جهاد الزين
نقلاً عن صحيفة النهار اللبنانية

يثير هذه الكلماتِ الغاضبةَ ما يحدث في العراق من فلتان وتفتت يستدعي الأسى على مآل بلد تصل فيه "نخب" سياسية في عجزها عن بناء الدولة وترسيخها إلى حدود، بل إلى ما بعد، الفضيحة الشاملة. وإذا كانت كل الطبقة السياسية والدينية العراقية بكل تلاوينها مسؤولة عن هذا العجز الدموي، فإن الشرائح الشيعية منها مسؤولة بصورة خاصة وحاسمة. هكذا يختلط النفط العراقي المبدَّد بالدم العراقي تحت وطأة تحالف مافيات فساد تشارك "الإدارة" الإيرانية فيها بشكل مباشر ويجعل الفساد اللبناني القديم والجديد شريكاً طامحاً بشبق فيها لو استطاع المشاركة.

ما هذا النفوذ الإيراني الذي يجعل الشيعة العرب في لبنان والعراق إن لم يقتلوا ويقاتلوا غيرهم فهم يقتلون بعضهم البعض؟ وما هذا النفوذ الإيراني الذي يجعل الشيعة المستورَدين من كل المحيط يقتتلون مع السنّة في سوريا وما هذا النفوذ الإيراني الذي يحوِّل الشيعة الزيديين اليمنيين قسراً إلى حزب واحد من عائلة واحدة يقتتلون مع الشوافع اليمنيين.

هل يُراد للشيعة العرب أن يخوضوا كل هذه الحروب الأهلية باسم أن إيران تدعم الإسلام الأصولي الفلسطيني ممثلاً ب"حماس" و"الجهاد" فلا يجد الفلسطينيون في الداخل طريقاً غير الحرب الأهلية المديدة رغم العسف والقمع العنصري الإسرائيلي؟ هذا في العلن الدعائي أما ضمنا فهو تحريك شامل غير مسبوق لعصبية شيعية على مقاس وتقاليد إيرانية أصولية.

لا نريد هذا النفوذ الإيراني القائم على "إدارة" دول فاشلة في العراق ولبنان واليمن؟ حروب أهلية شيعية شيعية وسنية شيعية لا تنتهي ووسطها تجري صناعة منطقة ذات علاقات جديدة تصبح فيها إسرائيل أقوى كل يوم ومحاصِرة للنفوذ الإيراني الذي "يحاصرها".

باختصار لا نريد العيش في دول فاشلة وحروب أهلية لا تنتهي وتحت وطأة أيديولوجيات تعصّب تصطدم بمجتمعاتها داخل إيران نفسها ناهيك الآن عن مثيلتها "طالبان" في أفغانستان.

لا نريد العيش في قطيعة ثقافية مع الغرب والشرق الروسي وأقصى الشرق الصيني حتى لو كانت مع الشرقين الروسي والصيني تبدو تحالفات "نقابة" توتاليتاريات مهما تقدمت تكنولوجيا وعسكريا.

لا نريد العيش تحت التهديد الدائم بالحروب في أي لحظة حتى لو كان النظام العنصري الإسرائيلي يمعن في قمع وتجاهل قمعي لكل تطلعات الشعب الفلسطيني إلى الحرية والاستقلال، تجاهل يتحوّل يوميا إلى مهانة جَماعية لشعب لا تنقصه مصائب أيديولوجية التخلف ومصادراتها.

هل يستطيع النظام الإيراني الاعتراض على عودة صديقه التركي إلى حضن المصالح الإسرائيلية؟

هل يستطيع النظام الإيراني أن يكف عن استثمار ونهب دولة غنية كالعراق؟

هل يستطيع النظام الإيراني أن يكف عن المشاركة في الاستثمار السياسي لدولة منهوبة كلبنان؟

أي ثقافة ضحلة هذه الذي يحملها إلينا عصر إسلام أصولي ضربت كل مكتسبات دول ناضلت أجيالٌ وطبقات طويلا لتحويلها إلى دول وطنية وهي اليوم مجرد مصدّر هجرات دائمة لأفضل نخبها. صحيح أن بناء الوطنيات الجديدة بعد الحرب العالمية الأولى كان يواجه دائماً صعوبات داخلية بل تكوينية لكنه كان يراكم عناصر تماسك لم تتعرّض لضربات مصيرية نهائية سوى في هذه المرحلة التي أصبح عنوانها.

لا نريد "العصر" الإيراني مثلما لم تعد غالبية واسعة من الشعب الإيراني تريد نظاماً دينياً يقفل على مستقبلها. بل لا نريد "اللاعصر" الإيراني إذا قيست العصور حضارياً.

كلمة السر المعلنة في لبنان حول الاستثمارات الجديدة هي اذهبوا إلى العراق. هناك الذهب، كما كان يُقال عن الغرب الأمريكي في القرن التاسع عشر. ولكن العراق يسند منظومة إقليمية كاملة من الفساد وحروبه الأهلية المشينة.

كيف ستُذكر هذه المرحلة في كتب التأريخ غير أنها مرحلة العار، عار الانهيار وعار الانحطاط. انهيار دول وانهيار اقتصادات وانهيار مجتمعات وستكون شخصياتها الوقحة نماذج انحطاطية برّاقة! لاشيء ينسينا كوارثنا في لبنان لكن العراق دخل أيضاً في منظومة الاحتضار.

ليالي العراق حافلة وهو ليس مخاضاً لأنه لا يؤشّر إلى أي ولادة على الأقل سليمة. علينا أن ننتظر مفاجآت إذا كانت هناك "خطوط حمر" يجري تجاوزها.