أكمل الغزو الروسي لأوكرانيا شهره السادس، دون أن تُحسم نتائجه لطرف على حساب الآخر. غير أن هذه المدة كانت كافية لإحداث تغييرات كبيرة في العالم.
منذ إطلاق الرصاصة الأولى في الحرب يوم 24 فبراير الماضي، تطورت الأحداث على الساحة الدولية بوتيرة تكاد تكون أسرع من تطورات ساحة الحرب.
وتجاوزت تداعيات الحرب حدود أوكرانيا، لتُجبر عدداً من الدول على إجراء تغييرات جذرية في سياساتها، فيما أغرقت العالم في سلسلة من الأزمات المتزايدة، من التضخم الجامح إلى نقص النفط والغذاء الذي أدى إلى تزايد التحذيرات من الركود.
عودة إلى أجواء الحرب الباردة
شكل إجماع العالم الغربي على إدانة "العملية العسكرية" الروسية فرصة أمام الرئيس الأميركي جو بايدن لتحقيق وعده الانتخابي بتوحيد أوروبا وإعادة إحياء الشراكة بين ضفتي الأطلسي، بعدما تضررت في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.
وفرضت الولايات المتحدة وشركاءها الأوروبيين عقوبات موحدة ضد روسيا، بالموازاة مع حشد مساعدات عسكرية غير مسبوقة إلى أوكرانيا ساعدتها على إبطاء التقدم الروسي، ما أنهى الانقسام الأوروبي بشأن التعامل مع روسيا.
هذا الأمر ظهر في قمة الناتو بمدريد في 29 يونيو الماضي، حين اتفق الحلفاء على تصنيف روسيا كخصم أساسي بعدما كان يصنّف موسكو عقب الحرب الباردة كحليف محتمل.
ونجحت العقوبات الغربية في إعادة اقتصاد موسكو 4 سنوات إلى الوراء، وفقاً لأول تقييم ربع سنوي بعد بدء الحرب، أجرته "بلومبرغ"، التي أشارت إلى أن ذلك وضع اقتصاد البلاد على الطريق نحو واحدة من أطول فترات الانكماش المسجلة في تاريخها على الإطلاق.
كما كانت الحرب في أوكرانيا بمثابة جرس إنذار جيوسياسي لأوروبا، عكسه اندفاع الأوروبيين إلى استثمارات جديدة وكبيرة في قدراتهم العسكرية، إذ خصصت ألمانيا 100 مليار يورو لتحديث جيشها، ووافقت على تلبية معيار الناتو المتمثل في إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.
غير أن مظاهر الوحدة الغربية بدأت تكشف وراءها خلافات متزايدة حول كيفية تحمل الأثمان الاقتصادية المرتفعة للحرب في أوكرانيا.
وأدت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا إلى ارتفاع في أسعار الغاز في أوروبا، ما زاد من مخاوف ركود اقتصادي، في وقت كان المفترض أن يكون العام 2022 عام الثبات بعد الانتعاش القوي الذي شهده الاقتصاد العالمي في العام 2021، بعيداً عن الإقفال والحجر.
الدكتور حسني عبيدي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، اعتبر أن أوروبا "تعتبر ضحية للعقوبات التي فرضتها ضد روسيا، لكنها كانت محتاجة إلى الرد على التهديد الروسي للأمن الأوروبي"، مستبعداً تراجع أوروبا عن سياساتها المتشددة تجاه روسيا.
وقال عبيدي لـ"الشرق"، إن "أوروبا حققت مستويات عالية من الرفاه الاقتصادي بسبب السلام الذي ساد المنطقة، وبفضل الحوار الاستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة خلال السنوات الماضية. لكن التطورات الحالية تبين عودة إلى خطاب الحرب الباردة، وهو ما يعدم أي دينامية جادة للسلام في المنطقة".
أزمة غاز في أوروبا
وفي مؤشر على الخلافات، فشل زعماء مجموعة السبع فشلوا خلال اجتماعهم في بافاريا بألمانيا شهر يوليو الماضي، في التوصل إلى اتفاق بشأن آلية عقوبات جديدة لضرب عائدات النفط الروسية، وذلك بسبب خلافهم حول كيفية معالجة التضخم المتصاعد.
أقر الاتحاد الأوروبي مطلع أغسطس الجاري خطة لخفض استهلاك الغاز عبر القارة بنسبة 15%، بهدف التعامل مع أزمة أسعار الطاقة التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا، في مواجهة خفض الإمدادات الروسية. وقبل ذلك، فعّلت بروكسل خطة طوارئ للبدء في رفع مستويات تخزين الغاز الأوروبية، تحسباً للتوقف كامل لإمدادات الغاز من روسيا.
وبينما لم تشمل عقوبات الاتحاد الأوروبي على موسكو الغاز الروسي، إلا أن الكرملين خفض الإمدادات بشكل كبير في جميع الأحوال، وهو أمر رأت فيه بروكسل محاولة لـ"لي ذراعها".
خبير اقتصاديات النفط والطاقة نهاد إسماعيل، قال لـ"الشرق"، إن "روسيا تريد أن تعاقب أوروبا بقطع الغاز"، موضحاً أن "المسألة جيوسياسية 100%. والغاز مجرد سلاح في هذه الحرب".
وتوقع الخبير أن تتعمق الأزمة في أوروبا بعدما تراجعت الإمدادات الروسية من الغاز إلى 20%، قائلاً إن "أوروبا تحاول التفاوض مع دول مثل أذربيجان وقطر والجزائر بالإضافة إلى كندا والولايات المتحدة لسد حاجاتها من الطاقة. لكن هذا لن يحل المشكلة".
وبخصوص جهود رفع مستويات التخزين، قال إسماعيل إنه "حتى لو وصل مستوى مخزون أوروبا إلى 90%، سيبقى هناك ثغرة تقدر بـ 30 مليار متر مكعب حتى نهاية فصل الشتاء. لذلك، مهما فعلت أوروبا لن تخرج من هذا المأزق"، مرجحاً أن تقدم أوروبا تنازلات وتخفيف ضغوطها على روسيا مقابل رفع إمدادات الغاز.
تهديد الأمن الغذائي
بعد فترة قصيرة من اندلاع الحرب في أوكرانيا، وصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية المرتبط بارتفاع تكاليف النقل والمنتجات مثل القمح والزيوت والأسمدة، إلى حدٍّ دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من خطر "إعصار من المجاعات" في إفريقيا.
قبل بدء الغزو الروسي، كانت أوكرانيا تُصدر شهرياً حوالي 5 ملايين طن من المنتجات الزراعية، لكن العمليات العسكرية أبطأت وتيرة الصادرات قبل أن توقفها تماماً. ولكون أوكرانيا أحد أكبر منتجي الحبوب ومُصدريها في العالم، زادت الحرب المخاوف من حدوث أزمة غذاء عالمية.
أحمد المختار، كبير خبراء الاقتصاد في منظمة الأغذية والزراعة بالشرق الأدنى وشمال إفريقيا، قال لـ"الشرق"، إن "أزمة الغذاء ليست جديدة في إفريقيا، لكنها تفاقمت بشكل كبير على خلفية جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا".
وأوضح أنه بينما أظهرت الدول المتقدمة صموداً من خلال تقديم حزمات دعم طارئة، فإن "الكثير من الدول الإفريقية ليس لها القدرة على تقديم الدعم أو الاكتفاء الذاتي الذي يمكنها من مقاومة مثل هذه الأزمات".
وفي 22 يوليو الماضي، أبرمت كييف وموسكو برعاية كل من الأمم المتحدة وتركيا، اتفاقاً لتسهيل تصدير المنتجات الزراعية، تم استئناف الصادرات، وهو ما أدى إلى تراجع مؤشر أسعار الغذاء العالمي لمستويات ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
غير أن محللة سوق السلع الأساسية إيرين كولير حذرت من أنه "وبالرغم من تراجع الأسعار في الآونة الأخيرة، فإنها ما تزال فوق مستوياتها الطبيعية"، نظراً لأن الأسعار كانت مرتفعة بالفعل قبل الغزو الروسي نتيجة اضطراب سلاسل الإمدادات بسبب جائحة كورونا.
وقالت كولير لـ"الشرق" إنه "في حال استمرار تدفق الحبوب من أوكرانيا إلى الأسواق الدولية، فإن الأسعار ستبقى معتدلة. لكن نترقب ارتفاعاً جديداً عقب انتهاء موسم الحصاد الحالي، خصوصاً وأن الإمدادات ستتراجع في وقت تستمر فيه تكاليف النقل المرتبطة بالطاقة في الارتفاع. كما نتوقع كذلك أن ترتفع تكاليف الإنتاج في الموسم الزراعي المقبل، بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة".
فك الارتباط مع واشنطن
وبينما نجحت الولايات المتحدة في توحيد مواقف الدول السبع الصناعية الكبرى "مجموعة السبع" للرد على روسيا بعقوبات مشددة مقابل توفير دعم طويل الأمد لأوكرانيا، فإن واشنطن فشلت في تحقيق النتيجة ذاتها في مجموعة العشرين.
تمثل مجموعة العشرين نحو 85% من الناتج الاقتصادي العالمي، ويُفترض أن تكون أكثر انعكاساً للوضع في العالم. ومع ذلك، لم ينضمّ سوى نصف أعضائها إلى العقوبات الدولية المفروضة على زميلتهم روسيا، نتيجة غزوها لأوكرانيا.
وتعد الهند من الدول الرافضة للمشاركة في عزل روسيا، إذ ضغطت واشنطن وعواصم غربية منذ بدء الغزو الروسي على رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لـ فك الشراكة مع موسكو، فيما ضاعفت الهند من شراكتها مع روسيا، خصوصاً في مجال الطاقة.
كما أن الرئيس البرازيلي السابق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، المرشح لتولّي المنصب مجدداً، حمّل أوكرانيا وروسيا مسؤولية متساوية بشأن الحرب.
وانتقد الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، العقوبات المفروضة على روسيا، فيما خلصت أنقرة إلى أن معاقبة موسكو ستمسّ بمصالحها الاقتصادية والسياسية، حسبما قال مسؤول تركي بارز، أشار إلى أن ارتفاع تكاليف الطاقة والأضرار اللاحقة بالسياحة، كبّدت بلاده خسائر بـ35 مليار دولار.
ورفضت معظم دول "الجنوب العالمي" والتي يقصد بها الدول النامية، في آسيا وإفريقيا وحتى أميركا اللاتينية، دعوات واشنطن للانضمام إلى مساعي عزل روسيا، وهو ما برز في مخرجات جولة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن التي شملت آسيا وجنوب إفريقيا، ثم جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا.
وأرجعت "بلومبرغ" ذلك إلى الضرورات الاقتصادية، فضلاً عن مخاوف أخرى، بما في ذلك الصلات التاريخية مع موسكو، ومؤشرات إلى فك ارتباط من الولايات المتحدة، وانعدام ثقة بقوى استعمارية سابقة.
ماريا ريبنيكوفا، وهي أستاذة مشاركة في الاتصال العالمي بجامعة ولاية جورجيا، اعتبرت أن موسكو تستخدم في الوقت ذاته "وسائل مختلفة لجذب الجنوب العالمي والتواصل معه، بوصفها مدافعة عنه".
ولفتت إلى أن هذا النهج لا ينطبق فقط على إفريقيا، بل على آسيا وأميركا اللاتينية أيضاً، إذ زوّدت موسكو دولاً في القارتين بلقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد، كما أن الصين تستثمر فيها بكثافة.
وكان لافتاً أن تكتل "ميركوسور" التجاري في أميركا اللاتينية، رفض طلباً قدّمه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإلقاء كلمة، خلال قمة عقدتها في أواخر يوليو.
وفي إندونيسيا، تمسّك الرئيس جوكو ويدودو بسياسة عدم الانحياز التقليدية، في مواجهة ضغوط لاستبعاد بوتين من قمة لمجموعة العشرين تستضيفها بلاده في نوفمبر المقبل، ودعا الرئيسين الروسي والأوكراني إلى المشاركة فيها.
دول تترك حيادها
في المقابل، انضمت العديد من الدول التي كانت إما محايدة سياسياً فيما يتعلق بالصراع بين الغرب وروسيا أو كان لديها علاقات اقتصادية وثيقة مع الأوليجارشية الروسية، إلى العقوبات الغربية على روسيا على خلفية غزو أوكرانيا.
وبعد وقت قصير من الغزو، أعلنت سويسرا أنها ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على موسكو، في تحول حاد عن حيادها طويل الأمد. كما تحركت موناكو، التي طالما كانت وجهة مفضلة للنخب الروسية الثرية، لتجميد أصول الأوليجارشية الروسية وفقًا لقانون الاتحاد الأوروبي للعقوبات.
وعلى نحو مماثل، قامت سنغافورة بما وصفته بخطوة "غير مسبوقة تقريباً" بفرضها عقوبات على دولة أجنبية، دون صدور قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
كما أن الحرب التي بدأتها روسيا لأسباب ضمنها صد توسع الناتو شرقاً، جاءت بنتائج عكسية مع تعزيز الحلف لتواجده العسكري في محيط روسيا الاستراتيجي، وبدأ مسار انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف.
وأكد البيان الختامي لقمة الناتو بمدريد، أن الحلف قرر الالتزام بسياسة "الباب المفتوح"، ثم أعلن الحلف إطلاق إجراءات المصادقة على انضمام البلدين في مطلع يوليو.
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرج يتوسط وزيرة الخارجية السويدية آن ليند ونظيرها الفنلندي بيكا هافيستو أثناء إعلان إطلاق إجراءات المصادقة على عضوية السويد وفنلندا بالحلف في بروكسل.
ويجلب هذان البلدان فوائد جيواستراتيجية لحلف الناتو، إذ تشترك فنلندا في حدود طولها 830 ميلاً مع روسيا ولديها جيش حديث مجهز بشكل جيد، كما يمكن للسويد التحكم في مدخل بحر البلطيق، ما سيساعد بشكل كبير في مخططات الناتو للدفاع عن البلدان الأكثر ضعفاً في أوروبا الشرقية.
كما أعلن الحلف عن خطة لزيادة عدد قوات التأهب القصوى الجاهزة في الجناح الشرقي للناتو، بأكثر من سبعة أضعاف، لتصل إلى أكثر من 300 ألف. وتعد هذه القوات جزءاً من عقيدة أمنية جديدة للعقد القادم لتعزيز الدفاع عن القارة الأوروبية.
ملامح تحالفات جديدة
قبل أسابيع من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بدت تظهر ملامح تقارب أكبر بين روسيا والصين بالإضافة إلى إيران، فيما زادت حدة توتر البلدان الثلاثة مع الغرب.
وتقود موسكو وبكين مجموعة "بريكس" التي تضم دول الاقتصادات الناشئة، بالإضافة إلى منظمة شنغهاي للتعاون، فيما كانت طهران قد انضمت إلى مجموعة شنغهاي في سبتمبر 2021، ثم بدأت مسار الانضمام إلى "بريكس" في يونيو الماضي.
وتعاون الرئيس الصيني شي جين بينج مع نظيره الروسي بوتين وأعلن "صداقة بلا حدود" بين بلديهما، قبل أسابيع من غزو أوكرانيا. كذلك زادت الصين مشترياتها من النفط الروسي، منذ اندلاع الحرب، إذ أنفقت 72% أكثر على واردات الطاقة الروسية في يونيو، مقارنة بالعام السابق.
جاء ذلك فيما تفاقم التوتر بين بكين وواشنطن، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان قبل أيام، وفي نزاع الصين مع مجموعة السبع، بعدما أعربت المجموعة عن قلقها بشأن "ممارسات تهديدية" تتخذها بكين بشأن تايوان.
وتجري روسيا والصين تدريبات عسكرية مشتركة، بما في ذلك دوريات القاذفات الاستراتيجية في المحيطين الهندي والهادئ والتدريبات البحرية مع إيران في المحيط الهندي بشكل تتزايد وتيرته وتعقيده.
وقبل أسابيع من بدء الغزو، دعا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إلى تشكيل تحالف لمواجهة الولايات المتحدة، فيما أكد بوتين أن بلاده تتعاون "بشكل وثيق" مع طهران على الصعيد الدولي.
ولم يتراجع الزخم في التقارب بين إيران وروسيا حتى بعد بدء الغزو الروسي، إذ زار الرئيس الروسي في يوليو الماضي طهران، وبحث مع نظيريه الإيراني إبراهيم رئيسي التعاون الاقتصادي. وصرح نائب وزير الخارجية الإيراني للدبلوماسية الاقتصادية مهدي صفري، عقب الزيارة بأن روسيا وإيران تعملان على إنشاء نظام مدفوعات مشترك مشابه لنظام "سويفت" الغربي، من شأنه السماح لهما بالاتفاف على العقوبات الغربية.
ماجد التركي، رئيس مركز الإعلام والدراسات "العربية - الروسية"، قال لـ"الشرق"، إن روسيا تحاول منذ بدء محاولات عزلها من قبل الغرب، "فرض أجندة عالمية جديدة، بعدما اتضح لها من خلال أزمة أوكرانيا، أن الغرب ليس مستعداً للمواجهة المباشرة، وأن الحصار الاقتصادي ينعكس بشكل سلبي أيضاً على الدول الغربية".
وأضاف أن تعميق إيران لعلاقاتها مع الصين وإيران خلال هذه الفترة يأتي ضمن مساعي روسيا لاستغلال الظروف الحالية من أجل "فرض وقائع ما بعد الأزمة، والتحضر كذلك لاحتمال تطورات في أزمة الصين والولايات المتحدة".
وأوضح التركي أن "روسيا اشتغلت على مسارين، الأول هو مسار ثنائي مع الصين وحلفاءها في مجموعة شنغهاي ومجموعة بريكس. هذا المسار ركز بشكل أساسي على الشراكات الاقتصادية".
والمسار الثاني الذي سلكته حسب التركي، "هو أحادي، وذلك عن طريق تقديم عروض مغرية في مجال الطاقة والسلاح، بهدف توسيع نفوذها السياسي وفك العزلة التي يحاول الغرب فرضها".
وذكرت وكالة "رويترز" في 20 يوليو عقب زيارة بوتين إلى طهران أن "التودد الناشئ بين روسيا وإيران، تطوراً غير مرحب به بالنسبة للغرب وستراقبه الولايات المتحدة في قلق، لكنه لا يرقى إلى مستوى التغيير الجيوسياسي في اللعبة".
منذ إطلاق الرصاصة الأولى في الحرب يوم 24 فبراير الماضي، تطورت الأحداث على الساحة الدولية بوتيرة تكاد تكون أسرع من تطورات ساحة الحرب.
وتجاوزت تداعيات الحرب حدود أوكرانيا، لتُجبر عدداً من الدول على إجراء تغييرات جذرية في سياساتها، فيما أغرقت العالم في سلسلة من الأزمات المتزايدة، من التضخم الجامح إلى نقص النفط والغذاء الذي أدى إلى تزايد التحذيرات من الركود.
عودة إلى أجواء الحرب الباردة
شكل إجماع العالم الغربي على إدانة "العملية العسكرية" الروسية فرصة أمام الرئيس الأميركي جو بايدن لتحقيق وعده الانتخابي بتوحيد أوروبا وإعادة إحياء الشراكة بين ضفتي الأطلسي، بعدما تضررت في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.
وفرضت الولايات المتحدة وشركاءها الأوروبيين عقوبات موحدة ضد روسيا، بالموازاة مع حشد مساعدات عسكرية غير مسبوقة إلى أوكرانيا ساعدتها على إبطاء التقدم الروسي، ما أنهى الانقسام الأوروبي بشأن التعامل مع روسيا.
هذا الأمر ظهر في قمة الناتو بمدريد في 29 يونيو الماضي، حين اتفق الحلفاء على تصنيف روسيا كخصم أساسي بعدما كان يصنّف موسكو عقب الحرب الباردة كحليف محتمل.
ونجحت العقوبات الغربية في إعادة اقتصاد موسكو 4 سنوات إلى الوراء، وفقاً لأول تقييم ربع سنوي بعد بدء الحرب، أجرته "بلومبرغ"، التي أشارت إلى أن ذلك وضع اقتصاد البلاد على الطريق نحو واحدة من أطول فترات الانكماش المسجلة في تاريخها على الإطلاق.
كما كانت الحرب في أوكرانيا بمثابة جرس إنذار جيوسياسي لأوروبا، عكسه اندفاع الأوروبيين إلى استثمارات جديدة وكبيرة في قدراتهم العسكرية، إذ خصصت ألمانيا 100 مليار يورو لتحديث جيشها، ووافقت على تلبية معيار الناتو المتمثل في إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.
غير أن مظاهر الوحدة الغربية بدأت تكشف وراءها خلافات متزايدة حول كيفية تحمل الأثمان الاقتصادية المرتفعة للحرب في أوكرانيا.
وأدت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا إلى ارتفاع في أسعار الغاز في أوروبا، ما زاد من مخاوف ركود اقتصادي، في وقت كان المفترض أن يكون العام 2022 عام الثبات بعد الانتعاش القوي الذي شهده الاقتصاد العالمي في العام 2021، بعيداً عن الإقفال والحجر.
الدكتور حسني عبيدي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، اعتبر أن أوروبا "تعتبر ضحية للعقوبات التي فرضتها ضد روسيا، لكنها كانت محتاجة إلى الرد على التهديد الروسي للأمن الأوروبي"، مستبعداً تراجع أوروبا عن سياساتها المتشددة تجاه روسيا.
وقال عبيدي لـ"الشرق"، إن "أوروبا حققت مستويات عالية من الرفاه الاقتصادي بسبب السلام الذي ساد المنطقة، وبفضل الحوار الاستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة خلال السنوات الماضية. لكن التطورات الحالية تبين عودة إلى خطاب الحرب الباردة، وهو ما يعدم أي دينامية جادة للسلام في المنطقة".
أزمة غاز في أوروبا
وفي مؤشر على الخلافات، فشل زعماء مجموعة السبع فشلوا خلال اجتماعهم في بافاريا بألمانيا شهر يوليو الماضي، في التوصل إلى اتفاق بشأن آلية عقوبات جديدة لضرب عائدات النفط الروسية، وذلك بسبب خلافهم حول كيفية معالجة التضخم المتصاعد.
أقر الاتحاد الأوروبي مطلع أغسطس الجاري خطة لخفض استهلاك الغاز عبر القارة بنسبة 15%، بهدف التعامل مع أزمة أسعار الطاقة التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا، في مواجهة خفض الإمدادات الروسية. وقبل ذلك، فعّلت بروكسل خطة طوارئ للبدء في رفع مستويات تخزين الغاز الأوروبية، تحسباً للتوقف كامل لإمدادات الغاز من روسيا.
وبينما لم تشمل عقوبات الاتحاد الأوروبي على موسكو الغاز الروسي، إلا أن الكرملين خفض الإمدادات بشكل كبير في جميع الأحوال، وهو أمر رأت فيه بروكسل محاولة لـ"لي ذراعها".
خبير اقتصاديات النفط والطاقة نهاد إسماعيل، قال لـ"الشرق"، إن "روسيا تريد أن تعاقب أوروبا بقطع الغاز"، موضحاً أن "المسألة جيوسياسية 100%. والغاز مجرد سلاح في هذه الحرب".
وتوقع الخبير أن تتعمق الأزمة في أوروبا بعدما تراجعت الإمدادات الروسية من الغاز إلى 20%، قائلاً إن "أوروبا تحاول التفاوض مع دول مثل أذربيجان وقطر والجزائر بالإضافة إلى كندا والولايات المتحدة لسد حاجاتها من الطاقة. لكن هذا لن يحل المشكلة".
وبخصوص جهود رفع مستويات التخزين، قال إسماعيل إنه "حتى لو وصل مستوى مخزون أوروبا إلى 90%، سيبقى هناك ثغرة تقدر بـ 30 مليار متر مكعب حتى نهاية فصل الشتاء. لذلك، مهما فعلت أوروبا لن تخرج من هذا المأزق"، مرجحاً أن تقدم أوروبا تنازلات وتخفيف ضغوطها على روسيا مقابل رفع إمدادات الغاز.
تهديد الأمن الغذائي
بعد فترة قصيرة من اندلاع الحرب في أوكرانيا، وصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية المرتبط بارتفاع تكاليف النقل والمنتجات مثل القمح والزيوت والأسمدة، إلى حدٍّ دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من خطر "إعصار من المجاعات" في إفريقيا.
قبل بدء الغزو الروسي، كانت أوكرانيا تُصدر شهرياً حوالي 5 ملايين طن من المنتجات الزراعية، لكن العمليات العسكرية أبطأت وتيرة الصادرات قبل أن توقفها تماماً. ولكون أوكرانيا أحد أكبر منتجي الحبوب ومُصدريها في العالم، زادت الحرب المخاوف من حدوث أزمة غذاء عالمية.
أحمد المختار، كبير خبراء الاقتصاد في منظمة الأغذية والزراعة بالشرق الأدنى وشمال إفريقيا، قال لـ"الشرق"، إن "أزمة الغذاء ليست جديدة في إفريقيا، لكنها تفاقمت بشكل كبير على خلفية جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا".
وأوضح أنه بينما أظهرت الدول المتقدمة صموداً من خلال تقديم حزمات دعم طارئة، فإن "الكثير من الدول الإفريقية ليس لها القدرة على تقديم الدعم أو الاكتفاء الذاتي الذي يمكنها من مقاومة مثل هذه الأزمات".
وفي 22 يوليو الماضي، أبرمت كييف وموسكو برعاية كل من الأمم المتحدة وتركيا، اتفاقاً لتسهيل تصدير المنتجات الزراعية، تم استئناف الصادرات، وهو ما أدى إلى تراجع مؤشر أسعار الغذاء العالمي لمستويات ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
غير أن محللة سوق السلع الأساسية إيرين كولير حذرت من أنه "وبالرغم من تراجع الأسعار في الآونة الأخيرة، فإنها ما تزال فوق مستوياتها الطبيعية"، نظراً لأن الأسعار كانت مرتفعة بالفعل قبل الغزو الروسي نتيجة اضطراب سلاسل الإمدادات بسبب جائحة كورونا.
وقالت كولير لـ"الشرق" إنه "في حال استمرار تدفق الحبوب من أوكرانيا إلى الأسواق الدولية، فإن الأسعار ستبقى معتدلة. لكن نترقب ارتفاعاً جديداً عقب انتهاء موسم الحصاد الحالي، خصوصاً وأن الإمدادات ستتراجع في وقت تستمر فيه تكاليف النقل المرتبطة بالطاقة في الارتفاع. كما نتوقع كذلك أن ترتفع تكاليف الإنتاج في الموسم الزراعي المقبل، بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة".
فك الارتباط مع واشنطن
وبينما نجحت الولايات المتحدة في توحيد مواقف الدول السبع الصناعية الكبرى "مجموعة السبع" للرد على روسيا بعقوبات مشددة مقابل توفير دعم طويل الأمد لأوكرانيا، فإن واشنطن فشلت في تحقيق النتيجة ذاتها في مجموعة العشرين.
تمثل مجموعة العشرين نحو 85% من الناتج الاقتصادي العالمي، ويُفترض أن تكون أكثر انعكاساً للوضع في العالم. ومع ذلك، لم ينضمّ سوى نصف أعضائها إلى العقوبات الدولية المفروضة على زميلتهم روسيا، نتيجة غزوها لأوكرانيا.
وتعد الهند من الدول الرافضة للمشاركة في عزل روسيا، إذ ضغطت واشنطن وعواصم غربية منذ بدء الغزو الروسي على رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لـ فك الشراكة مع موسكو، فيما ضاعفت الهند من شراكتها مع روسيا، خصوصاً في مجال الطاقة.
كما أن الرئيس البرازيلي السابق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، المرشح لتولّي المنصب مجدداً، حمّل أوكرانيا وروسيا مسؤولية متساوية بشأن الحرب.
وانتقد الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، العقوبات المفروضة على روسيا، فيما خلصت أنقرة إلى أن معاقبة موسكو ستمسّ بمصالحها الاقتصادية والسياسية، حسبما قال مسؤول تركي بارز، أشار إلى أن ارتفاع تكاليف الطاقة والأضرار اللاحقة بالسياحة، كبّدت بلاده خسائر بـ35 مليار دولار.
ورفضت معظم دول "الجنوب العالمي" والتي يقصد بها الدول النامية، في آسيا وإفريقيا وحتى أميركا اللاتينية، دعوات واشنطن للانضمام إلى مساعي عزل روسيا، وهو ما برز في مخرجات جولة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن التي شملت آسيا وجنوب إفريقيا، ثم جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا.
وأرجعت "بلومبرغ" ذلك إلى الضرورات الاقتصادية، فضلاً عن مخاوف أخرى، بما في ذلك الصلات التاريخية مع موسكو، ومؤشرات إلى فك ارتباط من الولايات المتحدة، وانعدام ثقة بقوى استعمارية سابقة.
ماريا ريبنيكوفا، وهي أستاذة مشاركة في الاتصال العالمي بجامعة ولاية جورجيا، اعتبرت أن موسكو تستخدم في الوقت ذاته "وسائل مختلفة لجذب الجنوب العالمي والتواصل معه، بوصفها مدافعة عنه".
ولفتت إلى أن هذا النهج لا ينطبق فقط على إفريقيا، بل على آسيا وأميركا اللاتينية أيضاً، إذ زوّدت موسكو دولاً في القارتين بلقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد، كما أن الصين تستثمر فيها بكثافة.
وكان لافتاً أن تكتل "ميركوسور" التجاري في أميركا اللاتينية، رفض طلباً قدّمه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإلقاء كلمة، خلال قمة عقدتها في أواخر يوليو.
وفي إندونيسيا، تمسّك الرئيس جوكو ويدودو بسياسة عدم الانحياز التقليدية، في مواجهة ضغوط لاستبعاد بوتين من قمة لمجموعة العشرين تستضيفها بلاده في نوفمبر المقبل، ودعا الرئيسين الروسي والأوكراني إلى المشاركة فيها.
دول تترك حيادها
في المقابل، انضمت العديد من الدول التي كانت إما محايدة سياسياً فيما يتعلق بالصراع بين الغرب وروسيا أو كان لديها علاقات اقتصادية وثيقة مع الأوليجارشية الروسية، إلى العقوبات الغربية على روسيا على خلفية غزو أوكرانيا.
وبعد وقت قصير من الغزو، أعلنت سويسرا أنها ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على موسكو، في تحول حاد عن حيادها طويل الأمد. كما تحركت موناكو، التي طالما كانت وجهة مفضلة للنخب الروسية الثرية، لتجميد أصول الأوليجارشية الروسية وفقًا لقانون الاتحاد الأوروبي للعقوبات.
وعلى نحو مماثل، قامت سنغافورة بما وصفته بخطوة "غير مسبوقة تقريباً" بفرضها عقوبات على دولة أجنبية، دون صدور قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
كما أن الحرب التي بدأتها روسيا لأسباب ضمنها صد توسع الناتو شرقاً، جاءت بنتائج عكسية مع تعزيز الحلف لتواجده العسكري في محيط روسيا الاستراتيجي، وبدأ مسار انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف.
وأكد البيان الختامي لقمة الناتو بمدريد، أن الحلف قرر الالتزام بسياسة "الباب المفتوح"، ثم أعلن الحلف إطلاق إجراءات المصادقة على انضمام البلدين في مطلع يوليو.
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرج يتوسط وزيرة الخارجية السويدية آن ليند ونظيرها الفنلندي بيكا هافيستو أثناء إعلان إطلاق إجراءات المصادقة على عضوية السويد وفنلندا بالحلف في بروكسل.
ويجلب هذان البلدان فوائد جيواستراتيجية لحلف الناتو، إذ تشترك فنلندا في حدود طولها 830 ميلاً مع روسيا ولديها جيش حديث مجهز بشكل جيد، كما يمكن للسويد التحكم في مدخل بحر البلطيق، ما سيساعد بشكل كبير في مخططات الناتو للدفاع عن البلدان الأكثر ضعفاً في أوروبا الشرقية.
كما أعلن الحلف عن خطة لزيادة عدد قوات التأهب القصوى الجاهزة في الجناح الشرقي للناتو، بأكثر من سبعة أضعاف، لتصل إلى أكثر من 300 ألف. وتعد هذه القوات جزءاً من عقيدة أمنية جديدة للعقد القادم لتعزيز الدفاع عن القارة الأوروبية.
ملامح تحالفات جديدة
قبل أسابيع من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بدت تظهر ملامح تقارب أكبر بين روسيا والصين بالإضافة إلى إيران، فيما زادت حدة توتر البلدان الثلاثة مع الغرب.
وتقود موسكو وبكين مجموعة "بريكس" التي تضم دول الاقتصادات الناشئة، بالإضافة إلى منظمة شنغهاي للتعاون، فيما كانت طهران قد انضمت إلى مجموعة شنغهاي في سبتمبر 2021، ثم بدأت مسار الانضمام إلى "بريكس" في يونيو الماضي.
وتعاون الرئيس الصيني شي جين بينج مع نظيره الروسي بوتين وأعلن "صداقة بلا حدود" بين بلديهما، قبل أسابيع من غزو أوكرانيا. كذلك زادت الصين مشترياتها من النفط الروسي، منذ اندلاع الحرب، إذ أنفقت 72% أكثر على واردات الطاقة الروسية في يونيو، مقارنة بالعام السابق.
جاء ذلك فيما تفاقم التوتر بين بكين وواشنطن، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان قبل أيام، وفي نزاع الصين مع مجموعة السبع، بعدما أعربت المجموعة عن قلقها بشأن "ممارسات تهديدية" تتخذها بكين بشأن تايوان.
وتجري روسيا والصين تدريبات عسكرية مشتركة، بما في ذلك دوريات القاذفات الاستراتيجية في المحيطين الهندي والهادئ والتدريبات البحرية مع إيران في المحيط الهندي بشكل تتزايد وتيرته وتعقيده.
وقبل أسابيع من بدء الغزو، دعا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إلى تشكيل تحالف لمواجهة الولايات المتحدة، فيما أكد بوتين أن بلاده تتعاون "بشكل وثيق" مع طهران على الصعيد الدولي.
ولم يتراجع الزخم في التقارب بين إيران وروسيا حتى بعد بدء الغزو الروسي، إذ زار الرئيس الروسي في يوليو الماضي طهران، وبحث مع نظيريه الإيراني إبراهيم رئيسي التعاون الاقتصادي. وصرح نائب وزير الخارجية الإيراني للدبلوماسية الاقتصادية مهدي صفري، عقب الزيارة بأن روسيا وإيران تعملان على إنشاء نظام مدفوعات مشترك مشابه لنظام "سويفت" الغربي، من شأنه السماح لهما بالاتفاف على العقوبات الغربية.
ماجد التركي، رئيس مركز الإعلام والدراسات "العربية - الروسية"، قال لـ"الشرق"، إن روسيا تحاول منذ بدء محاولات عزلها من قبل الغرب، "فرض أجندة عالمية جديدة، بعدما اتضح لها من خلال أزمة أوكرانيا، أن الغرب ليس مستعداً للمواجهة المباشرة، وأن الحصار الاقتصادي ينعكس بشكل سلبي أيضاً على الدول الغربية".
وأضاف أن تعميق إيران لعلاقاتها مع الصين وإيران خلال هذه الفترة يأتي ضمن مساعي روسيا لاستغلال الظروف الحالية من أجل "فرض وقائع ما بعد الأزمة، والتحضر كذلك لاحتمال تطورات في أزمة الصين والولايات المتحدة".
وأوضح التركي أن "روسيا اشتغلت على مسارين، الأول هو مسار ثنائي مع الصين وحلفاءها في مجموعة شنغهاي ومجموعة بريكس. هذا المسار ركز بشكل أساسي على الشراكات الاقتصادية".
والمسار الثاني الذي سلكته حسب التركي، "هو أحادي، وذلك عن طريق تقديم عروض مغرية في مجال الطاقة والسلاح، بهدف توسيع نفوذها السياسي وفك العزلة التي يحاول الغرب فرضها".
وذكرت وكالة "رويترز" في 20 يوليو عقب زيارة بوتين إلى طهران أن "التودد الناشئ بين روسيا وإيران، تطوراً غير مرحب به بالنسبة للغرب وستراقبه الولايات المتحدة في قلق، لكنه لا يرقى إلى مستوى التغيير الجيوسياسي في اللعبة".