واشنطن - (أ ف ب): زادت حالة الصمت السلبي الأخيرة التي ظهر عليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إزاء التحركات العسكرية التي تقوم بها روسيا على الأراضي السورية منذ أيام، من حدة الانتقادات الموجهة إليه من قبل عدد من المراقبين الذين يرون أن افتقاره إلى الوضوح والرؤية وحتى الجرأة بات من أبرز السمات المميزة له، وهو رئيس الدولة الأكثر قوة في العالم. وتبقى استراتيجية أوباما وأهدافه في مواجهة الفوضى المخيمة في سوريا محيرة، من الخط الأحمر المبهم المعالم الذي حدده بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية إلى رده الغامض على دخول روسيا الملفت في المعارك. ويندد منتقدو الرئيس الأمريكي بافتقاره إلى الوضوح والرؤية وحتى الجرأة. لكن قبل أقل من 500 يوم على انتهاء ولايته، لا ترد أي مؤشرات تفيد بأنه قد يبدل نهجه أو يذعن للضغوط ويقبل بوتيرة تحرك مختلفة. ويشدد أوباما على أهمية الائتلاف الذي شكلته الولايات المتحدة ويبحث عن تحالفات إقليمية ويحذر بشكل متواصل من أي تدخل متهور، مسلحاً بقناعته الراسخة بأن القوة العسكرية الأمريكية غير قادرة وحدها على تسوية الأزمات العنيفة التي تهز العالم وخصوصاً في الشرق الأوسط. غير أن موقفه المتردد والمتقلب في صيف 2013 حول شن ضربات على نظام الرئيس السوري بشار الأسد إثر استخدامه أسلحة كيميائية ترك انطباعاً بالتشوش. وجاءت تطورات الأيام الأخيرة حين بدا أن الهجمة الروسية الدبلوماسية والعسكرية في سوريا باغتت البيت الأبيض لتسلط الضوء أكثر على التردد الأمريكي. واختار الرئيس الأمريكي في الوقت الحاضر لزوم الصمت. وقال أستاذ التاريخ في جامعة برينستون جوليان زيليزر «في السياسة الخارجية من الصعب على الدوام تبيان ما يجري في الكواليس. لكن الانطباع المسيطر هو أنه لا يملك رداً واضحاً. والانطباع أمر جوهري في السياسة». وأوباما حريص على إبداء اختلاف تام عن نهج سلفه الجمهوري جورج بوش ونزعته إلى التدخل في الخارج، لكن هل أنه مضى أبعد مما ينبغي في الاتجاه المعاكس، وهل «أعلن تقاعد «الولايات المتحدة» في الشرق الأوسط» بحسب تعبير السيناتور الجمهوري جون ماكين؟ وأعلن الرئيس الأمريكي في 18 أغسطس 2011 بعد 5 أشهر من القمع الدامي الذي مارسته دمشق ضد حركة احتجاجية غير مسبوقة، «من أجل مصلحة الشعب السوري حان الوقت لتنحي الرئيس الأسد». وبعد سنتين أعلن أن الولايات المتحدة على وشك ضرب أهداف تابعة للنظام السوري بعد هجوم بالأسلحة الكيميائية أوقع أكثر من 1400 قتيل بحسب الاستخبارات الأمريكية وشكل انتهاكاً لخط أحمر حددته الإدارة. لكنه فاجأ العالم بإعلانه في الوقت نفسه طرح هذا القرار للتصويت في الكونغرس، مستبعداً عملياً أي تحرك عسكري وشيك. ولم يجر التصويت في نهاية المطاف وتم التخلي عن خطة شن ضربات إثر اقتراح روسي بتدمير الأسلحة الكيميائية السورية. وفي أغسطس 2013 صدر تصريح عن أوباما عزز الإحساس بارتباك إدارته إذ أعلن متحدثاً عن مكافحة تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي في سوريا خلال مؤتمر صحافي «ليس لدينا استراتيجية بعد». وعبثاً حاول البيت الأبيض فيما بعد تبرير هذا التصريح وشرح خلفيته، بقيت هذه الجملة ماثلة في الأذهان كاختصار للنهج الأمريكي حيال النزاع في سوريا. والتزم أوباما مرغماً بتدريب المعارضة المعتدلة لتقاتل «داعش» في سوريا، غير أن العملية سجلت حتى الآن فشلاً كبيراً. وقبل أسبوعين استمع أعضاء الكونغرس بذهول إلى الجنرال لويد أوستن يستعرض نتائج الخطة، إذ أعلن أن البرنامج الذي خصصت له أموال بمستوى 500 مليون دولار والذي كان يفترض أن يشمل 5 آلاف مقاتل في السنة لم يسمح حتى الآن سوى بتدريب بضع عشرات المقاتلين. ولخص جون ماكين رؤيته لهذا الموضوع قائلاً إن «هذه الإدارة أثارت الحيرة بين أصدقائنا، وشجعت أعداءنا، وخلطت ما بين الإسراف في الاحتراس والحذر، واستبدلت المجازفة بالتحرك بمخاطر عدم التحرك». من جهته يؤكد البيت الأبيض أن الضربات الجوية الروسية التي يندد بتناقضاتها وتعارضاتها، لن تحمله على «إعادة تقييم عامة» لاستراتيجيته في سوريا. ويشدد أوباما على أنه من المستحيل فرض «حل عسكري» في سوريا مذكراً في نقد مبطن لخصومه الجمهوريين كما للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن الأمريكيين عجزوا عن ذلك في العراق قبل عقد كما عجزت عنه روسيا في أفغانستان قبل 30 عاماً. ويبقى أن الحذر المسرف الذي يبديه أوباما حيال إرسال قوات على الأرض ينسجم بحسب جوليان زيليزر مع شعور عام منتشر في الولايات المتحدة. ويقول «هناك بصورة عامة وباستثناء الفترة التي تلت اعتداءات 11 سبتمبر 2001، مقاومة فعلية لدى الأمريكيين حيال الانخراط في حرب وعلى الأخص في الشرق الأوسط». وباشر أوباما كلمته المرتقبة الإثنين الماضي من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بدفاع شديد عن الدبلوماسية. وقال أمام قادة العالم المجتمعين في نيويورك «إن كانت القوة العسكرية ضرورية، إلا أنها غير كافية لتسوية الوضع في سوريا» مضيفاً «هذا العمل سيستغرق وقتاً». ويرى جوليان زيليزر أن هذا الخطاب يثبت مرة جديدة حقيقة جلية وهي أن أوباما «محارب متمنع» وأنه «لا ينوي أن يتغير».