على غير العادة لم نشهد تعديلات محدودة في التشكيل الحكومي الجديد، إذ جرت العادة أن تكون مساحة التغيير وزيريْن أو ثلاثة بالكثير، أي ما تقل نسبته عن 5% ويستمر العمل بالبقية الثابتة، تلك السياسة كانت تدل على الرضا والقناعة بوتيرة العمل الموجودة، وأن التغيير المحدود لا يراد له أن يحدث أثراً كبيراً في آلية العمل ووتيرته وفلسفته، ومن المهم هنا أن نؤكد على أننا لا نقيم أداء السابق أو نحكم مبكراً على اللاحق من الحكومات، ولا نقول إن الجديد لا بد أن يكون أفضل أو أسوأ، أو أن التغيير كان لمجرد التغيير، إنما نتحدث عن مسألة محددة جداً، وهي طبيعة «التغيير» وفلسفته والنظرة له عند التشكيلات الحكومية بشكل عام، على أن حجمه وسعته وعدده أحد العوامل المؤثرة في الأداء العام للحكومة، ونقول إن حجم التغيير «رسالة» بحد ذاتها تقول، إننا سنشهد آلية عمل جديدة وإن «التجديد» سيكون عنوان المرحلة القادمة.

وهي رسالة موجهة حتى لأعضاء الحكومة قبل أن تكون للمواطن بأن التغيير في أي لحظة سيكون معتمداً، وذلك واحد من عوامل الدفع بالتجويد واتخاذ وضعية الاستنفار دوما، وهي وضعية تتطلب أعصاباً ثابتة وتركيزاً عالياً وحضوراً ميدانياً، خاصة إذا ارتبط تقييمه برأي المواطن كمستهلك وزبون للخدمات الحكومية، أي سيكون للمواطن الحق في تقييم أداء الوزير، وستكون له يد كبيرة، وسيكون رأيه معتمداً من خلال برنامج «المتسوق السري»، إنما ذلك البرنامج بحد ذاته بحاجة لتسويق وترويج فما زال مجهولاً لدى العامة رغم أن تدشينه بدأ من أغسطس الماضي، أي ما يقارب السنة!!

الرسالة الثانية وهي جديدة أيضاً أن أربعة فقط من أسرة آل خليفة في الحكومة بمن فيهم سمو الرئيس ونائبه والاثنان الباقيان هما وزيرا الداخلية والمالية، وذلك أقل تمثيل للأسرة الكريمة لأي حكومة شكلت في السابق.

الرسالة الثالثة وهي الأكثر ملاحظة أن العنصر الشبابي هو الغالب على الأسماء الجديدة، وذلك كان أحد المطالب الأكثر إلحاحاً في السنوات السابقة، وأن الشباب بحاجة للشعور بأهميتهم ودورهم في بناء مستقبل البلد، وأن العمل والأداء الحكومي بالمقابل هو الآخر بحاجة للرؤية الشبابية ووتيرة عمل الشباب السريعة، وقد لبى التشكيل هذا المطلب.

الرسالة الرابعة هي زيادة نسبة تمثيل المرأة في هذه الحكومة بأربع نساء من أصل 24 وزيراً.

الرسالة الخامسة أن عدداً كبيراً من الوزراء الجدد كان ابناً للوزارة ومن داخلها مما يفتح باباً أمام الموظفين أنه من غير المستبعد أن تكون يوماً وزيرها وتلك رسالة تدفع للطموح والجدية في العمل.

الرسالة الأهم التي لا بد أن تصل للوزراء قبل المواطن أن استمرارك سعادة الوزير رهن بأدائك لا رهن بولائك للفريق فقط، وهذا سيتأتى من آلية وسرعة التقييم ومن قوة وجرأة القرار في «التغيير» إن استدعت الحاجة، تلك هي الرسالة الأقوى التي ستؤكد لنا أننا أمام حكومة «مفتحة باللبن» كما يقال، واعية وفي حالة استنفار لاتخاذ ما يلزم دون النظر للوراء.

ختاماً آملين للجميع التوفيق والنجاح لما فيه خير هذا البلد وصالحه، وشاكرين ومقدرين للجهود العظيمة التي بذلت من الوزراء السابقين، فبعضهم أفنى راحته وصحته في عمله، وخرج - وهي سنة الحياة - مرفوع الرأس ورايته بيضاء وكفه نظيفة.