العين الاخبارية
ثارت مؤخرا عدة تكهنات حول مصير الإخوان الهاربين بتركيا، بعد تقليص المساحات الممنوحة لهم، وبدأ الحديث عن الخطوة التالية للتنظيم.
وجاء تقليص المساحات الممنوحة للإخوان في تركيا، انعكاسا لسياسات جديدة للدولة التركية تجاه الجماعة بعد التقارب مع دول الخليج العربي واحتمال عودة العلاقات مع مصر.
وعلى إثر هذه التغيرات والتضييقات، انطلقت التكهنات حول الخطوة التالية للتنظيم، وإلى أين يمكن أن ينتقل بعناصره الهاربة في تركيا؟، وأين يمكن فتح منصات إعلامية؟
ورشح البعض إيران كوجهة تالية، نظرا لخبراتها في توفير ملاذات آمنة لبعض الشخصيات المتطرفة في السابق، وللتقارب الفكري بين النظام الحاكم في إيران وتنظيم جماعة الاخوان الارهابية، وما يقوي هذا الاحتمال ما رصده بعض الخبراء من محاولات الجماعة الارهابية إرسال قيادات من الصف الثاني للتفاهم مع الجانب الإيراني مؤخراً.
ولا يمكن فهم العلاقة بين الإخوان والنظام الإيراني دون الرجوع إلى تاريخهما المشترك، إذ تعود الروابط بين رجال الدين في إيران والجماعة إلى ما قبل تأسيس ما يعرف بـ"الجمهورية الإسلامية” عام 1979، حيث تتلاقى المفاهيم الأيديولوجية والأفكار والمرجعيات لكل منهما.
بداية العلاقة
وبدأت العلاقة مع زيارة يد روح الله مصطفى الموسوي الخميني عام 1938 لمصر، ولقاءه مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، حسب ما يؤكده الكاتب والباحث ثروت الخرباوي في كتابه "أئمة الشر".
ومن غير المعلوم على وجه اليقين من أثر في الآخر، فبعد هذه الزيارة لمسنا تغيراً كبيرا في كتابات حسن البنا عن الحكم والولاية يتطابق مع الفكر المؤسس للنظام الإيراني، حيث يقول في رسالة المؤتمر الخامس: "وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه"، وهي فكرة طارئة على أفكار الفكر السني.
ثم أضاف البنا: "والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع".
كما تأثر آية الله الخميني بفكر حسن البنا في كتابته عن "الحكومة الإسلامية"، حيث تبنى وجهة نظر مؤسس الإخوان في أن يتولى الفقهاء من أبناء الحركة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
ويقول الخميني في الصفحة الـ٣٤ من كتابه "الحكومة الإسلامية": "فيجب أن نعتقد بضرورة تأسيس الحكومة الإسلامية ويجب أن نسعى لإقامتها للاعتقاد بالولاية"، ثم قال: "وتذكروا أنكم مكلفون بتأسيس الحكومة الإسلامية واعتمدوا على أنفسكم".
ولم يكن آية الله الخميني وحده من تأثر بفكر الإخوان، فقد تأثر "مجتبي ميرلوحي" المعروف بـ"نواب صفوي" بفكرة التنظيم الخاص الإخواني، فقام بتأسيس تنظيم سري مسلح يقوم باغتيال الحكام ورجال الدولة من أجل التعجيل بقيام الدولة الإسلامية المزعومة، أطلق عليه اسم "فدائيي الإسلام".
تأثير سيد قطب
وفي عام 1954، التقى ميرلوحي بسيّد قطب، أثناء مؤتمر القدس، بعد أن دعاه الأخير إلى زيارة مصر. وفي أثناء زيارته للقاهرة، خطب ميرلوحي في جموع الإخوان الذين حملوه على الأعناق وانتقد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر وحكومة الثورة.
ويظهر تأثير سيد قطب وأفكاره على النظام الإيراني عند تسلم الأخير السلطة، إذ أصدر" آية الله الخميني" طابعًا بَرِيدِيًّا عليه صورة "سيد قطب".
وفور إعلان سقوط الشاه، سارع كثير من وفود تنظيم الإخوان المسلمين في مختلف البلدان إلى تهنئة الخميني بالثورة، كما صرح عمر التلمساني، مرشد الإخوان المسلمين الأسبق في مصر، عام 1982، بالدعم السياسي للخميني.
كما قام به "آية الله خامنئي" عام 1966 بترجمة كتاب سيد قطب "المستقبل لهذا الدين" إلى اللغة الفارسية، وكتب في مقدمة الترجمة أهمية الدور الذي أدّاه قطب، ونعته بصفة "المفكّر المجاهد" ثمّ ترجم كتاباً آخر لسيد قطب، وهو "الإسلام ومشكلة الحضارة الغربية"، ووسمه بعنوان "بيان ضدّ الحضارة الغربية"، فضلاً عن ترجمته قسماً من كتاب "في ظلال القرآن" لقطب أيضاً.
وعندما أصبح "مرشداً" لإيران عام 1989، أصدر الخميني أمراً بتدريس نظريات وأفكار سيد قطب في مدارس الإعداد العقائدي لدى "الحرس الثوري الإيراني"، والمثير للانتباه أن زعماء الشيعة في مصر وأشهر شخصياتهم كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين مثل الدكتور "أحمد راسم النفيس"، وأقر النفيس بهذا في لقاء على قناة (بي بي سي).
وينطبق الأمر أيضا على المستشار الدمرداش العقالي الذي ينقل عنه الأستاذ "محمود جابر" في مقاله أنه تربى في جماعة الإخوان المسلمين، وكان مرافقا للمستشار مأمون الهضيبي، وكان نائبا لرئيس حزب العمل أثناء تحالف الإخوان مع الأخير في ثمانينات القرن الماضي.
كما قامت جماعة الإخوان المسلمين بتأسيس "جماعة الدعوة والإصلاح"، لتكون فرعها في إيران، وذلك على يد مجموعة من الدعاة المتأثرين بالخميني وجمهوريته الدينية، مثل الشيخ ناصر سبحاني (1951-1990) والشيخ أحمد مفتي زاده (1933-1993) وغيرهما من أهل السُّنّة والجماعة من أكراد وبلوش وتركمان.
ووصل عدد فروع جماعة الدعوة والإصلاح، إلى 12 محافظة إيرانية غالبيتها سُنّية، وهذه الجمعية تمارس أنشطتها رسمياً وتعد من أكثر الجماعات السُّنّية التي تمتلك حرّية الحركة والنشاط بين مكوِّنات المجتمع الايراني حاليا.
والجدير بالإشارة أن محمد إبراهيم ساعدي تحدث في مؤتمر الإخوان الذي جرى مؤخرا في إسطنبول، بمناسبة ذكرى تأسيس الجماعة، بصفته ممثلاً عن جمعية الدعوة والإصلاح الإيرانية السنّية.
نقاط الاتفاق
ويتفق الإخوان والنظام الإيراني على الفكرة الأساسية للإسلام السياسي وهو الوصول إلى سدة الحكم، وجمع كل المسلمين والأراضي الإسلامية ( الدولة – والأمة) تحت عنوان ( الخلافة – الإمامة) مرتكزين على مفهومين؛ الأول الحاكمية للسنة والثاني ولاية الفقيه للشيعة الإثنى عشرية وكلاهما وجهين لعملة واحدة.
وفي كتاب قراءة في مرتكزات نهج الإمام الخميني، يوضح الدكتور بلال نعيم أن فكرة الحاكمية هي ذاتها فكرة ولاية الفقيه عند الخميني.
كما يلتقي الطرفان أيضا، في ضرورة حمل السلاح لتطبيق أفكارهمما الأيديولوحية؛ ففي الفكر الإخواني، قامت الجماعة بتأسيس "النظام الخاص"، وهو جهاز قام باغتيال شخصيات حكومية، فيما قام أحد رجال الفكر الإيراني، بتأسيس جماعة "فدائي إسلام" التي قامت أيضا باغتيالات لصالح الفكرة.
من أين الالتباس؟
كل ما سبق هو أكبر دليل على حجم العلاقة بين الإخوان ونظام طهران، والتي تتجاوز التوظيف أو النفعية البراجماتية إلى التشابه والتوأمة الفكرية، فمن أين جاء الالتباس في فهم العلاقة بينهما؟
ينبع الالتباس غالبا من سوء الفهم؛ فجماعة الإخوان طرحت نفسها كحركة أصولية سلفية سنية، وتتخفى خلف قناع المظلومية، فالتبس الأمر على البعض، وتعاطف معها وأفسح لها المجال للعمل داخل الأوطان، ومن هنا حظيت جماعة الإخوان برعاية إسلامية عربية لم تتمكن معها من إعلان موقفها الحقيقي من النظام الإيراني الذي ناصب العداء للدول المجاورة له.
وهنا، لجأت الإخوان إلى مبدأ التقية، حيث أعلنت في الظاهر مساندتها للسنة والجماعة، وفي الخفاء تضامنت مع النظام الحاكم في إيران، وكانت طائرة قادة الإخوان هي ثالث طائرة تهبط في مطار طهران بعد ثورة 1979 لتهنئة آية الله الخميني؛ فالجماعة هي الأقرب لنظام إيران من حيث الركائز الفكرية والغاية والوسائل التربوية.
وتعتير إيران من أقوى الأنظمة الداعمة للإخوان على مر العقود التالية لثورة 1979، سواء بالمال أو بالخبرات، فيما يعد تنظيم الإخوان من أهم الأذرع السياسية المهيئة للاستيلاء على أنظمة الحكم في البلاد التي نشط فيها.
ولم يكن مصادفة أن يستولي الإخوان على الحكم في اليمن ثم في في ظروف مريبة، يتم تسليم العاصمة صنعاء ومقاليد الحكم للحوثيين المواليين لإيران، ولا يمكن إغفال دور فرع الإخوان في العراق، في تمهيد الأجواء وتوفير الفرص لفرض إيران كلمتها على الساحة العراقية.
كما لا يمكن إغفال حجم التقارب الإيراني مع مصر في عهد الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي، ولا يمكن تجاهل اللقاءات الذي تمت سواء في تركيا أو في لبنان للتنسيق قيما بين الطرفين والاتفاق على العداء للأنظمة الحاكمة العربية، مستخدمين قدرتهما الدعائية وانتشارهما في كثير من البلدان لنشر الشائعات وإثارة البلبلة في الوطن العربي.
هل تكون مقر؟
هل تصلح إيران بعد كل هذا أن تكون دولة إيواء ومقر للإخوان؟.. هل يسعى الإخوان فعلا للانتقال إلى طهران بدلا من إسطنبول؟.. بالتأكيد لأ، لأنه بمجرد انتقال الجماعة لإيران بشكل واضح ومعلن ستفقد ميزتها كجماعة سنية أصولية، وتشتبك وتعادي المجتمعات والشعوب العربية التي تتوجس خيفة من الإسلام السياسي الشيعي القائم على تصدير الثورة والساعي لهدم الدول العربية والإسلامية لتصبح تابعة له.
وبالتالي، ستفقد الإخوان وفق هذا السيناريو، دورها الوظيفي والقدرة على المناورة والتسلل إلى المجتمعات العربية، والنفوذ إلى أفكار الأجيال الجديدة وتجهيزهم لسيطرة إيران عليهم.
ما الذي يطلبه الإخوان إذاً من إيران؟ من المتوقع أن تكون طلبات الإخوان مجرد توفير حماية لبعض الشخصيات المحكوم عليها بأحكام نهائية في مصر تصل للإعدام، ولا يمكن بقائها في تركيا ولا يمكن المخاطرة بانتقالها للدول الأوروبية، فيكون الحل توفير مضايف أو ملاذات آمنة لهم.
كما تطمح الإخوان من التواصل مع إيران، إلى توفير ممر آمن يسمح بانتقال بعض قيادات الجماعة ممن لا يملكون أوراقا ثبوتية تسمح لهم بالانتقال بحرية بين دول العالم، فينتقلوا إلى إيران كممر مؤقت ثم إلى دولة من وسط آسيا تمتلك حدود برية مع إيران وبها أغلبية مسلمة.
ومن المعلوم أن هذا الدور قام به النظام الإيراني من قبل مع عناصر وبعض قادة تنظيم القاعدة، أثناء معاركه مع القوات الأمريكية، ولم يمنع الخلاف المذهبي بينهما من توفير مضايف آمنة لقادة القاعدة وابن أسامة بن لادن نفسه رغم إدعاء الإخوان والقاعدة العداء الظاهري لإيران.