انتهت أزمة منطاد التجسس الصيني بإسقاط الجيش الأمريكي له، لكن محاولات الخبراء لتوقع خطوات بكين التالية لا تزال مستمرة.
نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق لشرق آسيا هينو كلينك توقع لجوء الحزب الشيوعي الصيني إلى اتهام الولايات المتحدة بالقيام بعمل استفزازي لإسقاط هذا المنطاد الصيني من المجال الجوي الأمريكي.
كلينك أكد، خلال حديثه لموقع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، أن الصين لن تقدم على ارتكاب عمل عدائي، لكنها ستصعد من لهجتها الخطابية وستحاول إبعاد اللوم عنها.
وأضاف: "من المعتاد أن يحاول الصينيون تصوير أنفسهم باعتبارهم الطرف البريء الذي يلتزم بالقانون الدولي والمعايير الدولية للسلوك، في حين أن العكس هو الصحيح".
تهميش القضية
أما زاك كوبر، الزميل البارز في معهد أمريكان إنتربرايز في الصين، فذكر لشبكة فوكس نيوز ديجيتال أنه "لا يتوقع أن ترد بكين بعد إسقاط المنطاد".
وقال: "أعتقد أن القادة الصينيين سيحاولون تهميش القضية، وإصدار بيان قصير يتبعه محاولة لإعادة عقد اجتماع مع بلينكن".
في السياق ذاته، يرى الدكتور جيمس أندرسون نائب وكيل وزارة الدفاع للسياسة في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، أن "الصين ستواصل الادعاء بأن الولايات المتحدة" بالغت في رد فعلها "بإسقاط بالون التجسس".
وتابع: "سيحاول الصينيون صرف الانتباه عن حقيقة انتهاكهم المجال الجوي الأمريكي والقانون الدولي، وقد تسعى سفينة أو أكثر من سفن البحرية الصينية التدخل في جهود استعادة حطام المنطاد الموجود داخل المياه الإقليمية للولايات المتحدة".
وانتقد العديد من النواب الجمهوريين في مجلسي الكونغرس الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد إسقاط المنطاد، حيث كانت أبرز هذه الانتقادات موجهة لتباطؤ الإدارة في التعامل معه.
وقال النائب الجمهوري عن ولاية تكساس بيت سيشنز إنه يعتقد أن "الأمريكيين الذين يتمتعون بالحس السليم كانوا يشعرون بالاشمئزاز الشديد ليس فقط من ردود الإدارة على الأسئلة، لكنهم أصيبوا بالرعب من وجود رئيس سيسمح لمعدات تجسس صينية في أجوائنا لأيام دون أن يفعل شيئا".
اللحظة الملائمة
في المقابل، يرى الكاتب ديفيد إغناتيوس، في مقال للرأي بصحيفة واشنطن بوست، أن إدارة الرئيس جو بايدن انتظرت اللحظة الأكثر ملاءمة لتدمير المنطاد والاستيلاء على حمولته السرية، مؤكدا أن القضية الغريبة كانت عبارة عن معلومات استخباراتية إضافية للولايات المتحدة.
وسعى إغناتيوس إلى بيان الأسباب وراء تأخر الولايات المتحدة في اتخاذ قرار إسقاط المنطاد، وفقا لرواية مسؤول في البنتاغون على معرفة مباشرة بتفاصيل الحدث.
وهنا قال "كان الصينيون يرسلون مناطيد لجمع المعلومات الاستخباراتية منذ سنوات، وسبق أن كشف البنتاغون عن خمسة بالونات صينية طافت حول العالم، وأن بكين أجرت من 20 إلى 30 مهمة لمناطيد على مستوى العالم خلال العقد الماضي".
ولا تستطيع المناطيد جمع قدر أكبر من المعلومات الاستخبارية مما تجمعه الأقمار الصناعية الصينية في مدار أرضي منخفض، لكنها قادرة على البقاء لفترة أطول فوق أهداف مثل موقع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في مونتانا الذي حلق فوقه قبل أيام قليلة، لكنها ليست ثابتة، وقدرتها على جمع المعلومات لا تختلف اختلافا كبيرا عن الأنظمة الأخرى المتاحة للصينيين، وفقا لمسؤول البنتاغون.
كما يوفر البالون دقة أفضل في صورة، لكن التكهنات بقيام البالون بنثر أجهزة تجسس أصغر مثل الميكروفونات التي يمكنها مراقبة أهداف سرية، على سبيل المثال، لا يوجد دليل صحيح بشأنه.
وقال المسؤول إن كبسولة المنطاد سقطت في المحيط الأطلسي سليمة إلى حد كبير، وستمنح الولايات المتحدة فرصة جيدة لفحص والقيام بهندسة عكسية لأنظمة الاستخبارات والاتصالات الصينية.
وبالتالي، فمن وجهة نظر استخباراتية يعتقد مسؤولو البنتاغون أن رحلة المنطاد الغريبة التي استغرقت أسبوعا كانت في النهاية أكثر فائدة للولايات المتحدة منها للصين.
ومن خلال الانتظار حتى يمر البالون فوق المياه الإقليمية للولايات المتحدة تمكنت إدارة بايدن من تعظيم احتمالية استعادة الكبسولة مع تقليل خطر إصابة الأمريكيين من الحطام المتساقط.
تفاصيل المنطاد
وقال المسؤول في البنتاغون إن وزن كبسولة المنطاد يوازي وزن حافلتين أو ثلاث حافلات وكان من الممكن أن تتسبب في أضرار جسيمة إذا اصطدمت بالأرض وسقطت فوق مونتانا، لكان أكثر من 2000 شخص معرضين لخطر الإصابة بالحطام.
كعملية عسكرية، كان إسقاط المنطاد بسيطا نسبيا، فقد أطلقت طائرة من طراز إف 22 رابتور صاروخ إيه آي إم-99 على المنطاد.
وكانت أولوية الاستهداف الرئيسية هي تجنب إطلاق النار بشكل مباشر على المنطاد، والذي ربما يتركه سليمًا إلى حد كبير وقادرا على السفر لمسافة 500 إلى 600 ميل أخرى شرقا، ربما خارج نطاق قدرة الولايات المتحدة على استرجاعه.
ودرس البنتاغون إمكانية تفريغ المنطاد جزئيا والتقاط حجرة الاستخبارات على ارتفاع منخفض، لكن المسؤول قال إن الولايات المتحدة لا تملك تقنية تسمح بعملية لأسر المنطاد.
وأشار إلى أنه حتى الآن لا يعرف مسؤولو المخابرات ما الذي ربما دفع الصينيون إلى إطلاق مثل هذه المهمة، عشية زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن المخطط لها إلى بكين، والتي تم إلغاؤها بسبب المنطاد.
ويرى إغناتيوس أن هذه كانت محاولة صينية لتأكيد قوتها وتفوقها في وقت لا تسير فيه الأوضاع على ما يرام بالنسبة لبكين، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي والاحتجاج السياسي العام وسوء إدارة جائحة فيروس كورونا.
الاحتمال الأخير هو أن هذا كان مجرد سلسلة من الأخطاء، وهو أمر ممكن في أي عملية استخباراتية أو عسكرية.
وأخيرا فإنه يمكن للجواسيس جمع الأسرار، وهذا ما كان يفعله الصينيون بمنطادهم، وما ستفعله الولايات المتحدة الآن في محاولتها لتحليل المعدات التي كان البالون يحملها.