أصبح الحديث عن مخيم اليرموك أشبه باستعادة تاريخ حافل لعالم منسي في غياهب الضياع المصير المجهول، فمن توسع عمراني هائل وتعداد سكاني كبير وازدهار بشري وتنموي وعلمي وبشري، إلى ما أصبح ذكريات معادة ومعاناة يكاد يعجز الوصف عن الإحاطة بها وإيراد تفاصيلها؛ لا لعجز في التذكر بل لكثرة التفاصيل الدامية.فمن إقحام في صراع دام إلى انبثاق معاناة ا?لاف إلى التهميش والتواطؤ ومحاولة نفي الوجود والتغييب التام لكل التفاصيل التي صنعت جدارية فلسطين المحفورة بالدم في أماكن اللجوء والشتات، مخيم اليرموك أيقونة المنافي والرقم الصعب والبوصلة المتجهة إلى فلسطين، حيث القلوب الدامية والوجدان المعجون بتراب الأرض وآلاف السنين من التاريخ والكفاح ضد كل محاولات التشويه وطمس معالم هذا التاريخ.الحديث عن مخيم اليرموك محاولة للتذكير بأن ثمة إحياء هنا وآلاف الأرواح التي تحيط بها المحن والأزمات، صرخة نطلقها بالحديث عن واقعه للتذكير بأننا هنا وأننا أحياء على حافة الهاوية، وأننا نستحق الحياة، وأن الطفولة تحتضر، هنا صرخة لإعادة نسغ الحياة إلى أوردته وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث تستمر معاناة أهالي مخيم اليرموك المحاصر منذ منتصف ديسمبر عام 2012، بعد إقحامه في الأزمة السورية ومغادرة ما يقارب 90% من سكانه المليون ونصف، لتصبح سلسلة المآسي التي تزداد بمرور الوقت بعد بدء الحصار الفعلي للمخيم في يوليو 2013، فمن الجوع والبرد والعطش الى واقع طبي مزري، لتعود وتتجدد المعاناة في ابريل 2015، بعد الصراع بين كتائب اكناف بيت المقدس وتنظيم «داعش».مع نزوح عدد كبير من الأهالي إلى المناطق المجاورة، يلدا وببيلا وبيت سحم، وبعد انسحاب تنظيم «داعش» عاد عدد من الأهالي النازحين للمناطق المجاورة ليبلغ عدد السكان في المخيم 3200 عائلة، اي ما يقارب 10 آلاف شخص من الفلسطينيين يعانون الامرين في ظل انعدام الخدمات بكل اشكالها، سوى ما تقوم به بعض الهيئات المتبقية على الرغم من ضعف إمكانياتها المادية والآلية المعتمدة.أقامت هذه الهيئات سلسلة فعاليات تحت عنوان «أنقذوا مخيم اليرموك المحاصر» من أجل تسليط الضوء على مأساة مخيم اليرموك المحاصر، وقد بدأت هذه الفعاليات بتاريخ مطلع أغسطس الجاري، وما زالت مستمرة وصمن سلسلة فعالياتها الحملة الطبية تحت عنوان «ثقل الداء ولا دواء»، حيث تستمر هذه الحملة لمدة ثلاثة أيام، وتتضمن مؤتمراً صحافياً حول الوضع الطبي والواقع المعاشي في المخيم، وتقديم محاضرات طبية لزيادة الوعي الطبي ورفع السوية المعرفية حول الحمى التيفوئية والتهاب الكبد الوبائي والأمراض المزمنة والصحة العامة.حيث بدأت أولى فعاليات الحملة بعقد مؤتمر صحافي طبي بمركز دعم الشباب في مخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق شارك فيه عدد من الكوادر الطبية العاملة في المخيم، حيث قدم الدكتور معاوية من المجمع الطبي الخيري تقريرا شرح من خلاله الكارثة الطبية التي تتمثل في نقص ا?دوية واللقاحات والكلور لتعقيم مصادر المياه. كما تحدث عن الخدمات التي قدمها المجمع في عيادته العامة خلال الاسبوع الماضي وهي كالتالي؛ 200 مريض عام، 130 اسنان، 150 نسائية، 200 تحليل مخبري، 120 حالة إسعاف، وتم صرف 309 وصفات طبية، إضافة إلى القيام بزيارة عدد من المسنين المقعدين والكشف الطبي الدوري عليهم.أما الواقع الطبي الجراحي، فاستعرضه الدكتور إدريس العامل في مركز الإنقاذ الطبي الجراحي، والذي تأسس منذ خمسة أشهر ويعمل على مدار 24 ساعة، وذكر أنه خلال شهر تم إسعاف 510 حالات إسعافات جراحية وإجراء 120 عملية صغرى وكبرى و900 حالة إسعاف داخلية وأطفال تشتبه إصابتهم بحمى توفئيد، وتم تشخيص 200 حالة وقبول 150 بالمشفى. ويعاني المركز أيضاً من نقص أدوية بأنواعها ونقص سيارات إسعاف، حيث يتم إسعاف المرضى على الدراجات النارية.وناشد إدريس المؤسسات واتحادات الأطباء لإنقاذ المخيم، فخلال شهر لن يستطيع المركز الجراحي الوحيد تقديم العلاج لأي جريح بسبب عدم توفر الإمكانات الطبية. كما استعرض الدكتور صالح من مستشفى فلسطين ما يقدمه الهلال الأحمر من خدمات أساسية في المخيم، ومنها الرعاية الصحية الأولية للأطفال والحوامل، علاج ومتابعة بعض الأمراض الداخلية.ووجه الدكتور صالح نداء إلى منظمة الصحة العالمية والهيئات الطبية العالمية لإنقاذ المخيم الميت سريريا.كما قدمت ندوة طبية في مركز دعم الشباب حول الحمى التيفوئية وسبل الوقاية والعلاج والإجراءات الواجب اتخاذها للوقاية منها والحد من مخاطرها، وستستمر خلال الأيام القادمة، وسيتم تقديم العديد من المحاضرات الطبية لنشر الوعي والحد من المخاطر.وقد هدف إبراز الواقع الطبي المزري الذي شكل محور المواد المقدمة في إطار الفعاليات المقامة إلى لفت الأنظار وتسليط الضوء على معاناة مخيم اليرموك وأهله المحاصرين، وإبراز حجم المعاناة ومدى المآساة التي يعانيها أبناء الشعب الفلسطيني في المخيم لاستصراخ أصحاب الضمائر الحية واستنهاض الجهود لتدارك العمل والإسراع باتخاذ إجراءات وخطوات عملية علها تخفف بعضاً من وقع المأساة عن المخيم وأهله.
International
مخيم اليرموك.. واقع غذائي وطبي «كارثي»
20 أغسطس 2015