د . حبيب النامليتي
قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى نَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9)) «سورة نوح»
بعد سنوات من التوحيد الخالص الذي استمـر عليه أهل الأرض من عهد آدم، بدأ انحراف الناس ببناء نُصب وتماثيل لرجال صالحين، ثم لما تطاول بهم العهد غلوا فيهم فاتخذوهم أنداداً من دون الله ووسائط يشـركون بهم مع الله، فبعث الله نوحاً الصابر الداعي الحكيم، الذي لا يكل ولا يمل في دعوته، وقص علينا شيئاً من أخباره، حتى نقف مع سيرته العطرة، ونستخرج منها الدروس الدعوية، وملخص تلك الدعوة: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)) (هود:13- 14) ، فماذا كان بعد هذا الإبلاغ القصير والإنذار الجميل، وإظهار الشفقة والرحمة بهم؟! ما كان من قومه إلا أن ردوا عليه دعوته وصدوا عنه وأعرضوا، وأخذوا يرددون شعارات لا قيمة لها ولا تصمد أمام الحق، ونوح يذكرهم بعظمة الخالق وعظم مخلوقاته، التي لا ولن يستطيع المخلوق الضعيف على الإتيان منها بشـيء، فيقول لهم: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً (14)) (نوح:13- 14) يدعوهم في كافة المحافل والأوقات مع تحري المناسبات: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (6)) (نوح: 5-6)، وماذا كانت النتيجة بعد تلك السنوات الطوال (وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) [هود: 40]، وقد أوحى الله إليه: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36]، فلما وجد أن لا فائدة من دعوتهم، ولن يلد منهم إلا فاجراً كفارا دعا عليهم؛ حتى لا يستمر الشر في الأرض.
وأمره ربه بصناعة السفينة لما قال له: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} [هود: 37]، ولما حان الوقت المحدود قال له: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [هود: 40]، فانهمر الماء من السماء وتفجرت عيون الأرض، في معجزة ربانية، فبدأ الناس بالاحتماء بأعلى البيوت ثم برؤوس الجبال، والسفينة ترتفع بحفظ الله، وفي هذه الأثناء يبصـر نوح ولده فتتحرك مشاعر الأبوة فيه فيناديه نداء المشفق، إلا أن الولد مازال في غيه؛ يظن أن الجبل يعصمه، ثم يأتيه النداء الأخير أن لا عاصم اليوم من أمر الله، وينتهي الأمر بموج يحول بينهما، وبعدها تهدأ الأمواج وتبلع الأرضُ الماء وترسو السفينة بأمان.
وعندما نقف مع أحداث هذه القصة التي تمثل مدرسة حقيقية للدعاة إلى الله، نجد فيها: أن الانحراف عن الصـراط المستقيم غالباً ما لا يكون فجأة بل ينقاد إليه الإنسان درجة درجة، وكذلك الوقوع في البدع الاعتقادية والعملية لن تصل إلى مداها إلا ببدايات انحراف يسيرة عن نهج الكتاب والسنة، ثم لا تلبث إلا وقد أوقعت صاحبها في مهالك، ومنها: أن الداعية والمربي إذا قام بواجبه في الدعوة مع التحلي بأخلاقها واستحضار آدابها لا يضيره بعد ذلك جحود الناس وعدم استجابتهم، فإن التوفيق إلى الإيمان لا يملكه، إنما هو مُذَكِّر، ليس عليهم بمسيطر.
صبر الداعية: صبره على الإيذاء والاستهزاء والافتراء، وعدم اليأس والقنوط، وقد يبتلى في عدم استجابة أقرب الناس إليه، وأن دعوة الرسل اتَّحَدَت على أعظم قضية، ألا وهي التوحيد والنهي عن الشـرك وطرقه ووسائله، وأن المعجزة التي وقعت لنوح عليه السلام ليست بأمر محال لا عقلاً ولا واقعاً؛ فقد رأينا كيف هاج البحر في ظاهرة التسونامي على طول السواحل المطلة على المحيط الهندي، وما أسفر عنه من قتلى بعشرات الآلاف في 11 دولة.
قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى نَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9)) «سورة نوح»
بعد سنوات من التوحيد الخالص الذي استمـر عليه أهل الأرض من عهد آدم، بدأ انحراف الناس ببناء نُصب وتماثيل لرجال صالحين، ثم لما تطاول بهم العهد غلوا فيهم فاتخذوهم أنداداً من دون الله ووسائط يشـركون بهم مع الله، فبعث الله نوحاً الصابر الداعي الحكيم، الذي لا يكل ولا يمل في دعوته، وقص علينا شيئاً من أخباره، حتى نقف مع سيرته العطرة، ونستخرج منها الدروس الدعوية، وملخص تلك الدعوة: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)) (هود:13- 14) ، فماذا كان بعد هذا الإبلاغ القصير والإنذار الجميل، وإظهار الشفقة والرحمة بهم؟! ما كان من قومه إلا أن ردوا عليه دعوته وصدوا عنه وأعرضوا، وأخذوا يرددون شعارات لا قيمة لها ولا تصمد أمام الحق، ونوح يذكرهم بعظمة الخالق وعظم مخلوقاته، التي لا ولن يستطيع المخلوق الضعيف على الإتيان منها بشـيء، فيقول لهم: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً (14)) (نوح:13- 14) يدعوهم في كافة المحافل والأوقات مع تحري المناسبات: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (6)) (نوح: 5-6)، وماذا كانت النتيجة بعد تلك السنوات الطوال (وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) [هود: 40]، وقد أوحى الله إليه: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36]، فلما وجد أن لا فائدة من دعوتهم، ولن يلد منهم إلا فاجراً كفارا دعا عليهم؛ حتى لا يستمر الشر في الأرض.
وأمره ربه بصناعة السفينة لما قال له: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} [هود: 37]، ولما حان الوقت المحدود قال له: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [هود: 40]، فانهمر الماء من السماء وتفجرت عيون الأرض، في معجزة ربانية، فبدأ الناس بالاحتماء بأعلى البيوت ثم برؤوس الجبال، والسفينة ترتفع بحفظ الله، وفي هذه الأثناء يبصـر نوح ولده فتتحرك مشاعر الأبوة فيه فيناديه نداء المشفق، إلا أن الولد مازال في غيه؛ يظن أن الجبل يعصمه، ثم يأتيه النداء الأخير أن لا عاصم اليوم من أمر الله، وينتهي الأمر بموج يحول بينهما، وبعدها تهدأ الأمواج وتبلع الأرضُ الماء وترسو السفينة بأمان.
وعندما نقف مع أحداث هذه القصة التي تمثل مدرسة حقيقية للدعاة إلى الله، نجد فيها: أن الانحراف عن الصـراط المستقيم غالباً ما لا يكون فجأة بل ينقاد إليه الإنسان درجة درجة، وكذلك الوقوع في البدع الاعتقادية والعملية لن تصل إلى مداها إلا ببدايات انحراف يسيرة عن نهج الكتاب والسنة، ثم لا تلبث إلا وقد أوقعت صاحبها في مهالك، ومنها: أن الداعية والمربي إذا قام بواجبه في الدعوة مع التحلي بأخلاقها واستحضار آدابها لا يضيره بعد ذلك جحود الناس وعدم استجابتهم، فإن التوفيق إلى الإيمان لا يملكه، إنما هو مُذَكِّر، ليس عليهم بمسيطر.
صبر الداعية: صبره على الإيذاء والاستهزاء والافتراء، وعدم اليأس والقنوط، وقد يبتلى في عدم استجابة أقرب الناس إليه، وأن دعوة الرسل اتَّحَدَت على أعظم قضية، ألا وهي التوحيد والنهي عن الشـرك وطرقه ووسائله، وأن المعجزة التي وقعت لنوح عليه السلام ليست بأمر محال لا عقلاً ولا واقعاً؛ فقد رأينا كيف هاج البحر في ظاهرة التسونامي على طول السواحل المطلة على المحيط الهندي، وما أسفر عنه من قتلى بعشرات الآلاف في 11 دولة.