سادت حالة من "الاستياء والارتباك"بين عناصر في "الحرس الثوري" الإيراني لأنهم يتقاضون "أجوراً منخفضة"، بعد قرابة 5 أشهر من احتجاجات مناهضة للنظام في طهران، حسبما أظهرت وثائق وتسجيلات مسربة لضباط كبار.

ونقلت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية عن مصادر وصفتها بأنها "مطلعة"، قولها إن ما يفاقم هذا الشعور بالاستياء، هو أن "رواتب جنود الحرس الثوري، تعادل ربع رواتب ما يتقاضاه نظراؤهم في جماعة حزب الله اللبنانية"، أقوى وكلاء إيران في الشرق الأوسط.

وقالت جماعات حقوقية إن قوات "الحرس الثوري" البالغ عددها 125 ألف جندي نفذت حملة "قمع وحشية" ضد المتظاهرين في جميع أنحاء البلاد، ما أسفر عن مصرع ما لا يقل عن 528 مدنياً وسجن عشرات الآلاف غيرهم، بينما يُعتقد أن 70 جندياً من "الحرس" لقوا حتفهم.

وكشفت تسجيلات مسربة أن نائب قائد قوات "الباسيج" اللواء قاسم قريشي، قال لصحافيين إن "قسماً كبيراً من القوات الثورية في الشوارع يعاني الارتياب والارتباك".

وقوات "الباسيج" شبه العسكرية، هي فصيل تابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني تنشر غالباً لقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة، بحسب الصحيفة.

وفي اجتماع عقد في ديسمبر الماضي، قال أحد زملاء قريشي إن الضباط كانوا "متعبين ومستائين للغاية، خاصة من الأوضاع في سيستان" جنوب شرقي إيران التي شهدت عاصمتها زاهدان مصرع أكثر من 80 مصلٍّ في 28 أكتوبر الماضي، بعد أن أطلقت قوات الأمن النار على متظاهرين بعد صلاة الجمعة.

وأظهرت وثائق اطلعت عليها الصحيفة، أن جنود "الحرس الثوري" يتلقون ما يعادل 300 دولار شهرياً، وهو نحو نصف راتب مبرمج كمبيوتر في إيران، وأقل مما يتقاضاه معلم في مدرسة.

في المقابل، يتوقع حصول العنصر في جماعة "حزب الله" اللبنانية، التي تموّلها طهران ويصنفها الغرب على أنها جماعة "إرهابية"، على نحو 1300 دولار شهرياً.

وقال مصدر إيراني لصحيفة "تايمز"، طالباً عدم ذكر اسمه خوفاً من الانتقام، إنه "بينما يزداد عناصر حزب الله ثراء، فإن الجمهور الإيراني يصل إلى الحضيض".

وأضاف: "فارق مؤلم (في الرواتب) لقوات الحرس الثوري التي ظلت في الخطوط الأمامية طوال هذه الأشهر. إنهم يشعرون بأنهم أقل قدراً وأنهم يتلقون رواتب أقل".

وكان العميد حميد أبازاري، وهو أحد مستشاري قائد "الحرس الثوري" حسين سلامي، عنّف كبار الضباط بسبب "التقصير" في التعامل مع الاحتجاجات، وفقاً للصحيفة.

وفي خطاب ألقاه، الشهر الماضي، قال إن كثيراً من القيادات العليا في "الحرس الثوري" "فشلوا (في دعم) قيم المرشد علي خامنئي والنظام"، وسرعان ما حاول النظام أن ينأى بنفسه عن تصريحات أبازاري، مدعياً أن ملاحظاته كانت مجرد "آراء شخصية".

وتشهد إيران موجة من الاحتجاجات منذ وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً) في 16 سبتمبر، بعدما أيام من توقيفها على يد شرطة الأخلاق بدعوى مخالفتها قواعد اللباس.

وشهدت الاحتجاجات التي تراجعت وتيرتها خلال الأسابيع الماضية، رفع شعارات مناهضة للسلطات والمسؤولين.

ومنذ بدء الاضطرابات، انخفضت العملة الإيرانية بنسبة 30%، ما زاد من مشكلات الاقتصاد الذي أصابه الشلل بسبب سنوات من العقوبات، وارتفع معدل التضخم السنوي إلى 50%.

"إمبراطورية الحرس"

تأسس "الحرس الثوري" بعد الثورة الإيرانية في عام 1979، لتوفير قوة موازية للقوات المسلحة النظامية، تتلقى الأوامر من "المرشد" علي خامنئي.

وعلى الرغم من أن قوات "الحرس الثوري" تتلقى حصصاً غذائية من اللحوم والزيت والأرز، إلا أن هذا لم ينجح في الحد من الاستياء من القيام بأعمال لا يوافق عليها كثيرون.

تجدر الإشارة إلى أن الانشقاق عن "الحرس الثوري" عقوبته الإعدام. وعن هذا يقول الصحافي الإيراني المتخصص في شؤون الدفاع مرتضى عباس زاده، إن "هؤلاء الشباب كانوا يبحثون ببساطة عن وظائف مستقرة، لكن الكثير منهم لم يتخيل قط أن هذا هو ما كانوا يقحمون أنفسهم فيه".

وأضاف: "إنهم يعيشون في مساكن منعزلة، لذا فهم يخفون ما يفعلونه حقاً عن عائلاتهم الذين يفضلون الاعتقاد أنهم بعيدون، يؤدون واجبات مثل حراسة المنشآت الحيوية كمحطات الطاقة ومكاتب المحافظين"، لافتاً إلى أن التحدي الرئيسي للنظام هو "الحفاظ على التماسك" داخل الوحدات.

ووفقاً للصحيفة، يتحكم "الحرس الثوري" في "إمبراطورية تجارية عالمية" تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، على الرغم من أن عناصره الذين يقفون على الخطوط الأمامية لحماية النظام المحاصر، لا يشعرون بذلك.

وبعد حرب العراق في الثمانينات، شارك "الحرس" إلى حد كبير في إعادة إعمار إيران ووسع مصالحه الاقتصادية لتشمل شبكة واسعة من الأعمال التجارية، بدءاً من مشروعات النفط والغاز إلى البناء والاتصالات.

ولا تزال الإمبراطورية التجارية، والنفقات الهائلة للقوات التي تعمل بالوكالة عن إيران مخفية عن الميزانية الرسمية للبلاد، المقرر إقرارها الشهر المقبل.

في هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي ماراردو سورجوم: "لا أحد يعرف من أين يأتي كل هذا التمويل للوكلاء مثل حزب الله، ولأبحاث الأسلحة، والأموال التي تذهب إلى العراق وسوريا".

وأضاف: "كل شيء مخفي من الميزانية وبالتالي عن الشعب الإيراني".