ضرب السودانيون أمثلة رائعة وقدموا نماذج مشرفة لمجابهة تدهور الأوضاع الإنسانية، ونجدة المكروب وإغاثة الملهوف، وإعانة الضعيف من ذوي الحالات الاستثنائية الطارئة، منذ تفجُّر النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع، السبت الماضي.

ويعتبر كثيرون أن تلك القيم والأعراف الرفيعة ليست مُستجدة إنّما مُتجذِّرة في الموروثات السودانية.

ولا تزال القصص والحكايات التي قوامها قيم التضحية والإيثار، داخل ميدان الاعتصام منذ4 أعوام، محفورة بالأذهان.

وجنباً إلى جنب، صك ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الوسوم (الهاشتاغات) طيلة الأيام الماضية لمعالجة عواجل الطوارئ الإنسانية الحرجة التي أعقبت الصراع المسلح ابتداءً بالإجلاء، والغذاء والدواء، ومروراً بالإرشاد عن مواضع الارتكازات العسكرية في الشوارع الرئيسية، ونزولاً لتحويل الرصيد للاتصالات.

أنموذج واحد لعشرات المواقف!

وفي التفاصيل روى شاهد عيان لـ"العربية.نت" أن طالبات إحدى الجامعات بمدينة أم درمان، إحدى مدن العاصمة السودانية الثلاث، فوجئن باندلاع المعارك الضارية أثناء استقلالهن حافلة الترحيل بطريق عودتهن إلى منازلهن، ومع اشتداد القصف المدفعي والصاروخي وأزيز الطائرات الحربية، ووسط أجواء الرعب والهلع، حاول سائق حافلة الترحيل التوقُّف قليلاً ريثما تخف حِدّة القصف وثم استئناف السير مرةً أخرى، إلاّ أن إحدى الأسر التي تابعت المشهد، هدأت من روع الطالبات وعرضت عليهن بإصرار شديد الترجُّل عن العربة والدخول إلى المنزل لتقوم باستضافهن جميعاً. واجتهدت تلك الأسرة في إكرام وفادة الطالبات اللواتي انقطعت بهن السبل بغتةً، لأيام عدة دون سابق معرفة بهن.

ذلك الموقف النبيل يُعتبر أنموذجاً واحداً لعشرات المواقف المماثلة منذ وقوع النزاع المسلح، إذ لم ينتظر السُّودانيون طويلاً لصنع ما يشبه "دولة مُوازية" اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي الواسعة الانتشار، منصّات فاعلة لبث الشكاوى والبحث عن المعالجات السريعة لكافة الأزمات الإنسانية المُتصاعدة، في ظل غياب المؤسسات الرسمية.

حوّل صفحتك الشخصية لصفحة إغاثية

بالتزامن، شهدت مواقع التواصل الواسعة الانتشار مثل فيسبوك وتويتر صك هاشتاغات نشطة، أبرزها لا للحرب، فتح مسارات آمنة سافرت كيف، حول صفحتك الشخصية لصفحة إغاثية، مستشفيات السودان تحت قصف النيران، و إجلاء المدنيين.

كما استحدثت عشرات المجموعات بخدمة التراسل الفوري واتساب، وظفت جميعها للاستجابة السريعة لمعالجة الحالات الطارئة الناتجة عن الصراع العسكري بين الجيش والدعم السريع كانقطاع الكهرباء، وشُح مياه الشرب، وإغلاق الصيدليات ونُدرة الأدوية والعقاقير الطبية، وصعوبة الوصول إلى المستشفيات ومراكز تلقي العلاج للمرضى.

سافرت كيف؟

واعتباراً من الأربعاء، تم تنشيط وسم "سافرت كيف" لمشاركة كل شخص تجربته في السفر والخروج الآمن من الخرطوم للولايات، حيث درج السُّودانيون مُغادرة الخرطوم سنوياً لقضاء عُطلة الأعياد قرب ذويهم بولايات السُّودان المختلفة.

في المقابل أعدت الولايات والمناطق المتاخمة للخرطوم، عدتها لاستقبال قوافل المواطنين الفارين من جحيم الحرب المستعرة.

إجلاء العالقين وإسعاف المصابين

تعليقاً على هذا الأمر، قالت الناشطة الطوعية رانيا العوني لـ"العربية.نت" إن تدهور الأوضاع الإنسانية بدأ بالتزامن مع اندلاع العمليات العسكرية. وشكّلت نداءات الاستغاثة لإجلاء المُواطنين العالقين، خاصةً الطلبة والطالبات الجامعيين بالداخليات وإسعاف المصابين إلى المشافي، وأيضاً إغاثة المهلوفين، الغالبية العظمى من الطلبات العاجلة لفرق الطوارئ الطوعية.

كيف تغلّبوا على الصعوبات؟

أمّا الصعوبات والعوائق التي وقفت في طريقهم، فذكرت رانيا لـ"العربية.نت" أن شح الوقود وقف العائق الأكبر أمام سرعة الاستجابة لنداءات الاستغاثة، حيث تغلّبوا على ذلك، وقالت: "كنا نطلب من العالقين سواءً من المواطنين أو الطلاب مغادرة أماكنهم بحذر شديد بعد الاطمئنان لهدوء الأحوال الأمنية والعسكرية، وتوقُّف القصف المدفعي والصاروخي، حينها نقوم بتعريفهم بنقاط محددة ومسارات آمنة ليسلكوها حتى يبلغوا مقرات الإيواء بسلام".

أما بالنسبة لشح الأدوية والعقاقير الطبية، فقمنا بتوزيع جغرافي للصيدليات التي نتعامل معها، وبعد تلقي الإخطار ومعرفة مقر سكن الشخص طالب الخدمات، ما علينا إلا توجيهه لأقرب صيدلية يتوفر فيها الدواء المطلوب.

في حين كان انقطاع المياه عن الأحياء السكنية واحداً من كبريات الأزمات التي قابلتنا - الحديث لايزال لرانيا - ولامتصاص آثارها قمنا بالبحث عن المناطق التي تتوفر فيها المياه وعمل منشورات مستمرة بذلك. وختمت حديثها بأن تلك المعالجات كانت صعبة للغاية ومحفوفة بالمخاطر، حيث واجه المتطوعون ضغوطاً رهيبة لتلبية نداءات الاستغاثة المستمرة تحت القصف المدفعي والصاروخي وأزيز الطائرات الحربية المُخيف. وكانوا لا يهجعون للراحة سوى سويعات قليلة قبل العودة سريعاً لمد يد العون للأبرياء.