وليد صبري - تصوير ومونتاج: نايف صالح وعلي العمايره
- نشأت في "فريج المعاوة و"فريج مراد" وسط ترابط مجتمعي مثل كل فرجان البحرين
- الخبر مدينتي الأولى شهدت أجمل أيام حياتي وكنت أحظى بالتعليم النموذجي
- السياسة طاردتني في مصر والعراق وسوريا ولبنان وألمانيا الشرقية
- ترحيلي من القاهرة إلى دمشق في عهد السادات أولى صدمات حياتي
- كنت مطلوباً من سلطات العراق الأمنية أثناء حرب إيران بعد حظر الحزب الشيوعي
- "عبدالرحمن.. لا ترجع البحرين إلا وأنت طبيب".. وصية والدي نقطة تحول في حياتي
- دفعت ثمن قناعاتي باليسار والشيوعية وتعلمت الدرس من السقوط المدوي للمعسكر الاشتراكي
- اكتشفنا أن ولاءنا يجب أن يكون لبلداننا في دول الخليج أولاً وأخيراً
- تجربة بلدان الخليج "الملكية" تتفوق بامتياز على تجارب "الجمهوريات"
- كنا نحلم بالرخاء والخير والاستقرار في الاتحاد السوفيتي لكننا وجدناه في دولنا الخليجية حقيقة وواقعاً وليس حلماً
- نعتز بتمسكنا بالنظام السياسي بدولنا الخليجية.. وتاريخنا لا نتنصل منه لكننا استفدنا من الأخطاء بالمراجعات الرصينة
- الانتماء السياسي سهّل لي الدراسة بألمانيا الشرقية في الثمانينات
- اخترت العودة لخدمة بلدي في مجال الطب ورفضت فكرة السعي للجنسية الألمانية
- كنت فخوراً أنني أحد قيادات "ذوي المعاطف الحمراء" في البحرين
- والدي كان مثقفاً ويمتلك مكتبة ضخمة وكرّس حياته لنبوغ أولاده
- تعرّضت لصدمات وخضت تحديات لكنها أثقلتني وأصبحت صخراً جلموداً
- فاجعة وفاة أختي سمية أكبر خسارة للعائلة ومازلنا نعاني منها
- زوجتي رفيقة دربي وابني محمد أبرز أسباب سعادتي في الحياة
- أسعد لحظات حياتي يوم رُزقت بأولادي فهد ومحمد وفارس
"صخر جلمود"، بهاتين الكلمتين، لخص استشاري أمراض الأنف والأذن والحنجرة واضطرابات النوم والشخير د.عبدالرحمن الغريب، سيرته ومسيرته، في حوار خصّ به "الوطن"، تعبيراً عما مر به من صعاب، وما واجه من تحديات، لكنها في الوقت ذاته، أثقلت خبراته في الحياة، وجعلته قادراً على مواجهتها، بصبر وجلد. د.الغريب الذي نشأ في فريج المعاودة في المحرق، لايزال يتذكر تلك الأيام الجميلة التي قضاها مع عائلته في المحرق، قبل أن يقرر والده الانتقال إلى مدينة الخبر السعودية حيث كان يعمل في شركة كانو للسفريات، وهناك قضى أجمل أيام حياته، حيث يعتبرها مدينته الأولى. ويؤكد أن نجاحه وتفوقه بحصوله على المرتبة الـ27 على مستوى البحرين، في "التوجيهي"، ثم قراره بدراسة الطب في جامعة الإسكندرية في مصر، لم يمنعه عن شغفه بالسياسة وميوله للشيوعية والاشتراكية في تلك الفترة، لكنه يعترف أنه دفع ضريبة شغفه بالعمل السياسي بتأخره عن الحصول على بكالوريوس كلية الطب نحو 5 سنوات، كما أنه خلع عباءة الشيوعية والاشتراكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وجدار برلين، بعد مراجعات رصينة وهادئة، حيث كان شاهداً على تلك الحقبة خلال إكمال دراسته لتخصص الطب في ألمانيا الشرقية، إلا أنه لا يتنصل من التاريخ. ويقول د.الغريب "كنا نبحث عن الرخاء والخير في الاتحاد السوفيتي لكننا وجدناه في دولنا الخليجية، حيث اكتشفنا أن ولاءنا يجب أن يكون لبلداننا في دول الخليج، وما تقدمه الدول الملكية لشعوبها يفوق أضعاف ما تمنحه الجمهوريات"، وإلى نص الحوار:
هل لنا أن نتحدث عن النشأة؟
- أنا من مواليد المحرق، وتحديداً من فريج المعاودة أو فريج مراد، وكان يتسم بالخليط الأهلي المتجانس، وأغلب الناس كانوا مترابطين فيما بينهم سواء بالنسب أو العائلة وهذا أثر كثيراً في نشأتنا، ولم تكن هناك بيوت مقفلة أو بيبان تقفل، ونحن أطفال لم يكن هناك مكان معين للغداء، كنا ندخل أي بيت وأي مكان للغداء، وهذا يدل على مدى الترابط والتلاحم، وهذا ما تربينا عليه في الفريج، وهذا ديدن فرجان المحرق بوجه خاص، وفرجان البحرين بشكل عام، كما كان مقابل بيتنا أيضاً المطوعة سكينة في بيت درويش، رحمها الله، كانت تدرس لنا القرآن.
ما أبرز ذكرياتك مع مدينة الخبر في السعودية؟
- ربما من الممكن أن أعتبر أن مدينة الخبر هي مدينتنا الأولى، وليست الثانية، لأننا عشنا فيها نحو 12 عاماً، من عمر الـ4 أو الـ5 سنوات بدأت حياتنا فيها، حتى سن الـ16 أو الـ17 عاماً، وذلك لأن الوالد رحمه الله كان يعمل في شركة كانو للسفريات، وكنا نسكن في عمارات الكحكي في شارع الملك خالد، وكانت المنطقة من أرقى الأماكن حيث كان يطلق عليها "شانزلزيه الخبر"، وأذكر أنه في فترة الستينات كانت هناك مجموعات من السوبرماركت، وكان في يوم الخميس من كل أسبوع نلاحظ قدوم أتوبيسات شركة أرامكو وبها الموظفون الأجانب في الشركة، من الظهران، كي يقوم الموظفون بالتبضع وشراء ما يحتاجونه، وقد درست أنا وأخي جاسم في مدرسة الخبر الثانية، ثم ترك أخي جاسم الخبر، ورجع إلى البحرين، وفي هذه الفترة كانت شركة "أرامكو" تقوم بتمويل ورعاية الكثير من المدارس، فكنا محظوظين أن الدراسة كانت على الطريقة الأمريكية في النظام والرعاية الصحية والدراسية، فكان التعليم نموذجياً، وكان المدرسون من أمريكا وأستراليا، وبالتالي عشنا في الخبر أجمل أيام حياتنا.
ماذا عن العودة إلى البحرين؟
- الوالد عليه رحمة الله، عمل نحو 20 عاماً في السعودية، وبعدها قرر العودة إلى البحرين، كنت في المرحلة الثانوية، وقد التحقت بمدرسة المنامة الثانوية، وأتممت دراسة الصف الثاني الثانوي، ثم مرحلة التوجيهي، وخلال تلك الفترة، حظيت بتقدير واحترام المدرسين، لاسيما الأستاذ وجيه، مدرس اللغة العربية، رحمه الله، خاصة وأنني كنت متفوقاً وساعد على تفوقي، دراستي في مدارس الخبر، وكنت دائماً أحصل على العلامات الكاملة، وترتيبي كان دائماً الأول بين زملائي.
من أشهر من كانوا معك في تلك المرحل؟
- كان معي الكثير من الإخوة الأفاضل، أتذكر منهم، الأخ جمال فخرو، وكان زميل دراسة سواء في الصف كما كان زميلي في مصر خلال فترة الدراسة.
كيف بدأت رحلة دراسة الطب؟
- انتهيت من دراسة المرحلة التوجيهية، وكان ترتيبي الـ27 على مستوى البحرين، وفي تلك الفترة، لم تكن هناك بعثات للدراسة في الخارج، لكن والدي رحمه الله، وفر لنا كل الإمكانيات من أجل الدراسة في الخارج، وتحديداً دراسة الطب في مصر، وهنا لابد أن أذكر موقفاً مهماً أن أختيّ، سمية، ونادية، حصلتا على بعثتين دراستين، نظراً لتفوقهما، وقد ذهبتا إلى مصر، حيث درست سمية الطب، ونادية درست علم الأحياء "البيولوجي"، وقد كتب والدي في تلك الفترة خطاباً إلى وزير التربية والتعليم يوجه له فيه الشكر على البعثتين، ويعتذر منه عن قبولهما، لأنه كان من المقتدرين، وميسوري الحال، وكان يرى أنه لابد أن يستفيد طلاب آخرون من تلك البعثات، وبهذه الروح وهذه المشاعر، نحن تربينا، على تقدير الناس واحترامهم، والتواضع، والإيثار.
ماذا عن رحلة دراسة الطب في مصر؟
- أذكر أنه كان متاحاً لي دراسة الهندسة في البصرة بالعراق، وكذلك كلية الطب في حلب بسوريا، وأيضاً كلية الطب البشري في جامعة الإسكندرية بمصر، وفي تلك الفترة، كان جميع طلاب البحرين، يعشقون القاهرة، وكلهم يتجمعون في العاصمة، لكن شاءت الظروف أن أدرس في الإسكندرية، وقد عشت أياماً جميلة في تلك المدينة الجميلة ودائماً أذكرها على حسب ما يردد إخواننا المصريون "أجدع ناس"، وقد عشنا حياة طيبة، وكان المستوى المعيشي متميز، حيث سكنت في عمارات الشاطبي وكانت عمارات فخمة، وفي هذه الفترة، مع بداية السبعينات، ومع حرب أكتوبر، كان المد القومي واليساري، له تأثير، وقد تأثرنا بأحداث السبعينات سواء في المنطقة أو في مصر تحديداً خاصة حرب أكتوبر، ثم زيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إلى إسرائيل، وكانت السياسة والأحداث تسيطر على عقول الطلاب في تلك الفترة، وكانت السياسة حياتهم على مدار اليوم، وقد تأثرت بالمناخ العام، وأثرت أيضاً، وكنا كطلاب مهمتين بالسياسة، نتسيد الموقف، ونقود الحراك، لأنني كنت قيادياً في الحركة الطلابية، حيث كنت عضواً في اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة البحرين والذي كانت له فروع عديدة في القاهرة والإسكندرية والكويت وبغداد والبصرة والاتحاد السوفيتي، وكنت خلال عملي في اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة البحرين لأكثر من 6 سنوات مسؤولاً عن العلاقات الداخلية ثم والخارجية، ودائماً كنا في سفر وترحال ونحضر مؤتمرات وندوات وكلها "سياسة في سياسة"، حيث كنا نعتبرها "واجباً"، لكن ذلك كان له تأثير سلبي على دراسة الطب، حيث درست في كلية الطب بجامعة الإسكندرية حتى السنة الخامسة، وكان يتبقى لي عام دراسي واحد كي انتقل إلى دراسة سنة الامتياز ثم التخرج، لكن لظروف مناخ العمل السياسي في المنطقة في تلك الفترة، كنا في الصورة، وكنا معروفين بالأسماء لدى الأجهزة الأمنية، وفي إحدى السفرات خلال عودتي من بغداد إلى القاهرة، تم احتجازي في مطار القاهرة، لعدة ساعات، ثم تقرر ترحيلي من مصر بشكل كامل، وقد كان هذا الموقف فاجعة بالنسبة لي، لكن الانتماء السياسي العالي في تلك الفترة، هو ما كان يهوّن عليّ تلك المصيبة أو الصدمة.
كيف استوعبت تلك الصدمة وماذا كان قرارك ورحلتك مع الطب بعد ذلك؟
- اتخذت قرارا سريعاً، وسافرت في أول طائرة أقلعت من القاهرة إلى دمشق، ومنها انتقلت إلى بغداد، ثم، بقيت نحو عام ونصف بدون دراسة، وكنت أبحث عن مكان للدراسة، بعد سنتين من الانقطاع عن دراسة الطب، في الإسكندرية، وكانت تلك الفترة ما بين 1978 و1980، والبدائل المطروحة لدي قليلة، وكنت منغمساً في العمل السياسي، ولم أستمع إلى نصائح من الأسرة والأهل، لأنه كانت لدي قناعاتي السياسية لاسيما اليسارية، ومستعد أن أضحي بأي شيء، خاصة وأنني كنت متشرباً للأفكار اليسارية والاشتراكية لأقصى ما تتصور، وبالتالي نحن كنا من المعارضة السياسية بشقها الطلابي في تلك الفترة، للمناخ السياسي في المنطقة العربية، وفي تلك الفترة، كان هناك تحالف بين التيارات اليسارية البحرينية، سواء الجبهة الشعبية، أو جبهة التحرير، وتيار البعثيين العرب البحريني، وكان الاتحاد الوطني لطلاب البحرين يضم كل تلك التيارات، وفي بغداد، وبحكم علاقاتنا مع التيارات البعثية، تم قبولي في كلية الطب بجامعة بغداد، لاستكمال الدراسة، حيث التحقت في السنة الرابعة، وتأخرت عاماً عن دراستي في كلية الطب بجامعة الإسكندرية، وبالتالي تأخر عمري الأكاديمي نحو 3 سنوات في تلك الفترة، ورغم ذلك كنت مصراً على الاستمرار في العمل السياسي بجانب الدراسة، لكننا كنا على خلاف شديد مع النظام العراقي في تلك الفترة، خاصة بعدما تم حظر نشاط الحزب الشيوعي في العراق، ثم تأتي الحرب العراقية الإيرانية، ونظراً لكوني محسوباً على تيارات اليسار عموماً وفي أثناء إحدى السفرات إلى لبنان، اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، وتلقيت برقية من أحد الزملاء المطلعين على الوضع في العراق، فحواها أنني مطلوب لدى الأجهزة الأمنية في العراق، وبالتالي لا تحاول العودة للعراق.
كيف واجهت الصدمة الثانية لإبعادك مضطراً من العراق بعد مشكلة القاهرة وفقدك سنوات أكاديمية من عمرك؟
- كانت صدمة ثانية، خاصة وأنني انتهيت من دراسة السنة الرابعة في كلية الطب بجامعة بغداد، وسوف انتقل إلى السنة الخامسة، لكن رغم كل ذلك، لم تتغير قناعاتي السياسية، وكنت فخوراً من أنني من ذوي "المعاطف الحمراء" في البحرين. بعد مسألة إبعادي من العراق، توجهت من لبنان إلى سوريا، حيث مكثت هناك نحو سنتين بدون دراسة، وكنت أبحث عن إمكانية دراسة الطب، وقد تم قبولي في كلية الطب في سوريا، في السنة الخامسة، لكنهم اعتبروا أن هناك فارقاً في المناهج، وبالتالي عليك أن تخوض امتحانات في مواد مختلفة، بلغت نحو 23 مادة إضافية، وهي عملياً، كل مناهج الطب في السنوات الأخرى، من الأولى إلى الخامسة، وكانت الدراسة باللغة العربية! وبناء على ذلك، أصبت بحالة من الاكتئاب شعرت خلالها أنني أفقد قوتي، ورغبتي، لأنه كان تحدياً كبيراً بالنسبة لي في إكمال دراستي للطب، ورغم ذلك كان العمل السياسي بالنسبة لي واجب، أحرص على تأديته يومياً.
كيف تغلبت على تلك المرحلة الصعبة من حياتك؟ ومن كان سندك في تلك الفترة؟
- اتخذت قراراً في تلك الفترة بترك دراسة الطب والعودة للبحرين، والعمل مع الوالد، لكن والدي، كان له رأي آخر، وقال لي "عبدالرحمن.. لا ترجع البحرين إلا وأنت طبيب، وأنا أدعمك وأساندك حتى آخر شيء"، تلك الكلمات أثرت في مشواري وكانت نقطة تحول، حيث خضت جميع الامتحانات، ونجحت فيها كاملة، ثم التحقت بالسنة الخامسة، وكنت أجهز نفسي وأستعد للحصول على شهادة التخرج، لكن، في الجامعة اكتشفوا رسوبي في مادة الإحصاء وأنا في كلية الطب بجامعة الإسكندرية، لأنني لم أخض الامتحان فيها، وبالتالي كان علي أن أدرسها وأمتحن في المادة ثم أدخل امتحانات السنة الخامسة للمرة الثانية، وأديت الامتحانات مجدداً ونجحت وتخرجت من الجامعة وحصلت "أخيراً" على بكالوريوس الطب، في عام 1985، حيث تأخرت نحو 5 سنوات، لكن رغم ذلك، تعلمت من تلك التجارب الكثير، حتى صرت كما يقولون "صخراً جلموداً".
ماذا عن رحلة التخصص في الطب بألمانيا الشرقية؟
- انتمائي السياسي وقناعاتي الاشتراكية واليسارية في تلك الفترة، سهّلت سفري ووصولي وإكمال رحلة الطب في ألمانيا الشرقية، حيث تخصصت في الأنف والأذن والحنجرة، وكنت أعمل ليلاً ونهاراً، حيث صرت أعشق الطب، وكأنني كنت أريد أن أعوّض ما فاتني، حيث عملت في مستشفيات ضخمة ذات الـ2000 سرير، وتدرّبت وتعلمت الكثير، وخلال تلك الفترة كنت شاهداً على سقوط جدار برلين وفي ذات الوقت سقوط الاتحاد السوفيتي، وانهيار المنظومة الفكرية التي قام عليها "حلم الاشتراكية"، حينها بدأت مراجعات رصينة وهادئة لقناعتنا السياسية والأيديولوجية، لقد أثرت فيني تلك الأحداث بصورة قوية وبدأنا في مراجعات فكرية واسعة، خاصة وأنني كنت شاهد عيان على سقوط نظام عالمي على يد الشعوب الرافضة للفكر ونمط الحياة الشيوعي والاشتراكي، حينها خلعت عباءة الشيوعية والاشتراكية مع الحفاظ على القيم الإنسانية والتي لا تتبدل. لاشك في أنني دفعت ثمن شغفي بالشيوعية، واكتشفنا "أنا والكثير من أبناء جيلنا ورفاق الدرب"، وبعيون مفتوحة، أن البلدان التي كنا نبحث فيها عن الخير والرخاء كانت بلداناً فاشلة، وهذا الخير والرخاء وجدناه في دولنا وبلداننا الخليجية التي كانت الأحق بالولاء والانتماء، وهذا ما أدركناه فيما بعد، كما أن الأسر والعائلات الملكية والدول الملكية هي التي أسست الحضارات ووفرت التنمية والرخاء والصحة والتعليم لشعوبها وتتمتع بالاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وبالتالي نحن نعتز بانتمائنا لدولنا الخليجية، وفي ذات الوقت، نحن لا نتنصل من تاريخنا لأننا استفدنا من تلك التجارب من خلال المراجعات الرصينة والهادئة.
متى قررت العودة إلى البحرين؟
- بعدما اكتسبت خبرات كبيرة في ممارسة مهنة الطب في ألمانيا، قررت العودة إلى البحرين، كي أخدم بلدي في مجال الطب، بالرغم من أنه قد عرض علي منصب أكاديمي في ألمانيا، بعد أن توحدت، وكنت أستطيع الحصول على الجنسية، لكني رفضت كل ذلك، وبالفعل عدت إلى البحرين في عام 1991، بعد غياب نحو 12 عاماً، ثم تقدمت للعمل في قسم الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى السلمانية الطبي، وقد انتظرت سنوات، حتى حصلت على منصب طبيب استشاري، مع أنني كنت أستحق هذا المنصب من أول يوم عملت فيه، بحكم دراستي وتخصصي وخبراتي، وتدرجت في المناصب حتى وصلت إلى منصب رئيس القسم في السلمانية، ثم بعد ذلك استقلت وانشغلت بعملي الخاص.
ماذا عن العائلة؟
- نشأنا في المحرق، ووالدي بحريني، ووالدتي من دبي، ونحن 5 أبناء، أخي الكبير، المهندس جاسم، ثم أنا، ثم أختي د.سمية الغريب، رحمها الله، وأخي المهندس خالد، يشغل منصب وكيل وزارة، ثم أختي د.نادية، وهي دكتورة في علوم التغذية، والجدير بالذكر أن والدي كان قارئاً ومطلعاً ومثقفاً ولديه مكتبة ضخمة فيها جميع أنواع الكتب، وكان قارئاً نهماً، كما أنه كرس كل وقته وجهده وماله من أجل نبوغ أولاده، ومن الطرائف أنهم كانوا يطلقون علينا في "الفريج"، "عائلة المثقفين"، لأننا كنا جميعاً نرتدي النظارات الطبية. أما بالنسبة لعائلتي الصغيرة، فقد تزوجت وأنا في سوريا من أم ابني فهد، ثم التحقت بي في ألمانيا، ولم يكتب نصيب، ثم تزوجت بعد ذلك من رفيقة دربي، د.شريفة بوجيري، وهي طبيبة استشارية، وقد استمتعت إلى نصيحة أحد زملائي عندما أخبرني أن أتزوج من طبيبة لأنها ربما تدرك طبيعة عمل الأطباء، وقد رزقني الله بمحمد "26 عاماً" وفارس "25 عاماً"، ومحمد شاب جميل، وهو سبب سعادتي في الحياة، لأنه له وضع خاص، حيث يعاني من التوحد وهو يشعرني بأنه يحتاجني دائماً فهو مصدر سعادة بالنسبة لي، وابني فهد يعمل في القطاع الخاص، وحاصل على الماجستير من أمريكا، كما أن ابني فارس التحق بالبرامج الأكاديمية ويدرس الماجستير ثم الدكتوراه.
ما هي أسعد أوقاتك؟
- أسعد لحظات حياتي يوم رزقت بأولادي، فهد، ومحمد، وفارس.
تعرضت لصعوبات كثيرة ومواقف حزينة في حياتك، ما أسوأ خبر سمعته؟
- أسوأ خبر سمعته، هو فاجعة وفاة أختي د.سمية الغريب، وهي أكبر خسارة بالنسبة للعائلة، ولانزال نعاني من آثار تلك الفاجعة حتى الآن، وكذلك وفاة والدي حيث حزنت على وفاته حزناً شديداً.
ماذا عن حضورك المؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي؟
- ربما لأنني أتحدث بعفوية وبلغة بسيطة وسهلة على المتلقي، وهذا الأمر في بدايته كان صدفة، حيث تحدثت في فيديو قصير عن الفارق بين الشخير والاختناق، ووجدت أن الفيديو لقي صدى طيباً على مواقع التواصل، وربما يندرج ذلك في إطار العمل التطوعي، من خلال رسالة توعوية.
ما هي أبرز الهوايات؟
- دائماً أقول، لو لم أكن طبيباً، لكنت طباخاً، حيث إنني كنت مواظباً على مساعدة والدتي في المطبخ، كما أن أسعد لحظات حياتي أقضيها في البحر، بالإضافة إلى أنني أمارس أعمال النجارة والكهرباء والصباغة في البيت، وكذلك أحرص على الزراعة.
- نشأت في "فريج المعاوة و"فريج مراد" وسط ترابط مجتمعي مثل كل فرجان البحرين
- الخبر مدينتي الأولى شهدت أجمل أيام حياتي وكنت أحظى بالتعليم النموذجي
- السياسة طاردتني في مصر والعراق وسوريا ولبنان وألمانيا الشرقية
- ترحيلي من القاهرة إلى دمشق في عهد السادات أولى صدمات حياتي
- كنت مطلوباً من سلطات العراق الأمنية أثناء حرب إيران بعد حظر الحزب الشيوعي
- "عبدالرحمن.. لا ترجع البحرين إلا وأنت طبيب".. وصية والدي نقطة تحول في حياتي
- دفعت ثمن قناعاتي باليسار والشيوعية وتعلمت الدرس من السقوط المدوي للمعسكر الاشتراكي
- اكتشفنا أن ولاءنا يجب أن يكون لبلداننا في دول الخليج أولاً وأخيراً
- تجربة بلدان الخليج "الملكية" تتفوق بامتياز على تجارب "الجمهوريات"
- كنا نحلم بالرخاء والخير والاستقرار في الاتحاد السوفيتي لكننا وجدناه في دولنا الخليجية حقيقة وواقعاً وليس حلماً
- نعتز بتمسكنا بالنظام السياسي بدولنا الخليجية.. وتاريخنا لا نتنصل منه لكننا استفدنا من الأخطاء بالمراجعات الرصينة
- الانتماء السياسي سهّل لي الدراسة بألمانيا الشرقية في الثمانينات
- اخترت العودة لخدمة بلدي في مجال الطب ورفضت فكرة السعي للجنسية الألمانية
- كنت فخوراً أنني أحد قيادات "ذوي المعاطف الحمراء" في البحرين
- والدي كان مثقفاً ويمتلك مكتبة ضخمة وكرّس حياته لنبوغ أولاده
- تعرّضت لصدمات وخضت تحديات لكنها أثقلتني وأصبحت صخراً جلموداً
- فاجعة وفاة أختي سمية أكبر خسارة للعائلة ومازلنا نعاني منها
- زوجتي رفيقة دربي وابني محمد أبرز أسباب سعادتي في الحياة
- أسعد لحظات حياتي يوم رُزقت بأولادي فهد ومحمد وفارس
"صخر جلمود"، بهاتين الكلمتين، لخص استشاري أمراض الأنف والأذن والحنجرة واضطرابات النوم والشخير د.عبدالرحمن الغريب، سيرته ومسيرته، في حوار خصّ به "الوطن"، تعبيراً عما مر به من صعاب، وما واجه من تحديات، لكنها في الوقت ذاته، أثقلت خبراته في الحياة، وجعلته قادراً على مواجهتها، بصبر وجلد. د.الغريب الذي نشأ في فريج المعاودة في المحرق، لايزال يتذكر تلك الأيام الجميلة التي قضاها مع عائلته في المحرق، قبل أن يقرر والده الانتقال إلى مدينة الخبر السعودية حيث كان يعمل في شركة كانو للسفريات، وهناك قضى أجمل أيام حياته، حيث يعتبرها مدينته الأولى. ويؤكد أن نجاحه وتفوقه بحصوله على المرتبة الـ27 على مستوى البحرين، في "التوجيهي"، ثم قراره بدراسة الطب في جامعة الإسكندرية في مصر، لم يمنعه عن شغفه بالسياسة وميوله للشيوعية والاشتراكية في تلك الفترة، لكنه يعترف أنه دفع ضريبة شغفه بالعمل السياسي بتأخره عن الحصول على بكالوريوس كلية الطب نحو 5 سنوات، كما أنه خلع عباءة الشيوعية والاشتراكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وجدار برلين، بعد مراجعات رصينة وهادئة، حيث كان شاهداً على تلك الحقبة خلال إكمال دراسته لتخصص الطب في ألمانيا الشرقية، إلا أنه لا يتنصل من التاريخ. ويقول د.الغريب "كنا نبحث عن الرخاء والخير في الاتحاد السوفيتي لكننا وجدناه في دولنا الخليجية، حيث اكتشفنا أن ولاءنا يجب أن يكون لبلداننا في دول الخليج، وما تقدمه الدول الملكية لشعوبها يفوق أضعاف ما تمنحه الجمهوريات"، وإلى نص الحوار:
هل لنا أن نتحدث عن النشأة؟
- أنا من مواليد المحرق، وتحديداً من فريج المعاودة أو فريج مراد، وكان يتسم بالخليط الأهلي المتجانس، وأغلب الناس كانوا مترابطين فيما بينهم سواء بالنسب أو العائلة وهذا أثر كثيراً في نشأتنا، ولم تكن هناك بيوت مقفلة أو بيبان تقفل، ونحن أطفال لم يكن هناك مكان معين للغداء، كنا ندخل أي بيت وأي مكان للغداء، وهذا يدل على مدى الترابط والتلاحم، وهذا ما تربينا عليه في الفريج، وهذا ديدن فرجان المحرق بوجه خاص، وفرجان البحرين بشكل عام، كما كان مقابل بيتنا أيضاً المطوعة سكينة في بيت درويش، رحمها الله، كانت تدرس لنا القرآن.
ما أبرز ذكرياتك مع مدينة الخبر في السعودية؟
- ربما من الممكن أن أعتبر أن مدينة الخبر هي مدينتنا الأولى، وليست الثانية، لأننا عشنا فيها نحو 12 عاماً، من عمر الـ4 أو الـ5 سنوات بدأت حياتنا فيها، حتى سن الـ16 أو الـ17 عاماً، وذلك لأن الوالد رحمه الله كان يعمل في شركة كانو للسفريات، وكنا نسكن في عمارات الكحكي في شارع الملك خالد، وكانت المنطقة من أرقى الأماكن حيث كان يطلق عليها "شانزلزيه الخبر"، وأذكر أنه في فترة الستينات كانت هناك مجموعات من السوبرماركت، وكان في يوم الخميس من كل أسبوع نلاحظ قدوم أتوبيسات شركة أرامكو وبها الموظفون الأجانب في الشركة، من الظهران، كي يقوم الموظفون بالتبضع وشراء ما يحتاجونه، وقد درست أنا وأخي جاسم في مدرسة الخبر الثانية، ثم ترك أخي جاسم الخبر، ورجع إلى البحرين، وفي هذه الفترة كانت شركة "أرامكو" تقوم بتمويل ورعاية الكثير من المدارس، فكنا محظوظين أن الدراسة كانت على الطريقة الأمريكية في النظام والرعاية الصحية والدراسية، فكان التعليم نموذجياً، وكان المدرسون من أمريكا وأستراليا، وبالتالي عشنا في الخبر أجمل أيام حياتنا.
ماذا عن العودة إلى البحرين؟
- الوالد عليه رحمة الله، عمل نحو 20 عاماً في السعودية، وبعدها قرر العودة إلى البحرين، كنت في المرحلة الثانوية، وقد التحقت بمدرسة المنامة الثانوية، وأتممت دراسة الصف الثاني الثانوي، ثم مرحلة التوجيهي، وخلال تلك الفترة، حظيت بتقدير واحترام المدرسين، لاسيما الأستاذ وجيه، مدرس اللغة العربية، رحمه الله، خاصة وأنني كنت متفوقاً وساعد على تفوقي، دراستي في مدارس الخبر، وكنت دائماً أحصل على العلامات الكاملة، وترتيبي كان دائماً الأول بين زملائي.
من أشهر من كانوا معك في تلك المرحل؟
- كان معي الكثير من الإخوة الأفاضل، أتذكر منهم، الأخ جمال فخرو، وكان زميل دراسة سواء في الصف كما كان زميلي في مصر خلال فترة الدراسة.
كيف بدأت رحلة دراسة الطب؟
- انتهيت من دراسة المرحلة التوجيهية، وكان ترتيبي الـ27 على مستوى البحرين، وفي تلك الفترة، لم تكن هناك بعثات للدراسة في الخارج، لكن والدي رحمه الله، وفر لنا كل الإمكانيات من أجل الدراسة في الخارج، وتحديداً دراسة الطب في مصر، وهنا لابد أن أذكر موقفاً مهماً أن أختيّ، سمية، ونادية، حصلتا على بعثتين دراستين، نظراً لتفوقهما، وقد ذهبتا إلى مصر، حيث درست سمية الطب، ونادية درست علم الأحياء "البيولوجي"، وقد كتب والدي في تلك الفترة خطاباً إلى وزير التربية والتعليم يوجه له فيه الشكر على البعثتين، ويعتذر منه عن قبولهما، لأنه كان من المقتدرين، وميسوري الحال، وكان يرى أنه لابد أن يستفيد طلاب آخرون من تلك البعثات، وبهذه الروح وهذه المشاعر، نحن تربينا، على تقدير الناس واحترامهم، والتواضع، والإيثار.
ماذا عن رحلة دراسة الطب في مصر؟
- أذكر أنه كان متاحاً لي دراسة الهندسة في البصرة بالعراق، وكذلك كلية الطب في حلب بسوريا، وأيضاً كلية الطب البشري في جامعة الإسكندرية بمصر، وفي تلك الفترة، كان جميع طلاب البحرين، يعشقون القاهرة، وكلهم يتجمعون في العاصمة، لكن شاءت الظروف أن أدرس في الإسكندرية، وقد عشت أياماً جميلة في تلك المدينة الجميلة ودائماً أذكرها على حسب ما يردد إخواننا المصريون "أجدع ناس"، وقد عشنا حياة طيبة، وكان المستوى المعيشي متميز، حيث سكنت في عمارات الشاطبي وكانت عمارات فخمة، وفي هذه الفترة، مع بداية السبعينات، ومع حرب أكتوبر، كان المد القومي واليساري، له تأثير، وقد تأثرنا بأحداث السبعينات سواء في المنطقة أو في مصر تحديداً خاصة حرب أكتوبر، ثم زيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إلى إسرائيل، وكانت السياسة والأحداث تسيطر على عقول الطلاب في تلك الفترة، وكانت السياسة حياتهم على مدار اليوم، وقد تأثرت بالمناخ العام، وأثرت أيضاً، وكنا كطلاب مهمتين بالسياسة، نتسيد الموقف، ونقود الحراك، لأنني كنت قيادياً في الحركة الطلابية، حيث كنت عضواً في اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة البحرين والذي كانت له فروع عديدة في القاهرة والإسكندرية والكويت وبغداد والبصرة والاتحاد السوفيتي، وكنت خلال عملي في اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة البحرين لأكثر من 6 سنوات مسؤولاً عن العلاقات الداخلية ثم والخارجية، ودائماً كنا في سفر وترحال ونحضر مؤتمرات وندوات وكلها "سياسة في سياسة"، حيث كنا نعتبرها "واجباً"، لكن ذلك كان له تأثير سلبي على دراسة الطب، حيث درست في كلية الطب بجامعة الإسكندرية حتى السنة الخامسة، وكان يتبقى لي عام دراسي واحد كي انتقل إلى دراسة سنة الامتياز ثم التخرج، لكن لظروف مناخ العمل السياسي في المنطقة في تلك الفترة، كنا في الصورة، وكنا معروفين بالأسماء لدى الأجهزة الأمنية، وفي إحدى السفرات خلال عودتي من بغداد إلى القاهرة، تم احتجازي في مطار القاهرة، لعدة ساعات، ثم تقرر ترحيلي من مصر بشكل كامل، وقد كان هذا الموقف فاجعة بالنسبة لي، لكن الانتماء السياسي العالي في تلك الفترة، هو ما كان يهوّن عليّ تلك المصيبة أو الصدمة.
كيف استوعبت تلك الصدمة وماذا كان قرارك ورحلتك مع الطب بعد ذلك؟
- اتخذت قرارا سريعاً، وسافرت في أول طائرة أقلعت من القاهرة إلى دمشق، ومنها انتقلت إلى بغداد، ثم، بقيت نحو عام ونصف بدون دراسة، وكنت أبحث عن مكان للدراسة، بعد سنتين من الانقطاع عن دراسة الطب، في الإسكندرية، وكانت تلك الفترة ما بين 1978 و1980، والبدائل المطروحة لدي قليلة، وكنت منغمساً في العمل السياسي، ولم أستمع إلى نصائح من الأسرة والأهل، لأنه كانت لدي قناعاتي السياسية لاسيما اليسارية، ومستعد أن أضحي بأي شيء، خاصة وأنني كنت متشرباً للأفكار اليسارية والاشتراكية لأقصى ما تتصور، وبالتالي نحن كنا من المعارضة السياسية بشقها الطلابي في تلك الفترة، للمناخ السياسي في المنطقة العربية، وفي تلك الفترة، كان هناك تحالف بين التيارات اليسارية البحرينية، سواء الجبهة الشعبية، أو جبهة التحرير، وتيار البعثيين العرب البحريني، وكان الاتحاد الوطني لطلاب البحرين يضم كل تلك التيارات، وفي بغداد، وبحكم علاقاتنا مع التيارات البعثية، تم قبولي في كلية الطب بجامعة بغداد، لاستكمال الدراسة، حيث التحقت في السنة الرابعة، وتأخرت عاماً عن دراستي في كلية الطب بجامعة الإسكندرية، وبالتالي تأخر عمري الأكاديمي نحو 3 سنوات في تلك الفترة، ورغم ذلك كنت مصراً على الاستمرار في العمل السياسي بجانب الدراسة، لكننا كنا على خلاف شديد مع النظام العراقي في تلك الفترة، خاصة بعدما تم حظر نشاط الحزب الشيوعي في العراق، ثم تأتي الحرب العراقية الإيرانية، ونظراً لكوني محسوباً على تيارات اليسار عموماً وفي أثناء إحدى السفرات إلى لبنان، اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، وتلقيت برقية من أحد الزملاء المطلعين على الوضع في العراق، فحواها أنني مطلوب لدى الأجهزة الأمنية في العراق، وبالتالي لا تحاول العودة للعراق.
كيف واجهت الصدمة الثانية لإبعادك مضطراً من العراق بعد مشكلة القاهرة وفقدك سنوات أكاديمية من عمرك؟
- كانت صدمة ثانية، خاصة وأنني انتهيت من دراسة السنة الرابعة في كلية الطب بجامعة بغداد، وسوف انتقل إلى السنة الخامسة، لكن رغم كل ذلك، لم تتغير قناعاتي السياسية، وكنت فخوراً من أنني من ذوي "المعاطف الحمراء" في البحرين. بعد مسألة إبعادي من العراق، توجهت من لبنان إلى سوريا، حيث مكثت هناك نحو سنتين بدون دراسة، وكنت أبحث عن إمكانية دراسة الطب، وقد تم قبولي في كلية الطب في سوريا، في السنة الخامسة، لكنهم اعتبروا أن هناك فارقاً في المناهج، وبالتالي عليك أن تخوض امتحانات في مواد مختلفة، بلغت نحو 23 مادة إضافية، وهي عملياً، كل مناهج الطب في السنوات الأخرى، من الأولى إلى الخامسة، وكانت الدراسة باللغة العربية! وبناء على ذلك، أصبت بحالة من الاكتئاب شعرت خلالها أنني أفقد قوتي، ورغبتي، لأنه كان تحدياً كبيراً بالنسبة لي في إكمال دراستي للطب، ورغم ذلك كان العمل السياسي بالنسبة لي واجب، أحرص على تأديته يومياً.
كيف تغلبت على تلك المرحلة الصعبة من حياتك؟ ومن كان سندك في تلك الفترة؟
- اتخذت قراراً في تلك الفترة بترك دراسة الطب والعودة للبحرين، والعمل مع الوالد، لكن والدي، كان له رأي آخر، وقال لي "عبدالرحمن.. لا ترجع البحرين إلا وأنت طبيب، وأنا أدعمك وأساندك حتى آخر شيء"، تلك الكلمات أثرت في مشواري وكانت نقطة تحول، حيث خضت جميع الامتحانات، ونجحت فيها كاملة، ثم التحقت بالسنة الخامسة، وكنت أجهز نفسي وأستعد للحصول على شهادة التخرج، لكن، في الجامعة اكتشفوا رسوبي في مادة الإحصاء وأنا في كلية الطب بجامعة الإسكندرية، لأنني لم أخض الامتحان فيها، وبالتالي كان علي أن أدرسها وأمتحن في المادة ثم أدخل امتحانات السنة الخامسة للمرة الثانية، وأديت الامتحانات مجدداً ونجحت وتخرجت من الجامعة وحصلت "أخيراً" على بكالوريوس الطب، في عام 1985، حيث تأخرت نحو 5 سنوات، لكن رغم ذلك، تعلمت من تلك التجارب الكثير، حتى صرت كما يقولون "صخراً جلموداً".
ماذا عن رحلة التخصص في الطب بألمانيا الشرقية؟
- انتمائي السياسي وقناعاتي الاشتراكية واليسارية في تلك الفترة، سهّلت سفري ووصولي وإكمال رحلة الطب في ألمانيا الشرقية، حيث تخصصت في الأنف والأذن والحنجرة، وكنت أعمل ليلاً ونهاراً، حيث صرت أعشق الطب، وكأنني كنت أريد أن أعوّض ما فاتني، حيث عملت في مستشفيات ضخمة ذات الـ2000 سرير، وتدرّبت وتعلمت الكثير، وخلال تلك الفترة كنت شاهداً على سقوط جدار برلين وفي ذات الوقت سقوط الاتحاد السوفيتي، وانهيار المنظومة الفكرية التي قام عليها "حلم الاشتراكية"، حينها بدأت مراجعات رصينة وهادئة لقناعتنا السياسية والأيديولوجية، لقد أثرت فيني تلك الأحداث بصورة قوية وبدأنا في مراجعات فكرية واسعة، خاصة وأنني كنت شاهد عيان على سقوط نظام عالمي على يد الشعوب الرافضة للفكر ونمط الحياة الشيوعي والاشتراكي، حينها خلعت عباءة الشيوعية والاشتراكية مع الحفاظ على القيم الإنسانية والتي لا تتبدل. لاشك في أنني دفعت ثمن شغفي بالشيوعية، واكتشفنا "أنا والكثير من أبناء جيلنا ورفاق الدرب"، وبعيون مفتوحة، أن البلدان التي كنا نبحث فيها عن الخير والرخاء كانت بلداناً فاشلة، وهذا الخير والرخاء وجدناه في دولنا وبلداننا الخليجية التي كانت الأحق بالولاء والانتماء، وهذا ما أدركناه فيما بعد، كما أن الأسر والعائلات الملكية والدول الملكية هي التي أسست الحضارات ووفرت التنمية والرخاء والصحة والتعليم لشعوبها وتتمتع بالاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وبالتالي نحن نعتز بانتمائنا لدولنا الخليجية، وفي ذات الوقت، نحن لا نتنصل من تاريخنا لأننا استفدنا من تلك التجارب من خلال المراجعات الرصينة والهادئة.
متى قررت العودة إلى البحرين؟
- بعدما اكتسبت خبرات كبيرة في ممارسة مهنة الطب في ألمانيا، قررت العودة إلى البحرين، كي أخدم بلدي في مجال الطب، بالرغم من أنه قد عرض علي منصب أكاديمي في ألمانيا، بعد أن توحدت، وكنت أستطيع الحصول على الجنسية، لكني رفضت كل ذلك، وبالفعل عدت إلى البحرين في عام 1991، بعد غياب نحو 12 عاماً، ثم تقدمت للعمل في قسم الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى السلمانية الطبي، وقد انتظرت سنوات، حتى حصلت على منصب طبيب استشاري، مع أنني كنت أستحق هذا المنصب من أول يوم عملت فيه، بحكم دراستي وتخصصي وخبراتي، وتدرجت في المناصب حتى وصلت إلى منصب رئيس القسم في السلمانية، ثم بعد ذلك استقلت وانشغلت بعملي الخاص.
ماذا عن العائلة؟
- نشأنا في المحرق، ووالدي بحريني، ووالدتي من دبي، ونحن 5 أبناء، أخي الكبير، المهندس جاسم، ثم أنا، ثم أختي د.سمية الغريب، رحمها الله، وأخي المهندس خالد، يشغل منصب وكيل وزارة، ثم أختي د.نادية، وهي دكتورة في علوم التغذية، والجدير بالذكر أن والدي كان قارئاً ومطلعاً ومثقفاً ولديه مكتبة ضخمة فيها جميع أنواع الكتب، وكان قارئاً نهماً، كما أنه كرس كل وقته وجهده وماله من أجل نبوغ أولاده، ومن الطرائف أنهم كانوا يطلقون علينا في "الفريج"، "عائلة المثقفين"، لأننا كنا جميعاً نرتدي النظارات الطبية. أما بالنسبة لعائلتي الصغيرة، فقد تزوجت وأنا في سوريا من أم ابني فهد، ثم التحقت بي في ألمانيا، ولم يكتب نصيب، ثم تزوجت بعد ذلك من رفيقة دربي، د.شريفة بوجيري، وهي طبيبة استشارية، وقد استمتعت إلى نصيحة أحد زملائي عندما أخبرني أن أتزوج من طبيبة لأنها ربما تدرك طبيعة عمل الأطباء، وقد رزقني الله بمحمد "26 عاماً" وفارس "25 عاماً"، ومحمد شاب جميل، وهو سبب سعادتي في الحياة، لأنه له وضع خاص، حيث يعاني من التوحد وهو يشعرني بأنه يحتاجني دائماً فهو مصدر سعادة بالنسبة لي، وابني فهد يعمل في القطاع الخاص، وحاصل على الماجستير من أمريكا، كما أن ابني فارس التحق بالبرامج الأكاديمية ويدرس الماجستير ثم الدكتوراه.
ما هي أسعد أوقاتك؟
- أسعد لحظات حياتي يوم رزقت بأولادي، فهد، ومحمد، وفارس.
تعرضت لصعوبات كثيرة ومواقف حزينة في حياتك، ما أسوأ خبر سمعته؟
- أسوأ خبر سمعته، هو فاجعة وفاة أختي د.سمية الغريب، وهي أكبر خسارة بالنسبة للعائلة، ولانزال نعاني من آثار تلك الفاجعة حتى الآن، وكذلك وفاة والدي حيث حزنت على وفاته حزناً شديداً.
ماذا عن حضورك المؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي؟
- ربما لأنني أتحدث بعفوية وبلغة بسيطة وسهلة على المتلقي، وهذا الأمر في بدايته كان صدفة، حيث تحدثت في فيديو قصير عن الفارق بين الشخير والاختناق، ووجدت أن الفيديو لقي صدى طيباً على مواقع التواصل، وربما يندرج ذلك في إطار العمل التطوعي، من خلال رسالة توعوية.
ما هي أبرز الهوايات؟
- دائماً أقول، لو لم أكن طبيباً، لكنت طباخاً، حيث إنني كنت مواظباً على مساعدة والدتي في المطبخ، كما أن أسعد لحظات حياتي أقضيها في البحر، بالإضافة إلى أنني أمارس أعمال النجارة والكهرباء والصباغة في البيت، وكذلك أحرص على الزراعة.
2446138
2446144
2446141