المنامة – عبدالرحمن صالح الدوسري:هو واحد من أبناء البحرين. ولد في 27 أكتوبر 1955م. بدأ من قسم التخطيط بوزارة المالية، وهو الآن الرئيس التنفيذي لبنك البحرين والكويت، ينتظر تكريمه هذا العام لقضائه عشر سنوات في البنك، حيث حقق مكاسب عديدة للبنك. عبدالكريم أحمد عبدالرحمن بوجيري "بو طارق”، عاش حياة حافلة بالأحداث والإنجازات حتى أصبح أحد أهم الرؤساء التنفيذيين الذين يشار لهم بالبنان. حفلت حياته بالجد والاجتهاد في الدراسة والعمل. لكنه لا يزال يعتبر نفسه مديناً بكل ذلك إلى والده الذي شقي من أجله ومن أجل أخوته. في هذا اللقاء يستعيد بو طارق رحلته من على مقاعد الدراسة مرورا بأجواء العمل وصولاً إلى تبوأ أعلى المناصب، إلى جانب الحديث عن الاختلاف بين حياة الأمس واليوم، والفرق بين أخلاق الآباء وأبناء اليوم...من مواليد سيشن العتيج بالمحرقيقول بوطارق: أنا عبدالكريم أحمد عبدالرحمن بوجيري الرئيس التنفيذي لبنك البحرين والكويت، رئيس مجلس الإدارة لكريدي مكس، رئيس مجلس الإدارة لبنك كابينوفا الإسلامي، ورئيس مجلس الإدارة لجمعية البحرين المصرفية ، وأنا من مواليد 27 أكتوبر 1955، وهذا التاريخ اجتهادي فالأهل يستندون إلى من سبقك في الولادة أو من أتى بعدك ليحددوا مولدك، وان كان مرتبطاً بحادثة معينة فهو يسجل في تاريخ ميلادك. لقد ولدت في المحرق بمنطقة "ستيشن العتيج” وهي التي تحولت بعد ذلك إلى محطة السيارات القديمة "بسوت الحطب” بالقرب من بلدية المحرق. وكانت ولادتي على يد القابلة المرحومة فاطمة هاشم وهي -بحسب ما أعتقد- جدة د. فريد الملا. ولقد ولدت في عائلة مكونة من تسعة أشخاص. للأسف فقدنا واحداً من العائلة هو شقيقي عيسى الذي توفى العام 1993. وكان ترتيبي الرابع في العائلة، الكبير محمد ثم المرحوم عيسى وبعدهم علي وأنا ترتيبي في الدرجة الرابعة في العائلةمن بنك الخليج إلى البحرين والكويتتجربة جديد خاضها بوجيري عندما انضم إلى بنك البحرين والكويت، وفي ذلك يقول: في نهاية العام 2001 تم اتصال بيني وبين صديقي د. فريد الملا وكان يشغل وظيفة الرئيس التنفيذي لبنك البحرين والكويت. وذكر لي أنهم بحاجة لمن يرأس دائرة شؤون الشركات والعلاقات الدولية. وأنه رشحني لتولي هذه المهمة. ولم أتردد في الموافقة خصوصاً أنها تأتي من أخ عزيز أكن له خالص المودة والاحترام، وأدري كم هو حريص على إشغالي لهذا المنصب. وبدأت في البنك بوظيفة مساعد مدير عام لشؤون الشركات والعلاقات الدولية، إلى أن تقاعد الأخ أحمد البنا وهو يشغل وظيفة نائب المدير العام وكان ذلك في 2007 فتم تعييني بدلاً منه، وفي 2008 ترك د. فريد الملا العمل فعينت بدلاً عنه بوظيفة القائم بأعمال المدير العام والرئيس التنفيذي وشغلت هذا المنصب لمدة ستة شهور، بعدها تم تعييني كرئيس تنفيذي للبنك من أبريل 2008 ولا زلت في المنصب حتى الآن. وقد قضيت مع بنك البحرين والكويت عشر سنوات، وسيتم هذا العام تكريمي بقضاء العشر سنوات في البنك، وهي سنوات تعتبر قصيرة في عمر أي مصرف.لمساتي كانت واضحه في البنكيقول بوجيري مشيراً إلى التطورات الكبيرة التي شهدها البنك في عهده: عندما بدأت مع البنك لم يكن فيه مجمع مالي، أما اليوم فنحن نمتلك سبع مجمعات وهي ركيزة أساسية من ركائز البنك. وقد تطور البنك في مجال الصرافة الإلكترونية، ليس على مستوى الأفراد لكن على مستوى الأفراد والشركات فأصبح "إلكترونيك بنك”، وبالنسبة لأهم نجاحاتي في البنك فهو تغيير مزاج الموظفين بدرجة كبيرة فقد كانت نسبة تسرب الموظفين من البنك تصل إلى 30% سنوياً، أي ما يعادل 300 موظف يغادر البنك سنوياً، ورغم أنك تدرب الموظف، إلا أنه يذهب بعد ذلك لبنك آخر يغريه بمرتب ومميزات أفضل فتخسره. وكانت فترة انتعاش قبل الأزمة المالية في 2008 فقمنا بتغيير شامل في مزايا الموظفين منها زيادة مرتباتهم وإتاحة مزايا إضافية واهتمام أكبر بالموظفين. كما شكّلنا لجنة ورفعنا الموضوع لمجلس الإدارة وبعد نقاش طويل ومستفيض حصلنا على الدعم والموافقة من مجلس الإدارة، وهذا ما عكس الآية بدرجة 180، فصار موظفو البنوك الأخرى يتمنون العمل معنا وحتى من تركونا إلى بنوك أخرى تمنّوا العودة، لكن سياسة البنك تمنع قبول الموظف الذي ترك العمل عندنا، وأصبح البنك هو الخيار الأفضل للعمل فيه. هذا ليس رأيي إنما هو رأي السوق البحريني، وبالتالي أصبح الاستقرار في البنك وأصبح الموظفين لا يفكرون في ترك وظائفهم، فالاستقرار الوظيفي واحد من أهم علامات النجاح في أي مؤسسة كانت مصرفية أو غير مصرفية. فان الأرباح كانت في السابق لا تجاوز العشرين مليون، بينما تقارب اليوم 40 مليون دينار. والبنك بدأ العمل في العام 1972م بأصول عشرة ملايين دينار، أصبحت اليوم 2.8 مليار دينار، وحقق أرباحاً في أول سنة 90 ألف دينار، وفي سنة 2011 حقق 32 مليون دينار، ونحن نعتبر أول بنك يصدر باقات الائتمان في البحرين بعدها فصلناها باسم شركة كريدي ماكس.معلومة يجهلها الكثيرونويواصل بوجيري: هناك معلومة أود تصحيحها، إذ يعتقد الكثيرون إن البنك أنشئ بالكويت والصحيح أنه أنشأ في البحرين في العام 1972. ويتصور الكثيرون أنه بنك كويتي أنشأ له فرع في البحرين وهذا ليس صحيحاً، بل العكس هو الصحيح. إذ أسس برأس مال مشترك 50% رأسمال بحريني و50% رأس مال كويتي، وهو يعتبر من البنوك الأولى التي قربت العلاقات التجارية بين البحرين والكويت. وفي 2006 زادت نسبة الرأسمال البحريني فيه 80% والكويتي 20% . ويعتبر فرعنا في الكويت الذي أنشئ العام 1978 أول فرع لبنك غير كويتي يفتتح في الكويت.لعبت مباراة كاملة لم ألمس الكرة فيهاعن علاقته بكرة القدم، يقول بو طارق: ربطتني علاقة بفريق أبناء الشمال، ولأننا من سكنة " ستيشن” ويعتبر من منطقة شمال المحرق، أطلق عليه هذا الاسم. بعدها تركت اللعب مع الفرق الصغيرة وانضممت مع فريق الهلال لأنه من الفرق المسجلة بالاتحاد. وكانت بدايتي طيبة، وكنت العب في مركز قلب الهجوم وأتذكر أنني لعبت مباراة ضد فريق النسيم ، وهو من فرق "فريج” البنعلي بالمحرق، وكانت بطولة محلية. وفي نهاية المباراة شاءت الظروف أن يصاب قلب الهجوم في فريقنا ولم يجدوا غيري لكي يحل مكانه قبل نهاية المباراة بعشر دقائق وكانت النتيجة، 1 مقابل صفر للفريق الخصم. وبالصدفة استطعت تسجيل هدفين وفزنا بالبطولة، وأصبحت من أول مباراة نجم الهجوم في فريق أشبال الهلال واستعجل القائمون عليه في ترقيتي من فريق الأشبال إلى الأول وذلك بسبب الهدفين الذين سجلتهما، وبعد أن صعدت إلى الفريق الأول لعبت مباراة وكانت ضد فريق المنصور من المنامة، وذهبنا إلى ملعبهم في أحد "بسوت الخشب "، ولعبت كجناح أيمن وأتذكر أنني طوال المباراة لعبت متفرجاً لكن من داخل الملعب، ولم ألمس الكرة ولا اللاعبين الذين يكبروني بكثير وعمري لم يتجاوز اثنا عشر عاماً وهم في العشرينات وكنت أتفرج وأنتظر المباراة متى تنتهي. وكنت أريد أن أثبت للمسؤولين في الفريق أنني محل ثقة، وكان أن حصلنا على "كورنر”، فقررت المشاركة فيه. وخلال مشاركتي قام واحد من دفاعات الخصم بمشاركتي في اللعبة فسقطت على الأرض وأغمي علي وخرجت من المباراة بعد هذه المشاركة، ما يعني أنني شاركت في المباراة وخرجت منها مصاباً دون أن ألمس الكرة ولو لمرة واحدة. بعدها قررت أن أتوقف عن اللعب إلى إن سافرت إلى الدراسة في الجامعة، وكان لدينا فريق من الطلاب نلعب كل يوم إجازة. وهناك كان يوجد فريق اتحاد الطلبة الدارسين، وكنا نشارك في الدورات الطلابية، في تلك الفترة كانت تقام دورة مركز ارتباط الشرق الأوسط وكان فريق البحرين العسكري يلعب ضد فريق سوريا وانتشر الخبر أن المباراة من سيتم نقلها على التلفزيون والراديو أيضاً. ويضيف: بعد أن تعثر النقل كنا كبحرينيين ندرس في سوريا فتم طلبنا من قبل الاتحاد البحريني والطلابي لتشجيع منتخبنا، كان في تلك الفترة حمود سلطان في بداياته وبدايات تألقه وقد أنقذ حمود المنتخب في تلك المباراة واستطعنا الفوز على سوريا 1 / صفر. واشتهر حمود من هذه المباراة في سوريا بصورة غير طبيعية. وبعد فترة في حلب كانت هناك مباراة لطلبة البحرين مع أحد الفرق السورية، والمقيمون في حلب كانوا يتصورون إن فريق الطلبة هو منتخب البحرين، وكانوا يسألون عن حمود سلطان هذا النجم الذي تسبب في هزيمة منتخبهم ويتمنون مشاهدته، وكانت فرصة جيدة بالنسبة لهم وكانت الدورة هي للطلاب وكان اللعب على ملعب كلية الهندسة، فتفاجئنا من كثافة حضور الجمهور لهذه الدورة الطلابية التي اعتدنا أن الحضور فيها لا يتجاوز العشرين طالباً. كنت أنا حارس فريق الطلبة، وكان المرحوم شقيقي عيسى هو المسؤول عند بوابة الدخول وسأله الجمهور عن حمود سلطان إن كان ضمن الفريق البحريني، فما كان من شقيقي إلا أن استغل هذا الجمهور الكبير وقال لهم "إن الدخول ليس بالمجان لمشاهدة حمود”، فأخذ على كل فرد من الحضور عشرة قروش وهو ما يساوي عشر فلوس، وجمع من عندهم حوالي ثلاثين ليرة، وكانت الليرة تساوي الشيء الكثير في تلك الفترة. في نهاية المباراة ثار الجمهور الذي دفع فلوس لمشاهدة حمود بعد أن اكتشف أن حمود ليس ضمن الفريق وأنا كنت الحارس، واستطاعوا أن يهزموننا 7 مقابل صفر، ولكن أخي عيسى توارى عن الأنظار ولم يستطيعوا أن يصلوا إليه. بعدها تركت رياضة كرة القدم واتجهت إلى الرياضات الأخف وهي السنوكر والبولينغ، وحالياً أصبحت رياضتي المفضلة هي السنوكر لأنها ليست بحاجة إلى لياقة.نقوم بالرحلات البحرية ولا نعرف السباحةوعن هواية السباحة يقول بوجيري: كنا مجموعة وعددنا ستة وعندنا طراد، كنا نعشق البحر وكنا ندخل البحر في الطراد لكن المشكلة إن واحد منا لا يجيد السباحة. وقد تعرضنا للكثير من المشاكل في البحر، انتبهنا إلى إن هذه الإشكالية قد تتسبب في مشاكل كبيرة لنا، وبالفعل تعرضنا لأكثر من مشكلة، والحل لم يكن متوفر لدينا، فعندما تتعطل ماكينة الطراد لا يوجد من يصلحها ، وعندما "تشيّر” "باورة” الطراد كنا "نتوهق” في من ينزل للبحر ويخلصنا من هذه المشكلة، بعدها قررنا أن نتوقف عن دخول البحر خوفاً على ما قد يأتينا من هذه الرحلات. لكنني لم انقطع عن البحر ولا زلت أهوى الصيد ودخول البحر لكن على فترات متباعدة، ولم أعد ملتزماً كما السابق إنما هي رحلات مع الأصدقاء بين فترة وأخرى.جيل سريع في كل شيءوحول أبناء اليوم يقول بوجيري: أنا أعمل بالمثل القائل "أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة” ، وأتمنى أن ينعكس هذا على أولادي؛ طارق ومروان وهند. لكن عجلة الحياة تغيرت وجيل اليوم دائماً ينظر إلى جيلنا على أنه جيل قديم وأفكاره قديمة حتى لو وصلت إلى أعلى مراتب التعليم. إن طارق بعد تخرجه من الجامعة لديه أعماله الخاصة ومروان يدرس سياحة وسفر وهند في مدرسة خاصة في الثاني ثانوي تتخرج السنة المقبلة. فالحياة أصبحت صعبة ليست كالسابق وأنت مشغول في عملك وهم دائماً منشغلين بحياتهم، ونادراً ما نلتقي لنتبادل الحديث حول الدراسة والعمل والحياة، واكثر اللقاءات وأولها عندما نكون في رحلة سفر. وأنا لا أنكر دور الأم، فالأم هي من يتحمل الربط ما بين أفراد الأسرة والمتابعة وتوفير كل الاحتياجات التي يتطلبها الأولاد.ويضيف: أن جيل اليوم دائماً ما يبحث عن السرعة في الإنجاز والسرعة في النجاح والسرعة في الصعود إلى القمة. ولا تجد من جيل اليوم شباب يفكرون بالمغامرة التي خرجنا بها من حلب إلى بغداد. الشباب اليوم يريدون أن ينهوا مهماتهم كما الأكلات السريعة التي اعتادوها في المطاعم. وأتذكر أنني قضيت شهراً لأحظى بمكالمة، الآن ساعة واحدة لا تجد أحد ينتظر ليحصل على مكالمة، حتى النخوة الشهامة والعلاقة الأسرية التي تربينا عليها في الفرجان نفتقدها اليوم في الحياة. فأنت نادر ما تلتقي جار يهتم بجاره ويحرص على مواصلته. كما كنا نعتبر كل بيوت "الفريج” بيوتاً لنا وكل نسائه أمهات لنا وأخوات وأخوان. وكنا نأكل من بيت الجيران ونتبادل الزيارات وكانت السفرة تتنوع من بيت الجيران ويدافع الجار عن جاره ويخاف على بنات "فريجه”، اليوم للأسف لا تجد هذه الحالات، وهذا ربما يكون قد حدث بفعل ما وصلنا إليه في حياتنا من انقسامات وصراعات ما كانت ستكون في حياتنا لو إننا لا زلنا نعيش حياة الفرجان ونخوة أهل الفرجان ، كما كنا نحب "الفريج” ونحرص على أهل "الفريج” وتعتبر كل أهله أهلاً لنا. لقد فقدنا حياة اللعب الجماعي و«الدوامة” و«القلينه” و«الماطوع” وفقدنا "الصعقير” و«الظلالوه” في ليالي رمضان، وفقدنا "هريس” الجيران و«لقيمات” الجارة وفقدنا الكثير الكثير من جماليات الحياة التي تربينا عليها. لنعيش اليوم حالة من التمزق والانقسام، فالجار إن كان اجتماعياً ربما يكلف نفسه بالسلام فقط، أما "سالفة تفضل وتقهوه” فهذه من ذكريات الماضي. فأنت قد تسكن في منطقة وتمر عليك سنين لا تعرف جارك من يكون، وهذه ليست بنكته لكنها حقيقة مرة.