إرم نيوز

يشتهر هرمون "السيروتونين" في الثقافة الشعبية باعتباره المادة الكيميائية المطلقة للسعادة؛ إذ إن انخفاضه يسبب الاكتئاب والحزن واليأس، وارتفاعه يبعث الطاقة والسعادة والنشوة، رغم إجماع معظم الأطباء النفسيين على أن "الاكتئاب" حالة معقدة، مزيج من العوامل النفسية والاجتماعية والكيميائية الحيوية، ولا يتعلق بهرمون "السيروتونين" وحده.

و"السيروتونين" هو ناقل عصبي ينظم الوظائف المختلفة في كل من الفقاريات واللافقاريات، إذ ينظم العديد من العمليات البيولوجية بما في ذلك النوم والذاكرة والعواطف، ويوجد 90% منه في الخلايا المبطنة للأمعاء الدقيقة، فيما 10% فقط توجد في الدماغ.

ويتم تصنيع "السيروتونين" من خلال "التربتوفان"، وهو حمض أميني يسهم في إنتاج البروتينات والإنزيمات والناقلات العصبية.



سُجل انخفاض بمستويات "السيروتونين" لدى أشخاص استخدموا مضادات الاكتئاب لعلاجه، حسب بعض الدراسات

السيروتونين والاكتئاب

لعقود من الزمن، كان الرأي السائد هو أن الاكتئاب ناجم عن نقص "السيروتونين"، إلى أن كشفت دراسة نشرت حديثًا في مجلة "الطب النفسي الجزيئي" من قبل باحثين في كلية لندن الجامعية (UCL) عن عدم وجود دليل واضح يربط بين الاكتئاب والسيروتونين؛ ما جعل فاعلية مضادات الاكتئاب موضع تساؤل.

وقالت المؤلفة الرئيسة للدراسة الطبيبة جوانا مونكريف، أستاذة الطب النفسي في جامعة "كاليفورنيا" في لوس أنجلوس، إن "نظرية أن السيروتونين مضاد للاكتئاب تم الترويج لها بشكل كبير من قبل شركات الأدوية في محاولة لتسويق مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية خلال التسعينيات".

ولم تكشف الدراسات التي قارنت مستويات "السيروتونين" ونواتج تحللها (في الدم أو سوائل الدماغ) عن اختلافات ملحوظة بين مجموعة التحكم والمشاركين الذين تم تشخيصهم سريريًّا بالاكتئاب.

حتى إن بعض الدراسات سجلت انخفاضًا ملحوظًا في مستويات "السيروتونين" لدى الأشخاص الذين استخدموا مضادات الاكتئاب لعلاج الاكتئاب، إذ اقترح المؤلفون أن الاستخدام طويل الأمد لمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية يقلل في النهاية من تركيز السيروتونين في الدماغ.

وعلى الرغم من فاعليتها الظاهرة على المدى القصير، إلا أن استخدامها قد يؤدي إلى تأثيرات معاكسة على المدى الطويل بسبب الآليات التعويضية في الدماغ.



يستدل من خلال دراسة أجريت على نموذج من "الديدان" وجود فئة جديدة من مشتقات "السيروتونين" تسمى "sngl"

فئة جديدة من السيروتونين

ونشر مختبر شرودر، بقيادة البروفيسور فرانك شرودر، أستاذ البيولوجيا الكيميائية بجامعة "كولومبيا"، دراسة تفصيلية عن فئة جديدة من المركبات المحتوية على السيروتونين في "Nature Chemical Biology".

وأجرى الباحثون الدراسة على نموذج من الديدان "Caenorhabditis elegans"، التي تعتبر كائنات نموذجية سهلة الدراسة بسبب قصر عمرها، وتوفر الفرصة لدراسة كائن حي كامل بدلًا من الخلية، ولديها العديد من مسارات التخليق الحيوي المشابهة للبشر.

وكشفت الدراسة وجود فئة جديدة من مشتقات "السيروتونين" تسمى "sngl"، تظل في الدودة لوقت أطول مقارنة بالمشتقات الأخرى المعروفة بـ(NAS و5-HIAA)، ما يشير إلى أن المشتقات الجديدة قد تلعب دورًا مهمًّا داخل الكائن الحي.

وقال شرودر "يولد هذا الاكتشاف الجديد لمشتقات sngl أسئلة مهمّة حول دورها عند البشر، وخاصة في الأمراض المرتبطة بالسيروتونين، مثل: الاكتئاب".

وأردف قائلًا "هذا البحث ليس نهاية القصة، لا يزال هناك الكثير لنفعله".



ينصح الأطباء بممارسة الرياضة والخروج في الهواء الطلق وتعزيز العلاقات الاجتماعية وتنمية المواهب والقدرات، مثل: كتابة الشعر، والرسم، والاستماع للموسيقى، وغيرها لرفع هرمون السعادة

السيروتونين و"وصمة العار"

ظلت نظرية "السيروتونين" مقنعة لفترة طويلة لأن الدواء القائم على السيروتونين يعمل ويعالج الاكتئاب بفاعلية جيدة إلى ممتازة، فقد كان الأطباء يقولون إنه إذا كانت الأدوية التي ترفع تركيز "السيروتونين" توفر الراحة والسعادة والرضا لمرضى الاكتئاب، فهذا يعني أن انخفاض "السيروتونين" هو سبب للاكتئاب.

ونظرًا للغموض الذي يكتنف الأمراض النفسية، فإن فهم المرضى لما يحدث لهم أمر مهم للغاية، وعليه علقت الطبيبة النفسية والباحثة في الصحة العقلية د. ناهد ديف، في حديثها على موقع "The Swaddle": "يميل الكثير من الناس إلى إلقاء اللوم على أفعالهم باعتبارها سبب أمراضهم أو أمراض أحبائهم، إذ يقول المرضى (كان يجب أن أفعل، كان بإمكاني)، ويبدأ الآباء والأمهات رحلة الشعور بالذنب عندما يُصاب أطفالهم بالأمراض النفسية".

وأضافت "عندما تعطي الاكتئاب نظرية بيولوجية -من خلال إلصاقه بالسيروتونين- فهذا يقلل من وصمة العار إلى حد كبير، لأنه يصبح مثل أي مرض جسدي آخر، ما يساعد المريض على تقبل مرضه".

ولرفع هرمون السعادة، ينصح الأطباء حول العالم بضرورة ممارسة الرياضة والخروج في الهواء الطلق وتعزيز العلاقات الاجتماعية وتنمية المواهب والقدرات، مثل: كتابة الشعر، والرسم، والنحت، وغيرها، بالإضافة إلى الاستماع إلى الموسيقى وحفظ الأغاني التي تبث السعادة وترديدها.