: عبارة عن فارس يصل راكباً حصانه بدون سرج، يتبختر بين فتيات ارتدت كل واحدة منهن زيها الوطني في مشهد مفعم بالألوان، فيما أشجار النخيل والشاطئ والبحر تكمل تفاصيل الصورة، لتظهر عبارة «من قلب آسيا» التي ألفتها سابقاً.

في بداية الثمانينات قررنا أن نلم الشمل، وأن أستقدم عائلتي إلى البحرين بشكل نهائي. في الواقع كنت أسافر بشكل دائم إلى كل دول الخليج، ولكن البلد الوحيد الذي ارتحت له ولأهله وشعرت أنني واحد منهم هو البحرين، وبذلك أصبحت البحرين مقري الرئيس، ولا زال لدي نفس الشعور بالراحة رغم مرور كل تلك السنين، وإن ولائي لهذا البلد لا يخفى على أحد.

وتطور العمل بمرور الأيام، وأصبح لدى «برموسفن» التي أصبحت «فورتشن بروموسفن» وأصبح لدينا عدد كبير من العملاء من الشركات العالمية، وأصبحنا ندرج على معظم لوائح الشركات الكبرى عندما تحتاج إلى عروض إعلانية، وصار من عملائنا «طيران الخليج» التي كانت من أكبر شركات الطيران على مستوى المنطقة في ذلك الوقت، وخطوط جوية أخرى وشركات سيارات وغيرها، كما توسعنا في مختلف أنحاء الوطن العربي بداية من السعودية ومصر وغيرها.

ومن دواعي الفخر أن «فورتشن برموسفن» التي كانت انطلاقتها الحقيقة من البحرين هي الآن أكبر شركة علاقات عامة على مستوى الوطن العربي، وتوظف قرابة سبعة آلاف موظف، وقد احتفلنا هنا، في المقر الرئيس لمجموعة برموسفين قبل عدة سنوات بذكرى مرور خمسين عاما على إطلاقها.

ماذا عن التحول نحو أنشطة أخرى؟

- بحلول العام 2000 كنت قد أصبحت في السادسة والخمسين من عمري، وقد دخلت صناعة الإعلان العصري الرقمي، فأدركت أنه حان الوقت بالنسبة لي لتغيير الاتجاه، وكان فجراً آخر في مسيرة حياتي.

ودخلت حينها عالم العقار الذي لم أكن بطبيعة الحال بعيداً عنه، ففي الواقع أول مشاريعي في مجال العقارات كانت في المملكة المتحدة في لندن. في البداية عندما اشتريت منزل «كات ستيفنز» في 1982، والذي قمت ببيعه لاحقًا بربح معقول ثم اشتريت عقار للتملك الحر في شارع ديربي في عام 1996 ثم اشتريت عقارًا آخر، وهكذا.

في العام 2000، وبفضل نجاح «فورتشن برموموسفن» كان لدي أموال كافية للتفكير في الاستثمار في أعمال متنوعة أخرى، فانخرطت في مجال الضيافة، وبمرور الوقت أصبح لدي عن طريق التأسيس أو الشراء عدد من المنشآت السياحية مثل كورال بيه وكاميلوت وغيرها، أما في مجال العقار فأنا فخور بالفعل بإنشائي لعدد من المشاريع العقارية التي تشكل معلما من معالم البحرين، مثل أبراج اللؤلؤ، وحالياً أقوم بتنفيذ مشروع كبير في منطقة السنابس من المقرر أن يشكل عند الانتهاء منه مدينة متكاملة في هذا المكان الحيوي وسط البحرين.

وقد اتجهت مؤخراً أيضاً للاستثمار في مجال التعليم من خلال شرائي العقار الذي يضم المدرسة البريطانية، ومدرسة كويست، ولدي أعمال متفرقة أيضاً أقوم بتنميتها كل يوم.

ما هي الحكم التي توصلت إليها والتي تعتقد أنها كانت سبباً في نجاحك؟

- لقد عاملت الناس طيلة حياتي بطيبة وشغف، وبادلوني ذلك، أنا دائماً أومن أن البشر جيدون بالفطرة، وأرى أن في كل شخص جانباً خاصاً سيجذبني إليه، ولم أتوقف يوماً عن التعلم، أنا قنوع بأنني أستطيع أن أتعلم حتى من الأطفال.

وأؤمن أنه خلال المراحل المبكرة من نمو وتطور الإنسان يتدفق فيها الإبداع بغزارة، أنت شاب مفعم بالطاقة والحيوية، ولقد دأبت على رؤية الأفكار في أحلامي، أكتبها على عجل في دفتر ملاحظات، وأجعل شخصاً ما يرسمها، ثم أبحث عمن يريدها. كان عقلي ولا زال متفجراً بالاحتمالات والخطط والمغامرة.

هل لك أن تذكر لنا أحد مواقفك لتحقيق النجاح؟

- في أحد المواقف، دخلت على إدارة التسويق لشركة بي أم دبليو، وقلت لهم إن الإعلانات التي تنشروها في الوطن العربي غير نافعة، لأن الإعلان يتحدث عن التكنولوجيا وتوفير في البترول وهذه الأشياء لاتهم الإنسان العربي أو تؤثر على نفسيته. وكان الرئيس التنفذي يريد زيادة حصة الشركة في الشرق الأوسط، وكان حصتهم في ذلك الوقت 400 سيارة في العالم العربي. فاقترحت عليهم تغيير الإعلان بما يتناسب مع التفكير بالنسبة للمستهلك العربي. وقلت لهم تريدون أن تبيعوا سيارات أم تنشروا إعلانات فقط، فردوا: نريد أن نبيع. فقال الرئيس: أنا أؤمن بك، فكر بخطة وقدمها. فقدمت لهم إعلاناً بسيطاً جداً، يخاطب الرجل العربي، هل أنت رجل بما فيه الكفاية، جرب بي أم دبليو، هل أنت رجل بما فيه الكفاية تشرف بقيادة بي أم دبليو، وحقق نجاحاً كبيراً في زيادة المبيعات في الوطن العربي.

ومن أحد مواقف النجاح، أثناء غزو العراق للكويت، توقفت خطوط الطيران الكويتية، فذهبت إلى رئيس الشركة أحمد بوشاري وكان في لندن، وقلت لهم: يجب أن لا نستسلم للعراق، وبرأيي يجب أن يتم تخطيط خطوط معينة، وهو فكر بالفكرة وعمل بها، وخاطب البحرين وأعطوهم موافقة باستخدام مطار البحرين، وكلم لندن وأعطوه موافقة تيسير رحلات، بين لندن والبحرين، وعملنا دعاية للشركة، فكتبت في الدعاية حتى نستطيع أن نستقبلكم في الكويت أهلاً بكم على متن طائراتنا. وحصلنا على جوائز كثيرة لهذا السبب.

كيف واجهت تأثير ثورة التكنولوجيا الرقمية على سوق الإعلان؟

- عندما شعرت أن الإعلان الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي تلتهم الإعلان التقليدي، قررت الانسحاب وأضع مكاني شخصاً يمتلك شغفاً وذا خبرة مكاني، وكان أصغر مني سناً، تركت الإدارة له وأعطيته راتباً كبيراً جداً، وهو ساهم في تكبير الشركة ضعفين عما كنت عليها.

وشركة بروموسفن هي جزء من مجموعة كبرى فيها 4600 موظف، وأكبر شركة في العالم العربي، ولدينا شريك أمريكي بعت له 50% من حصتي، لكي أحافظ على استمرارية وتعليم الموظفين واندماجهم في مجتمع اعلاني دولي. وعندما بعت 50% من حصتي على الشريك الأمريكي، أصبح لدي رأس مال كبير، فاستثمرت جزء منه في القطاع، والخدمات الهندسية، والفنادق والمطاعم، وصار لي اهتمام أن أوجد الرجل المناسب لإدارة شركاتي وأنا جالس في مكتبي متفرغ لعمل ما أحب.

كيف ترى مستقبل البحرين؟

- مستقبل البحرين مزدهر، هناك جهود كبيرة تبذلها البحرين في تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، وإطلاق الحكومة خطة التعافي الاقتصادي البالغة 32 مليار دولار تفتح آفاقاً واسعة وفرصاً كبيرة للباحثين عن النجاح.