رئيفة عبدالعزيز
الكرم، صفة رائعة وفضيلة من فضائل الأخلاق، ولها قيمة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. وللكرم أوجه عديدة منه الكرم بالمال، ومنه بالتعامل، ومنه بالمساعدة، والعطاء، والابتسام.. وإلخ. وبمجرد أن نسمع كلمة كرم فسوف يتبادر في أذهاننا أنهُ سخاء وعطاء، ولكن هل تخيّلت يوماً أن ترى معظم المجتمعات المحيطة بك يتصفون بسخاء إقحام النفس؟!! وأنه متأصل في أعماقهم منذ آلاف السنين إلى أن أصبح من ثقافتهم؟

وأنا في رحلتي لتطوير نفسي انتبهت بأنني كريمة جداً في إقحام نفسي في مسؤوليات لا تخصني، فعلى الرغم من حملي لمسؤولية نفسي ومسؤوليتي تجاه الآخرين، إلا أنّني أقحم نفسي أيضاً في تحمّل مسؤولية غيري وخاصة أولئك المقرّبين الاتكاليين الذين لا يتّصفون بسخاء إقحام النفس حتى تجاه مسؤولية حياتهم، ونتيجةً لذلك الإقحام الذي أمارسه بدون إدراك، دائماً ما أقع في مواقف محرجة ومشاكل لا تخصّني بتاتاً، ممّا يجعلني أخوض تجارب غيري وأتلقّى الضربات والآلام بدلاً منهم!!!

وبعد التمعن في مَنْ حولي، وجدتُ أنّ 99% تقريباً من المجتمع يمارسون نوع الكرم نفسه في حياتهم، واكتشفت أنّها برمجة مجتمعية.

فعلى سبيل المثال؛ عندما يقحم الأب نفسه في أن يتحمّل مصاريف زواج أبنائه وتوفير السكن لهم، وخاصةً إن كان يفوق إمكانياته المادّية.

أو أن تقحم الجدّة نفسها في رعاية أحفادها لإتاحة الفرصة لوالدتهم للعمل خارج المنزل مثلاً، مما يسبب ذلك مشاعر الضجر للجدّة!!

في حين أنهُ من المفترض أن يتمتع الأب بما حصد من مال وإنفاقه على صحته والاهتمام بنفسه، وفي حالة الجدّة التي من المفترض أن تعتني بنفسها وصحتها بعد أن كبر أبناؤها، وتغدو متلهّفة لموعد زيارة أحفادها عوضاً عن إزعاجهم لها يومياً.

وعندما يعي الأب ويعتذر عن إقحام نفسه أو عندما تعي الجدّة وتصرّح في عدم رغبتها في رعاية أحفادها بشكل يومي، فسوف يُدينهم المجتمع على أنّهم أنانيّون وقد ينظر إليهم أبناؤهم نظرة التقصير!! وقِس ذلك المثال على كلّ أنواع إقحام النفس.

ولكل قاعدة شواذ، فهناك من يُستثنى من صفة إقحام النفس في حال قبوله التّام لتلك البرمجة ورغبته في عيشها بكل حب.