تمتلئ الأجواء، مابين الروس والأميركيين، خصوصا بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، لصالح الأسد، بغيوم التهديد وعرض القوة. فلا يكاد يخلو يوم، من عرض قوة أو تهديد بها، مابين الطرفين. وآخرها تصريح وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، بأن الولايات المتحدة الأميريكة تعمل "للتصدي لأي عدوان روسي".إلا أن الروس، من جانبهم، وبنفس التوقيت الذي كان يتحدث به وزير الدفاع الأميركي، كانوا يعيدون التذكير، في إعلامهم، بترسانتهم النووية وأن زراً واحداً لو ضغط عليه فردٌ من أفراد الجيش الروسي فهو "يستطيع تدمير الجيش الأميركي" دفعة واحدة. وهو أمرٌ يشبه الخيال العلمي والسينمائي، بدون أي مبالغة.الأمر الذي يعكس قلق القيادة الروسية ومخاوفها العميقة من نوعية الرد، أو الردود، التي يتوقعها الكرملين وجهاز الاستخبارات، مما يمكن أنه تقوم به الولايات المتحدة الأميركية رداً على التدخل العسكري الروسي في سوريا.ففي الساعات الأخيرة، عاد الروس الى الحديث عن "اليد الميتة" وهو تعبير يعود الى أدبيات العصر السوفييتي، وسلاحٌ بُدِئ العمل به قبل انهيار الدولة السوفيتية. والقصد من تعبير "اليد الميتة" بكل مايحمل من رمز دمار وإفناء، هو مشروع تكنولوجي، قيل إنه يعمل ذاتياً، حتى لو دُمّرت القيادة التي صنّعته وزوّته بأوامر الهجوم النووي الشامل.خيال جامح للقتل الشمولي.. أيضاًالمنظومة العسكرية المشار اليها، تحمل اسم system perimeter وتعود فكرة تصنيعها والعمل عليها، الى فترة سبعينيات القرن الماضي من الاتحاد السوفييتي السابق، إلا أنها وضعت في الخدمة، على مايقول الروس، في منتصف الثمانينيات ويتم تحديثها بشكل دوري.وهي منظومة هجينة مابين الصواريخ العابرة للقارات ونظام الإطلاق الذاتي. وفي الدمج مابين النظامين "الجهنميين" وُلِد "فرانكشتاين" عسكري، أطلق عليه الغرب حينها اسم Dead Hand أو "اليد الميتة"!ويعتبر الاعلام الروسي أن تلك اليد الميتة، هي الوحيدة القادرة على ردع "آلات يوم القيامة" المستمدة من القصص السينمائي والخيال العلمي الحربي.وفي تأكيد على أن عودة الحديث عن "اليد الميتة" الروسية، مرتبطة بالصراع الروسي الأميركي في المنطقة، فإن القناة التلفزيونية الروسية "زفيزدا" قالت إن الولايات المتحدة لو قامت بضربة نووية على روسيا، فإن "اليد الميتة" ستقوم بردّ "مفاجئ للجميع ولايمكن تصوره الا في عالم الخيال".مايعكس شدة القلق الروسي من أي رد محتمل للأميركيين على تدخلهم العسكري في سوريا، و"عبثهم" بموازين القوى.كيف تفكّر اليد الميتة لو أصيب الدُّب بصاروخ أميركي؟نظام "اليد الميتة" والذي هو في الأصل يحمل اسم system perimeter على ماتقول وسائل الاعلام الروسية، هو منظومة ذاتية للإطلاق الصاروخي "الجهنمي" تقوم على إرسال أمر بضغط "زر إنهاء العالم" فتنطلق مجموعة من الصواريخ المسيّرة ذاتيا للرد على الجهة- وعلى العالم!- التي قامت "بحرب نووية" على الروس.ويتحدث الروس عن أن قيمة منظومة "اليد الميتة" ليست فقط في قوتها التدميرية "الجوابية" وحسب، بل كونها تتمكن من العمل، وحدها، حتى لو "تم تدمير مركز القيادة الروسي وخطوط الاتصال". وأن "العدو" لو تمكّن من قتل "كل القيادات" فإن اليد الميتة ستضغط، أوتوماتيكيا، لتنطلق "الصواريخ البالستية من جميع المنصات في البر والبحر والجو".الطريف في الترويج الروسي "الردعي" لسلاحهم، هو أنهم يفترضون إمكانية الولايات المتحدة على تدمير "كل قياداتهم" وخطوط اتصالهم، وأن منظومة اليد الميتة، تعني عملياً، الدفاع والانتقام عن الروس الذين أصبحوا موتى –كما يرد في شرح منظومة عمل اليد الميتة- ولن يتمكنوا حتى من الاحتفال بردهم الانتقامي المزلزل!وبالاضافة الى تضمين منظومة اليد الميتة، إمكانية مقتل "كل القيادة" الروسية فإن تلك المنظومة تفترض بأن وسائل الحرب الالكترونية "سوف تستطيع مستقبلاً الاستيلاء على شبكات الاتصال وقطعها للتحكم بمنظومة الصواريخ النووية".عندما تنقطع الاشارة اللاسلكية تبدأ اليد الميتة بإنهاء العالميتحدث الروس، بمزيد من القلق المستور بتهديد، عن برمجيات هي غاية في التعقيد، تتحكم بعقل يدهم الميتة، فهي قادرة على تلقي الاشارات ومنها نشاط الزلازل، ورصد الاشعاعات النووية وتحليلها. وانها-أي اليد الميتة- إذا أحسّت أن كل المعطيات جاهزة وتعني أن الروس تعرضوا لضربة نووية، وترافق ذلك مع غياب للاشارات اللاسلكية الى المنظومة لفترة زمنية تمت برمجتها، فستقوم اليد الميتة بالضغط، آلياً، على زرّ "إنهاء العالم".يذكر أن الصحافة الغربية عندما منحت اسم "اليد الميتة" لهذا النظام، لا بسبب قوته الحربية أو الدفاعية أو حتى الهجومية. بل بسبب طبيعته "الجنونية" التي تفترض إنهاء العالم، لا العدو الذي وجه لها ضربة نووية.لأن كل العلوم العسكرية، وبمختلف مدارسها، لديها تحديد ومواصفات لـ"العدو" وهذه المواصفات قابلة للتعديل وأحياناً الحذف والإبدال. أمّا أن تكون الكرة الأرضية، برمّتها، هي العدو، فقد أجمع خبراء التصنيع العسكري أنه حتى "هتلر" لم يحمل هذه المخيلة العدائية التي تجعل الجنس البشري كله مكاناً وهدفاً للرد على "عدو" قد ينضم اليه ماتبقى من في عالم النبات والحيوان ومختلف أصناف البكتيريا أو أي شكل من أشكال الحياة على الأرض "الزرقاء مثل برتقالة" كما قال الشاعر الفرنسي بول إيلوار.