لا ننكر الثقافة ولا نحاربها ولا نقف ضدها فنحن أمة ليست ظلامية كما يشيع البعض، بل أمة تحب المعرفة وتدعو إلى العلم وتدفع بكل الوسائل التي تنقل المجتمع من التفكير في دوائر ضيقة إلى آفاق واسعة، تنقلهم من ضحالة الجهل إلى أعماق المعرفة، أمة الهدى والنور وانشراح الصدور.لكل أمة ثقافتها التي تَنشدها وتهدف لتربية أبنائها عليها، وترغب في الوصول إليها؛ لذلك كانت الثقافة في ديننا وقيمنا الاجتماعية مختلفة ومتمايزة عن غيرها من ثقافات الأمم الأخرى، فثقافة المسلم هي التي تُعَرِّفه على منهاج الإسلام الشمولي لضبط جميع تحركات الحياة، تُعَرفه على تاريخ مشرق وحضارة متجذرة، ولغة بديعة، وقيم إنسانية راقية.فما الثقافة التي نريد؟! نريد الثقافة التي تحدد معالم الشخصية في المجتمع، الشخصية التي تقوم على الاتزان والإيجابية والكرامة والعزة، الشخصية الطموحة ذات الهمة العالية التي تسعى إلى معالي الأمور ولا تلتفت إلى سِفْسَافها، تسعى إلى التغير نحو الأفضل وإلى تعمير هذه الأرض.الثقافة التي تعزز العلاقة بين الماضي والحاضر، فتعتز بماضيها وتستلهم منه القوة لبناء المستقبل، وتستفيد من كل جديد لا يتعارض مع قيمها ومبادئها، نحتاج إلى ثقافة العلم والمعرفة حتى تخرج مجتمعاتنا من التبعية إلى التفرد والاستقلالية، الثقافة التي تبرز المبدعين في شتى المجالات العلمية الحديثة كالطب والهندسة والفلك والتكنولوجيا ووسائل الاتصالات المعاصرة.نريد ثقافة قبول الرأي الآخر ثقافة الحوار، وعدم الاستبداد بالرأي أو الانفراد بالقرار، ثقافة تحرر العقل وانضباطه بالشرع وبعده عن التبعية للآخرين، نريد ثقافة الإدارة المنظمة التي تقوم على استراتيجيات بعيدة وتحقق أهدافاً عديدة، ثقافة حسن الظن بالآخرين، ثقافة حسن الجوار، والتعامل بين الزوجين، وتربية الأبناء.إن البحرين تهيأت على مدى قرون لتكون مركزاً للثقافة ومنطلقاً لها، ساهم في ذلك عوامل عِدة منها الموقع الجغرافي، والعمق الحضاري التاريخي المتمثل في الشريعة الإسلامية والأعراف العربية، ويضاف إليها طبيعة الشعب البحريني في العمل الدؤوب والخلاق، وقدرته للتفاعل والاستفادة والتعاطي الإيجابي مع ثقافات الآخرين.وقد شهدت البحرين بوادر ثقافية متقدمة وحظيت بأنشطة دينية وأدبية برز فيها أعلام، كان لهم اتصال بمحاضن العلم والثقافة في الشام ومصر، وكانت زياراتهم العلمية متبادلة، وكانت المجلات الثقافية تصل إلينا منذ عقود من الزمن وقد تفاعل معها المثقفون بالكتابة والتعليق.وها نحن اليوم نشهد صوراً لإحياء هذه الثقافة، إذن ما الذي يُنكر في الثقافة؟! نحن نريد الثقافة لكننا نريدها بصبغتنا الخاصة، لا نريدها مستوردة، لا نريد أن تنقل ما يسمى بالثقافة عند غيرنا وتنزل على واقعنا دون مراعاة حرمة دين أو قيم أو حتى احترام للآخرين، نريد الثقافة التي تبني ولا تهدم تعمر ولا تدّمر.
الثقافة التي نريد
27 مايو 2012