في حوارات عبر السنين الماضية مع مسؤولين في جهات متعددة، ومعرض الحديث كان بشأن ملاحظات الناس وما ينشرونه في الصحافة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والأخيرة هي "الترند" المنتشر حالياً لسرعة وصولها وانتشارها الكبير، كان "اللوم" مشتركاً من قبل هؤلاء المسؤولين بشأن "ضرورة" النشر من عدمه، وإن كانت هناك ملاحظات فلماذا لا توصل لهم مباشرة؟!

كنت أقول لهم دائماً إن كثيراً من المسؤولين والجهات، في شأن التعامل مع ملاحظات وآراء الناس، أو التعامل مع شكاواهم يتحركون "متأخراً" جداً، وبصريح العبارة كنت أقول لهم إنهم "يتحركون مضطرين"، بعد أن يتشكل "ضغط شعبي" واستنكار لتهاون أو إهمال مع حالات عديدة للناس.

لذلك حينما وجدت فكرة "تواصل" وتم تفعليها بشكل قوي، ووسط اهتمام دائم من مكتب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ولي العهد رئيس الوزراء حفظه الله، تحرك كثير من الأمور بصورة إيجابية، وأحس كثير من الناس بأن صوتهم يصل مباشرة، وأن الجهات المعنية تتحرك بسرعة لحل المشاكل والاستماع للملاحظات.

لكن رغم ذلك فإننا نرى بين الفينة والأخرى فيديوهات تنتشر ومناشدات لأشخاص يتم تداولها، بعضها يتحدث عن مشاكل معينة، أو حالات صحية، أو أوضاع صعبة، وأيضاً بعضها ينتقد إهمالاً أو بطء تعامل، باختصار ستجد أنواعاً مختلفة من الشكاوى ومحاولات إيصال الصوت إلى جهات أعلى من الجهات المعنية، للثقة بأن الأمر الصادر من أعلى هو من سيحرك الأمور بقوة، ومن سيوجه الجهات للتعامل بشكل جدي لمعالجة أي خلل، وللاهتمام بأمور الناس.

هنا نقف لحظة للتفكير في الوضع، إذ لو افترضنا أن كل الخطوط الساخنة في الجهات الخدمية المعنية بمصالح الناس، هي خطوط فعالة وليست ميتة أو لا يرد عليها، لو افترضنا أن شكوى كل مواطن يؤخذ بها على مستوى عال من الاهتمام، وأن هناك مدى زمنياً لا يتعدى الـ48 ساعة للتعامل مع أي حالة أو شكوى، وبالأخص لو كانت حالة إنسانية، أو معالجة لأزمة أو مشكلة عاجلة، هل لو حصل ذلك سنجد مناشدات وفيديوهات تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي؟! أو أن نجد صفحات بريد القراء تعج بالقضايا والقصص التي تطلب حلولاً من الجهات المعنية.

فقط أقول لو أن كل جهة خدمية وضعت من ضمن إنجازاتها "نسبة معالجة وحل مشاكل المواطنين"، بدل أن تكون الإنجازات مرتبطة بأمور أخرى كثير منها يدخل ضمن صميم عمل الجهات، فإننا لن نجد معاناة لبعض الحالات ولن نجد استياءً ينتشر ولا "مناشدات" تطلب تدخلاً أكبر لجعل الجهات تتحرك بجدية.

هنا أعود إلى حواراتي مع المسؤولين أعلاه، إذ كنت أقول دائماً إنه لو كان اهتمامكم أكبر بحل المشاكل، وبالاستماع للناس، ولو كانت مكاتبكم مفتوحة للجميع، ولو كانت خطوطكم الساخنة غير مقطوعة الحرارة، لما وجدتم مناشدات وانتقادات صادرة عن الناس، ولما انزعجتم منها، مع العلم أن الانزعاج هذا غالباً يكون نابعاً من "قناعة داخلية" موجودة تقر بالتقصير، لكنها لا تريد لهذا التقصير أن يُكشف على الملأ.