رغم تصاعد حدة الاشتباكات بين القوات الروسية والأوكرانية، وسط تنديد دولي واسع تقوده الولايات المتحدة، يستعد طاقم متعدد الجنسيات مكون من 4 رواد فضاء للانطلاق إلى محطة الفضاء الدولية من قاعدة مركز "كينيدي" للفضاء بولاية فلوريدا.

وفي مهمة "كرو- 5" التي ستنطلق الأربعاء المقبل من منصة إطلاق تحمل الرقم A39 على متن صاروخ "فالكون 9"، ستشغل رائدة الفضاء الروسية آنا كيكينا مقعداً في كبسولة الفضاء مع اثنين من رواد الفضاء الأميركيين ورائد فضاء ياباني.

وبافتراض الإقلاع في الوقت المحدد، ستلتحم المركبة الفضائية من طراز "دراجون" التابعة لشركة "سبيس إكس"، والتي تقوم برحلتها الثانية إلى الفضاء، بمحطة الفضاء الدولية، الخميس.

والرحلة هي خامس إطلاق طاقم عملياتي لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" على صاروخ ومركبة فضائية من "سبيس إكس".

وتُعد تلك الرحلة الأولى من نوعها لرائد فضاء روسي على متن مركبة فضائية من طراز "سبيس إكس"، إذ قبل أيام، انطلق رائد فضاء أميركي واثنان من رواد الفضاء الروس إلى محطة الفضاء الدولية في رحلة تديرها روسيا، رغم التوترات المتصاعدة بين موسكو وواشنطن بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا.

"ليست مُفاجئة"

ووصل رائد الفضاء الأميركي فرانك روبيو والروسيان سيرجي بروكوبييف وديمتري بيتلين إلى محطة الفضاء الدولية في سبتمبر الماضي، لينضموا إلى فريق محطة الفضاء الدولية المكون من أميركيين وإيطالية.

وأصبح روبيو أول رائد فضاء أميركي يسافر إلى محطة الفضاء الدولية على متن صاروخ "سويوز" الروسي، منذ أن أرسل الرئيس فلاديمير بوتين قوات إلى أوكرانيا في 24 فبراير الماضي.

وذكرت وسائل إعلام روسية هذا الإعلان، بعد أن ناقش يوري بوريسوف، الرئيس الجديد لوكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس"، القرار مع بوتين خلال اجتماع عُقد منذ أشهر.

وكانت روسيا أعلنت أنها ستغادر محطة الفضاء الدولية بعد عام 2024، وستطلق محطة جديدة خاصة بها بعد ذلك بوقت قصير، لكنها لم توافق رسمياً على دعم المحطة بعد 2024، إلا أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، خططت لدعم عمليات محطة الفضاء الدولية حتى عام 2030 على الأقل.

وصُممت محطة الفضاء الدولية في الأصل، لتتحكم كل من وكالتي الفضاء الروسية والأميركية في الجوانب الحاسمة لعمليات المحطة الفضائية.

وفي الوقت الحالي، على سبيل المثال، تتحكم روسيا في أنظمة التحكم في الدفع للمحطة الفضائية، والتي توفر تعزيزات منتظمة تحافظ على محطة الفضاء الدولية في وضع مستقر وتمنع المحطة من السقوط من المدار، إذ بدون مساعدة روسيا، من المفترض أن يتم تسليم هذه الآلات إلى "ناسا"، أو استبدالها.

"تهديد روسي"

روسيا استخدمت في عام 2014، محطة الفضاء في محاولة للضغط على الولايات المتحدة للاعتراف بضم شبه جزيرة القرم في الجزء الجنوبي من أوكرانيا (والتي لا تزال أوكرانيا تعتبرها جزءاً من أراضيها).

وفي محاولة واضحة للضغط على الولايات المتحدة للاعتراف رسمياً بمطالب روسيا بالمنطقة، اقترح برنامج الفضاء الروسي نقل تدريب رواد الفضاء إلى شبه جزيرة القرم.

وفي ذلك الوقت اُعتبر ذلك "تهديداً خطيراً"، إذ ما احتاج رواد "ناسا" إلى التدريب للسفر على صاروخ "سويوز" الروسي، والذي كان في ذلك الوقت السبيل الوحيد للوصول إلى محطة الفضاء الدولية.

وجاء الصراع بعد أشهر فقط من فرض الولايات المتحدة عقوبات تهدف إلى معاقبة روسيا على غزوها لشبه جزيرة القرم، ورداً على ذلك، ألمحت "روسكوزموس" إلى أنها ستتوقف عن نقل أي رواد فضاء تابعين لوكالة "ناسا" على الإطلاق.

كما هددت روسيا بالانسحاب من شراكة المحطة الفضائية في عام 2021 مرة أخرى بسبب العقوبات الأميركية.

وأصبح الوضع أكثر كآبة في نوفمبر من العام ذاته، عندما فجرت روسيا قمراً اصطناعياً للتجسس معطلاً بصاروخ مضاد للأقمار الصناعية ما خلف آلاف القطع من الحطام الفضائي، بما في ذلك بعض التي يخشى المسؤولون الأميركيون أن تلحق الضرر بمحطة الفضاء الدولية.

ولم يبرز هذا الاختبار فقط أن روسيا لديها القدرة على إسقاط قمر صناعي من الأرض، ولكن من المحتمل أن تكون على استعداد لتعريض رواد الفضاء التابعين لها في محطة الفضاء الدولية للخطر، والذين أجبروا على الاحتماء في كبسولات الطوارئ لعدة ساعات بعد الاختبار.

ولم تتأثر بعض خطط روسيا قريبة المدى في الفضاء بحربها المستمرة في أوكرانيا، على الأقل في الوقت الحالي.

وأثر تدهور العلاقات بين أوروبا وروسيا بالفعل على عملهما في الفضاء، إذ أصدرت وكالة الفضاء الأوروبية التي تمثل 22 دولة أوروبية، في أواخر فبراير الماضي بياناً يعترف بالعقوبات المفروضة على روسيا.

ورداً على ذلك، أخرت وكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس" إطلاق العديد من الأقمار في ميناء الفضاء الأوروبي في جويانا الفرنسية، والتي كان من المفترض أن تستخدم صاروخ "سويوز" الروسي.

وبشكل منفصل، دخلت وكالة الفضاء الروسية في مواجهة مع المملكة المتحدة بشأن خطط إطلاق قمر صناعي للفضاء على متن مركبة "سويوز" الروسية.

التزام روسي أميركي

وكان مدير "ناسا" نيل نيلسون، قال في بيان إن الوكالة ملتزمة بالتشغيل الآمن لمحطة الفضاء الدولية حتى عام 2030.

ولا تواجه محطة الفضاء الدولية أزمة فورية، إذ قال بوريسوف إن روسيا "ستفي في الوقت الحالي بالتزاماتها الحالية تجاه المحطة"، إذ ليس من المفترض أن تؤثر السياسة على محطة الفضاء الدولية.

وبدأت روسيا والولايات المتحدة في بناء المحطة الفضائية لأول مرة في أواخر التسعينيات، واعتبرت الشراكة "انجازاً كبيراً للتعاون الدولي"، وخصوصاً في أعقاب الحرب الباردة وسباق الفضاء الذي دام لعقود.

ومنذ ذلك الحين، جمعت محطة الفضاء الدولية رواد فضاء من جميع أنحاء العالم لإجراء أبحاث يمكن أن تساعد في نهاية المطاف على نقل البشر إلى الفضاء الخارجي. وتشمل شراكة محطة الفضاء الدولية الآن 15 دولة مختلفة، ويعتبرها البعض "أعظم إنجاز للبشرية".