إرم نيوز
كثيرًا ما تتولد فكرة السفر لدى الشباب العربي منذ الصغر، فيحلم منذ سنين عمره الأولى بالهجرة والرحيل بحثًا عن حياة أفضل، ويزداد هذا الدافع مع تردي الأوضاع المعيشية في معظم البلاد العربية.
هذا هو حال التونسي ياسين بن عمارة (26 عامًا)، الذي ولد في منزل هُجّر فيه الأب عن بلاده بسبب ظروف الفساد السياسي، وعاش حياة اقتصادية صعبة زادت من شغف الهجرة لديه.
يقول ياسين: ”قررت الرحيل عن تونس بسبب الفساد في البلاد، لقد كنت أعمل في فندق لمدة 12 ساعة في اليوم بدون يوم عطلة، وكان راتبي لا يكفيني".
وبحكم نفي أبيه إلى هولندا، كان لدى ياسين أصدقاء هولنديون يزورون منزله في تونس، فتولدت لديه منذ الصغر فكرة للسفر إلى هولندا.
عشرة أرواح، على مسؤوليتي!
تعرف ياسين على وسيلة للتهريب أثناء جلوسه عند حلاق في تونس، والذي وصله بشخص يقله من سوسة في تونس إلى الساحل الإيطالي خلال 15 ساعة مقابل 1000 يورو.
ويوضح ياسين: ”هيأت أموري وعزمت على السفر، خرجت من المنزل دون أن أبلغ أهلي.. سألتني أمي إلى أين يا وليدي..!؟"
قال لها ياسين: ”سأذهب إلى البحر لأسبح مع أصدقائي".
وتابع: ”رأيت الدمع في عينيها، لا أدري كيف شعرت بأني لن أعود، تيقنت وقتها بأن حدس الأم لديه قدرة تفوق الخيال، نظرت إلي نظرة وداع، وقالت لي (ربي يحطلك صديق بوقت الضيق)".
ذهب ياسين إلى صفاقس حيث نقطة الانطلاق، وفي الطريق اعترضته الشرطة، لكنه تمكن من الهرب منها هو وأصدقاؤه، حتى وصلوا إلى الشاطئ.
يصف ياسين هذه الرحلة قائلًا: ”صعدنا إلى القارب، كنا مجموعة من الشباب معنا 3 سيدات وطفلة ذات احتياجات خاصة، وبدأنا في الإبحار الساعة 12 ليلًا، وبعد عبور مسافة 11 ميلًا، تعطل المحرك..! كان بحوزتنا محرك ثان، قمت أنا وقائد المركب بتركيبه، فتعطل أيضًا بعد 10 أميال".
كان أمام المجموعة خياران، إما العودة من حيث أتت، وإما إصلاح المحرك ومتابعة الرحلة.
يشرح ياسين: ”تعددت الآراء على متن القارب، فقلت للجميع سأصلح المحرك وأنا أتحمل المسؤولية".
فقد كان ياسين يملك خبرة في تصليح المحركات، فنزل إلى الماء، وفتح غطاء المحرك، وبدأ بإصلاحه بما توفر لديه من إمكانيات ومعدات.. وبعد حوالي ساعتين، نجح ياسين في إصلاح المحرك.
وتابع القول: ”نجحت في إصلاح المحرك وأبحرنا نحو إيطاليا، لكن الخوف كان مسيطرًا علي، أشعر مع كل تغير في صوت المحرك أن قلبي توقف عن الخفقان".
وأبحر القارب لمدة 24 ساعة كاملة، كان يتوقف خلالها كلما صادف مركب صيد، ليأخذ راكبوه من الصيادين الطعام والشراب.
أمان مؤقت!
وتابع ياسين: ”وصلنا إلى نقطة قال فيها المهرب إننا اقتربنا من سواحل إيطاليا، وبعد ساعة بدأنا نرى جبال إيطاليا، فكلمنا السلطات الإيطالية وأتوا إلينا، وأخذونا إلى صقلية عبر قارب كبير لنمضي هناك الحجر الصحي.. كان تعاملهم لبقًا جدًا".
وبعد انقضاء فترة الحجر الصحي، استقل ياسين دراجة هوائية وسار بها نحو صديقه المغربي، لكن الشرطة اعتقلته، وقررت ترحيله إلى تونس.
وأوضح ياسين: ”دخلت إلى السجن، وهناك وجدت نفسي بين المجرمين وقطاعي الطرق، وبعد أيام نقلوني إلى سجن في روما، يعتبر من أخطر السجون في إيطاليا".
قام صديق ياسين بوضع محامٍ له، وعندما حان موعد المحكمة، قرر ياسين الهرب..!
وعن هروبه تحدث ياسين: ”كان حولي 4 رجال من الشرطة، وأنا جالس مع المحامي، يتحدث معي بالإيطالية وأنا لا أفهم شيئًا، وكل تركيزي كان في تفقد المكان لإيجاد ثغرة للهروب".
وتابع: ”بلحظة ما شعرت أن الله قال هيا انطلق، كان رجال الشرطة منشغلين في هواتفهم، بدأت بالركض، وبدأ الصراخ في المحكمة، وهرع رجال الشرطة ورائي، تمكن واحد منهم من تتبعي.. وأصبح على بعد أمتار قليلة مني، شعرت أنه سيمد ذراعه ويلتقطني..!".
وأضاف ياسين: ”وجدت جدار منزل عاليًا جدًا، لا أعلم من أين أتتني القوة والجرأة كي أقفز فوقه.. وثبت فوقه لأجد نفسي في حديقة منزل لا يوجد حولي سوى الأعشاب".
اختبأ ياسين في حديقة المنزل، واستغل الوقت الذي ستستغرقه الشرطة للدخول إليه، بغمر جسده بالأعشاب وأكياس القمامة.
وتابع ياسين القول: ”دخلت الشرطة وبقيت تتفقد المكان لحوالي ساعة من الزمن، لكنها لم ترني، وبعد ذهابهم، أتت صاحبة المنزل، وحاولت البحث عني لكنني بقيت متخفيًا بالأعشاب والأكياس".
بقي ياسين تحت الأعشاب من الساعة التاسعة صباحًا حتى حلول الليل، ثم خرج من بوابة خلفية للحديقة ليجد نفسه في مزرعة خنازير.. وبدأت الخنازير تطارده وهو يركض حافيًا حتى خرج من المزرعة.
وقال: ”دخلت إلى منزل كبير، وجدت فيه الماء وأكلت من بعض الأشجار، كما وجدت ملابس البستاني وحذاءه، فلبستهم، ثم تابعت السير إلى أن وجدت شخصًا عربيًا طلبت مساعدته".
الهروب الثاني
ساعد الصديق التونسي ياسين بعد أن عرف أنه ابن بلده، واستأجر له فندقًا، واصطحبه معه إلى فرنسا، وفي الطريق اعتقلته الشرطة الفرنسية، وقالت له سنسلمك إلى الشرطة الإيطالية.
ادعى ياسين أمام الشرطة الفرنسية بأنه سعيد بتسليمه للطليان، وأخبرهم أنه سينتظرهم عندما يأتون في الصباح، لكنه تيقن في باطنه أنه أمام رحلة هروب جديدة من الشرطة.
قرر ياسين الهروب، فطلب من الشرطة السماح له بالخروج لشراء بعض الأغراض، فسمحت له، وهنا استعد للهرب مجددًا.
وعن هروبه الثاني، تحدث ياسين: ”وجدت حاجزًا للشرطة، قفزت فوقه، وبدأت بالجري، لا أدري إذا تبعني أحد، كنت أركض بسرعة خيالية، وصلت إلى محطة القطار واستقليت قطارًا لملاقاة صديقي الجزائري".
وصل ياسين إلى نيس ثم إلى كان ثم ليون، وهذه المرة عبر مهرب ساعده في الوصول إليه صديقه الجزائري.
تشرد ياسين لأيام في فرنسا، تعرض خلالها لعملية نصب بـ 500 يورو من قبل تونسي، ابن بلده، وقضى أيامًا طويلة مشردًا في فرنسا حتى نجح في الوصول إلى هولندا.
حقق الشاب العشريني حلمه، ووصل إلى هولندا التي عرفها منذ الصغر كملجأ وأمان لوالده الذي ظلمه وطنه، لتصبح الآن أمانه أيضًا، فهو الآن يعيش فيها هانئًا يرسم ملامح مستقبله الجديد.
كثيرًا ما تتولد فكرة السفر لدى الشباب العربي منذ الصغر، فيحلم منذ سنين عمره الأولى بالهجرة والرحيل بحثًا عن حياة أفضل، ويزداد هذا الدافع مع تردي الأوضاع المعيشية في معظم البلاد العربية.
هذا هو حال التونسي ياسين بن عمارة (26 عامًا)، الذي ولد في منزل هُجّر فيه الأب عن بلاده بسبب ظروف الفساد السياسي، وعاش حياة اقتصادية صعبة زادت من شغف الهجرة لديه.
يقول ياسين: ”قررت الرحيل عن تونس بسبب الفساد في البلاد، لقد كنت أعمل في فندق لمدة 12 ساعة في اليوم بدون يوم عطلة، وكان راتبي لا يكفيني".
وبحكم نفي أبيه إلى هولندا، كان لدى ياسين أصدقاء هولنديون يزورون منزله في تونس، فتولدت لديه منذ الصغر فكرة للسفر إلى هولندا.
عشرة أرواح، على مسؤوليتي!
تعرف ياسين على وسيلة للتهريب أثناء جلوسه عند حلاق في تونس، والذي وصله بشخص يقله من سوسة في تونس إلى الساحل الإيطالي خلال 15 ساعة مقابل 1000 يورو.
ويوضح ياسين: ”هيأت أموري وعزمت على السفر، خرجت من المنزل دون أن أبلغ أهلي.. سألتني أمي إلى أين يا وليدي..!؟"
قال لها ياسين: ”سأذهب إلى البحر لأسبح مع أصدقائي".
وتابع: ”رأيت الدمع في عينيها، لا أدري كيف شعرت بأني لن أعود، تيقنت وقتها بأن حدس الأم لديه قدرة تفوق الخيال، نظرت إلي نظرة وداع، وقالت لي (ربي يحطلك صديق بوقت الضيق)".
ذهب ياسين إلى صفاقس حيث نقطة الانطلاق، وفي الطريق اعترضته الشرطة، لكنه تمكن من الهرب منها هو وأصدقاؤه، حتى وصلوا إلى الشاطئ.
يصف ياسين هذه الرحلة قائلًا: ”صعدنا إلى القارب، كنا مجموعة من الشباب معنا 3 سيدات وطفلة ذات احتياجات خاصة، وبدأنا في الإبحار الساعة 12 ليلًا، وبعد عبور مسافة 11 ميلًا، تعطل المحرك..! كان بحوزتنا محرك ثان، قمت أنا وقائد المركب بتركيبه، فتعطل أيضًا بعد 10 أميال".
كان أمام المجموعة خياران، إما العودة من حيث أتت، وإما إصلاح المحرك ومتابعة الرحلة.
يشرح ياسين: ”تعددت الآراء على متن القارب، فقلت للجميع سأصلح المحرك وأنا أتحمل المسؤولية".
فقد كان ياسين يملك خبرة في تصليح المحركات، فنزل إلى الماء، وفتح غطاء المحرك، وبدأ بإصلاحه بما توفر لديه من إمكانيات ومعدات.. وبعد حوالي ساعتين، نجح ياسين في إصلاح المحرك.
وتابع القول: ”نجحت في إصلاح المحرك وأبحرنا نحو إيطاليا، لكن الخوف كان مسيطرًا علي، أشعر مع كل تغير في صوت المحرك أن قلبي توقف عن الخفقان".
وأبحر القارب لمدة 24 ساعة كاملة، كان يتوقف خلالها كلما صادف مركب صيد، ليأخذ راكبوه من الصيادين الطعام والشراب.
أمان مؤقت!
وتابع ياسين: ”وصلنا إلى نقطة قال فيها المهرب إننا اقتربنا من سواحل إيطاليا، وبعد ساعة بدأنا نرى جبال إيطاليا، فكلمنا السلطات الإيطالية وأتوا إلينا، وأخذونا إلى صقلية عبر قارب كبير لنمضي هناك الحجر الصحي.. كان تعاملهم لبقًا جدًا".
وبعد انقضاء فترة الحجر الصحي، استقل ياسين دراجة هوائية وسار بها نحو صديقه المغربي، لكن الشرطة اعتقلته، وقررت ترحيله إلى تونس.
وأوضح ياسين: ”دخلت إلى السجن، وهناك وجدت نفسي بين المجرمين وقطاعي الطرق، وبعد أيام نقلوني إلى سجن في روما، يعتبر من أخطر السجون في إيطاليا".
قام صديق ياسين بوضع محامٍ له، وعندما حان موعد المحكمة، قرر ياسين الهرب..!
وعن هروبه تحدث ياسين: ”كان حولي 4 رجال من الشرطة، وأنا جالس مع المحامي، يتحدث معي بالإيطالية وأنا لا أفهم شيئًا، وكل تركيزي كان في تفقد المكان لإيجاد ثغرة للهروب".
وتابع: ”بلحظة ما شعرت أن الله قال هيا انطلق، كان رجال الشرطة منشغلين في هواتفهم، بدأت بالركض، وبدأ الصراخ في المحكمة، وهرع رجال الشرطة ورائي، تمكن واحد منهم من تتبعي.. وأصبح على بعد أمتار قليلة مني، شعرت أنه سيمد ذراعه ويلتقطني..!".
وأضاف ياسين: ”وجدت جدار منزل عاليًا جدًا، لا أعلم من أين أتتني القوة والجرأة كي أقفز فوقه.. وثبت فوقه لأجد نفسي في حديقة منزل لا يوجد حولي سوى الأعشاب".
اختبأ ياسين في حديقة المنزل، واستغل الوقت الذي ستستغرقه الشرطة للدخول إليه، بغمر جسده بالأعشاب وأكياس القمامة.
وتابع ياسين القول: ”دخلت الشرطة وبقيت تتفقد المكان لحوالي ساعة من الزمن، لكنها لم ترني، وبعد ذهابهم، أتت صاحبة المنزل، وحاولت البحث عني لكنني بقيت متخفيًا بالأعشاب والأكياس".
بقي ياسين تحت الأعشاب من الساعة التاسعة صباحًا حتى حلول الليل، ثم خرج من بوابة خلفية للحديقة ليجد نفسه في مزرعة خنازير.. وبدأت الخنازير تطارده وهو يركض حافيًا حتى خرج من المزرعة.
وقال: ”دخلت إلى منزل كبير، وجدت فيه الماء وأكلت من بعض الأشجار، كما وجدت ملابس البستاني وحذاءه، فلبستهم، ثم تابعت السير إلى أن وجدت شخصًا عربيًا طلبت مساعدته".
الهروب الثاني
ساعد الصديق التونسي ياسين بعد أن عرف أنه ابن بلده، واستأجر له فندقًا، واصطحبه معه إلى فرنسا، وفي الطريق اعتقلته الشرطة الفرنسية، وقالت له سنسلمك إلى الشرطة الإيطالية.
ادعى ياسين أمام الشرطة الفرنسية بأنه سعيد بتسليمه للطليان، وأخبرهم أنه سينتظرهم عندما يأتون في الصباح، لكنه تيقن في باطنه أنه أمام رحلة هروب جديدة من الشرطة.
قرر ياسين الهروب، فطلب من الشرطة السماح له بالخروج لشراء بعض الأغراض، فسمحت له، وهنا استعد للهرب مجددًا.
وعن هروبه الثاني، تحدث ياسين: ”وجدت حاجزًا للشرطة، قفزت فوقه، وبدأت بالجري، لا أدري إذا تبعني أحد، كنت أركض بسرعة خيالية، وصلت إلى محطة القطار واستقليت قطارًا لملاقاة صديقي الجزائري".
وصل ياسين إلى نيس ثم إلى كان ثم ليون، وهذه المرة عبر مهرب ساعده في الوصول إليه صديقه الجزائري.
تشرد ياسين لأيام في فرنسا، تعرض خلالها لعملية نصب بـ 500 يورو من قبل تونسي، ابن بلده، وقضى أيامًا طويلة مشردًا في فرنسا حتى نجح في الوصول إلى هولندا.
حقق الشاب العشريني حلمه، ووصل إلى هولندا التي عرفها منذ الصغر كملجأ وأمان لوالده الذي ظلمه وطنه، لتصبح الآن أمانه أيضًا، فهو الآن يعيش فيها هانئًا يرسم ملامح مستقبله الجديد.