^   هو ملك إشبيلية، سليل إحدى الأسر العربية المؤصلة من بني لخم، ورث حكم إشبيلية، عن والده، في الثلاثين من عمره عام 461هـ، في عصر أطلق عليه المؤرخون عصر “ملوك الطوائف”، فبعد سقوط الحكم الأموي في الأندلس انقسمت الأندلس إلى ممالك ودويلات نصب كل أمير نفسه ملكاً عليها. هي جارية عند الرميك بن الحجاج تخدم زوجه وتقوم على شؤون منزله، كانت جميلة وشاعرة حصيفة، على ضفاف أحد أنهار إشبيلية التقى بها الملك وهي تغسل ملابس سيدها، فأعجب بجمالها وذكائها ورقة شعرها. اشترى محمد بن عباد، ملك إشبيلية، الجارية اعتماد البرميكية واعتقها وتزوجها وأنجبت له البنين والبنات، وكان يحبها حباً عظيماً، فاشتق لقب المُلك من حروف اسمها فسمى نفسه المعتمد على الله ابن عباد ليخلد حبه لها في أخبار التاريخ، وعاشت معه في رفاهية وعز فاق الوصف، وأفرط في دلالها حتى صارت “أسطورة إشبيلية الكبرى”، طلبت منه مرة أن يُريها الثلج، فزرع لها أشجار اللوز على جبل قرطبة حتى إذا نور زهره بدت الأشجار وكأنها محملة بالثلج الأبيض، ومرة رأت الفلاحات يطأن الطين بأرجلهن في يوم ماطر فاشتاقت إلى يوم كانت جارية تطأ قدميها الطين حافيتين، فأمر المعتمد بأنواع الطيب الفاخر من صندل وعود ومسك وكافور فسحقت وذرت في ردهات القصر، ثم أمر بماء الورد فصب على الطيب، ثم أمر الجواري فعجن المزيج بأيديهن حتى صار كالطين، فخاضت فيه اعتماد وجواريها بأرجلهن. ثم حدث أن غاضبها المعتمد ذات يوم، فأقسمت أنها لم تر خيراً منه قط، فقال لها: ولا يوم الطين؟ فخجلت منه وأقرت بفضله. في السياسة كان المعتمد حليماً وكريماً مع شعبه لا يرد حاجة ولا سائلاً، ولكنه كان مشغولاً عن أمور رعيته بلهوه وشعره، وكان مع غيره من ملوك الطوائف منخرطين في حروبهم ضد بعضهم، ولم يجد المعتمد بن عباد في نفسه غضاضة من التحالف مع ألفونسو السادس ملك قشتالة وتوقيع اتفاقية سرية مخزية معه، بمقتضاها يتعهد ملك قشتالة بمعاونة المعتمد ضد جيرانه المسلمين، وفي مقابل ذلك يتعهد المعتمد بأن يؤدي الجزية لملك قشتالة، وبأن يطلق يده في أعماله العسكرية ضد طليطلة، دون أن يتدخل لمساعدتها، وهكذا تمكن ألفونسو بموجب هذه المعاهدة من إسقاط بعض الممالك ومنها طليطلة، التي لم تصمد طويلاً أمام حصار القشتاليين لها، وكان سقوط طليطلة من مخازي ملوك الطوائف، ويوماً بكاه العرب ورثى فيه الشعراء نخوة ملوك الأندلس، وظل غصة مرة في حلق المسلمين عامة لم ينسوا مرارتها. تعاظم مُلك ألفونسو وصار يهدد باقي حواضر الأندلس وشعر ملوك الطوائف بخطره وتنبهوا (متأخرين) إلى المصير الذي أصبح محتوماً عليهم جميعاً، ففكروا في الاستعانة بدولة المرابطين في المغرب وأميرها يوسف بن تاشفين، لكنهم ترددوا خشية أن يطمع بن تاشفين في ملكهم، فهو ملك ذو بأس وحنكة، وهو مؤيّد من علماء المسلمين وعامتهم لصلاحه وقوته وحبه للجهاد، لكن المعتمد بن عباد حسم خلافاتهم وقطع رأيه عليهم بقوله الشهير لهم “رعي الإبل خير من رعي الخنازير”؛ يريد بذلك أنه يفضل أن يكون أسيراً لدى أمير المرابطين يرعى إبله خير من أن يكون أسيراً لدى ملك قشتالة!. لم يتأخر يوسف بن تاشفين عن نصرة ملوك الأندلس وأرسل لهم الجيوش والعتاد التي حررت معظم أراضيهم من ملك قشتالة وفر ألفونسو ذليلاً جريحاً، لكنه في تقدمه لتحرير باقي الممالك العربية، رأى من ملوك الطوائف التقاعس عن نصرته والميل للهو والدعة، والانشغال عن مصالح الرعية بمصالحهم الشخصية، وبكيدهم ومكرهم لبعض، وتناهى إلى مسامعه عودة الملوك إلى التحالف مع الفرنجة ضده خوفاً منه وتوجساً من تعاظم نفوذه في الأندلس، فضلاً عن مطالبة العديد من العلماء والفقهاء منه تحرير الأندلس من ربقة هؤلاء الملوك العاجزين العابثين الموالين للفرنجة، فتوجه نحوهم لما لمس منهم الغدر، وقاتلهم واستولى على ممالكهم وأسر بعضهم، ومنهم المعتمد بن عباد الذي كان قد أعد العدة واستعد لقتال يوسف بن تاشفين. اقتيد المعتمد بن عباد عبر البحر مع زوجته اعتماد البرميكية وبناته إلى منفاه في المغرب يتنقل أسيراً ذليلاً من مدينة إلى أخرى، حتى استقر في منفاه في مدينة أغمات، وهناك عومل معاملة سيئة، وذاق الذل والهوان بعد الملك والسلطان، ولم يطل الحال بزوجته اعتماد التي ماتت كمداً وحزناً، وعاش حياته وهو يرى بناته يعملن في الغزل وقد نحلت أجسامهن، وكسفت وجوههن وانكسرت قلوبهن، فأنشد يقول من مآثر أبياته: فيما مضى كنتَ بالأعياد مسروراً فساءك العيدُ في أغمات مأسوراً ترى بناتك في الأطمارِ جائعة يغزلْن للناس لا يملكْنَ قِطميرا برزْن نحوَك للتسليمِ خاشعةً أبصارُهنَّ حسيراتٍ مكاسيرا يطأْنَ في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطأْ مسكاً وكافوراً ثم توفي المعتمد بن عباد حزيناً وحيداً، ودفن في مدينة أغمات بالمغرب، وقد طوى بذلك سيرة العرش الذي ضاع بين اللهو والبذخ، وخصومة الإخوة وموالاة الأعداء، ما كان للعرب أن يضيعوا حكم الأندلس لولا أنهم انشغلوا عن رعاياهم بأنفسهم، واستعانوا بأعدائهم على بعضهم، ووقعوا المعاهدات المذلة تلو المعاهدات حتى شُلت أيديهم عن إدارة شؤونهم ونصرة بعضهم، إن للحكم قوانين بها يستقر ويدوم وبغيرها يدبر ويأفل، والدنيا لم تدم لأحد. .. وإن في التاريخ لعبرة.