لماذا بدأ وفد "مجلس حكماء المسلمين" زيارته للعراق من بوابة مدينة النجف، وكيف كانت ردود فعل الحوزة العلمية؟
"تعد زيارة المستشار محمد عبد السلام، على رأس وفد مجلس حكماء المسلمين إلى العراق عامة والنجف الأشرف بالخصوص حلقة من سلسلة التواصل المستمر بين المؤسسات الدينية، التي أخذت على عاتقها مسؤولية التقريب بين أبناء الدين الواحد"، يقول لـ"العربية.نت" الأستاذ في الحوزة العلمية بمدينة "النجف" الشيخ ثائر الساعدي، مضيفاً "هذه الزيارة تتمتع بإيجابية كبيرة، إذ سيتمكن من خلالها الوفد الكريم من معرفة مدى الشغف والحب الكبيرين الذين ينشدهما العراق بكل أطيافه إلى أشقائه وشركائه في الدين والعروبة".

مطار النجف

السبت 14 يناير الجاري، حطت طائرة تابعة لـ"طيران دبي"، في مطار "النجف"، قادمة من الإمارات العربية المتحدة، ضمت وفد "مجلس حكماء المسلمين"، برئاسة أمينه العام المستشار محمد عبد السلام، وكان في استقبالهم وفد من مؤسسة "دار العلم"، ضم: ثائر الساعدي، وزيد بحر العلوم، وأحمد الكندي.

لم يأتِ الوفد عبر مطار العاصمة العراقية بغداد، كونه قدمِ إثر دعوة وجهها له الأمين العام لـ"معهد الخوئي" د.جواد الخوئي، الأستاذ في "الحوزة العلمية"، وحفيد المرجع الديني الراحل أبو القاسم الخوئي، الذي كان في زمنه "المرجع الأعلى" للمسلمين الشيعة، إضافة لكون جواد الخوئي أستاذاً لـ"كرسي اليونسكو" بجامعة "الكوفة"، ما يعطي الزيارة زخماً علمياً وروحياً، فالداعي لها واحدٌ من أنشط الشخصيات العراقية التي تعمل على التواصل مع المؤسسات الدينية والمدنية والقيادات الروحية في الخليج العربي وأوروبا، من أجل تعزيز قيم التعديد والتنوع واحترام الآخر.

الدخول إلى العراق عبر بوابة "النجف"، لا يعني أن "حكماء المسلمين" جاء وفدهم للقاء طيف واحد من أطياف المجتمع المتعددة. بل حرص الوفد طوال أيام الزيارة على الحوار والتلاقي مع مؤسسات وشخصيات روحية وأكاديمية من أديان ومذاهب وأعراق مختلفة، توجها الوفد بلقاء مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني؛ لأنها زيارة للعراق الدولة الثرية بتنوعها الثقافي والعرقي.

عمقُ الحوزة

لم يكن اللقاء عادياً بين وفد "حكماء المسلمين" وجواد الخوئي في "دار العلم"، وهي مؤسسة علمية، يقصدها مجموعة من طلبة العلوم الدينية في "الحوزة العلمية" من أجل الدراسة.

"دار العلم" تقع في قلب "النجف"، المدينة العراقية التي لها مكانة خاصة لدى المسلمين الشيعة، كونها تضم مرقد الإمام علي بن أبي طالب، وهي أيضاً مقر "الحوزة الدينية" و"المرجعية الدينية". ولذا، فوجود وفد "مجلس حكماء المسلمين" فضلا عن كونه في ضيافة الخوئي، إلا أن هذه الضيافة كانت أيضاً بمباركة "المرجعية العليا" وكبارِ أساتذة الحوزة العلمية، والشخصيات النجفية المرموقة.

أكثر من 40 شخصية علمية، دينية ومدنية، كانت في استقبال المستشار محمد عبد السلام والوفد المرافق له. هذه الشخصيات مثلت نخبة من أساتذة الحوزة العلمية والجامعات والكتاب والباحثين، ومنهم وزير الثقافة العراقي السابق د.حسن ناظم، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة "الكوفة" د.عبد الأمير الزاهد، والسيد محمد بحر العلوم، والسيد حسين الغريفي، وسواهم.

اللقاء تحدث فيه جواد الخوئي، معتبراً أن "تجاربَنا الحيويةَ التي امتُحِنتْ في ظروفٍ صعبةٍ من تاريخِنا المعاصرِ تُعلِّمُنا درساً في أن نكونَ معاً على الدوامِ، وألّا ندعَ اختلافَنا في الآراءِ العلميةِ يكونُ حائلاً دونَ عملِنا المشتركِ من أجلِ الدفاعِ عن مجتمعاتِنا وقِيَمِها وكرامتِها"، مشيداً بـ"أعمالِ مجلسِ حكماءِ المسلمينَ، والدورِ الرياديِّ الكبيرِ الذي يقومُ به من أجلِ وحدةِ الصفِّ الإسلاميِّ أمامَ التحدّياتِ، ومن أجلِ معالجةِ الهمومِ المشتركةِ، ومن أجلِ إشاعةِ قِيَمِ المحبةِ والتعايُشِ السِلميّ"، ومستذكراً "مقولةَ المرجعِ الأعلى الإمامِ السيدِ السيستانيِّ: السُّنةُ أنفُسُنا. وكذلك قولُ شيخِ الأزهرِ الشريفِ الإمامِ أحمدَ الطيّبِ: الشيعةُ والسنةُ جَناحا الأمةِ الإسلامية"، مضيفاً "من هاتينِ الحقيقتينِ المؤكَّدتينِ من مرجعيتينِ إسلاميتينِ شامختينِ نستلهمُ العملَ المشتركَ، ونستهدي بالطريقِ القويمِ، ولا نعتني بالأصواتِ المفرِّقةِ، ولا نلتفتُ للآراءِ الشاذّةِ التي نسمعُها هنا وهناك بينَ حينٍ وآخرَ".

هذه اللغة الاحتفائية والصريحة في آن معاً من الخوئي، وجدت أذناً صاغية من الأمين العام لـ"مجلس حكماء المسلمين"، المستشار محمد عبد السلام، الذي غرد عبر حسابه في منصة "تويتر"، قائلاً "سعدت بلقاء عدد من الإخوة علماء الحوزة العلمية بالنجف في دار العلم للإمام الخوئي، بدعوة من أخي سماحة السيد جواد الخوئي، تناقشنا حول أبرز التحديات المعاصرة التي تواجه أمتنا الإسلامية وعروبتنا، وسبل رأب الصدع وإعلاء روح الأخوة الدينية، وتحقيق التعاون والتفاهم بين أبناء الدين الواحد".

النجف والأزهر

الشيخ ثائر الساعدي، الذي كان شاهداً على تفاصيل اللقاءات، قال لـ"العربية.نت"، وفي معرض تعليقة حول العمل المؤسساتي المشترك، مبيناً أنه "لم تنقطع آفاق التعاون بين المؤسسات الفاعلة المخلصة في أصعب الظروف وأخطر المنعطفات، إذ ساهمت هذه المؤسسات وعلى رأسها دار العلم للإمام الخوئي، بلعب دور يفوق التصور في التواصل مع كل الأطياف في داخل العراق وخارجه، من أجل بلورة خارطة طريق تعكس العمق التاريخي للعلاقات السنية – الشيعية، حتى جاءت هذه الزيارة ومثيلاتها تتويجاً للجهود المبذولة" .

الساعدي من جهة أخرى، أَمِلَ أن "لا تقف هذه الزيارة عند حدودها، بل تفتح آفاقاً من التعاون"، معتبراً أن الزيارة في حد ذاتها تبعث برسالة واضخة تعمل على "إسكات كل أصوات الفتن"، مشدداً على أن "التواصل بين النجف والأزهر هو مسيرة لا تتوقف".

بُعيد "دار العلم"، زار وفد "مجلس حكماء المسلمين"، مقر "العتبة العلوية"، حيث استقبلهم الأمين العام لـ"العتبة" عيسى الخرسان، حيث زار الوفد "مكتبة الروضة الحيدرية"، واطلع على ما بها من مصادر وأمهات الكتب والمخطوطات النفيسة.

إذن، كانت جولة نجفية واسعة، تعكس "رغبة من الحوزة العلمية في التواصل الحقيقي والجاد مع المحيط العربي في الخليج ومصر، والانفتاح على كافة القوى الفاعلة من أجل السلم والحوار في المنطقة، وذلك من أجل مجابة خطاب التطرف الذي يهدد الجميع"، بحسب مصدر تحدثت معه "العربية.نت"، مضيفاً "إن زيارة كهذه يجب أن لا تنتهي مفاعليها بانقضاء مدتها، بل يجب أن يكون هنالك تواصل دائم وتنسيق، لأن التطرف والطائفية إذا لم نواجهها جميعاً، فسوف تعمل على بث سمومها الضارة ويعود الإرهاب مجدداً للمنطقة".

لقاء كربلاء

بُعيد الجولة النجفية، توجه الوفد إلى مدينة "كربلاء"، التي تضم مرقد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وبها أيضاً حوزة علمية يدرسُ فيها طلبة من داخل العراق وخارجه.

في كربلاء، التقى وفد "مجلس حكماء المسلمين"، بالشيخ عبد المهدي الكربلائي، ممثل المرجع الأعلى علي السيستاني، ووكيله المعتمد، في لقاء يصفه مصدرٌ تحدثت معه "العربية.نت"، بأنه "لقاء ودي وإيجابي، اتسم بكثير من النقاشات البناءة، التي تهم الطرفين، وخصوصاً أن هنالك تقديراً كبيراً لشخص المرجع السيد علي السيستاني وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب"، متوقعاً أن "ينعكس هذا التواصل بشكل مستقبلي على التعاون بين المرجعيتين المحترمتين في تعزيز قيم الاعتدال".

من جهته، وأثناء لقائه بالكربلائي، أكَّد المستشار محمد عبد السلام على أن "الدعوة الصادقة التي وجَّهها فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، لجميع الطوائف الإسلامية بالمسارعة إلى عقد حوار إسلامي - إسلامي، هي جوهر رسالة مجلس حكماء المسلمين، وهي السبيل لوحدة الأمة ولمِّ شملها"، معرباً عن "تقدير مجلس حكماء المسلمين لجهود سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، وحرصه على توحيد الصف العراقي شعباً واحداً"، بحسب مصادر "مجلس حكماء المسلمين".

الشيخ عبد المهدي الكربلائي، اعتبر أن "هذا اللقاء هو خطوة في طريق ترسيخ العلاقات السنيَّة - الشيعيَّة، وفتح قنوات للحوار عابرة للحدود، وأنَّ هذه اللقاءات تعكسُ احترام وتقدير المؤسسات الدينية الرسمية لبعضها البعض"، كما نقل "تحيات المرجع السيستاني لفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب".

العمل المستقبلي

هي بحسب المراقبين "زيارة غاية في الأهمية"، من الممكن أن تؤسس لتعاونٍ أوسع، لا يقتصر وحسب على مؤسسة "دار العلم" و"مجلس حكماء المسلمين"، بل من الممكن أن يمتد ليشمل جهاتٍ فاعلة ورئيسة، كـ"رابطة العالم الإسلامي" التي وبمادرة منها، وتحت رعالية الملك سلمان بن عبد العزيز، استضافت "ملتقى المرجعيات العراقية" في مكة المكرمة، 2021، والذي دارت فيه نقاشات بناءة وصريحة، بين الأمين العام لـ"الرابطة" الدكتور محمد العيسى، والشخصيات الروحية العراقية المشاركة، وكان له أصداء "إيجابية واسعة"، وهو العمل الذي يكتملُ عقده عبر تعاضد المزيد من المؤسسات المنخرطة أساساً في ترسيخ قيم التعددية، كـ"منتدى أبوظبي للسلم"، و"مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الثقافات والديانات"، و"مركز الكلمة للحوار والتعاون"، و"مؤسسة الإمام الحكيم"، وسواها من "الجهات الرصينة والمعتدلة، التي سيكون لتعاونها نتائج كبيرة ومثمرة، في حال تم العمل وفق رؤية جلية واضحة، تروم السلم والتعاون، والذي هو هدف الجميع، من أجل بناء مستقبل أفضل لجميع أبناء المنطقة، ومواجهة خطابات الطائفية والكراهية والانعزال"، كما قالت لـ"العربية.نت" شخصية كانت مرافقة للوفد في أكثر من مدينة ولقاء.