حسن الستري - تصوير: نايف صالح
- عملتُ في «الشورى» 9 سنوات تطوعاً وأتعالج على نفقتي
* والدي منحني 10 آلاف روبية لأبدأ عملي التجاري
- نشأت في بيت يتخذ الفضيلة نبراساً والتقوى مناراً
* المواطَنة تقتضي الإخلاص للوطن وتحمّل المسؤولية بلا منّة
حدثنا عن النشأة الأولى؟
- لقد كتبت عن سيرة حياتي في كتابي «أوراق ملونة» وأكثر تفصيلاً في كتابي الجديد «أوراق ملونة الجزء الثاني» لمن يريد المزيد.
نشأت في بيت يتخذ الفضيلة نبراساً، والتقوى مناراً وسمّاني أبي تقّياً. وكان والدي يزاول التجارة وأغلبها «بالسّعي» مقابل استلام 3% من المبيعات واشتهر بالأمانة والصدق.
كما كان من المتفقهين في الِشّرع ويستضيف في منزلنا علماء الدين وطلاب الفقه وقراء التعازي الحسينية من القطيف والأحساء وعمان، كما كان وكيلاً للمراجع الدينية في النجف الأشرف في العراق.
وأصل عائلتنا من النعيم بالمنامة ولها بيت كبير فيها وقطع من الأملاك والنخيل في عهد الجد الأكبر الحاج حسين بن يوشع المتوفى سنة 1300 للهجرة وكانت عنده ملكة شعرية. ولما هاجر بعض أبنائه إلى القطيف اتخذوا لهم اسم «البحارنة» بدلاً من اسم
«آل يوشع».
والدتي من النجف الأشرف سيدة علوية أمّاً وأباً خطيبة وقارئة في المجالس الحسينية للبحارنة في مأتم العرادية وللعجم في مأتم عائلة بوشهري ولها مجلس يومي في منزلنا تستقبل فيه نساء الحارة والمحتاجين إلى مساعدة وتقرأ لهن القرآن والأدعية.
وعندي من الأخوة اثنان صادق و الدكتور حسين وأختان.
أين كانت تسكن العائلة؟
- سكن عائلتنا الأول كان في منزل مجاور لمسجد «مؤمن» المعروف في حارة «المشبر» من فريق «المخارقة»، والمشبر كان عبارة عن جدول ماء صغير عرضه شبر يمر عند مدخل المسجد يتوضأ منه المصلون وتستعمله النسوة لغسل أواني الطعام والملابس وغيرها.
والجدول يأتي من عين ماء في قلعة الشرطة بالمنامة ثم ينتهي في حديقة الحيوان «الباغشة التي كانت في المنامة بمثابة رئة يتنفس فيها الناس وأحزن الناس زوالها». كما زال جدول المشبر بعد إنشاء العيون الارتوازية في الأحياء السكنية.
أمّا أحداث طفولتي فقد كتبت فيها قصيدة من 5 فصول ومنها ما يلي:
تحت عنوان «مّس جلدي ترابها»
حينما كنت صغيراً كان وجه الأرض أزهر
في تراب الأرض كّنا نتعّفر
نتخّفى.. نتسّلى نتدثّر
لست تدري من هو الأغنى
ومن في الجمع أفقر
قد رشفنا من ثرى الأرض ضياء
وظلالاً، ودياجيرا، ودفءاً، بل وأكثر
عودنا في البيت.. ينمو
وهو في الحارات... يخضّر
والطفولات كعطر الّزهر في الأجواء تنثر
كان في الأرض جمال وسرور ثمّ ولّى
كان وجه الأرض أحلا
وكيف كان تعامل والدك معك؟
- كان والدي يمسك بيدي وأنا صغير ذاهباً إلى دكانه في سوق المنامة ويسمح لي أن أفلت يدي من قبضته لالتقاط كسر الخبز وبقايا الطعام من الطريق لوضعها في شقوق الجدران حفاظاً على نعمة لله من أن تداس بالأقدام. حتى نصل إلى بداية السوق بجانب «مأتم مدن»، ثم يبدأ بزيارة الأصدقاء فيجلس عند دكان الصراف نونو ويتناول الشاي عنده ويقضي حاجته في تحويل الروبيات إلى ريالات سعودية يرسلها إلى أخيه العم الحاج إبراهيم البحارنة في القطيف.
ويتجه بعد ذلك إلى سوق الحواجين مروراً بسوق العجم يسلم على بعضهم ويستوفي ديون الأقساط «المسابعة» من الآخرين. ثم يزور كبار التجار من بينهم يوسف كانو وجاسم كانو ويوسف فخرو والحاج محمد الدرازي
وأبو القاسم الشيرازي وهو مالك دكان الوالد حتى يستقر في الدكان ويباشر أعماله التجارية. ثم يسلمني نصف روبية ليتخلص من مشاغباتي له في الدكان.
حدثنا عن دراستك.
- أخذني والدي إلى معلم القرآن الملّا ناصر «المطّوع»، وأوصاه بي: «أولاً أن لا يضربني وعيني لا تفارق عصاته الملمّعة بالدهن. خلاف وصايا الآباء المشهورة «أعطيتك ولدي لحماً وأرجعه لي عظماً»، وثانياً أن لا يتخذني سخرياً لقضاء حاجاته المنزلية.
خلافاً لشعار الآخرين «من علّمني حرفاً صرت له عبداً»، ومع ذلك فقد ذقت من عصاته ما ذقت. وعمري 5 سنوات في حوالي سنة 1935.
وكنا نجلس على الأرض خلال الدرس في حاويات صغيرة من سعف النخل «القاعودية»، ثم نزحف بها إلى المعلم لأخذ الدرس. وصراخ الأولاد وضجيجهم يعلو طول الوقت ويعم الصمت إذا جاءت تلك العصا، ثم يعود كما بدأ. واحتفلنا بختم القرآن الكريم في سنتين قراءة عادية وليست مرتّلة، ولا تجويدية.
أدخلني أخي صادق بعد ذاك في مدرسة عبد الرسول التاجر المعروفة، وأنهيت دروسي فيها خلال 6 أشهر، بعدها دخلت المدرسة الخليفية للبنين بالمنامة في الصف الرابع الابتدائي في عهد مديرها الأستاذ سالم العريّض، ثم المدرسة الثانوية للبنين في المنامة وهي الوحيدة آنذاك وكانت من 3 صفوف.
ثم أكملت الدراسة الثانوية في المدرسة الثانوية في الأعظمية من بغداد. وقد وفقني الله أن أكون الأول في مدارس البحرين والثاني في الأعظمية على طلاب ثانويات العراق.
وبعد ذلك عدت إلى البحرين مساعداً لوالدي في مزاولة التجارة. وبعد سنتين كان والدي كريماً معي ومع أخي صادق فأعطى كلاً منا 10 آلاف روبية لافتتاح محل تجاري لنا تحت اسم «متجر العاصمة»، وانتقلنا إلى شارع باب البحرين «سوق الطواويش» تحت اسم «صادق وتقي البحارنة» وأنا الآن صاحب شركة خاصة باسم «مؤسسة تقي محمد البحارنة التجارية» في المنطقة الصناعية بالمنامة.
حدثنا عن هوايتك للأدب والشعر والثقافة؟
- شغفت بالشعر والأدب منذ طفولتي، فقد اشترى أخي صادق مكتبة عربية كاملة من مكتبة إبراهيم عبيد في أول سوق المنامة بالأقساط وذلك بإيعاز من صديقه المرحوم علي الوزّان وتركها في مجلس منزلنا وأنا في الصفّ الخامس الابتدائي، فوجدتها خير فرصة لي لقراءة تلك المكتبة كلها.
قرأت مؤلفات أدباء المهجر شعراً ونثراً مثل إيليا أبوماضي، خليل جبران «النبي»، أمين الريحاني «ملوك العرب»، ميخائيل نعيمة وغيرهم. وقرأت «الموازنة بين الشعراء» لزكي مبارك، وكتاب جواهر الأدب، وكليلة ودمنة، وألف ليلة، وروايات المنفلوطي، ومؤلفات سلامة موسى، والمازني والعقاد، وفي الصف السادس جمهورية أفلاطون إلخ..، وقد أعطاني كل ذلك دليلاً على قدرة استيعاب الطلاب رغم سنهم اليافع لإثراء ثقافتهم العامة في ذلك الزمان عكس ما هو حال الطلاب اليوم.
كونك أديباً وشاعراً وكاتباً ومؤلفاً، فأنت أيضاً رجل أعمال ورجل سياسة وصاحب أنشطة تطوعية، حدثنا عن هذا المجال أيضاً؟
- اتخذت التطوّع شعاراً أعتز به، فخدمة الوطن واجبة، والمواطنة تقتضي الإخلاص للوطن وتحّمل المسؤولية بلا مّنة. «وقد وفيت لوطني بلا منن - خير العطاء عطاء غير ممنون».
لقد ضّمنت سيرتي الذاتية مجالات عدة، فقد عينتني محاكم البحرين القضائية محكماً فيصلاً في عدد من النزاعات التجارية، ورأست عدة لجان في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين في عهد المرحوم علي الوزان ومرافقاً للرئيس في المؤتمرات والندوات، وفي عهد المرحوم قاسم أحمد فخرو رئيساً للجنة الدراسات والأبحاث.
وقبل ذلك أميناً عاماً لاتحاد غرف تجارة وصناعة إمارات الخليج العربي 1969-1974، وعيّنت عضواً في مجلس إدارة أموال القاصرين برئاسة الشيخ خالد بن محمد
آل خليفة، وعضواً في لجنة أموال الزكاة، وعضواً في لجنة المساعدات الإنسانية الحكومية.
واشتركت في تأسيس شركة التأمين الأهلية، ثم صرت رئيس مجلس إدارتها، وفي تأسيس البنك الأهلي التجاري وعضواً في مجلس الإدارة. وعيّنت في مجلس تأسيس بورصة البحرين المالية وعضواً في مجلس إدارتها برئاسة المرحوم الوزير حبيب قاسم، وقبل ذلك عضواً في لجنة تنظيم المواصلات العامة برئاسة المرحوم الوزير يوسف الشيراوي. وأخيراً عضواً في مجلس إدارة شركة مطاحن البحرين برئاسة وزير التجارة يومها علي الصالح.
وما ذكرته أعلاه يضاف إلى سيرتي الذاتية ضمن هذا الحوار «ثمار قلبي وأوطاني هموا قدري..هموا كتابي الّذي أهوى وعنواني».
لقد كنت أول سفير للبحرين 1971-1974، حدثنا عن هذه المرحلة؟
- تم تعييني كأول سفير خارج البحرين برغبة سامية من قبل المغفور له أمير البحرين الراحل صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان
آل خليفة، وذلك في جمهورية مصر العربية في أكتوبر 1971 وفي نفس الوقت رئيساً لبعثة البحرين لدى جامعة الدول العربية.
أنشأت سفارة للبحرين من الصفر حتى استوت على عودها كاملة بموظفيها وأثاثها وأجهزتها وأقسامها وأرشيفها وسائرأقسامها، كالسكرتارية والملحق القنصلي وشؤون الطلبة وقمت بعمل الملحق التجاري لخبرتي في هذا المجال واشتريت سكناً للسفير بكامل أثاثه ملتزماً بتقليل النفقات، حيث كانت ميزانية البحرين لا تزيد عن 27 مليون دينار.
أشهرت السفارة بزيارة جميع السفراء في مصر وبعثات الأمم المتحدة والمؤسسات كالصليب الأحمر وعددها آنذاك كان يربو على 125 لإشهار البحرين والاعتراف بها دولة ذات سيادة.
سواء مع الدول الغربية ودول العالم الاشتراكي، قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية معها مقتصراً على التبادل التجاري ونجحت في عقد صفقات في مجال بيع الألمنيوم مع الصين وشراء ما تحتاج إليه البحرين من سكر وإسمنت وأسياخ الحديد للبناء تبعاً لحاجات شركة الاستيراد في البحرين.
أما وزارات الحكومة المصرية ووكلاء الوزارة وعمداء الجامعات المصرية وشيوخ الجامع الأزهر ودار العلوم، فقد وثقت علاقتي وعلاقة سفارة البحرين معهم بصورة دائمة تبعاً لتوجيه وزير الخارجية آنذاك سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة.
قمت بعمل الترتيبات اللازمة لاستقبال جلالة ملك البحرين بصفته ولياً للعهد مرتين الأولى في 22 يناير 1973 والثانية في 19 مايو 1974
وقد كانت زيارة جلالة الملك لمصر تتويجاً لتوثيق التعاون المشترك بين البحرين والشقيقة مصر في مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية وتبادل الخبرات في المجالات الأخرى.
رعيت شؤون الطلبة والطالبات كما يرعى الوالد بنيه، وجهزت أسطولاً من السيارات المستأجرة لتوصيل الطالبات لمقر دراستهم وبعض الجامعات في مدينة نصر البعيدة.
ثم بنيت بيتاً للطالبات ورعيت شؤون الطلاب وكنت ألتقي بهم وبأعضاء اتحاداتهم حتى في دمشق والإسكندرية وساهمت في حل الخلافات ما بينهم، وفي حرب أكتوبر 73 أقنعت المسؤولين لفتح مطار القاهرة الذي كان مغلقاً واستئجار طائرات من «ميدل ايست» لإرجاع الطلبة والطلاب وعوائل البحرين والزوار إلى البحرين ودفع نفقاتهم من السفارة بعد استئذان وزير الخارجية في ذلك.
وماذا عن جامعة الدول العربية؟
- أما حديث جامعة الدول العربية فحديثها يطول، قاومت فيها بعض مندوبي دول الجامعة الذين رفضوا الاعتراف بالبحرين كدولة ذات سيادة بحجة وجود قاعدة حربية لأمريكا وأتيت بالأدلة من إعلان وزارة الخارجية البحرينية وإعلان مشترك بين البحرين ووزير خارجية أمريكا بأن الموجود هو محطةّ للتزود بالوقود والخدمات، وزرت كلاً منهم فاقتنعوا بالتصويت لصالح اعتراف رسمي من الجامعة العربية بعضوية البحرين دولة مستقلة ذات سيادة في جامعة الدول العربية ما عدا مندوب عدن الذي تمسك بمعارضة عضوية البحرين عند أخذ التصويت في اللجنة السياسية للجامعة.
ثم زارني في منزلي أمين عام جامعة الدول العربية عبد الخالق حسونة لبحث هذا الموضوع واتفقنا على أن يحاول إقناع مندوب جمهورية اليمن الديموقراطية «الاشتراكية» بالتغيب عن جلسة التصويت.وتمت موافقة اللجنة السياسية على عضوية البحرين بالإجماع.
ونظراً لكثرة اجتماعات اللجنة السياسية والمنظمات الكثيرة للجامعة ولجانها التابعة والكم الكبير من التقارير والدراسات والورق المتراكم على طاولة الاجتماعات، فقد شكلت لجنة خاصة لشؤون الجامعة برئاسة مندوب من وزارة الخارجية.
وقد أثنى الأمين العام التالي للجامعة محمود رياض عند وزير الخارجية على موقف البحرين الرصين، وموقف السفارة من القضايا الشائكة وحّدة المناقشات بين المندوبين.
وأخيراً فلقد وثّقت مسيرتي الدبلوماسية في كتابي «مذكّرات سفير» لمن يرغب في المزيد.
حدثنا عن مرحلة مجلس الشورى؟
- في أكتوبر 1993، تشرفت بزيارة المغفور له صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء لي في مكتبي بمبنى غرفة التجارة السابق وسأل عن أحوالي وأبنائي واحداً واحداً، وعن أحوال السوق وأشاد بمؤلفاتي في الشعر والأدب.
وعند الوداع دعاني لزيارته، وفي تلك الزيارة أخبرني برغبته في تعييني عضواً في مجلس الشورى وأضاف بما معناه «أن مجلس الشورى سوف يكون مقدمة لتدريب الأعضاء على أساليب الحوار واقتراح التوصيات والاستشارات القانونية للحكومة، ريثما يأتي الوقت المناسب لإنشاء مجلس برلماني منتخب فأبديت موافقتي ومباركتي لهذه المبادرة خدمة لوطني وشعبي».
وكان رحمه الله يكلمني شخصياً، حيثما كنت لتجديد العضوية كل 4 سنوات، فكانت عضويتي في الشورى ابتداء من 1993 وحتى 2002.
وبمجلس الشورى صرت رئيساً للجنة العلاقات الخارجية والمؤتمرات ولجان الصداقة في البرلمانات الخارجية وكونت لجنة صداقة مع البرلمان الفرنسي، ثم تم اختياري عضواً في لجنة حقوق الإنسان.
كّونت مع 7 أعضاء من مجلس الشورى تحالفاً لتقديم اقتراحات وتوصيات في أهم القضايا التي تهم المجتمع لدراستها خارج المجلس ووضع صيغتها النهائية وأذكر من الأعضاء علي صالح الصالح والسادة المرحوم علي مطر، وعبد النبي الشعلة، وإبراهيم زينل، وفاروق المؤيد، وعضوين آخرين.
قدمنا 7 دراسات موثقة شملت معالجة البطالة والبحرنة وإنشاء مجلس أعلى للتربية والتعليم من خارج وزارة التربية والتعليم مع أعضاء من الوزارة. ويضم المجلس الأعلى خبراء في التربية والتعليم ومخرجاتهما من البحرين وخارجها وممثلين عن هيئة المعلمين، وممثلين عن اتحاد الطلبة وممثلين عن آباء الطلبة، وممثلين من وزارات الدولة المعنية.
وقدمنا اقتراحاً مدروساً لإنشاء مجلس التخطيط الأعلى لوزارات الدولة للتخطيط المستقبلي على مراحل. واقتراحاً يخص وزارة الصحة إلى غير ذلك.
عملنا في مجلس الشورى تطوعاً وخدمة للوطن ولم نطالب بسيارة ولا مخصصّات، وكنت أتعالج طبياً على نفقتي الخاصة.
- عملتُ في «الشورى» 9 سنوات تطوعاً وأتعالج على نفقتي
* والدي منحني 10 آلاف روبية لأبدأ عملي التجاري
- نشأت في بيت يتخذ الفضيلة نبراساً والتقوى مناراً
* المواطَنة تقتضي الإخلاص للوطن وتحمّل المسؤولية بلا منّة
حدثنا عن النشأة الأولى؟
- لقد كتبت عن سيرة حياتي في كتابي «أوراق ملونة» وأكثر تفصيلاً في كتابي الجديد «أوراق ملونة الجزء الثاني» لمن يريد المزيد.
نشأت في بيت يتخذ الفضيلة نبراساً، والتقوى مناراً وسمّاني أبي تقّياً. وكان والدي يزاول التجارة وأغلبها «بالسّعي» مقابل استلام 3% من المبيعات واشتهر بالأمانة والصدق.
كما كان من المتفقهين في الِشّرع ويستضيف في منزلنا علماء الدين وطلاب الفقه وقراء التعازي الحسينية من القطيف والأحساء وعمان، كما كان وكيلاً للمراجع الدينية في النجف الأشرف في العراق.
وأصل عائلتنا من النعيم بالمنامة ولها بيت كبير فيها وقطع من الأملاك والنخيل في عهد الجد الأكبر الحاج حسين بن يوشع المتوفى سنة 1300 للهجرة وكانت عنده ملكة شعرية. ولما هاجر بعض أبنائه إلى القطيف اتخذوا لهم اسم «البحارنة» بدلاً من اسم
«آل يوشع».
والدتي من النجف الأشرف سيدة علوية أمّاً وأباً خطيبة وقارئة في المجالس الحسينية للبحارنة في مأتم العرادية وللعجم في مأتم عائلة بوشهري ولها مجلس يومي في منزلنا تستقبل فيه نساء الحارة والمحتاجين إلى مساعدة وتقرأ لهن القرآن والأدعية.
وعندي من الأخوة اثنان صادق و الدكتور حسين وأختان.
أين كانت تسكن العائلة؟
- سكن عائلتنا الأول كان في منزل مجاور لمسجد «مؤمن» المعروف في حارة «المشبر» من فريق «المخارقة»، والمشبر كان عبارة عن جدول ماء صغير عرضه شبر يمر عند مدخل المسجد يتوضأ منه المصلون وتستعمله النسوة لغسل أواني الطعام والملابس وغيرها.
والجدول يأتي من عين ماء في قلعة الشرطة بالمنامة ثم ينتهي في حديقة الحيوان «الباغشة التي كانت في المنامة بمثابة رئة يتنفس فيها الناس وأحزن الناس زوالها». كما زال جدول المشبر بعد إنشاء العيون الارتوازية في الأحياء السكنية.
أمّا أحداث طفولتي فقد كتبت فيها قصيدة من 5 فصول ومنها ما يلي:
تحت عنوان «مّس جلدي ترابها»
حينما كنت صغيراً كان وجه الأرض أزهر
في تراب الأرض كّنا نتعّفر
نتخّفى.. نتسّلى نتدثّر
لست تدري من هو الأغنى
ومن في الجمع أفقر
قد رشفنا من ثرى الأرض ضياء
وظلالاً، ودياجيرا، ودفءاً، بل وأكثر
عودنا في البيت.. ينمو
وهو في الحارات... يخضّر
والطفولات كعطر الّزهر في الأجواء تنثر
كان في الأرض جمال وسرور ثمّ ولّى
كان وجه الأرض أحلا
وكيف كان تعامل والدك معك؟
- كان والدي يمسك بيدي وأنا صغير ذاهباً إلى دكانه في سوق المنامة ويسمح لي أن أفلت يدي من قبضته لالتقاط كسر الخبز وبقايا الطعام من الطريق لوضعها في شقوق الجدران حفاظاً على نعمة لله من أن تداس بالأقدام. حتى نصل إلى بداية السوق بجانب «مأتم مدن»، ثم يبدأ بزيارة الأصدقاء فيجلس عند دكان الصراف نونو ويتناول الشاي عنده ويقضي حاجته في تحويل الروبيات إلى ريالات سعودية يرسلها إلى أخيه العم الحاج إبراهيم البحارنة في القطيف.
ويتجه بعد ذلك إلى سوق الحواجين مروراً بسوق العجم يسلم على بعضهم ويستوفي ديون الأقساط «المسابعة» من الآخرين. ثم يزور كبار التجار من بينهم يوسف كانو وجاسم كانو ويوسف فخرو والحاج محمد الدرازي
وأبو القاسم الشيرازي وهو مالك دكان الوالد حتى يستقر في الدكان ويباشر أعماله التجارية. ثم يسلمني نصف روبية ليتخلص من مشاغباتي له في الدكان.
حدثنا عن دراستك.
- أخذني والدي إلى معلم القرآن الملّا ناصر «المطّوع»، وأوصاه بي: «أولاً أن لا يضربني وعيني لا تفارق عصاته الملمّعة بالدهن. خلاف وصايا الآباء المشهورة «أعطيتك ولدي لحماً وأرجعه لي عظماً»، وثانياً أن لا يتخذني سخرياً لقضاء حاجاته المنزلية.
خلافاً لشعار الآخرين «من علّمني حرفاً صرت له عبداً»، ومع ذلك فقد ذقت من عصاته ما ذقت. وعمري 5 سنوات في حوالي سنة 1935.
وكنا نجلس على الأرض خلال الدرس في حاويات صغيرة من سعف النخل «القاعودية»، ثم نزحف بها إلى المعلم لأخذ الدرس. وصراخ الأولاد وضجيجهم يعلو طول الوقت ويعم الصمت إذا جاءت تلك العصا، ثم يعود كما بدأ. واحتفلنا بختم القرآن الكريم في سنتين قراءة عادية وليست مرتّلة، ولا تجويدية.
أدخلني أخي صادق بعد ذاك في مدرسة عبد الرسول التاجر المعروفة، وأنهيت دروسي فيها خلال 6 أشهر، بعدها دخلت المدرسة الخليفية للبنين بالمنامة في الصف الرابع الابتدائي في عهد مديرها الأستاذ سالم العريّض، ثم المدرسة الثانوية للبنين في المنامة وهي الوحيدة آنذاك وكانت من 3 صفوف.
ثم أكملت الدراسة الثانوية في المدرسة الثانوية في الأعظمية من بغداد. وقد وفقني الله أن أكون الأول في مدارس البحرين والثاني في الأعظمية على طلاب ثانويات العراق.
وبعد ذلك عدت إلى البحرين مساعداً لوالدي في مزاولة التجارة. وبعد سنتين كان والدي كريماً معي ومع أخي صادق فأعطى كلاً منا 10 آلاف روبية لافتتاح محل تجاري لنا تحت اسم «متجر العاصمة»، وانتقلنا إلى شارع باب البحرين «سوق الطواويش» تحت اسم «صادق وتقي البحارنة» وأنا الآن صاحب شركة خاصة باسم «مؤسسة تقي محمد البحارنة التجارية» في المنطقة الصناعية بالمنامة.
حدثنا عن هوايتك للأدب والشعر والثقافة؟
- شغفت بالشعر والأدب منذ طفولتي، فقد اشترى أخي صادق مكتبة عربية كاملة من مكتبة إبراهيم عبيد في أول سوق المنامة بالأقساط وذلك بإيعاز من صديقه المرحوم علي الوزّان وتركها في مجلس منزلنا وأنا في الصفّ الخامس الابتدائي، فوجدتها خير فرصة لي لقراءة تلك المكتبة كلها.
قرأت مؤلفات أدباء المهجر شعراً ونثراً مثل إيليا أبوماضي، خليل جبران «النبي»، أمين الريحاني «ملوك العرب»، ميخائيل نعيمة وغيرهم. وقرأت «الموازنة بين الشعراء» لزكي مبارك، وكتاب جواهر الأدب، وكليلة ودمنة، وألف ليلة، وروايات المنفلوطي، ومؤلفات سلامة موسى، والمازني والعقاد، وفي الصف السادس جمهورية أفلاطون إلخ..، وقد أعطاني كل ذلك دليلاً على قدرة استيعاب الطلاب رغم سنهم اليافع لإثراء ثقافتهم العامة في ذلك الزمان عكس ما هو حال الطلاب اليوم.
كونك أديباً وشاعراً وكاتباً ومؤلفاً، فأنت أيضاً رجل أعمال ورجل سياسة وصاحب أنشطة تطوعية، حدثنا عن هذا المجال أيضاً؟
- اتخذت التطوّع شعاراً أعتز به، فخدمة الوطن واجبة، والمواطنة تقتضي الإخلاص للوطن وتحّمل المسؤولية بلا مّنة. «وقد وفيت لوطني بلا منن - خير العطاء عطاء غير ممنون».
لقد ضّمنت سيرتي الذاتية مجالات عدة، فقد عينتني محاكم البحرين القضائية محكماً فيصلاً في عدد من النزاعات التجارية، ورأست عدة لجان في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين في عهد المرحوم علي الوزان ومرافقاً للرئيس في المؤتمرات والندوات، وفي عهد المرحوم قاسم أحمد فخرو رئيساً للجنة الدراسات والأبحاث.
وقبل ذلك أميناً عاماً لاتحاد غرف تجارة وصناعة إمارات الخليج العربي 1969-1974، وعيّنت عضواً في مجلس إدارة أموال القاصرين برئاسة الشيخ خالد بن محمد
آل خليفة، وعضواً في لجنة أموال الزكاة، وعضواً في لجنة المساعدات الإنسانية الحكومية.
واشتركت في تأسيس شركة التأمين الأهلية، ثم صرت رئيس مجلس إدارتها، وفي تأسيس البنك الأهلي التجاري وعضواً في مجلس الإدارة. وعيّنت في مجلس تأسيس بورصة البحرين المالية وعضواً في مجلس إدارتها برئاسة المرحوم الوزير حبيب قاسم، وقبل ذلك عضواً في لجنة تنظيم المواصلات العامة برئاسة المرحوم الوزير يوسف الشيراوي. وأخيراً عضواً في مجلس إدارة شركة مطاحن البحرين برئاسة وزير التجارة يومها علي الصالح.
وما ذكرته أعلاه يضاف إلى سيرتي الذاتية ضمن هذا الحوار «ثمار قلبي وأوطاني هموا قدري..هموا كتابي الّذي أهوى وعنواني».
لقد كنت أول سفير للبحرين 1971-1974، حدثنا عن هذه المرحلة؟
- تم تعييني كأول سفير خارج البحرين برغبة سامية من قبل المغفور له أمير البحرين الراحل صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان
آل خليفة، وذلك في جمهورية مصر العربية في أكتوبر 1971 وفي نفس الوقت رئيساً لبعثة البحرين لدى جامعة الدول العربية.
أنشأت سفارة للبحرين من الصفر حتى استوت على عودها كاملة بموظفيها وأثاثها وأجهزتها وأقسامها وأرشيفها وسائرأقسامها، كالسكرتارية والملحق القنصلي وشؤون الطلبة وقمت بعمل الملحق التجاري لخبرتي في هذا المجال واشتريت سكناً للسفير بكامل أثاثه ملتزماً بتقليل النفقات، حيث كانت ميزانية البحرين لا تزيد عن 27 مليون دينار.
أشهرت السفارة بزيارة جميع السفراء في مصر وبعثات الأمم المتحدة والمؤسسات كالصليب الأحمر وعددها آنذاك كان يربو على 125 لإشهار البحرين والاعتراف بها دولة ذات سيادة.
سواء مع الدول الغربية ودول العالم الاشتراكي، قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية معها مقتصراً على التبادل التجاري ونجحت في عقد صفقات في مجال بيع الألمنيوم مع الصين وشراء ما تحتاج إليه البحرين من سكر وإسمنت وأسياخ الحديد للبناء تبعاً لحاجات شركة الاستيراد في البحرين.
أما وزارات الحكومة المصرية ووكلاء الوزارة وعمداء الجامعات المصرية وشيوخ الجامع الأزهر ودار العلوم، فقد وثقت علاقتي وعلاقة سفارة البحرين معهم بصورة دائمة تبعاً لتوجيه وزير الخارجية آنذاك سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة.
قمت بعمل الترتيبات اللازمة لاستقبال جلالة ملك البحرين بصفته ولياً للعهد مرتين الأولى في 22 يناير 1973 والثانية في 19 مايو 1974
وقد كانت زيارة جلالة الملك لمصر تتويجاً لتوثيق التعاون المشترك بين البحرين والشقيقة مصر في مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية وتبادل الخبرات في المجالات الأخرى.
رعيت شؤون الطلبة والطالبات كما يرعى الوالد بنيه، وجهزت أسطولاً من السيارات المستأجرة لتوصيل الطالبات لمقر دراستهم وبعض الجامعات في مدينة نصر البعيدة.
ثم بنيت بيتاً للطالبات ورعيت شؤون الطلاب وكنت ألتقي بهم وبأعضاء اتحاداتهم حتى في دمشق والإسكندرية وساهمت في حل الخلافات ما بينهم، وفي حرب أكتوبر 73 أقنعت المسؤولين لفتح مطار القاهرة الذي كان مغلقاً واستئجار طائرات من «ميدل ايست» لإرجاع الطلبة والطلاب وعوائل البحرين والزوار إلى البحرين ودفع نفقاتهم من السفارة بعد استئذان وزير الخارجية في ذلك.
وماذا عن جامعة الدول العربية؟
- أما حديث جامعة الدول العربية فحديثها يطول، قاومت فيها بعض مندوبي دول الجامعة الذين رفضوا الاعتراف بالبحرين كدولة ذات سيادة بحجة وجود قاعدة حربية لأمريكا وأتيت بالأدلة من إعلان وزارة الخارجية البحرينية وإعلان مشترك بين البحرين ووزير خارجية أمريكا بأن الموجود هو محطةّ للتزود بالوقود والخدمات، وزرت كلاً منهم فاقتنعوا بالتصويت لصالح اعتراف رسمي من الجامعة العربية بعضوية البحرين دولة مستقلة ذات سيادة في جامعة الدول العربية ما عدا مندوب عدن الذي تمسك بمعارضة عضوية البحرين عند أخذ التصويت في اللجنة السياسية للجامعة.
ثم زارني في منزلي أمين عام جامعة الدول العربية عبد الخالق حسونة لبحث هذا الموضوع واتفقنا على أن يحاول إقناع مندوب جمهورية اليمن الديموقراطية «الاشتراكية» بالتغيب عن جلسة التصويت.وتمت موافقة اللجنة السياسية على عضوية البحرين بالإجماع.
ونظراً لكثرة اجتماعات اللجنة السياسية والمنظمات الكثيرة للجامعة ولجانها التابعة والكم الكبير من التقارير والدراسات والورق المتراكم على طاولة الاجتماعات، فقد شكلت لجنة خاصة لشؤون الجامعة برئاسة مندوب من وزارة الخارجية.
وقد أثنى الأمين العام التالي للجامعة محمود رياض عند وزير الخارجية على موقف البحرين الرصين، وموقف السفارة من القضايا الشائكة وحّدة المناقشات بين المندوبين.
وأخيراً فلقد وثّقت مسيرتي الدبلوماسية في كتابي «مذكّرات سفير» لمن يرغب في المزيد.
حدثنا عن مرحلة مجلس الشورى؟
- في أكتوبر 1993، تشرفت بزيارة المغفور له صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء لي في مكتبي بمبنى غرفة التجارة السابق وسأل عن أحوالي وأبنائي واحداً واحداً، وعن أحوال السوق وأشاد بمؤلفاتي في الشعر والأدب.
وعند الوداع دعاني لزيارته، وفي تلك الزيارة أخبرني برغبته في تعييني عضواً في مجلس الشورى وأضاف بما معناه «أن مجلس الشورى سوف يكون مقدمة لتدريب الأعضاء على أساليب الحوار واقتراح التوصيات والاستشارات القانونية للحكومة، ريثما يأتي الوقت المناسب لإنشاء مجلس برلماني منتخب فأبديت موافقتي ومباركتي لهذه المبادرة خدمة لوطني وشعبي».
وكان رحمه الله يكلمني شخصياً، حيثما كنت لتجديد العضوية كل 4 سنوات، فكانت عضويتي في الشورى ابتداء من 1993 وحتى 2002.
وبمجلس الشورى صرت رئيساً للجنة العلاقات الخارجية والمؤتمرات ولجان الصداقة في البرلمانات الخارجية وكونت لجنة صداقة مع البرلمان الفرنسي، ثم تم اختياري عضواً في لجنة حقوق الإنسان.
كّونت مع 7 أعضاء من مجلس الشورى تحالفاً لتقديم اقتراحات وتوصيات في أهم القضايا التي تهم المجتمع لدراستها خارج المجلس ووضع صيغتها النهائية وأذكر من الأعضاء علي صالح الصالح والسادة المرحوم علي مطر، وعبد النبي الشعلة، وإبراهيم زينل، وفاروق المؤيد، وعضوين آخرين.
قدمنا 7 دراسات موثقة شملت معالجة البطالة والبحرنة وإنشاء مجلس أعلى للتربية والتعليم من خارج وزارة التربية والتعليم مع أعضاء من الوزارة. ويضم المجلس الأعلى خبراء في التربية والتعليم ومخرجاتهما من البحرين وخارجها وممثلين عن هيئة المعلمين، وممثلين عن اتحاد الطلبة وممثلين عن آباء الطلبة، وممثلين من وزارات الدولة المعنية.
وقدمنا اقتراحاً مدروساً لإنشاء مجلس التخطيط الأعلى لوزارات الدولة للتخطيط المستقبلي على مراحل. واقتراحاً يخص وزارة الصحة إلى غير ذلك.
عملنا في مجلس الشورى تطوعاً وخدمة للوطن ولم نطالب بسيارة ولا مخصصّات، وكنت أتعالج طبياً على نفقتي الخاصة.