يوم السبت الماضي العاشر من شهر رمضان المبارك انطلقت أنا وبعض أفراد العائلة إلى الديار المقدسة في مكة المكرمة لأداء عمرة رمضان التي أحرص منذ سنوات بعيدة على القيام بها حتى أحصل على الجائزة الكبرى التي أخبرنا بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف الشهير: «عمرة في رمضان تعدل حجة معي».. وما أعظمه من شرف أن نكون في معية الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام في هذه العبادة العظيمة.
وفي سنوات شبابي كنت أحرص على أن تكون هذه العمرة الرمضانية في العشر الأواخر من رمضان، حيث الزحام الشديد الذي يبلغ فيه عدد المعتمرين أكثر من مليوني شخص تغص بهم ساحات الحرم المكي وساحاته الخارجية وممراته وأسطحه، لكن مع تقدمي في السن رأيت أن تكون عمرة رمضان في الأيام الأولى من الشهر الكريم حيث الزحام أخف ولو بصورة نسبية.
ولعل ميزة عمرة رمضان لهذا العام أنها كانت عمرة عائلية ضمت الإخوان والأخوات والأنساب وزوجاتهم، وكان سكننا في فندق واحد بالقرب من الحرم، حيث نلتقي صباحاً ومساءً، سواء على مائدة الفطور أو السحور، أو عند ذهابنا للحرم المكي الشريف لأداء الصلوات والطواف بالكعبة المشرفة. وما أروع عمرة رمضان وأنت ترى تلك الملايين من الصائمين القائمين الذين جاؤوا من كل فج عميق لأداء عمرة رمضان، وما أروعهم وهم يجلسون في صحن المسجد الحرام وفي ساحاته قبيل المغرب انتظاراً للأذان وإقامة صلاة المغرب.. مائدة ربانية لا تجد لها مثيلاً أبداً في أي من الديانات السماوية.. الملايين تفطر على الماء والتمر في مشهد رباني عزيز..
الكل يتسابق لخدمتك، فهذا يناولك الماء وآخر يصب لك القهوة، وثالث يوزع عليك التمر والرطب.. والشركات والتجار السعوديون يتسابقون على تفطير الصائمين وقد جندوا آلاف الشباب بأزياء موحدة للقيام بهذه الخدمات قبيل الإفطار وبعده، وتجمع كل فضلات الطعام والشراب في سرعة قياسية قبيل إقامة صلاة المغرب.
ما أروع عمرة رمضان وأنت ترى الملايين من المعتمرين والصائمين من جنسيات مختلفة في مشهد يدل على الوحدة الإسلامية في أزهى حللها في هذا المهرجان الإسلامي الكبير.
وما أجمل عمرة رمضان وأنت ترى الناس يتسابقون للوصول إلى المسجد الحرام لأداء صلاة العشاء والتراويح والتي تأخذ من الوقت ساعتين تقريباً دون أن يشعر المرء المسلم بالتعب أو الضجر، فالأجواء الربانية والروحانية تبث في نفسك العزيمة وتشحن في روحك الطاقة الإيمانية.
وأذكر أنني شهدت قبل سنوات في عمرة سابقة صلاة القيام في الحرم المكي الشريف في الثلث الأخير من الليل وكان الإمام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس الرئيس العام للحرمين الشريفين، وكنت والآلاف من المصلين نصلي في سطح الحرم، وأخذ الشيخ السديس يدعو في ركعة الوتر الأخيرة، وكان من ضمن دعائه الرجاء من الله سبحانه وتعالى أن ينزل الغيث رحمة بالمسلمين، وما هي إلا هنيهة وإذا بسحابة سوداء تظللنا وتنزل علينا المطر بغزارة حتى إن ملابسنا كلها ابتلت، بل وحتى ملابسنا الداخلية دون أن يتحرك أحد من المصلين من مكانه.
ما أعظم عمرة رمضان التي يتفرغ فيها المرء المسلم للعبادة وقراءة القرآن والصلاة والدعاء والطواف حول الكعبة الشريفة بعيداً عن صخب الدنيا ومشاغلها مما يصقل النفوس من الدرن العالق بها.
وكل عمرة في رمضان والجميع بألف خير.