تلفزيون الشرق
قبل بريق الرئاسة التي ظفر بها للمرة الثانية في مشواره السياسي، كانت نشأة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا البالغ من العمر 77 عاماً متواضعة جداً.
ومن الفقر إلى الرئاسة تبدو حياة لولا، للوهلة الأولى، وكأنها سلكت مساراً تصاعدياً، لكنَّ هذا المسار لم يكن مطرداً، وإنما تخللته انتكاسات ومآسٍ وفضائح شكَّلت في مجملها حياة أحد أكثر السياسيين شعبية في تاريخ البلاد، والأول من الطبقة العاملة الذي يشق طريقه نحو هرم الطبقة الحاكمة.
ولد لولا، أو لويس إيناسيو دا سيلفا كما هو اسمه القانوني، عام 1945 في ولاية بيرنامبوكو في النصف الشرقي من شمال شرق البرازيل لأبوين مزارعين أميين. كان دا سيلفا الطفل السابع لهذه الأسرة الفقيرة التي عاشت في كوخ متواضع بدون كهرباء أو مياه في المنطقة المعروفة بجفافها، حسبما نقل موقع "معهد لولا" عن سيرته الذاتية.
عندما بلغ السابعة من عمره، انتقل مع والدته وإخوته إلى الجنوب الواعد بالفرص، وتحديداً ولاية ساو باولو مقتفياً خطى والده الذي غادر بيرنامبوكو قبل أسابيع قليلة من ولادة لولا بحثاً عن حياة أفضل بعيداً عن الفقر.
بمجرد وصوله إلى ساو باولو، وبعد اكتشافه أنًّ والده هجر العائلة إلى غير رجعة، تنقَّل الصبي لولا في عدد من المهن، حيث عمل ملمعاً للأحذية، وبائعاً متجولاً، وعاملاً في مصنع، آملاً من وراء كل هذه الوظائف البسيطة الإسهام في زيادة دخل أسرته.
وبسبب هذه النشأة الصعبة، لم يتمكَّن لولا من إتمام تعليمه الأولي إذْ توقفت مسيرته التعليمية عند الصف الخامس.
النشاط النقابي
في فترة الركود الاقتصادي التي أعقبت الانقلاب العسكري عام 1964، ومع تحول منطقة ساو باولو إلى مركز صناعي لكبريات المجمعات الصناعية العالمية، التحق دا سيلفا بمصنع "فيلارس" للصلب في ساو برناردو دو كامبو، إحدى الضواحي الصناعية لساو باولو.
أثناء عمله في هذا المصنع بدأ لولا نشاطه النقابي بتأثير من أحد إخوته الذي كان عضواً في الحزب الشيوعي "السري" آنذاك. ومع حضور لولا اجتماعات نقابة عمَّال الصلب بدأت تتشكل خلفيته اليسارية، وظهر جلياً انخراطه في النشاط السياسي المرتبط بمطالبات ما يعرف بالطبقة العاملة في البرازيل.
ولأنه مفاوض ماهر بالفطرة، كما يقول في سيرته الذاتية، فقد طُلب منه العمل عضواً في لجنة إدارة النقابة، قبل أن يُنتخَب رسمياً لهذا المنصب في عام 1969، مستهلاً بذلك حياته المهنية كزعيم نقابي.
ثمَّ في عام 1972 استقال من المصنع ليعمل بدوام كامل في النقابة، وترأس القسم القانوني فيها حتى عام 1975 عندما تم انتخابه رئيساً لها.
الصعود السياسي
في هذا المنصب النقابي الرفيع تمكَّن لولا من جذب الأنظار إليه على الصعيد الوطني، خصوصاً عندما أطلق حملة لزيادة الأجور في معارضة للسياسات الاقتصادية للنظام العسكري.
سلَّط لولا الضوء على الحملة من خلال سلسلة من الإضرابات من عام 1978 إلى عام 1980، وقد بلغت هذه الحملة ذروتها في أبريل 1980 عندما تم اعتقال لولا وإصدار لائحة اتهام ضده بدعوى انتهاكه لقانون الأمن القومي، وفق "الموسوعة البريطانية".
وعلى الرغم من إدانته والحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ونصف، إلا أنَّ المحكمة العسكرية العليا أطلقت سراحه في العام التالي.
العمل الحزبي
بعد خروجه من السجن، أسَّس لولا دا سيلفا مع آخرين "حزب العمال" ذي الخلفية اليسارية الاشتراكية، والذي استقطب بمجرد تأسيسه عدداً كبيراً من الشخصيات الثقافية والفنية والدينية.
من خلال هذا الحزب ترشَّح لولا لأول منصب سياسي وهو حاكم ولاية ساو باولو في عام 1982، وقد احتلَّ المركز الرابع في السباق الانتخابي.
قاد لولا بعد ذلك الحملات الوطنية التي طالبت بالانتخاب المباشر على منصب رئيس البلاد، منظماً في سبيل ذلك مظاهراتٍ حاشدة في عواصم الولايات البرازيلية بين عامي 1983 و1984.
ومع الشعبية الهائلة التي اكتسبها، تم انتخاب لولا لعضوية المجلس الوطني (الكونجرس) في عام 1986 نائباً فيدرالياً عن ساو باولو.
وفي عام 1989 كان لولا مرشح حزب العمال للرئاسة، لكنه خسر أمام فرناندو كولور ميلو الذي كان أول رئيس برازيلي ينتخب ديمقراطياً بعد انتهاء سيطرة الجيش على السلطة.
الرئاسة الأولى
استمر لولا مرشحاً رئاسياً لحزبه في انتخابات 1994 و1998، حيث احتلَّ في كلتا المرتين المركز الثاني بعد فيرناندو أنريك كاردوسو.
في الانتخابات الرئاسية عام 2002، خفَّف لولا من حدة أجنداته اليسارية، وتبنَّى برنامجاً أكثر براجماتية، فعلى الرغم من أنه ظلَّ ملتزماً بتشجيع المشاركة الشعبية في العملية السياسية، إلا أنه قرَّب قادة الأعمال، ووعد بالعمل مع صندوق النقد الدولي لتحقيق الأهداف المالية.
ونتيجة لهذه المقاربة البراجماتية، تمكَّن لولا من تحقيق انتصار ساحق على خوسيه سيرا، المرشح المدعوم من الحكومة، وذلك بعد فوزه بنسبة 61.5% من الأصوات.
مع توليه منصبه في يناير 2003، سعى لولا إلى تحسين الاقتصاد، وسنِّ إصلاحات اجتماعية بما في ذلك برامج الرعاية الاجتماعية من قبيل مبادرة "بولسا فاميليا" التي ينسب لها الفضل في تحسين أوضاع نحو 11 مليون أسرة فقيرة في البرازيل.
كما عمل لولا أيضاً على إنهاء الفساد الحكومي، وفي عام 2006، وعند اقتراب نهاية ولايته الأولى، كان الاقتصاد ينمو، وانخفض معدل الفقر في البلاد بشكل كبير.
مع ذلك، شعر العديد من البرازيليين أنَّ لولا "لم يفعل ما يكفي لتحسين جودة التعليم العام أو للحد من الجريمة. علاوة على ذلك، فإنَّ تعهده بمحاربة الفساد الحكومي أصبح موضع شك في عام 2005، عندما اتُهم أعضاء من حزبه بالرشوة وتمويل الحملات الانتخابية بشكل غير قانوني".
وعلى الرغم من أنَّ الرئيس لم يكن متورطاً بشكل شخصي، إلا أنَّ الاتهامات أضرَّت بشعبيته، ففي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2006 فشل لولا في الحصول على عدد كافٍ من الأصوات للفوز، لكنه مع ذلك تمكَّن في الجولة الثانية من هزيمة خصمه جيرالدو ألكمين، من الحزب الديمقراطي الاجتماعي.
ويبدو أنَّ هذه الشوائب لم تؤثر على التقييم العام لرئاسة لولا الذي أنهى فترتيه بنسب تأييد تقترب من 90%.
وفي تلخيص لإنجازات لولا خلال فترتيه الرئاسيتين، يقول ريتشارد بورن الذي كتب السيرة الذاتية للرئيس البرازيلي: "لقد جعل لولا البرازيل لاعباً مهماً على الساحة العالمية. كانت البرازيل (في عهده) دولة جادة ساعدت في إنشاء مجموعة العشرين، وأقامت علاقات مع دول بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، كما تم ترشيحها لإدارة منظمة التجارة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة".
أمَّا الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فقد وصف في عام 2009 لولا بأنه "السياسي الأكثر شعبية على وجه الأرض"، وذلك بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
اتهامات الفساد
لكن على الرغم من هذه الإنجازات، إلا أنَّ الانتكاسات كانت في الأفق، فمع انتهاء فترته الثانية، وفي ظل العائق الدستوري الذي يمنعه من ترشيح نفسه لولاية ثالثة، قدم لولا وزيرة شؤون الرئاسة في حكومته ديلما روسيف، مرشحاً لمنصب الرئيس على أمل الاستمرار في سياساته الحكومية.
وقد تمكنت روسيف بالفعل من الفوز بالمنصب في عام 2010 لتصبح أول سيدة تتولى الرئاسة في البرازيل.
وعلى الرغم من فوز روسيف بفترة ثانية في 2014، إلا أن هذه الفترة شابتها "فضائح فساد"، بما في ذلك التحقيق الذي يعرف باسم عملية غسيل السيارات والذي كشف النقاب عن اتحاد شركات يدفع رشى لمسؤولين لتأمين عقود لشركة النفط المملوكة للدولة "بتروبراس".
وأفضى هذا الكشف إلى إجراء عدة تحقيقات أحدثت هزة في اقتصاد البرازيل ونظامها السياسي، وأدت في النهاية إلى عزل روسيف في عام 2016.
وطالت الفضيحة لولا، حيث دهمت الشرطة في مارس 2016 منزله، قبل أن يتم اتهامه رسمياً بغسل الأموال وإخفاء ملكيته لشقة فاخرة على شاطئ البحر قيل إنه حصل عليها في مقابل المساعدة في الفوز بالعقود مع شركة "بتروبراس".
ثم في يوليو 2017 وجَّه المدعي العام في البرازيل اتهامات للولا وروسيف وأعضاء من حزب العمال بتشكيل منظمة إجرامية. وقد قادت هذه الاتهامات إلى إدانة لولا، والحكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً، الأمر الذي حال بينه وبين الترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2018، رغم أنَّ الاستطلاعات كانت تظهر أنه السياسي الأكثر شعبية في البلاد.
وعلى الرغم من أنَّ لولا رفض في البداية تسليم نفسه للسطات من أجل بدء محكوميته، وقرر الاعتصام في نقابة عمال الحديد بساو باولو حيث بدأ مسيرته السياسية، إلا أنه أعلن في أبريل 2018 تسليم نفسه للشرطة.
وفي نوفمبر 2019، أُطلق سراح لولا من السجن بقرار من المحكمة العليا، ثم في مارس 2021 حكم قاض في المحكمة ذاتها بأنَّ الرئيس السابق ما كان يجب أن يحاكم بتهمة الفساد الأمر الذي مهَّد الطريق أمام عودته للسياسة ليعلن حزب العمال في يوليو 2022 ترشيحه رسمياً للانتخابات الرئاسية في مواجهة اليميني جائير بولسونارو.
إلى جانب الفقر، شهدت حياة لولا عدداً من المآسي التي أثرت على حياته، فقد تزوج للمرة الأولى وهو في الثالثة والعشرين من عمره، لكن زوجته سريعاً ما توفيت بعد عامين فقط، وهي حاملة بطفله الأول الذي لم ينجُ أيضاً.
كما تعرَّض لولا في عام 1963 لحادث في مكان العمل أدَّى إلى فقدانه إصبعه الخنصر في يده اليسرى.
وفي عام 2011 تم تشخيص لولا وهو في السادسة والستين من عمره بمرض سرطان الحنجرة ليبدأ رحلة علاجية طويلة انتهت بتغلُّبه على المرض في عام 2012.
والأحد، انتُخب لولا، رئيساً للبرازيل بفوزه بفارق ضئيل على منافسه الرئيس اليميني المنتهية ولايته جائير بولسونارو، بنسبة 50.83% مقابل 49.17%، وفقاً للنتائج الرسمية شبه النهائية.
قبل بريق الرئاسة التي ظفر بها للمرة الثانية في مشواره السياسي، كانت نشأة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا البالغ من العمر 77 عاماً متواضعة جداً.
ومن الفقر إلى الرئاسة تبدو حياة لولا، للوهلة الأولى، وكأنها سلكت مساراً تصاعدياً، لكنَّ هذا المسار لم يكن مطرداً، وإنما تخللته انتكاسات ومآسٍ وفضائح شكَّلت في مجملها حياة أحد أكثر السياسيين شعبية في تاريخ البلاد، والأول من الطبقة العاملة الذي يشق طريقه نحو هرم الطبقة الحاكمة.
ولد لولا، أو لويس إيناسيو دا سيلفا كما هو اسمه القانوني، عام 1945 في ولاية بيرنامبوكو في النصف الشرقي من شمال شرق البرازيل لأبوين مزارعين أميين. كان دا سيلفا الطفل السابع لهذه الأسرة الفقيرة التي عاشت في كوخ متواضع بدون كهرباء أو مياه في المنطقة المعروفة بجفافها، حسبما نقل موقع "معهد لولا" عن سيرته الذاتية.
عندما بلغ السابعة من عمره، انتقل مع والدته وإخوته إلى الجنوب الواعد بالفرص، وتحديداً ولاية ساو باولو مقتفياً خطى والده الذي غادر بيرنامبوكو قبل أسابيع قليلة من ولادة لولا بحثاً عن حياة أفضل بعيداً عن الفقر.
بمجرد وصوله إلى ساو باولو، وبعد اكتشافه أنًّ والده هجر العائلة إلى غير رجعة، تنقَّل الصبي لولا في عدد من المهن، حيث عمل ملمعاً للأحذية، وبائعاً متجولاً، وعاملاً في مصنع، آملاً من وراء كل هذه الوظائف البسيطة الإسهام في زيادة دخل أسرته.
وبسبب هذه النشأة الصعبة، لم يتمكَّن لولا من إتمام تعليمه الأولي إذْ توقفت مسيرته التعليمية عند الصف الخامس.
النشاط النقابي
في فترة الركود الاقتصادي التي أعقبت الانقلاب العسكري عام 1964، ومع تحول منطقة ساو باولو إلى مركز صناعي لكبريات المجمعات الصناعية العالمية، التحق دا سيلفا بمصنع "فيلارس" للصلب في ساو برناردو دو كامبو، إحدى الضواحي الصناعية لساو باولو.
أثناء عمله في هذا المصنع بدأ لولا نشاطه النقابي بتأثير من أحد إخوته الذي كان عضواً في الحزب الشيوعي "السري" آنذاك. ومع حضور لولا اجتماعات نقابة عمَّال الصلب بدأت تتشكل خلفيته اليسارية، وظهر جلياً انخراطه في النشاط السياسي المرتبط بمطالبات ما يعرف بالطبقة العاملة في البرازيل.
ولأنه مفاوض ماهر بالفطرة، كما يقول في سيرته الذاتية، فقد طُلب منه العمل عضواً في لجنة إدارة النقابة، قبل أن يُنتخَب رسمياً لهذا المنصب في عام 1969، مستهلاً بذلك حياته المهنية كزعيم نقابي.
ثمَّ في عام 1972 استقال من المصنع ليعمل بدوام كامل في النقابة، وترأس القسم القانوني فيها حتى عام 1975 عندما تم انتخابه رئيساً لها.
الصعود السياسي
في هذا المنصب النقابي الرفيع تمكَّن لولا من جذب الأنظار إليه على الصعيد الوطني، خصوصاً عندما أطلق حملة لزيادة الأجور في معارضة للسياسات الاقتصادية للنظام العسكري.
سلَّط لولا الضوء على الحملة من خلال سلسلة من الإضرابات من عام 1978 إلى عام 1980، وقد بلغت هذه الحملة ذروتها في أبريل 1980 عندما تم اعتقال لولا وإصدار لائحة اتهام ضده بدعوى انتهاكه لقانون الأمن القومي، وفق "الموسوعة البريطانية".
وعلى الرغم من إدانته والحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ونصف، إلا أنَّ المحكمة العسكرية العليا أطلقت سراحه في العام التالي.
العمل الحزبي
بعد خروجه من السجن، أسَّس لولا دا سيلفا مع آخرين "حزب العمال" ذي الخلفية اليسارية الاشتراكية، والذي استقطب بمجرد تأسيسه عدداً كبيراً من الشخصيات الثقافية والفنية والدينية.
من خلال هذا الحزب ترشَّح لولا لأول منصب سياسي وهو حاكم ولاية ساو باولو في عام 1982، وقد احتلَّ المركز الرابع في السباق الانتخابي.
قاد لولا بعد ذلك الحملات الوطنية التي طالبت بالانتخاب المباشر على منصب رئيس البلاد، منظماً في سبيل ذلك مظاهراتٍ حاشدة في عواصم الولايات البرازيلية بين عامي 1983 و1984.
ومع الشعبية الهائلة التي اكتسبها، تم انتخاب لولا لعضوية المجلس الوطني (الكونجرس) في عام 1986 نائباً فيدرالياً عن ساو باولو.
وفي عام 1989 كان لولا مرشح حزب العمال للرئاسة، لكنه خسر أمام فرناندو كولور ميلو الذي كان أول رئيس برازيلي ينتخب ديمقراطياً بعد انتهاء سيطرة الجيش على السلطة.
الرئاسة الأولى
استمر لولا مرشحاً رئاسياً لحزبه في انتخابات 1994 و1998، حيث احتلَّ في كلتا المرتين المركز الثاني بعد فيرناندو أنريك كاردوسو.
في الانتخابات الرئاسية عام 2002، خفَّف لولا من حدة أجنداته اليسارية، وتبنَّى برنامجاً أكثر براجماتية، فعلى الرغم من أنه ظلَّ ملتزماً بتشجيع المشاركة الشعبية في العملية السياسية، إلا أنه قرَّب قادة الأعمال، ووعد بالعمل مع صندوق النقد الدولي لتحقيق الأهداف المالية.
ونتيجة لهذه المقاربة البراجماتية، تمكَّن لولا من تحقيق انتصار ساحق على خوسيه سيرا، المرشح المدعوم من الحكومة، وذلك بعد فوزه بنسبة 61.5% من الأصوات.
مع توليه منصبه في يناير 2003، سعى لولا إلى تحسين الاقتصاد، وسنِّ إصلاحات اجتماعية بما في ذلك برامج الرعاية الاجتماعية من قبيل مبادرة "بولسا فاميليا" التي ينسب لها الفضل في تحسين أوضاع نحو 11 مليون أسرة فقيرة في البرازيل.
كما عمل لولا أيضاً على إنهاء الفساد الحكومي، وفي عام 2006، وعند اقتراب نهاية ولايته الأولى، كان الاقتصاد ينمو، وانخفض معدل الفقر في البلاد بشكل كبير.
مع ذلك، شعر العديد من البرازيليين أنَّ لولا "لم يفعل ما يكفي لتحسين جودة التعليم العام أو للحد من الجريمة. علاوة على ذلك، فإنَّ تعهده بمحاربة الفساد الحكومي أصبح موضع شك في عام 2005، عندما اتُهم أعضاء من حزبه بالرشوة وتمويل الحملات الانتخابية بشكل غير قانوني".
وعلى الرغم من أنَّ الرئيس لم يكن متورطاً بشكل شخصي، إلا أنَّ الاتهامات أضرَّت بشعبيته، ففي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2006 فشل لولا في الحصول على عدد كافٍ من الأصوات للفوز، لكنه مع ذلك تمكَّن في الجولة الثانية من هزيمة خصمه جيرالدو ألكمين، من الحزب الديمقراطي الاجتماعي.
ويبدو أنَّ هذه الشوائب لم تؤثر على التقييم العام لرئاسة لولا الذي أنهى فترتيه بنسب تأييد تقترب من 90%.
وفي تلخيص لإنجازات لولا خلال فترتيه الرئاسيتين، يقول ريتشارد بورن الذي كتب السيرة الذاتية للرئيس البرازيلي: "لقد جعل لولا البرازيل لاعباً مهماً على الساحة العالمية. كانت البرازيل (في عهده) دولة جادة ساعدت في إنشاء مجموعة العشرين، وأقامت علاقات مع دول بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، كما تم ترشيحها لإدارة منظمة التجارة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة".
أمَّا الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فقد وصف في عام 2009 لولا بأنه "السياسي الأكثر شعبية على وجه الأرض"، وذلك بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
اتهامات الفساد
لكن على الرغم من هذه الإنجازات، إلا أنَّ الانتكاسات كانت في الأفق، فمع انتهاء فترته الثانية، وفي ظل العائق الدستوري الذي يمنعه من ترشيح نفسه لولاية ثالثة، قدم لولا وزيرة شؤون الرئاسة في حكومته ديلما روسيف، مرشحاً لمنصب الرئيس على أمل الاستمرار في سياساته الحكومية.
وقد تمكنت روسيف بالفعل من الفوز بالمنصب في عام 2010 لتصبح أول سيدة تتولى الرئاسة في البرازيل.
وعلى الرغم من فوز روسيف بفترة ثانية في 2014، إلا أن هذه الفترة شابتها "فضائح فساد"، بما في ذلك التحقيق الذي يعرف باسم عملية غسيل السيارات والذي كشف النقاب عن اتحاد شركات يدفع رشى لمسؤولين لتأمين عقود لشركة النفط المملوكة للدولة "بتروبراس".
وأفضى هذا الكشف إلى إجراء عدة تحقيقات أحدثت هزة في اقتصاد البرازيل ونظامها السياسي، وأدت في النهاية إلى عزل روسيف في عام 2016.
وطالت الفضيحة لولا، حيث دهمت الشرطة في مارس 2016 منزله، قبل أن يتم اتهامه رسمياً بغسل الأموال وإخفاء ملكيته لشقة فاخرة على شاطئ البحر قيل إنه حصل عليها في مقابل المساعدة في الفوز بالعقود مع شركة "بتروبراس".
ثم في يوليو 2017 وجَّه المدعي العام في البرازيل اتهامات للولا وروسيف وأعضاء من حزب العمال بتشكيل منظمة إجرامية. وقد قادت هذه الاتهامات إلى إدانة لولا، والحكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً، الأمر الذي حال بينه وبين الترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2018، رغم أنَّ الاستطلاعات كانت تظهر أنه السياسي الأكثر شعبية في البلاد.
وعلى الرغم من أنَّ لولا رفض في البداية تسليم نفسه للسطات من أجل بدء محكوميته، وقرر الاعتصام في نقابة عمال الحديد بساو باولو حيث بدأ مسيرته السياسية، إلا أنه أعلن في أبريل 2018 تسليم نفسه للشرطة.
وفي نوفمبر 2019، أُطلق سراح لولا من السجن بقرار من المحكمة العليا، ثم في مارس 2021 حكم قاض في المحكمة ذاتها بأنَّ الرئيس السابق ما كان يجب أن يحاكم بتهمة الفساد الأمر الذي مهَّد الطريق أمام عودته للسياسة ليعلن حزب العمال في يوليو 2022 ترشيحه رسمياً للانتخابات الرئاسية في مواجهة اليميني جائير بولسونارو.
إلى جانب الفقر، شهدت حياة لولا عدداً من المآسي التي أثرت على حياته، فقد تزوج للمرة الأولى وهو في الثالثة والعشرين من عمره، لكن زوجته سريعاً ما توفيت بعد عامين فقط، وهي حاملة بطفله الأول الذي لم ينجُ أيضاً.
كما تعرَّض لولا في عام 1963 لحادث في مكان العمل أدَّى إلى فقدانه إصبعه الخنصر في يده اليسرى.
وفي عام 2011 تم تشخيص لولا وهو في السادسة والستين من عمره بمرض سرطان الحنجرة ليبدأ رحلة علاجية طويلة انتهت بتغلُّبه على المرض في عام 2012.
والأحد، انتُخب لولا، رئيساً للبرازيل بفوزه بفارق ضئيل على منافسه الرئيس اليميني المنتهية ولايته جائير بولسونارو، بنسبة 50.83% مقابل 49.17%، وفقاً للنتائج الرسمية شبه النهائية.