إرم نيوز
في مدخل أحد الأبنية القديمة بالعاصمة تونس، ثمة لوحة خشبية مهملة كُتب عليها ”ع. ر: الحكيم الروحاني الأول في تونس، يداوي كل أنواع العقم للنساء والرجال، يجلب الحبيب، ويعالج السحر، يسهل الارتباط والزواج، ويعالج الصرع والشقيقة".
تبدو الحركة حثيثة أمام باب محل صغير في تلك البناية، ولكن الوافدين يسعون لتجنب لفت انتباه المارة، بل يبدو دخولهم خلسة إلى داخل ذلك الدكان الذي ينبعث منه ضوء خافت.
كانت ”نزيهة.غ" تنتظر دورها للدخول وعرض نفسها للعلاج على يدي ذلك المشعوذ ”المعالج"، ”أملا في التخلص من سوء الطالع الذي ظل يرافقها منذ سنوات، وحرمها من كل مباهج الحياة، بعد أن كانت ضحية لأعمال سحر وشعوذة تسببت في إبطال زواجها قبل موعده بأسابيع قليلة"، على حد قولها.
ترددت المرأة الأربعينية كثيرا قبل أن تتحدث لـ"إرم نيوز"، عن بعض أسرار حياتها، مشترطة عدم الكشف عن هويتها كاملة خوفا من أن يفتضح أمرها، مؤكدة أنها حرصت على أن تبقى كل زياراتها إلى عيادة المشعوذ المعروف بـ"المعالج الروحاني" شأنا شخصيا طي الكتمان.
تقول لـ"إرم نيوز": ”عندما كنت ممسكة بهاتفي المحمول أتجول عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وقع بصري على إعلان في إحدى مجموعات فيسبوك يدّعي صاحبه أنه معالج روحاني وحكيم يداوي كل الأمراض ويزيل السحر ويفك سوء الحظ ويسهل الزواج، كنت خرجت لتوي من تجربة ثانية باءت بالفشل في الزواج بعد أن تخلى عني خطيبي لأسباب أجهلها حتى الآن".
تضيف المرأة التي تجاوزت الثانية والأربعين من العمر، ولم تنل حظا وافرا من التعليم في مسقط رأسها بأحد الأحياء المتاخمة لوسط العاصمة تونس ”هذه هي المرة الثالثة التي يبطل زواجي قبل موعده بأسابيع قليلة، نصحتني إحدى صديقاتي بأن أزور هذا الشيخ، فقد أكون أعاني من بعض أعمال السحر ويكون شفائي على يديه المباركتين"، وفقا لتعبيرها.
وليست المتحدثة سوى حالة من الآلاف من النساء والرجال على اختلاف فئاتهم الاجتماعية والعمرية ومستوياتهم العلمية ممن اختاروا اللجوء إلى المعالجين الروحانيين للخضوع إلى حصص خاصة ومبهمة في العلاج، وإلى طقوس غريبة، فيما يدّعي بعض المطببين بأنهم يزيلون به مفعول السحر، ويفكون به قيود ضحاياهم.
وتفشت ظاهرة الإقبال على المشعوذين والمعالجين بالطقوس الروحية والطلاسم وبعض النباتات الغريبة والأعشاب الطبيعية، ولم تعد الظاهرة حكرا على الأوساط الريفية والاجتماعية الفقيرة، بل شملت حتى من يملكون مكانة اجتماعية مرموقة، بحسب ما أوردته مصادر إعلامية تونسية.
تقول ”نزيهة" إنها أنفقت آلاف الدنانير دون أن تجد حلا لمشكلتها، مضيفة أنها تدفع للمعالج الروحاني مبلغ 50 دينارا (نحو 17 دولارا) عن الحصة الواحدة، فيما كشفت أنها تتردد بمعدل مرة واحدة في الأسبوع منذ نحو 4 سنوات.
وحول جدوى الاستمرار في زيارة تلك العيادة رغم عدم إيجاد حل لمشكلتها، قالت ”عندي أمل في فك معضلة تعطيل الزواج، أؤمن إيمانا قاطعا بأني ضحية لأعمال شريرة من إحدى قريباتي، أعرف أنها لا تحبني، سيكون علاجي من هذا التعطيل بيد الشيخ، لقد شفيت الكثيرات على يديه".
وأثارت ظاهرة اللجوء إلى المعالجين الروحانيين في تونس ضجة غير مسبوقة، ليس فقط لكثرة تردد النساء على مثل تلك المحلات، وإنما بسبب ما فجره برنامج تلفزيوني من تعرض نحو 900 امرأة وفتاة للاعتداء الجنسي من قبل رجل كان يدّعي أنه روحاني، يعالج عديد الأمراض، مثل: السحر، والجن، وتأخر الإنجاب، وتسهيل الزواج، وذلك بمعاشرة ضحاياه جنسيا.
وكشفت الأجهزة الأمنية أن ”900 فتاة وامرأة وقعن ضحايا لمعالج أقنعهن بأن العلاج يكمن فيما تمت تسميته ”المني الطاهر" عبر المعاشرة الجنسية، في 14 حصة، سعر الحصة الواحدة بين 210 دنانير و 350 دينارا (بين 70 و120 دولارا)، مع وجوب أن توفر الحريفات ملابس مثيرة وفواكه جافة ومكانا مجهزا لممارسة حصص العلاج.
وأوقفت السلطات الأمنية في تونس الكهل الذي يدعى ”بلقاسم"، ويقطن بإحدى مدن محافظة أريانة شمال العاصمة تونس، استعدادا لتسليمه للمحاكمة في أخطر قضايا الاعتداءات الجنسية بالتحايل والخداع في تاريخ البلاد، وفق ما أكدته مصادر قضائية.
وعادة ما تنتشر محال المعالجين الروحانيين بكثرة بين الأوساط الاجتماعية التي لا حظّ لها من التعليم، ولكن السنوات الأخيرة شهدت رواجا لأمثال هؤلاء حتى بالأحياء الراقية وفي الأوساط المرموقة.
واعترفت بعض النساء من ضحايا ذلك المعالج بأنهن كن يخضعن لنزواته أملا في العلاج من الاكتئاب ومن تعطيل الزواج أو أملا في إنجاب الأطفال بالنسبة للمتزوجات.
وكشفت رئيسة الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بإدارة الأمن العمومي، فاتن مطوسي، أن ”أجهزة الشرطة كانت تتابع كل التحركات حول المتهم بالإيقاع بالنساء، وتجمع كل المعطيات بخصوص بعض الضحايا، قبل التأكد من وجود عمليات اعتداء جنسي وضبط المعالج واعتقاله".
وأضافت مطوسي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن ”المستويات الاجتماعية والعلمية للضحايا مختلفة، وأن مدّعي العلاج كان يستغل هشاشتهن النفسية للإيقاع بهن في شِراكه، مضيفة أن أعمار النساء اللاتي تعرضن للخداع متباينة، لكن معظمهن من الشابات".
ولتفسير الظاهرة من زاوية اجتماعية، أكد المتخصص في علم الاجتماع، زهير العزوزي، أن ”الأسباب النفسية والبحث عن ملاذ للخروج من وضعية ما، هي التي تدفع بالأشخاص إلى الذهاب نحو المعالجين الروحانيين ظنا منهم أن هؤلاء بيدهم الخلاص من تلك العقبات وتجاوزها".
وقال العزوزي لـ"إرم نيوز: ”عندما يصطدم الإنسان بمشكلة اجتماعية أو مادية أو صحية أو أي نوع من المشاكل يلجأ بشكل مباشر إلى من يوفر له الاطمئنان، أو الإجابة عن هواجسه، أو علاج الضائقة التي يعيشها، أما بخصوص تفشي هذه الظاهرة فيعود أساسا إلى الدعاية التي يوفرها المعالج أو مدعي الخدمة، إما ذاتيا عبر خلق هالة توهم الناس بقدرته على حل كل المشاكل، وإما من خلال ما يوفره حرفاء سابقون من رواج لتلك الخدمات وادعاء قدرته على توفير العلاج".
وقال المتخصص الاجتماعي ”رغم أن الظاهرة تبدو شاملة لكل الأطياف الاجتماعية، فإن أغلب الضحايا عادة ما ينحدرون من أوساط اجتماعية دنيا أو من مستويات أكاديمية محدودة، تعتقد في قدرة المعالجين الروحانيين على تخليصهم من متاعبهم الصحية والنفسية".
في مدخل أحد الأبنية القديمة بالعاصمة تونس، ثمة لوحة خشبية مهملة كُتب عليها ”ع. ر: الحكيم الروحاني الأول في تونس، يداوي كل أنواع العقم للنساء والرجال، يجلب الحبيب، ويعالج السحر، يسهل الارتباط والزواج، ويعالج الصرع والشقيقة".
تبدو الحركة حثيثة أمام باب محل صغير في تلك البناية، ولكن الوافدين يسعون لتجنب لفت انتباه المارة، بل يبدو دخولهم خلسة إلى داخل ذلك الدكان الذي ينبعث منه ضوء خافت.
كانت ”نزيهة.غ" تنتظر دورها للدخول وعرض نفسها للعلاج على يدي ذلك المشعوذ ”المعالج"، ”أملا في التخلص من سوء الطالع الذي ظل يرافقها منذ سنوات، وحرمها من كل مباهج الحياة، بعد أن كانت ضحية لأعمال سحر وشعوذة تسببت في إبطال زواجها قبل موعده بأسابيع قليلة"، على حد قولها.
ترددت المرأة الأربعينية كثيرا قبل أن تتحدث لـ"إرم نيوز"، عن بعض أسرار حياتها، مشترطة عدم الكشف عن هويتها كاملة خوفا من أن يفتضح أمرها، مؤكدة أنها حرصت على أن تبقى كل زياراتها إلى عيادة المشعوذ المعروف بـ"المعالج الروحاني" شأنا شخصيا طي الكتمان.
تقول لـ"إرم نيوز": ”عندما كنت ممسكة بهاتفي المحمول أتجول عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وقع بصري على إعلان في إحدى مجموعات فيسبوك يدّعي صاحبه أنه معالج روحاني وحكيم يداوي كل الأمراض ويزيل السحر ويفك سوء الحظ ويسهل الزواج، كنت خرجت لتوي من تجربة ثانية باءت بالفشل في الزواج بعد أن تخلى عني خطيبي لأسباب أجهلها حتى الآن".
تضيف المرأة التي تجاوزت الثانية والأربعين من العمر، ولم تنل حظا وافرا من التعليم في مسقط رأسها بأحد الأحياء المتاخمة لوسط العاصمة تونس ”هذه هي المرة الثالثة التي يبطل زواجي قبل موعده بأسابيع قليلة، نصحتني إحدى صديقاتي بأن أزور هذا الشيخ، فقد أكون أعاني من بعض أعمال السحر ويكون شفائي على يديه المباركتين"، وفقا لتعبيرها.
وليست المتحدثة سوى حالة من الآلاف من النساء والرجال على اختلاف فئاتهم الاجتماعية والعمرية ومستوياتهم العلمية ممن اختاروا اللجوء إلى المعالجين الروحانيين للخضوع إلى حصص خاصة ومبهمة في العلاج، وإلى طقوس غريبة، فيما يدّعي بعض المطببين بأنهم يزيلون به مفعول السحر، ويفكون به قيود ضحاياهم.
وتفشت ظاهرة الإقبال على المشعوذين والمعالجين بالطقوس الروحية والطلاسم وبعض النباتات الغريبة والأعشاب الطبيعية، ولم تعد الظاهرة حكرا على الأوساط الريفية والاجتماعية الفقيرة، بل شملت حتى من يملكون مكانة اجتماعية مرموقة، بحسب ما أوردته مصادر إعلامية تونسية.
تقول ”نزيهة" إنها أنفقت آلاف الدنانير دون أن تجد حلا لمشكلتها، مضيفة أنها تدفع للمعالج الروحاني مبلغ 50 دينارا (نحو 17 دولارا) عن الحصة الواحدة، فيما كشفت أنها تتردد بمعدل مرة واحدة في الأسبوع منذ نحو 4 سنوات.
وحول جدوى الاستمرار في زيارة تلك العيادة رغم عدم إيجاد حل لمشكلتها، قالت ”عندي أمل في فك معضلة تعطيل الزواج، أؤمن إيمانا قاطعا بأني ضحية لأعمال شريرة من إحدى قريباتي، أعرف أنها لا تحبني، سيكون علاجي من هذا التعطيل بيد الشيخ، لقد شفيت الكثيرات على يديه".
وأثارت ظاهرة اللجوء إلى المعالجين الروحانيين في تونس ضجة غير مسبوقة، ليس فقط لكثرة تردد النساء على مثل تلك المحلات، وإنما بسبب ما فجره برنامج تلفزيوني من تعرض نحو 900 امرأة وفتاة للاعتداء الجنسي من قبل رجل كان يدّعي أنه روحاني، يعالج عديد الأمراض، مثل: السحر، والجن، وتأخر الإنجاب، وتسهيل الزواج، وذلك بمعاشرة ضحاياه جنسيا.
وكشفت الأجهزة الأمنية أن ”900 فتاة وامرأة وقعن ضحايا لمعالج أقنعهن بأن العلاج يكمن فيما تمت تسميته ”المني الطاهر" عبر المعاشرة الجنسية، في 14 حصة، سعر الحصة الواحدة بين 210 دنانير و 350 دينارا (بين 70 و120 دولارا)، مع وجوب أن توفر الحريفات ملابس مثيرة وفواكه جافة ومكانا مجهزا لممارسة حصص العلاج.
وأوقفت السلطات الأمنية في تونس الكهل الذي يدعى ”بلقاسم"، ويقطن بإحدى مدن محافظة أريانة شمال العاصمة تونس، استعدادا لتسليمه للمحاكمة في أخطر قضايا الاعتداءات الجنسية بالتحايل والخداع في تاريخ البلاد، وفق ما أكدته مصادر قضائية.
وعادة ما تنتشر محال المعالجين الروحانيين بكثرة بين الأوساط الاجتماعية التي لا حظّ لها من التعليم، ولكن السنوات الأخيرة شهدت رواجا لأمثال هؤلاء حتى بالأحياء الراقية وفي الأوساط المرموقة.
واعترفت بعض النساء من ضحايا ذلك المعالج بأنهن كن يخضعن لنزواته أملا في العلاج من الاكتئاب ومن تعطيل الزواج أو أملا في إنجاب الأطفال بالنسبة للمتزوجات.
وكشفت رئيسة الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بإدارة الأمن العمومي، فاتن مطوسي، أن ”أجهزة الشرطة كانت تتابع كل التحركات حول المتهم بالإيقاع بالنساء، وتجمع كل المعطيات بخصوص بعض الضحايا، قبل التأكد من وجود عمليات اعتداء جنسي وضبط المعالج واعتقاله".
وأضافت مطوسي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن ”المستويات الاجتماعية والعلمية للضحايا مختلفة، وأن مدّعي العلاج كان يستغل هشاشتهن النفسية للإيقاع بهن في شِراكه، مضيفة أن أعمار النساء اللاتي تعرضن للخداع متباينة، لكن معظمهن من الشابات".
ولتفسير الظاهرة من زاوية اجتماعية، أكد المتخصص في علم الاجتماع، زهير العزوزي، أن ”الأسباب النفسية والبحث عن ملاذ للخروج من وضعية ما، هي التي تدفع بالأشخاص إلى الذهاب نحو المعالجين الروحانيين ظنا منهم أن هؤلاء بيدهم الخلاص من تلك العقبات وتجاوزها".
وقال العزوزي لـ"إرم نيوز: ”عندما يصطدم الإنسان بمشكلة اجتماعية أو مادية أو صحية أو أي نوع من المشاكل يلجأ بشكل مباشر إلى من يوفر له الاطمئنان، أو الإجابة عن هواجسه، أو علاج الضائقة التي يعيشها، أما بخصوص تفشي هذه الظاهرة فيعود أساسا إلى الدعاية التي يوفرها المعالج أو مدعي الخدمة، إما ذاتيا عبر خلق هالة توهم الناس بقدرته على حل كل المشاكل، وإما من خلال ما يوفره حرفاء سابقون من رواج لتلك الخدمات وادعاء قدرته على توفير العلاج".
وقال المتخصص الاجتماعي ”رغم أن الظاهرة تبدو شاملة لكل الأطياف الاجتماعية، فإن أغلب الضحايا عادة ما ينحدرون من أوساط اجتماعية دنيا أو من مستويات أكاديمية محدودة، تعتقد في قدرة المعالجين الروحانيين على تخليصهم من متاعبهم الصحية والنفسية".