أميرة صليبيخ
عندما ماتت أمي، مت موتتي الأولى. كانت واحدة من أقسى التجارب النفسية التي مررت بها. وعلى الرغم من توالي الصدمات والأزمات بطبيعة الحال، إلا أن الألم الأبقى والأوضح كان ألم الفقد المفاجئ الذي بمرور السنوات تعلمت أن أتعايش معه وأتخفف من الجزء الأكبر منه.
وبالرغم من أنني كنت أظن أنني تعافيت إلى حد بعيد من هذه المشاعر، إلا أن الوفاة المفاجئة والصادمة لـ«جروة صغيرة» كنت أرعاها لفترة من الوقت، أعادت لي كل هذه المشاعر الموجعة مجدداً، وكأني لم أتعافَ قط. فكان علي التعامل مع مجموعة كبيرة من المشاعر المختلفة في درجتها وحدتها حينئذ، والإجابة على الأسئلة التي كانت تطرق قلبي وعقلي دون توقف. كان الوضع عبارة عن تناوب في مشاعر الألم والندم، والحزن، والفقد، واليأس. كانت تدرجات من المشاعر المبعثرة.
رحت أبحث عن سبل للتعافي والتشافي من الصدمات، ليست الجديدة فقط، بل القديمة قِدم أعمارنا، فكلها جراح تطفو على السطح من وقت لآخر بسبب مثير ما، فتشعل معها الذاكرة وكل ما ظَننته نسياً منسياً. الآلام تجيد استحضار بعضها البعض ولا تأتي فرادى أبداً، فتراها تجتمع حول قلبك، ضاحكة على حالك وأنت غير قادر على استعادة توازنك والتحرر من قبضتها.
ما تعلمته من خلال القراءة والبحث في هذا الموضوع هو أن الصدمة عبارة عن شعور لموقف حدث، ولكن الشعور لايزال باقياً. ومن الأمور المقترحة للتعافي وتسريع عملية التحرر هو أن تتقبل ما حدث وتسلم أمرك لله. القبول أولى خطوات التشافي وكلما رضيت بأقدارك كلما صب الله في قلبك الرضا على ما حدث.
عليك ألا تتكلم كثيراً عن الأمر، فكلما تكلمت عنه كلما أثرت الألم مجدداً ودخلت في دوامة العذاب. جرب أن تعتزل الناس لفترة من الوقت. العزلة تعيد ترتيب الفوضى بداخلك وتجعلك تخلو بنفسك وتتفكر فيما حدث، وتستخلص الدروس من المواقف جميعهم. العزلة تعيد شحن طاقتك مجدداً وتساعدك على فهم وضبط مشاعرك. لا بأس بأن تحزن لأيام، ولكن هذا الألم عليه أن يتوقف في مرحلة ما، لا أن تحمله معك على ظهر قلبك لآخر العمر.
عليك أن تمسك زمام عقلك وتعلمه التفكير بإيجابية حتى في لحظات الألم من خلال تذكّر نعم الله وكل الأمور المبهجة في حياتك. والأهم هو أن تعمّق اتصالك مع الله، فوحده القادر على انتشالك من هذه المشاعر.