غرفة أخي سلمان الحاضنة المنزلية
لموهبتي.. و«أجراس» تركت أصداء بحياتي
أيمن شكل - تصوير: علي العمايرة
مثلت غرفة الفنان الراحل «سلمان زيمان» الحاضنة المنزلية لموهبة المايسترو خليفة زيمان، وبدأ مبكراً دراسة الموسيقى بفضل قرار وزير الإعلام طارق المؤيد ابتعاثه في المرحلة الإعدادية، وفي مصر تكونت شخصية المايسترو والمؤلف الموسيقي، حين امتزج مع كبار الفنانين، ومن نفس المعهد اختار رفيقة حياته.
فرقة «أجراس» لم تخرج من حياة الفنان زيمان حتى اليوم، فإلى اليوم يلتقي مع أعضاء الفرقة أصدقاء العمر ووحدة التفكير، واليوم يعمل قائد فرقة البحرين للموسيقى -سابقاً- لتأسيس نسخة سعودية منها بعد أن ترك الخلافة لابنه زياد.
حاورت «الوطن» مؤسس «أجراس» وفرقة البحرين للموسيقى، الذي سرد سلم موسيقى حياته بداية من لعبه مع راشد الماجد وصولاً إلى قيادة أكبر الفرق الموسيقية في الشرق الأوسط.
حدثنا عن نشأة خليفة زيمان؟
- احتضنت المحرق طفولتي ومازالت حتى اليوم، وكنت ضمن 9 أبناء «4 بنات و5 أولاد» لوالد يعمل في شركة بابكو وعائلة يسودها الحب والحنان وبيئة مجتمعية أبواب بيوتها جميعها مفتوحة وعلاقات أهلها منسجمة ومتجانسة، ولقد كان لوالدي دور كبير في إمداد أبنائه بوقود الانتماء للوطن.
ماذا عن الفن في طفولتك؟
- كان أكبر أشقائي المرحوم الفنان سلمان زيمان يمثل الحاضنة المنزلية لموهبتي الموسيقية، وقد ظهرت تلك الموهبة في غرفة الآلات الموسيقية المتنوعة التي كان يقتنيها سلمان من آلات إيقاعية وعود وغيتار، وفي التنوع الموسيقي الذي كان يستمع له، حيث جمع كثيراً من الأعمال الهندية والخليجية والمصرية والعراقية ضمن مكتبته الموسيقية، ولم يبخل أخي في تشجيع موهبتي وتقديمي في فعاليات كان يشارك فيها.
كما أن المناسبات والفعاليات الفنية التي امتازت بها المحرق وارتباطها جميعاً بالبحر والتراث العريق للبحرين شكلت شخصيتي الفنية، وأذكر مجاورة الفنان راشد الماجد وصداقته في الطفولة، حيث كان يسكن على بعد 3 بيوت، ويأتي إلى منزلنا ونقضي المساء في غرفة سلمان وبين آلاته لنعزف ونغني معاً، ولم تخل المدرسة أيضاً من معلمين أكفاء في التربية الموسيقية احتضنوا موهبتي وعملوا على تنميتها منذ البدايات.
وفي زمن لاحق اتسعت دائرة علاقاتي الفنية في البحرين مع الفنان الكبير جاسم الحربان وأحمد الجميري وأحمد الهرمي الذي التقيت معه في تلحين وتوزيع تترات مسلسلات درامية كثيرة.
من أين جاءت جينات الفن في عائلة زيمان موظف بابكو؟
- لم يكن للعائلة تاريخ فني سابق، لكن هذه الجينات ظهرت بداية عند شقيقي سلمان الذي درس في العراق، وعاد إلى البحرين لتنمو مع آلاته أجنة الفن عند باقي أفراد العائلة، ولقد كانت ثمرة هذه التوليفة العائلية أننا قمنا بتأسيس فرقة «أجراس» مع سلمان بمشاركة أشقائي شوقي وسلوى وشريفة وبدرية، ومجموعة أخرى من خارج الأسرة من الفنانين الذي أحبوا تقديم فن راقٍ.
هل كانت لك هوايات أخرى في الطفولة غير الموسيقى؟
- كأي طفل في البدايات لا بد من أن يمر بلعب الكرة، لكن كانت لي هواية أخرى أحببتها لكن لم تستمر طويلاً، وهي تربية الطيور، وخاصة الحمام، لكن الموسيقى استطاعت أن تغَيِّب هذه الهوايات في وقت لاحق.
المايسترو يعرف بأنه عازف لمعظم الآلات الموسيقية المشاركة في الأوركسترا، فما هي أول آلة موسيقية لامست أناملك؟
- بدأت أول تجاربي الموسيقية على آلة الأكورديون والجيتار، ثم تنوعت الآلات الأخرى بعد ذلك مثل الكيبورد والبيانو والكمان، وتدرجت في مراحلي العمرية، واستطعت التمكن من العزف على كافة الآلات، لكني تخصصت في معهد الموسيقى بعزف آلة الكمان، وفي السنة النهائية اخترت التأليف الموسيقي فكان لزاماً أن أدرس آلة البيانو باعتبارها آلة أساسية في التأليف.
متى بدأت دراسة الموسيقى؟
- لعل أهم ما حدث في مسيرة دراستي، حين قرر وزير الإعلام آنذاك المرحوم طارق المؤيد ابتعاث طلبة لدراسة الموسيقى في سن مبكرة، وتزامن هذا القرار مع المرحلة الإعدادية، وكنت ضمن أول مجموعة بحرينية التحقت بمعهد الموسيقى في سن مبكر، ولهذا كان تأثير مصر في حياتي كبيراً، حيث عشت فيها قرابة 15 سنة بين الدراسة والتسجيلات الموسيقية.
ماذا كان رأي العائلة بشأن قرار دراسة الموسيقى والخروج من البحرين في سن مبكر؟
- لم يقف والدي أمام طموحاتي في دراسة الموسيقى، بل كان مرحباً بها ومشجعاً لي، وتمنى لي التوفيق، لكن تظل عاطفة الأمومة لا تتغير في أي عصر، فقد واجهت اعتراضاً كبيراً من والدتي التي لم تكن على قناعة بأن أسافر في هذا السن وأبتعد عنها، إلا أن أشقائي استطاعوا إقناعها وتثبيط عزم المقاومة لديها، وأذكر جلستها في مطار البحرين القديم وهي تصيح وتبكي على فراق ولدها الصغير، وحين وجدت أنني لست الوحيد في هذه الرحلة وشاهدت باقي الطلبة المبتعثين، اطمأنت قليلاً، وأوصت كل واحد منهم أن يرعاني في الغربة.
في هذا الزمن لم تكن الاتصالات متوافرة في بلاد الغربة، فماذا كنت تفعل؟
- فترة الثمانينيات اقتصر فيها التواصل بين المغترب وعائلته على الرسائل البريدية، وفي بعض الأحيان كنت أذهب إلى أحد الفنادق التي توافر فيها خط دولي، وأجري مكالمة لكي أطمئن والدتي أنني بخير.
ما هي الحادثة التي تتذكرها عند بداية انتقالك للعيش في القاهرة؟
- لا أنسى حين طلبت سيارة تاكسي لكي أذهب للمعهد، وأبلغني الزملاء بقيمة الأجرة التي يجب أن أدفعها، لكن سائق التاكسي طلب أكثر، ورفضت الاستجابة لطلبه، فتعامل معي بشدة، وأنا طبيعتي إنسان مسالم، فقررت حينها تجميع مبلغ من منحة الدراسة وما يرسله لي أبي لشراء سيارة.
عادة ما تمتزج الدراسة الفنية بالعمل الموسيقي والحفلات؟
- بالفعل كان هناك العديد من الحفلات التي شاركت فيها أثناء الدراسة، وأذكر منها أنني قمت بتلحين أوبريت للجامعة الأمريكية بالقاهرة، وشاركت مع مجموعة من المواهب، وفي السنوات التالية تعرفت على نخبة من الفنانين والنجوم، ومن أبرزهم الفنانين علي الحجار وعمرو دياب الذي كان يدرس معي في نفس الفصل ولطيفة التونسية وأسامة القصبجي ومحمد الحلو.
حدثنا عن تاريخك مع فرقة «أجراس» وكيفية نشأتها؟
- «أجراس» هي أبرز محطات العمل الفني في البحرين، وقد كنت أحد المؤسسين مع أخي المرحوم سلمان وبقية أشقائي، واستمرت الفرقة منذ 1982 حتى 1995، وتوليت قيادة الفرقة التي ضمت مجموعة من الخريجين من معاهد مختلفة ممن لديهم حماسة لتقديم فن راقٍ على أسس علمية، ومنهم الفنانون علي الديري وإبراهيم علي ودرويش علي ومحمد هاشم.
هذه الفرقة استطاعت أن تلمس ذائقة المستمع البحريني حتى إن الحفلات كانت تستمر ثلاثة أيام متواصلة بكامل العدد، وكانت القضية الفلسطينية هي المسيطرة على أغاني الفرقة، وتأثرنا بشعراء هذه الحقبة من العرب ثم البحرينيين مثل الأساتذة علي عبدالله خليفة وعلي الشرقاوي وفتحية عجلان وإبراهيم بوهندي.
ماذا حدث بعد عودتك إلى الوطن من رحلة الدراسة؟
- في 2002 تم تكليفي من قبل وزير الإعلام نبيل الحمر بإنشاء فرقة البحرين للموسيقى العربية، لكني قررت أن أمنحها عنوان «فرقة البحرين للموسيقى» لتكون شاملة لأنواع الموسيقى ولا تقتصر على الموسيقى العربية فقط.
وبدأت في اختيار مجموعة من الموسيقيين البحرينيين وآخرين من دول عربية عدة كان أبرزها مصر والعراق وسوريا، وتصدينا لكثير من الفعاليات والمهرجانات الموسيقية وصاحبت الفرقة عشرات من نجوم الفن في الخليج والوطن العربي، وأفتخر بأن هذه الفرقة استطاعت على مدى 20 عاماً أن تنحو بمسار الموسيقى في البحرين إلى منحى عالمي وعالي الجودة، وأن تقدم البحرين وتراثها عبر فن راقٍ وأن تسمو بالذائقة الموسيقية العامة في المملكة.
ما هو تأثير البحر على مؤلفاتك الموسيقية؟
- منذ أن ولدت وأنا أعيش في المحرق ولا يكاد يغيب منظر البحر عن عيني يوماً، ولذلك التصقت الفنون البحرية بأعمالي الموسيقية بعفوية.
ماذا بعد أن تقاعدت من فرقة البحرين للموسيقى؟
- تم تكليفي من قبل الشقيقة المملكة العربية السعودية بتأسيس أول فرقة موسيقية تضم عناصر وطنية متميزة، وأتواجد هناك أسبوعياً لإجراء الاختبارات واختيار الفنانين الذين سيشكلون الفرقة، من جميع مناطق المملكة، حيث تم اختيار 75 عازفاً ومؤدياً من بين 200 فنان تقدموا، وسيزداد عدد الفرقة في المرحلة المستقبلية.
أليس عدد الفرقة كبيراً؟
- عادة ما يتجاوز عدد أعضاء الأوركسترا 175 عازفاً وفناناً، وذلك ضمن 4 عائلات الآلات الموسيقية، وهي آلات النفخ الخشبي والنحاسيات والإيقاعات والوتريات، وفي كل عائلة يجب ألا يقل عدد العازفين عن 30 فرداً، لبناء نسيج موسيقي متكامل.
ما هو شعورك عند إدارة فرقة موسيقية تضم عدداً كبيراً من الموسيقيين؟
- عادة ما يواجه المايسترو مشكلة في السيطرة على هذا العدد الهائل من الفنانين الذين يتسمون بأمزجة مختلفة، وخاصة ممن لديهم مكانة فنية مرموقة، وستجد الفنان بطبعه ذا حس مرهف، ولذلك عندما يحدث خطأ من أي عازف، لا أنوه عنه بين الحضور فقد أخسر هذا العازف في لحظة، وإنما أتحدث إليه في وقت لاحق على انفراد حتى لا أثير حساسيته بين زملائه.
كيف كانت علاقتك بالفنان الراحل علي بحر؟
- لقد سبقت فرقة «الأخوة» في نشأتها فرقة «أجراس»، بسنوات حين بدأها الفنان الراحل علي بحر في 1976، بينما نشأت «أجراس» في 1982، والفنان علي بحر كان صديقاً ومن نفس «الفريج»، وقمت بتوزيع أكثر من أغنية له وتنفيذها في استوديوهات بالقاهرة، ولذلك يعد الفنان الراحل ممن تركوا بصمة في الأغنية البحرينية.
لكن الفنان علي بحر لم يدرس الموسيقى؟
- كثير من الفنانين لم يدرسوا الموسيقى، لكن لديهم موهبة وقدرة على صياغة الألحان والعزف على الآلات الموسيقية والأداء الغنائي دون دراسة، ولذلك فإن محبة الناس لا تأتي من فراغ.
متى تزوجت وكيف تعرفت على زوجتك؟
- عندما التحقت بمعهد الموسيقى في 1980 كان ضمن دفعتنا طالبة بحرينية تدعى هدى، وتعرفت عليها من خلال المعهد ولقاءات الطلبة البحرينيين، وتوطدت العلاقة لتتطور إلى الزواج بعد التخرج في 1988، ثم نتج عن ذلك ثلاثة أبناء وهم زياد ونديم وناصر.
هل ورث أحد من الأبناء الفن عن والده؟
- ابني الأكبر زياد درس الموسيقى في المعهد العالي وكان من المتفوقين ويقوم حالياً بعمل دراسة ماجستير في نفس المعهد، بينما يعمل اختصاصياً بوزارة التربية والتعليم، وتم تكليفه مؤخراً لخلافتي في قيادة فرقة البحرين للموسيقى، من قبل الشيخة مي بنت إبراهيم آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار.
من هم أصدقاء الماضي الذين مازالوا على العهد باقين حتى اليوم؟
- فرقة «أجراس» مازالت تترك أصداءها على حياتي الاجتماعية، وإلى اليوم ألتقي أعضاءها، وهم أصدقائي المقربون علي الديري ومحمد باقري ووهاب تقي، ونتزاور ونسافر معاً وعلاقتنا ممتدة أكثر من 40 سنة، والذي يميز علاقتنا هو القواسم المشتركة في طريقة التفكير وتشابه الآراء ونمط الحياة.
اليوم تواجه الموسيقى تغييراً شاملاً يؤثر على جودة المنتج، فكيف يمكن حل هذه المعضلة؟
- لقد نوقشت هذه القضية في العديد من اللقاءات، ولقد طرحت فكرة إنشاء معهد للموسيقى في البحرين، إلا أنها لم تر النور، وأدعو المسؤولين لإعادة طرح هذه المقترح مرة أخرى، لما له من أثر كبير في الحفاظ على التراث الوطني والهوية البحرينية والفنون التي ربما قد تندثر مع الوقت بسبب التطور التكنولوجي ودخول هويات موسيقية أجنبية على واقع المجتمع.
لموهبتي.. و«أجراس» تركت أصداء بحياتي
أيمن شكل - تصوير: علي العمايرة
مثلت غرفة الفنان الراحل «سلمان زيمان» الحاضنة المنزلية لموهبة المايسترو خليفة زيمان، وبدأ مبكراً دراسة الموسيقى بفضل قرار وزير الإعلام طارق المؤيد ابتعاثه في المرحلة الإعدادية، وفي مصر تكونت شخصية المايسترو والمؤلف الموسيقي، حين امتزج مع كبار الفنانين، ومن نفس المعهد اختار رفيقة حياته.
فرقة «أجراس» لم تخرج من حياة الفنان زيمان حتى اليوم، فإلى اليوم يلتقي مع أعضاء الفرقة أصدقاء العمر ووحدة التفكير، واليوم يعمل قائد فرقة البحرين للموسيقى -سابقاً- لتأسيس نسخة سعودية منها بعد أن ترك الخلافة لابنه زياد.
حاورت «الوطن» مؤسس «أجراس» وفرقة البحرين للموسيقى، الذي سرد سلم موسيقى حياته بداية من لعبه مع راشد الماجد وصولاً إلى قيادة أكبر الفرق الموسيقية في الشرق الأوسط.
حدثنا عن نشأة خليفة زيمان؟
- احتضنت المحرق طفولتي ومازالت حتى اليوم، وكنت ضمن 9 أبناء «4 بنات و5 أولاد» لوالد يعمل في شركة بابكو وعائلة يسودها الحب والحنان وبيئة مجتمعية أبواب بيوتها جميعها مفتوحة وعلاقات أهلها منسجمة ومتجانسة، ولقد كان لوالدي دور كبير في إمداد أبنائه بوقود الانتماء للوطن.
ماذا عن الفن في طفولتك؟
- كان أكبر أشقائي المرحوم الفنان سلمان زيمان يمثل الحاضنة المنزلية لموهبتي الموسيقية، وقد ظهرت تلك الموهبة في غرفة الآلات الموسيقية المتنوعة التي كان يقتنيها سلمان من آلات إيقاعية وعود وغيتار، وفي التنوع الموسيقي الذي كان يستمع له، حيث جمع كثيراً من الأعمال الهندية والخليجية والمصرية والعراقية ضمن مكتبته الموسيقية، ولم يبخل أخي في تشجيع موهبتي وتقديمي في فعاليات كان يشارك فيها.
كما أن المناسبات والفعاليات الفنية التي امتازت بها المحرق وارتباطها جميعاً بالبحر والتراث العريق للبحرين شكلت شخصيتي الفنية، وأذكر مجاورة الفنان راشد الماجد وصداقته في الطفولة، حيث كان يسكن على بعد 3 بيوت، ويأتي إلى منزلنا ونقضي المساء في غرفة سلمان وبين آلاته لنعزف ونغني معاً، ولم تخل المدرسة أيضاً من معلمين أكفاء في التربية الموسيقية احتضنوا موهبتي وعملوا على تنميتها منذ البدايات.
وفي زمن لاحق اتسعت دائرة علاقاتي الفنية في البحرين مع الفنان الكبير جاسم الحربان وأحمد الجميري وأحمد الهرمي الذي التقيت معه في تلحين وتوزيع تترات مسلسلات درامية كثيرة.
من أين جاءت جينات الفن في عائلة زيمان موظف بابكو؟
- لم يكن للعائلة تاريخ فني سابق، لكن هذه الجينات ظهرت بداية عند شقيقي سلمان الذي درس في العراق، وعاد إلى البحرين لتنمو مع آلاته أجنة الفن عند باقي أفراد العائلة، ولقد كانت ثمرة هذه التوليفة العائلية أننا قمنا بتأسيس فرقة «أجراس» مع سلمان بمشاركة أشقائي شوقي وسلوى وشريفة وبدرية، ومجموعة أخرى من خارج الأسرة من الفنانين الذي أحبوا تقديم فن راقٍ.
هل كانت لك هوايات أخرى في الطفولة غير الموسيقى؟
- كأي طفل في البدايات لا بد من أن يمر بلعب الكرة، لكن كانت لي هواية أخرى أحببتها لكن لم تستمر طويلاً، وهي تربية الطيور، وخاصة الحمام، لكن الموسيقى استطاعت أن تغَيِّب هذه الهوايات في وقت لاحق.
المايسترو يعرف بأنه عازف لمعظم الآلات الموسيقية المشاركة في الأوركسترا، فما هي أول آلة موسيقية لامست أناملك؟
- بدأت أول تجاربي الموسيقية على آلة الأكورديون والجيتار، ثم تنوعت الآلات الأخرى بعد ذلك مثل الكيبورد والبيانو والكمان، وتدرجت في مراحلي العمرية، واستطعت التمكن من العزف على كافة الآلات، لكني تخصصت في معهد الموسيقى بعزف آلة الكمان، وفي السنة النهائية اخترت التأليف الموسيقي فكان لزاماً أن أدرس آلة البيانو باعتبارها آلة أساسية في التأليف.
متى بدأت دراسة الموسيقى؟
- لعل أهم ما حدث في مسيرة دراستي، حين قرر وزير الإعلام آنذاك المرحوم طارق المؤيد ابتعاث طلبة لدراسة الموسيقى في سن مبكرة، وتزامن هذا القرار مع المرحلة الإعدادية، وكنت ضمن أول مجموعة بحرينية التحقت بمعهد الموسيقى في سن مبكر، ولهذا كان تأثير مصر في حياتي كبيراً، حيث عشت فيها قرابة 15 سنة بين الدراسة والتسجيلات الموسيقية.
ماذا كان رأي العائلة بشأن قرار دراسة الموسيقى والخروج من البحرين في سن مبكر؟
- لم يقف والدي أمام طموحاتي في دراسة الموسيقى، بل كان مرحباً بها ومشجعاً لي، وتمنى لي التوفيق، لكن تظل عاطفة الأمومة لا تتغير في أي عصر، فقد واجهت اعتراضاً كبيراً من والدتي التي لم تكن على قناعة بأن أسافر في هذا السن وأبتعد عنها، إلا أن أشقائي استطاعوا إقناعها وتثبيط عزم المقاومة لديها، وأذكر جلستها في مطار البحرين القديم وهي تصيح وتبكي على فراق ولدها الصغير، وحين وجدت أنني لست الوحيد في هذه الرحلة وشاهدت باقي الطلبة المبتعثين، اطمأنت قليلاً، وأوصت كل واحد منهم أن يرعاني في الغربة.
في هذا الزمن لم تكن الاتصالات متوافرة في بلاد الغربة، فماذا كنت تفعل؟
- فترة الثمانينيات اقتصر فيها التواصل بين المغترب وعائلته على الرسائل البريدية، وفي بعض الأحيان كنت أذهب إلى أحد الفنادق التي توافر فيها خط دولي، وأجري مكالمة لكي أطمئن والدتي أنني بخير.
ما هي الحادثة التي تتذكرها عند بداية انتقالك للعيش في القاهرة؟
- لا أنسى حين طلبت سيارة تاكسي لكي أذهب للمعهد، وأبلغني الزملاء بقيمة الأجرة التي يجب أن أدفعها، لكن سائق التاكسي طلب أكثر، ورفضت الاستجابة لطلبه، فتعامل معي بشدة، وأنا طبيعتي إنسان مسالم، فقررت حينها تجميع مبلغ من منحة الدراسة وما يرسله لي أبي لشراء سيارة.
عادة ما تمتزج الدراسة الفنية بالعمل الموسيقي والحفلات؟
- بالفعل كان هناك العديد من الحفلات التي شاركت فيها أثناء الدراسة، وأذكر منها أنني قمت بتلحين أوبريت للجامعة الأمريكية بالقاهرة، وشاركت مع مجموعة من المواهب، وفي السنوات التالية تعرفت على نخبة من الفنانين والنجوم، ومن أبرزهم الفنانين علي الحجار وعمرو دياب الذي كان يدرس معي في نفس الفصل ولطيفة التونسية وأسامة القصبجي ومحمد الحلو.
حدثنا عن تاريخك مع فرقة «أجراس» وكيفية نشأتها؟
- «أجراس» هي أبرز محطات العمل الفني في البحرين، وقد كنت أحد المؤسسين مع أخي المرحوم سلمان وبقية أشقائي، واستمرت الفرقة منذ 1982 حتى 1995، وتوليت قيادة الفرقة التي ضمت مجموعة من الخريجين من معاهد مختلفة ممن لديهم حماسة لتقديم فن راقٍ على أسس علمية، ومنهم الفنانون علي الديري وإبراهيم علي ودرويش علي ومحمد هاشم.
هذه الفرقة استطاعت أن تلمس ذائقة المستمع البحريني حتى إن الحفلات كانت تستمر ثلاثة أيام متواصلة بكامل العدد، وكانت القضية الفلسطينية هي المسيطرة على أغاني الفرقة، وتأثرنا بشعراء هذه الحقبة من العرب ثم البحرينيين مثل الأساتذة علي عبدالله خليفة وعلي الشرقاوي وفتحية عجلان وإبراهيم بوهندي.
ماذا حدث بعد عودتك إلى الوطن من رحلة الدراسة؟
- في 2002 تم تكليفي من قبل وزير الإعلام نبيل الحمر بإنشاء فرقة البحرين للموسيقى العربية، لكني قررت أن أمنحها عنوان «فرقة البحرين للموسيقى» لتكون شاملة لأنواع الموسيقى ولا تقتصر على الموسيقى العربية فقط.
وبدأت في اختيار مجموعة من الموسيقيين البحرينيين وآخرين من دول عربية عدة كان أبرزها مصر والعراق وسوريا، وتصدينا لكثير من الفعاليات والمهرجانات الموسيقية وصاحبت الفرقة عشرات من نجوم الفن في الخليج والوطن العربي، وأفتخر بأن هذه الفرقة استطاعت على مدى 20 عاماً أن تنحو بمسار الموسيقى في البحرين إلى منحى عالمي وعالي الجودة، وأن تقدم البحرين وتراثها عبر فن راقٍ وأن تسمو بالذائقة الموسيقية العامة في المملكة.
ما هو تأثير البحر على مؤلفاتك الموسيقية؟
- منذ أن ولدت وأنا أعيش في المحرق ولا يكاد يغيب منظر البحر عن عيني يوماً، ولذلك التصقت الفنون البحرية بأعمالي الموسيقية بعفوية.
ماذا بعد أن تقاعدت من فرقة البحرين للموسيقى؟
- تم تكليفي من قبل الشقيقة المملكة العربية السعودية بتأسيس أول فرقة موسيقية تضم عناصر وطنية متميزة، وأتواجد هناك أسبوعياً لإجراء الاختبارات واختيار الفنانين الذين سيشكلون الفرقة، من جميع مناطق المملكة، حيث تم اختيار 75 عازفاً ومؤدياً من بين 200 فنان تقدموا، وسيزداد عدد الفرقة في المرحلة المستقبلية.
أليس عدد الفرقة كبيراً؟
- عادة ما يتجاوز عدد أعضاء الأوركسترا 175 عازفاً وفناناً، وذلك ضمن 4 عائلات الآلات الموسيقية، وهي آلات النفخ الخشبي والنحاسيات والإيقاعات والوتريات، وفي كل عائلة يجب ألا يقل عدد العازفين عن 30 فرداً، لبناء نسيج موسيقي متكامل.
ما هو شعورك عند إدارة فرقة موسيقية تضم عدداً كبيراً من الموسيقيين؟
- عادة ما يواجه المايسترو مشكلة في السيطرة على هذا العدد الهائل من الفنانين الذين يتسمون بأمزجة مختلفة، وخاصة ممن لديهم مكانة فنية مرموقة، وستجد الفنان بطبعه ذا حس مرهف، ولذلك عندما يحدث خطأ من أي عازف، لا أنوه عنه بين الحضور فقد أخسر هذا العازف في لحظة، وإنما أتحدث إليه في وقت لاحق على انفراد حتى لا أثير حساسيته بين زملائه.
كيف كانت علاقتك بالفنان الراحل علي بحر؟
- لقد سبقت فرقة «الأخوة» في نشأتها فرقة «أجراس»، بسنوات حين بدأها الفنان الراحل علي بحر في 1976، بينما نشأت «أجراس» في 1982، والفنان علي بحر كان صديقاً ومن نفس «الفريج»، وقمت بتوزيع أكثر من أغنية له وتنفيذها في استوديوهات بالقاهرة، ولذلك يعد الفنان الراحل ممن تركوا بصمة في الأغنية البحرينية.
لكن الفنان علي بحر لم يدرس الموسيقى؟
- كثير من الفنانين لم يدرسوا الموسيقى، لكن لديهم موهبة وقدرة على صياغة الألحان والعزف على الآلات الموسيقية والأداء الغنائي دون دراسة، ولذلك فإن محبة الناس لا تأتي من فراغ.
متى تزوجت وكيف تعرفت على زوجتك؟
- عندما التحقت بمعهد الموسيقى في 1980 كان ضمن دفعتنا طالبة بحرينية تدعى هدى، وتعرفت عليها من خلال المعهد ولقاءات الطلبة البحرينيين، وتوطدت العلاقة لتتطور إلى الزواج بعد التخرج في 1988، ثم نتج عن ذلك ثلاثة أبناء وهم زياد ونديم وناصر.
هل ورث أحد من الأبناء الفن عن والده؟
- ابني الأكبر زياد درس الموسيقى في المعهد العالي وكان من المتفوقين ويقوم حالياً بعمل دراسة ماجستير في نفس المعهد، بينما يعمل اختصاصياً بوزارة التربية والتعليم، وتم تكليفه مؤخراً لخلافتي في قيادة فرقة البحرين للموسيقى، من قبل الشيخة مي بنت إبراهيم آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار.
من هم أصدقاء الماضي الذين مازالوا على العهد باقين حتى اليوم؟
- فرقة «أجراس» مازالت تترك أصداءها على حياتي الاجتماعية، وإلى اليوم ألتقي أعضاءها، وهم أصدقائي المقربون علي الديري ومحمد باقري ووهاب تقي، ونتزاور ونسافر معاً وعلاقتنا ممتدة أكثر من 40 سنة، والذي يميز علاقتنا هو القواسم المشتركة في طريقة التفكير وتشابه الآراء ونمط الحياة.
اليوم تواجه الموسيقى تغييراً شاملاً يؤثر على جودة المنتج، فكيف يمكن حل هذه المعضلة؟
- لقد نوقشت هذه القضية في العديد من اللقاءات، ولقد طرحت فكرة إنشاء معهد للموسيقى في البحرين، إلا أنها لم تر النور، وأدعو المسؤولين لإعادة طرح هذه المقترح مرة أخرى، لما له من أثر كبير في الحفاظ على التراث الوطني والهوية البحرينية والفنون التي ربما قد تندثر مع الوقت بسبب التطور التكنولوجي ودخول هويات موسيقية أجنبية على واقع المجتمع.