أميرة صليبيخ
يقول الروائي أمين معلوف «إذا قرأت قراءة فعلية 40 كتاباً حقيقياً خلال 20 عاماً فبوسعك مواجهة العالم»، الأمر الذي جعلني أفكر بالعمق الذي اختصر به الكاتب حقيقة القراءة الواعية وأثرها المدهش في حياة الفرد.
فهو يفترض أن نقرأ كتابين حقيقيين على مدى 20 عاماً بمعدل كتاب واحد كل ستة أشهر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ليس جميع ما نقرأه من كتب هي كتب حقيقية، فبعض الهراء يتنكر في شكل كتاب، يُسوّق له بصورة جيدة تجعل الناس يتهافتون عليه، وبذلك تكون المحصلة هي إضافة الخواء إلى مكتبتك وعقلك!
أنت لست بحاجة لقراءة 40 كتاباً جيداً طوال حياتك، وهو ما لا أتفق فيه مع معلوف. فأحياناً تغنيك قراءة سطر واحد من كتاب جيد، عن قراءة مئات الصفحات العقيمة. لذا لا تورط عقلك مع هذه الكتب الرخيصة والعادية، بل اقرأ وأنت مفتون بتفاصيل الكتب التي تحبها، راكضاً وراء الأسطر في سباق مع المتعة العقلية التي تدخلك حالة من النشوة التي لا يعرفها سوى المصابين بالشغف تجاه هواياتهم.
فالقراءة فعل جميل يتطلب اليقظة العقلية، ليست مجرد هواية للشخصيات غريبة الأطوار وليست مثيرة للملل كما يتصورها البعض. القراءة عملية تغيير بطيئة للعقل وبالتالي للحياة بأكملها، وتحتاج لأن تأخذ وقتها حتى تظهر النتيجة على فكرك وشخصيتك. فمسؤوليتك الكبرى تجاه نفسك بأن تحسن اختيار ما تسلمّ عقلك له، تماماً كما تحسن اختيار الطعام الذي ستتناوله، لأنه في النهاية سيؤثر عليك فأنت نتاج الكتب التي تقرأها وتتأثر بها، وليس الكتب التي تشتريها وتجمعها. والعبرة بمحتوى الكتب وليس عددها.
لو قدر لي أن أختار 40 كتاباً فقط لأعيش ما تبقى من حياتي معها، فبالتأكيد ستضم قائمتي لمجموعة منوعة من كل مجال. فهناك كتب أهش بها على وجعي ليبرأ، وكتب أعيد بها تمحيص قناعاتي، وهناك كتب توقظ الطمأنينة في قلبي، وكتب لأواجه بها الحمقى المتكاثرين من حولي، وكتب تنقلني عبر الأزمنة لأعيش عوالم أخرى، وكتب تجعلني أركل النوم لأكمل قراءتها لأنها تعيد اكتشاف الشغف فيني، وأيضاً هناك كتب تستدعي الأفكار الإبداعية من أعماقي وتقول لها أخرجي وأبهري العالم.
بالتأكيد هناك كتاب لكل موقف في حياتك فكل شخص كتاب ما في هذا العالم يخاطبه هو وحده. لذا أبحث بين الكتب عن الكتاب الذي يقرؤك قبل أن تقرأه أنت، فكل سطر لابد أن يعينك في موقف ما على مواجهة هذا العالم بأقل قدر من الضرر.