د. طارق أحمد الشيباني




* الصوم وسيلة للتخلص من السموم المتراكمة في جسم الإنسان

* الصيام يقلل نسبة السكر في الدم ويخفض ارتفاع الضغط

* الصوم يحسن جهاز المناعة ويتخلص من الخلايا السرطانية والمريضة


قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".

ويتساءل المرء: لماذا جعل الله الصيام فريضة بل ركن من أركان الإسلام ولم يجعل الأمر اختيارياً؟ بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل من السُّنَّة صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع وصوم الأيام البيض من كل شهر وصوم الستة من شوال والتاسع والعاشر من محرم ويوم عرفة. والجواب هو لما للصوم من أهمية بالغة على صحة الإنسان وتهذيب النفس وتعويدها على الصبر والتحمل. وهنا يجب أن نفرق بين الصيام والصوم.

فالصيام هو الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر حتى المغرب أما الصوم ففي سورة مريم يقول الله تعالى: "فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحداً فقولي إنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً". فأمر الله مريم عليها السلام بأن تأكل وتشرب وتنذر الصوم هنا الصوم هو حسب آراء بعض المفسرين هو الصمت والامتناع عن الكلام. فالصوم يكفٌّ الإنسان عن الغيبة والنميمة والتلفظ بالألفاظ النابية ونحن نطلق كلمة الصوم بشكل أعم وأشمل من كلمة الصيام حيث تشمل كل ما يخدش صيامنا من أقوال بذيئة وأعمال غير مقبولة بالإضافة إلى عدم الأكل والشرب. ولذلك الصوم هو تهذيب للنفس والجسم.

وفي الحديث الشريف "الصوم جُنَّة" بضم الجيم. أي وقاية وحماية من الأمراض.. ولغوياً جَنَّ أي استتر واختفى ومنها المجِن أي الدرع أو الترس الذي يحتمي ويستتر الجندي وراءه لكي يحمي نفسه من ضربات السيوف ومنها جَنَّ الليل فمن شدة ظلامه يخفي ما فيه ولا يكاد يرى ومنها الجنون والجِنَّة "بكسر الجيم"، وهو اختفاء العقل فلا يستطيع الإنسان التفكير بطريقة سليمة ومنها الجِنْ عكس الأنس لا يُروا لاختفائهم واستتارهم ومنها الجنة وجنات من كثافة أشجارها وبساتينها تُخفي ما وراءها ومنها الجنين لأنه مستور في رحم أمه وكذلك جَنان أي القلب لأنه مستور في الصدر أو إنه ساتر للأسرار وما يختلج الصدور. فالصوم وقاية للأمراض "لعلكم تتقون" تتقون عذاب الله بطاعته وصيام رمضان وكذلك تتقون الأمراض التي تنتج من الأكل طول السنة. فدعونا نذكر فوائد الصيام على صحة الإنسان.

الصوم يزيد من التخلص من السموم

الصوم وسيلة للتخلص من السموم المتراكمة في جسم الإنسان فنحن طول السنة نتناول أكلات وأطعمة معلبة ومصنعة تحتوي على مواد ملوثة ومواد حافظة وإضافات تتحول في أجسامنا إلى سموم وتخزن في الخلايا الدهنية. فنظراً لتناولنا الطعام طول العام يزداد تراكم السموم في الخلايا الدهنية ولكن عندما نصوم يلجأ جسم الإنسان إلى هذه الخلايا الدهنية كمصدر للطاقة فتذوب الشحوم وتتحرر هذه السموم من هذه الخلايا وتتخلص منها الكبد عن طريق البول أو الفضلات ويتخلص منها إلى خارج الجسم.

الصوم يقلل نسبة السكر في الدم

كثرة الأكل تسبب السمنة وترفع نسبة الدهون في الدم، هذه الدهون المتراكمة تقلل من فعالية عمل هرمون الأنسولين وهو الهرمون الذي تفرزه غدة البنكرياس لكي يخفض نسبة السكر في الدم وعندما يفقد هذا الهرمون فعاليته ويصبح الجسم مقاوماً للأنسولين يصاب الإنسان بالنوع الثاني من السكر حيث إن 85% من المصابين بالسكر هم من هذا النوع ولكن الصوم يقوم بإزالة هذه الدهون ويزيد من فعالية عمل الأنسولين فيساعد على إدخال السكر من الدم إلى الخلايا وبالتالي يخفض نسبة السكر في الدم. فالصوم يبعد الإنسان من الإصابة بالسكر وهو علاج وقائي بسيط لعدم الإصابة بالسكر لا يكلف شيئاً. وأحب أن أنوه هنا إلى ضرورة مراجعة مريض السكر للطبيب المختص بمرض السكر للسماح له بالصوم أو منعه من الصوم حيث يعتمد ما ذكرت على مدى تحمل المريض الصوم من عدمه.

الصوم يخفض ارتفاع ضغط الدم

كذلك ولكثرة الأكل طوال السنة تتجمع الدهون في الأوعية الدموية والشرايين فتفقد هذه الأوعية خاصية مرونة التمدد والتقلص مما يكون عاملاً أساسياً في ارتفاع الضغط والذي يسبب عواقب وخيمة على القلب.

الصوم يحسن من أداء جهاز المناعة

كشفت الدراسات في الكثير من المختبرات العلمية عن فوائد الصوم على جهاز المناعة حيث إن الصوم يزيد من المواد المحفزة لتكاثر كريات الدم البيضاء وهي الكريات المسؤولة عن دفاع أجسامنا ضد الأمراض.

الصوم يتخلص من الخلايا السرطانية والمريضة

كما أن العالم والبروفيسور الياباني يوشينوري أوسومي والحائز على جائزة نوبل في الطب لأبحاثه على الصيام وفوائده لعدة سنوات والذي توصل إلى نظرية "الالتهام الذاتي" وهي عملية تقوم خلالها خلايا الجسم الجائعة بإفراز مواد بروتينية والتي تقوم بدورها بالالتصاق بالخلايا السرطانية أو الخلايا المريضة أو الخلايا المصابة بالشيخوخة أي العجوزة والكبيرة بالسن وتحللها وما ينتج منها تعيد تدويره في صناعة خلايا جديدة أي أن الصوم يساعد على التخلص من الخلايا السرطانية والعجوزة والمريضة بتجويعها ويجعل الجسم كمعمل لتدوير النفايات. وذكر في مقابلات كثيرة له أن الصوم الإسلامي هو أحسن طريقة للقيام بهذه العملية حيث أننا نصوم على الأقل يومين في الأسبوع وشهراً في السنة عن الطعام والشراب لمدة تتراوح بين ثمان ساعات إلى إثني عشرة ساعة يومياً.

الصوم يريح المعدة وغدة البنكرياس

المعدة تعمل طول السنة على هضم الطعام الذي يدخلها كل يوم وباستمرار وهذا الطعام بعد امتصاصه يزيد من إفراز هرمون الأنسولين والذي تفرزه غدة البنكرياس، وهذا يحدث بشكل متكرر ومستمر طوال اليوم وعلى مدى السنة كاملة مما يشكل عبئاً على المعدة والبنكرياس. فالصوم ولمدة شهر هو راحة للمعدة والبنكرياس لمدة شهر في هذا الشهر الفضيل بشرط ألا نرهق المعدة وقت الإفطار بوجبات ثقيلة ودسمة.

الصوم يطيل العمر

أجريت بعض التجارب في إحدى الجامعات الغربية على مجموعتين من الفئران. المجموعة الأولى، وضعت تحت نظام صوم عن الأكل لمدة ساعات، والمجموعة الثانية، كانت تعطي الطعام باستمرار كوجبات متوفرة طول اليوم وفي أوقات متكررة. ووجدوا أن الفئران الصائمة تعيش مدة أطول من المجموعة غير الصائمة. ونحن بانتظار نتائج هذه الأبحاث في هذا الشأن على البشر.

هذه بعض فوائد الصوم على صحة الإنسان والتي حثنا ديننا الإسلامي بالقيام به كفرض وركن أساسي من أركان الإسلام بالإضافة إلى سنن الصوم التي قام بها رسولنا الأعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم حيث إنه يصوم من النوافل كيومي الإثنين والخميس والستة من شوال ويوم عرفة غيرها.